مهرجان طوكيو الدولي للأدب

بناء جسور الأدب

مجتمع ثقافة لايف ستايل

تجمع الكتاب والمحررون والمترجمون في أول مهرجان دولي للأدب في طوكيو من ١ إلى ٣ مارس/ آذار. وقد تحدثنا في هذه المناسبة إلى أحد المنظمين، الباحث والمترجم شيباتا موتويوكي، حول إمكانيات الأدب الياباني على الساحة العالمية.

شيباتا موتويوكي SHIBATA Motoyuki

مواليد طوكيو عام ١٩٥٤. يدرّس الأدب الأمريكي والترجمة الأدبية في جامعة طوكيو. بالإضافة إلى العديد من المقالات، نشر شيباتا موتويوكي ترجمات أعمال أدبية لكتاب مثل بول أوستر، ريبيكا براون، ستيوارت ديبيك، كيلي لينك، ستيفن ميلهوستر، ريتشارد باورز، توماس بينشون، تشارلز سيميك، مارك توين، باري يورغراو وغيرهم.

عالم من الكتب في طوكيو

ساهمت مشاركة المجموعة الرائعة من الكتاب العالميين برئاسة جون ماكسويل كويتزي الحائز على جائزة نوبل لعام ٢٠٠٣ والروائي جونو دياز الحائز على جائزة بوليتزر في تألق ونجاح المهرجان الدولي الأول للأدب بطوكيو. وكانت الخيوط وراء ستار المهرجان تتحرك بواسطة شيباتا موتويوكي، وهو احد أشهر النقاد الأدبيين والمترجمين في اليابان. حيث لعب شيباتا دورا حيوياً في إحضار عدة اشخاص من أكثر الشخصيات تأثيراً في مجال النشر العالمي لهذا المهرجان، منهم ديبورا تريسمان، رئيس تحرير القصة الخيالية بمجلة نيويوركر، وجون فريمان، رئيس تحرير مجلة غرانتا الأدبية البريطانية، التي تنشر حالياً على شكل طبعة دولية في كل من البرازيل والصين وتركيا وغيرها من دول العالم. وقد حضر مهرجان طوكيو العديد من الكتاب والمترجمين والمحررين الرواد في عالم الأدب.

ديبورا تريسمان، رئيس تحرير الأدب القصصي في مجلة نيويوركر، وجون فريمان، رئيس تحرير مجلة غرانتا الأدبية البريطاني.

السؤال: يبدو انّ اول مهرجان ادبي رئيسي في اليابان قد حقق نجاحاً باهراً! كيف ترى المشهد من وجهة نظرك ؟

شيباتا :  هناك دائما مجالا للتطوير، ولكن عموما أعتقد أن المهرجان حقق نجاحا كبيرا. قبل كل شيء، قدم المهرجان للقراء فرصة ثمينة لرؤية الكتّاب اليابانيين والدوليين والاستماع اليهم وهم يقرؤون أعمالهم في إطار حي مباشر. بطبيعة الحال، لا تشكل هيئة الكاتب وطريق حديثه أمراً بالغ الأهمية. الشيء الأكثر أهمية هو أن تقرأ أعمال هؤلاء الكتّاب. ولكن الاستماع إلى الكتّاب وهم يناقشون أعمالهم في مثل هذا الحدث امرٌ من شأنه في بعض الأحيان أن يعرّف القراء بالكتب التي لم يّطلعوا عليها بعد. وهذا تعميم شامل، ولكن كقاعدة عامة يميل كتّاب البلدان الناطقة بالإنكليزية إلى التعبير عن أنفسهم بصوت مسموع بشكل أفضل من معظم الكتّاب اليابانيين، ولعلّ ذلك احد العوامل الأخرى التي من شأنها أن تجعل التجربة مثيرة للاهتمام بالنسبة للقراء اليابانيين.

الروائية اليابانية كاكوتا ميتسو وأعلى الكتّاب مبيعا بروايتها (The eighth day) والكاتب الإنجليزي جيف داير، بكتابه عن موسيقى الجاز، "But Beautiful"، والذي ترجم مؤخرا إلى اللغة اليابانية من قبل موراكامي هاروكي.

هيرانو كيتشيرو الحاصل على جائزة أكتاغاوا (يسار) والكاتبة واتايا ريسا.

