”تقاليد مذهلة“ مواكبة للحياة العصرية

عالم الورق التقليدي الياباني الواشي (الجزء الثاني)

ثقافة

منذ عصر ميجي ومع ظهور الورق الغربي آلي الصنع أخذت مناطق تصنيع الورق التقليدي الياباني الواشي يدوي الصنع في الاندثار. وفي ظل تلك الظروف هناك منطقة مازالت تحافظ على تقنية الورق التقليدي الياباني "الواشي" يدوي الصنع، وهي قرية نيشيجيما بمدينة مينوبو محافظة ياماناشي المعروفة باسم نيشيجيما واشي، ويقال إنه تم تكريس هذه القرية للخدمات الورقية الخاصة بالقائد العسكري تاكيدا شينغين (1521-1573).

الورق التقليدي الياباني الواشي وتغلل الحبر فيه

هناك عند سفح جبال الألب الجنوبية تقع منطقة في قرية نيشيجيما بمدينة مينوبو محافظة ياماناشي والمعروفة بصناعة لما يقرب من 400 عام. وتنعم بوفرة مياه منبع نهر فوجي، وإلى جانب الزراعة، تزدهر صناعة ورق صنع من نبات الميتسوماتا.

واجهت هذه القرية تحديات تقلبات العصور حتى أصبحت الآن معنية بصناعة أوراق الرسم بصورة رئيسة. ولكن هذا الورق به مزية غير مألوفة بعض الشيء. فورق الرسم هذا ليس متينًا ويتغلغل فيه الحبر. وعلى ما يبدو أن هذا الورق مصنوع خصيصًا لغرض ما.

يلبي ورق الرسم الخاص بقرية نيشيجيما الورق التقليدي الياباني "الواشي" يدوي الصنع طلبات فناني الخط والرسم. حيث يُظهر الورق لون الحبر وانتشاره بجمال.

تمثل المخطوطات ولوحات الحبر الصينية تحف فنية تتناغم فيها سواد الأحبار مع التسييل الخفيف للحبر وبياض الفراغ.

يؤكد السيد كاساي شينجي، حرفي صناعة نيشيجيما واشي بأن ”جودة الورق معتمدة على مكوناته“، والورق الذي يصنعه هو الورق الخاص بالمخطوطات والرسوم ويظهر عليه الحبر كما يتغلغل فيه ببراعة. فهو يتسم برقة سمكه لدرجة أنه من الصعب فصله ورقةً ورقةً وتجفيفه.

ويقول السيد كاساي ”بعد الحرب العالمية بفترة وجيزة، توقف دخول الورق الخاص بالرسم من الصين، وعليه بدأت تجارب صناعة ورق الرسم بمنطقة نيشيجيما. وكانت نتيجة اجتماع كل من فناني الخط، ومحال الورق، والموزعين وبعد محاولات كثيرة نجحوا في صناعة ورق الرسم يدوياً في العقد الثالث من عصر شووا، وحاز ورق الرسم الياباني الذي صنع من أجل بقاء المنطقة على قيد الحياة كمنطقة لصناعة الورق، حاز على سمعة طيبة، واستعادت المنطقة حيويتها من جديد. واليوم هناك 6 أماكن لصناعة الورق يدوياً“.

بعد تجفيف الورق طبيعياً، يتم نقعه في الماء لمدة نصف يوم، وفصله بعناية فائقة. ثم يتم فرد الورق على ألواح ساخنة مصنوعة من الصلب واحدة تلو الأخرى، وتجفيفها ووضع اللمسات النهائية لها

أسباب التمسك بالورق مُعاد التدوير

عند صناعة الأوراق يدويًا نجد أن المواد الأولية اللزجة بيضاء اللون تتراقص وتهتز على اللوح المخصص لفرد الورق الياباني. فيقول السيد كاساي ”في الصغر كنت أصنع في اليوم 1000 ورقة. أما الآن فصرت أصنع نصف هذه الكمية". ويقوم هناك عمال تتعدى أعمارهم 80 عامًا وبالرغم من ذلك يقومون بتصنيع ورق الرسم كبير الحجم بخفة، ووضع اللمسات النهائية له. ويقال إن منطقة نيشيجيما تنفرد بتقنيات وتدابير خاصة بصناعة الأوراق التي ينتشر عليها الحبر محدثا بقعة بشكل جميل“.

”يتم استخدام نفايات الورق كمواد خام. فأليافها متهرتئة بشكل لا بأس به، والزيت فيها مزال“

تعتبر نفايات الورق بمثابة ورق تمت صناعته سابقاً. وتستعيد نفايات الورق هذه بما فيها قصاصات ورق الرسم وورق الحائط عالي الجودة، وكذلك ورق الرسم المتشقق بسبب عملية التجفيف، نبض الحياة كورق جديد. ويتم مزج كل من ألياف مانيلا القنب وقش الأرز المصنع في منطقة نيشيجيما مع نفايات الورق، في صهاريج الغليان، وتحويلها إلى مواد ورقية أشبه بالقطن، وذلك بالضرب عليها برفق باستخدام مضارب.

يتم تصنيع المواد الخام للورق قصير الألياف بمزج قش الأرز والكتان مع قصاصات ورق الرسم بعد غليه ومن ثم الضرب عليها.