السؤال: ما مدى أهمية مهرجان كهذا بالنسبة للكتّاب اليابانيين ؟

شيباتا: في الماضي، كان لدى الكتّاب اليابانيين عدد قليل جداً من الفرص للمشاركة في مثل هذه الفعاليات. قد يكون هذا الحدث شيئاً جيداً للكتاب اليابانيين من ناحية الحصول على المزيد من الاتصال مع نظرائهم في الخارج، وباعتقادي أن المهرجان كان فرصة مثالية لتشجيع هذا النوع من التبادل. فقد تعتبر معرفة كيف التقى اثنين من الكتّاب وعما تحدثوا عنه امراً مثيراً للاهتمام حيث يمكن لهذا النوع من اللقاءات أن تترك تأثيراً على ما يكتبه المؤلفون في المستقبل، وأحيانا قد تغير حتى الطريقة التي يرون بها العالم. وربما اصبح من الواضح، أن هذا أمراً سيجلب الفائدة. السؤال: كثيراً ما يقال عن الكتّاب اليابانيين أنهم في نوع من الفقاعة المعزولة عن بقية العالم، وهذا ما يسمى بـ ”تأثير غالاباغوس“. والتي تعتبر واحدة من الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة المتمثلة في ترجمة عدد قليل نسبيا من الروايات اليابانية إلى لغات أخرى!

جوناثان سافران فوير (Extremely Loud and Incredibly Close) وكواكامي مييكو، الذي فاز بجائزة أكوتاجاوا لروايتها (Breasts and Egg).

شيباتا: صحيح. بطبيعة الحال، ليس هناك هدف من جلب مجموعتين من الكتاب معاً إن لم تكن على اطلاع بأعمال بعضهم البعض. ولكن قراءة نصِ ولوكان قصة واحدة قصيرة مترجمة يغير من الوضع تماماً. ولعل احد أهم الأمور تتمثل في خلق الأسس التي من شأنها أن تسمح للمؤلفين من كلا الجانبين قراءة أعمال بعضهم. وعند وضع تلك الأسس في مكانها، فإنيّ أعتقد أن هناك فرصة جيدة لحوارات مثمرة حقاً ستتطور بين الكتّاب من اليابان وأجزاء أخرى من هذا العالم.

مهمة المترجم

أونو ماساتسوجو.

السؤال: بطبيعة الحال، لم يقتصر المهرجان على مشاركة الكتّاب فقط. لعب المحررون والمترجمون ومصممو الكتب دوراً لا يقل أهمية عن الأخرين. كل هؤلاء، في الواقع، شركاء في عملية النشر؟

شيباتا: نعم. وخير مثال على ذلك كان في احدى الجلسات التي أشرفت عليها أنا شخصياً، والتي كان فيها كل من أونو ماساتسوجو ومايكل إمريش بصفة مشاركين كأعضاء للجنة. وبالإضافة إلى نشر الروايات الخاصة به، فقد نشر أونو أيضاً العديد من ترجمات الأدب الفرنسي. وإمريش هو واحد من المترجمين البارزين من اليابانية إلى الإنكليزية، الذي أصدر ترجمات لأعمال تاكاهاشي جينيشيرو وكواكامي هيرومي، ضمن أشياء أخرى كثيرة. ولذا ادركت أن مناقشتهم للدور الذي تلعبه الترجمة كانت رائعة جداً: هل يجب أن يكون وجود المترجم واضحاً في العمل المُترجم، أم يتوجب طمس وجوده من العمل قدر الإمكان؟ أعتقد أن الجميع ممن حضروا الجلسة استمعوا إلى محادثة تناولت بعض الأسئلة الأساسية المتعلقة بترجمة العمل الأدبي من لغة إلى أخرى. وجاء هذا بالصدفة هذا كوني أنتمي إلى مدرسة ”الرجل الخفي“ في الترجمة، ولكن بالطبع فانّ مناقشة من هذا القبيل ليست في الحقيقة حول تحديد أي الطرق المتبعة هي الأفضل بل تميل أكثر الى استكشاف الأفكار، وأعتقد أن المناقشة نفسها كانت شيئاً مما استمتع واستفاد منه الجمهور.

مايكل إمريش.

السؤال: إلى أي مدى يمكن أن نقل ما يريده المؤلف بدقة في الترجمة ؟

شيباتا:  حسناً، بالطبع مسألة كيفية نقل نوايا المؤلف بدقة للقارئ هي واحدة من القضايا التي تظهر في كل الكتابات، سواء كانت الترجمة معنية أم لا. وغالباً ما تتم قراءة الكتب بطرق مختلفة تماماً عما يقصده المؤلف. هذا ما يجعل الأدب مثيراً للاهتمام. لكن مع الترجمة بالطبع هناك شيء مفقود. والمترجم يفكر باستمرار حول هذا الموضوع. أما في حالة الشعر، أعتقد أنه يتم فقدان الكثير من المعاني في عملي الترجمة. ولكن مع الرواية، أعتقد أن معظم العناصر المهمة تعبر بسلام إلى النسخة المترجمة. على الأقل هذا ما أقوله لنفسي عندما أقوم بالترجمة!

 

جونو دياز (يمين) مع نظيره المترجم الياباني توكو كوجي.

السؤال: قد يصعب ترجمة أشعار الهايكو على وجه الخصوص.

شيباتا: خذ قصيدة باشو الشهيرة حول قفز الضفدع في البركة القديمة على سبيل المثال. كما تسير الأحداث، يتم إدخال العناصر الرئيسية للقصيدة في وحدات الصوت التي تزيد في الطول لنقل شعور الحركة المتموجة عندما يقفز الضفدع ويزيح الماء. لذلك لدينا كاوازا (ضفدع، ثلاثة مقاطع)، توبي-كومه (يقفز في، أربعة مقاطع)، ميزو نو اوتو (صوت الماء، خمسة مقاطع). في حالة العنصر الأخير، ميزو نو اوتو (صوت الماء)، تشترك المقاطع الثلاثة الأخيرة جميعا في نفس حرف العلة ”الواو“، وهي تعبر عن غطس الضفدع في البركة. هذه العناصر الصوتية تزيد من فعالية القصيدة إلى حد كبير. ولكن بطبيعة الحال، يضيع معظم هذه العناصر الصوتية في الترجمة. في حالة الرواية، يمكنك تعزية نفسك أنه حتى إذا فقدت عنصر واحد، هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي ما تزال قائمة. أما القصيدة المؤلفة من ١٧ مقطع فقط فليس هناك أي مجال للمناورة. الرواية هي عمل يغلب عليه التكرار إذا اردت. حتى لو ضاعت بعض العناصر، تبقى الرواية كما هي إلى حد ما.

حرية الرواية اليابانية

 السؤال: كان احد المواضيع التي طرحت خلال المهرجان حقيقة أن الأدب أصبح عابراً للحدود مع استمرار ظاهرة العولمة.

شيباتا: في الولايات المتحدة توجد مجلتيّ نيويوركر وهاربرز وهما مجلتان واسعتا الانتشار(على العكس من المجلات الأدبية المتخصصة) التي تحمل الخيال في كل موضوع. إذا نظرت إلى الوراء وقرأت القصص المنشورة في مجلة نيويوركر على مدى السنتين أو الثلاث سنوات الماضية، تجد أن المؤلف الذي يظهر في معظم الأحيان هو روبرتو بولانو من شيلي. بعد ذلك تجد كتّاب مثل موراكامي هاروكي من اليابان، أليس مونرو من كندا، ويليام تريفور من ايرلندا. تجد أن الكثير من الكتّاب الذين نشروا في مجلة نيويوركر، التي تحتل مكانة مطلقة في قلب الحياة الثقافية الأمريكية، هم من أماكن ودول أخرى خارج الولايات المتحدة. ولعل هذا الانفتاح على الخارج أصبح على نحو متزايد المعيار الحقيقي للأدب العالمي المعاصر.

السؤال: المؤلف الياباني الوحيد الذي حصل على اعتراف عالمي هو موراكامي هاروكي. ولكن حتى الآن، موراكامي هاروكي هو الاستثناء وليس القاعدة.

شيباتا: حسنا، من حيث ميزان التجارة الأدبي، لقد فاقت وارداتنا الأدبية الصادرات لفترة طويلة الآن. لدي تحفظاتي حول فكرة مجرد زيادة حجم الصادرات اليابانية الثقافية من أجل تأرجح كفة الميزان فقط. لكن من المخزي في نفس الوقت حقيقة أن بعض الكتاب لدينا في اليابان غير معروفين على نحو أفضل في الخارج. في الانفتاح على السوق الدولية للكتاب يابانيين، كان نجاح موراكامي مهم للأدب الياباني كما كان نجاح نومو هيديو مهم في رياضة البيسبول في اليابان. وقد كانت المانجا شعبية أيضا، فضلا عن أفلام الأنيمي لميازاكي هاياو، لذلك أعتقد أن الناس في البلدان الناطقة بالانكليزية يدركون بشكل متزايد أن هناك أمور مثيرة للاهتمام تحدث في اليابان. وهذا لم يكن واردا قبل عشرين عام. ومن هذا المنطلق، وبالنظر إلى التطورات التي حدثت خلال العقدين الماضيين، فإنّ هذا هو الوقت المثالي لمثل هذا الحدث والوقت المثالي لاختراق ما هو آتٍ. واني آمل في المستقبل وأن نرى وجودا أكبر للكتّاب اليابانيين على الساحة الدولية. هذا جزء مما نحاول القيام به هنا: فهنالك حالة من تهيئة للأجواء التي من شأنها أن تجعل هذا الطموح حقيقة واقعة. وأعتقد أن الأمور بدأت في التحرك في الاتجاه الصحيح.