يتم تحديد جودة الورق إما من مدى توافق كل من اللزوجة والماء والمواد الخام، أو كيفية تقصير الألياف وتفصيلها. وتختلف حالات التوافق وفق الأضاع المناخية ودرجة الرطوبة آنذاك. فهي ليست بالشيء الممكن قياسه رقميًا، بل يعود إلى ضبط الحرفي الماهر لها. وتعتبر تقنيات صناعة الورق يدويًا متوارثة منذ القدم. فعملية صناعة الورق في أي مكان ثابتة لا تتغير ولكن صوت المياه الصادر عند صنع الورق يختلف عن نظائره. فما أن دققنا النظر حتى نجد أنه في كل مرة تطأ أقدام العاملين على دعاسة موجودة تحت حوض المواد الخام السائل، تنزلق واحدة من المواد الخام للورق بصورة قوية على اللوح المخصص لفرد الورق الياباني.

تلبية طلبات فناني الخط

تبدأ طريقة صناعة الورق الاعتيادية بسحب المواد الخام من الدعاسة، ثم البدء في صناعة ورقة واحدة في المرة بعد القيام بهزّ المواد الخام في كل اتجاه. يعتبر ذلك عملًا شاقًّا يتكرر عشرات المرات في اليوم الواحد. فعن طريق الاستغناء عن عملية السحب، طال عمر العاملين في عملية الصنع. كما يعتبر أن الحفاظ على جودة موحدة للورق ميزة، وذلك من خلال مدى توافق المواد الورقية بعد جمع العمالة الماهرة لها. فمعظم أماكن تصنيع الورق في نيشيجيما تستخدم هذه الآلية التي اقترحها أسلاف السيد كاساي. ونظرًا إلى أنهم من العاملين عليها، نجدهم يعملون على تكويم التدابير الملحوظة وإبقائها.

فرد السائل بطريقة مستوية ورقيقة بعد القيام بهزّ اللوحات ذات الإطار في جميع الاتجاهات (يسارًا). حلّ الألواح المخصصة لفرد الورق، ونقل الورق المنتج إلى الطاولة الخاصة بالورق (في المنتصف). تكويم 300 ورقة وتجفيفها (يمينًا).

تعتبر طرق تجفيف الورق التقليدي الياباني الواشي بمنطقة نيشيجيما فريدة من نوعها. فيتم تكويم 300 ورقة منتجة وضغطها بالمكبس لتجفيفها، ثم تركها على حالها لتجف في مكان جيد التهوية. يستغرق الأمر مدة 10 إلى 20 يومًا ليجف الورق بصورة طبيعية. ويصعب تجفيف الورق إذا كان في حالة مكومة. ولكن نظرًا إلى أنه يسهل تمزيقه بسبب سمكه الرقيق، فلا يتم فصله ورقة تلو الأخرى. بعدما يجف، يتم نقعه في الماء لمدة نصف يوم، ثم فصله بعناية، ويجفف طبيعياً.

نظرًا إلى أن الألياف قصيرة ولا تتم عملية الفصل ورقة بورقة, يتم تركهم في مكان جيد التهوية مدة 10 إلى 20 يومًا كما هم على حالتهم ليجف بصورة طبيعية

فالورق رقيق، ولين، ويصل بالغ الطول منهم إلى 2.42 متر.

تفضل السيد كاساي قائلاً ”إذا لم نتعامل مع الورق برقة تمزق، وإذا غمرناه بالمياه بإفراط تمزّق، وعند جفافه لا يمكن فصله“. كما يتم فرد الورق المقوّى على الألواح ذات الإطارات باستخدام الفرشاة المخصصة لذلك بصورة سريعة في حوالي دقيقة واحدة. وتم تجفيف ورقتين، ورقتين، على اللوح الساخن بالتبادل وعن طريق حركات مدرارة نجد لدينا أوراق جديدة بصفة دورية.

يصنع الورق التقليدي الياباني "الواشي" يدوي الصنع بتكلفة من الجهد والوقت إلى حد ذلك ولكن لا يمكن للهواة إدراك الفرق بينه وبين الورق آلي الصنع حتى لو تناولوه فيه أيديهم وقارنوه.

”لا يمكن تمييزها بمجرد النظر ولكن يتبين الأمر على الفور بمجرد الكتابة". انسياب فرشاة الكتابة عليه، ومقاومة انزلاق الفرشاة بعض الشيء، وتسيل الحبر عليه. فيقول السيد كاساي أن فنان الخط يكتب عليه ثم يختار الورق المراد“.

”نرغب دائمًا في صناعة ورق يلبي أذواق المستخدمين“

لقد عاد نبض الحياة لنفايات الورق، وتناغمها مع التعبيرات المتحمسة. فمثل هذا الورق التقليدي الياباني "الواشي" يتم صناعته بهدوء وبمعزل عن الناس في تلك المنطقة الصغيرة.

تقع منطقة نيشيجيما حيث مكان صناعة الورق إلى جانب نهر فوجي المنعم بالمياه العذبة والمحاط بالجبال

تغطية : ريكوتا ساتشيئ
عدسة: أووهاشي هيروشي

صورة الغلاف: انفراد منطقة نيشيجيما بابتكار آلية تفريغ المواد الورقية المتوافقة إلى أعلى الألواح ذات الإطارات بمجرد وطأة القدم على الدعاسة. وتقليل عناء العمل، فيتمكن العامل من صناعة 500 ورقة في اليوم بالرغم من تجاوزعمره الثمانين.

اليونسكو الواشي