السؤال: يبدو بالفعل أن بعض الكتّاب اليابانيين أصبحوا معروفين دوليا خلافا مما كانوا عليه من قبل.

إلمر لوقا، المحرر الذي جذب انتباه القراء خارج اليابان لموراكامي هاروكي.

شيباتا: مؤخراً، معظم قراء ”الأدب الياباني“ في الخارج كانوا لكتّاب مثل كواباتا ياسوناري وتانيزاكي جونيتشيرو، حيث تضمنت أعمالهم عناصراً من الثقافة التقليدية جعلت هذه الأعمال يابانية بشكل جوهري. كان آبي كوبو استثناء مهماً في هذا الاتجاه. ولكن الوضع قد تغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة وذلك بفضل شعبية موراكامي المتفجرة. وقد إنجذب القراء لموراكامي لأسباب كثيرة. ولكن الرغبة في معرفة المزيد عن اليابان عموماً لم تكن واحدة من هذه الأسباب. لا يريد الناس قراءة كتب موراكامي لمعرفة المزيد عن اليابان فحسب، بل لأنها كتب ممتعة ايضاً، وإذا كان كان هناك ترجمات أكثر للكتابة اليابانية، أعتقد أن الناس ستحصل على فكرة أفضل عن مدى ”حرية“ الرواية في اليابان. هذا تعميم، بالطبع، ولكن في بعض الأحيان أشعر أن الروائيين في اليابان لديهم حرية للتجريب أكثر من نظرائهم في الولايات المتحدة. وهناك كل أنواع الاتفاقيات والقواعد غير المعلنة التي تحكم ما يمكن للرواية القيام به في اللغة الإنكليزية، وقد يكون من الصعب أحيانا الخروج عن هذه القواعد. في اليابان، هناك ربما أكثر من اتجاه للروائيين يسمح لمخيلتهم بالنمو من غير ضوابط. وهذا، كما أعتقد، هو أحد الأجزاء الذي يجعلها ناجحة جدا في التقاط الفوضى في المجتمع المعاصر. أعتقد انه اذا أدخلت هذه الروايات للقراء في ترجمات جيدة، سيكون هناك احتمال للكتابة اليابانية لتتمتع بطفرة شعبية، كالطفرة التي تمتع بها كتّاب أمريكا اللاتينية في السبعينات. الأدب الياباني اليوم لديه كل شيء والكثير ليقدمه.

السؤال: أخيراً، ماذا تعني لك الترجمة شخصياً ؟

شيباتا: أوه، إنها متعة! انها اللعبة الأكثر إرضاء في العالم. أعني، هل هناك ما هو أفضل من هذا العمل؟ العملية الفعلية نفسها هي ممتعة، ولكن فوق ذلك هناك تشويق إضافي وهو معرفة أنك ستقدم عملا تحبه وحرك فيك شيئا ما ترغب بإيصاله إلى القراء. كما ستحصل على امتنان الكاتب الأصلي أيضا، كقاعدة عامة. بالنسبة للمؤلف، يمكن للناقد أن يكون عدوا بقدر كونه صديق. لكن المترجم موجود ١٠٠٪ إلى جانبك.

السؤال: أعتقد أنك كتبت مرة من المرات أن المترجم هو كالقزم، يعمل على سحره خلال الليل نيابة عن المؤلف.

شيباتا: صحيح. وأنا ربما ابدو ضئيلاً مثل قزم من وجهة نظر بعض الكتاب الأمريكيين من الذين ترجمت بعضاً من أعمالهم. وكذلك نظراً لفارق التوقيت، فأنا أعمل خلال ليلهم أيضا.

شيباتا موتويوكي (وسط) يؤدي أداء درامي مرتكز على رواية ميازاوا كينجي (Night on the Galactic Express) في نادي موسيقى في روبونجي خلال المهرجان.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، أجرى المقابلة ”هيساشي كوندو“ مدير مؤسسة نيبون للاتصالات، تصوير أوساوا هيسايوشي، كاواموتو سيا، أوكوبو كيزو، وكوديرا كى. شكرخاص لمؤسسة نيبون)

 

 

الولايات المتحدة الأمريكية الترجمة الأدب النشر موراكامي هاروكي