مهرجان غيون وكيوتو

مهرجان غيون يعكس حسن الضيافة في كيوتو

ثقافة لايف ستايل سياحة وسفر

يتدفق السياح في شهر يوليو/تموز من كل عام على مهرجان ”غيون“ في كيوتو لرؤية موكب من المجسمات المزينة بسخاء وهي تعبر مركز المدينة. نلقي نظرة خلال موقعنا الإلكتروني على العادات التاريخية لهذا المهرجان الغني بالتقاليد اليابانية.

تضيء الفوانيس الشارع الرئيسي في كيوتو في الوقت الذي يحتشد فيه الزوار قبل مرور الموكب

الاستعداد لليلة الكبرى

في ليالي مدينة كيوتو يتردد صدى أصوات تشبه رنين الاجراس وقرع الطبول ونغمات المزامير لتختلط مع أغانٍ للأطفال كانت تنشد لبيع التمائم. فالمشهد هنا هو مهرجان ”غيون“ Gion Festival في كيوتو العاصمة القديمة لليابان، حيث يقوم الموسيقيون باستعداداتهم التي تلائم الموكب الرئيسي لهذا العام والذي ينطلق في ١٧ يوليو/تموز. ويستمر المهرجان لمدة شهر كامل، لكنه يكون أكثر حيوية خلال الموكب والأيام الثلاثة التي تسبقه وذلك عندما تُعرض مجسمات الاحتفال وتنشط الأكشاك التي تملئ الشوارع المضاءة بالمصابيح. ويأتي أكثر من مليون زائر كل عام لمشاهدة هذا المهرجان الذي يعد واحداً من أكثر المهرجانات شهرة وشعبية في اليابان.

موسيقيون يعزفون داخل المجسم في يوم الموكب

وابتداءً من ١٤ وحتى ١٦ من يوليو/تموز يأخذ شارع كيوتو الرئيسي ”شيجو دوري“ Shijō-dōri الذي يكتظ بالمحلات التجارية على جانبيه مظهراً مختلفاً تماماً عن المعتاد. وفي عد عكسي، يشار إلى الليالي الثلاث التي تسبق يوم ١٦ من يوليو/تموز يوي ياما (عشية الموكب) ويوي يوي ياما (الليلة التي تسبق عشية الموكب) ويوي يوي يوي ياما (الليلة التي تسبق الليلة السابقة لعشية الموكب). وتعرض مجسمات ضخمة ومزينة بسخاء في تلك الأمسيات الثلاث، بما فيها مجسم ”ناغيناتا هوكو“ Naginata Hoko الضخم الذي يبلغ طوله ٢٥ متراً. ولا تعرض المجسمات فقط في الشارع الرئيسي ”شيجو دوري“ وإنما في الشوارع الشمالية الجنوبية المتقاطعة معه أيضاً. وتبيع الأكشاك المنتشرة في أنحاء البلدة مجموعاتٍ مُتنوِّعَة من السلع بما في ذلك المراوح التقليدية اليابانية، المناشف، والتمائم. وعند حلول الظلام تضاء المجسمات بالعديد من الفوانيس المعلقة على جوانبها.

ترتصف الأكشاك التي تبيع مراوح وسلعا أخرى متعلقة بالمهرجان على جانبي الشارع الرئيسي ”شين ماتشي دوري“، ويظهر مجسم ”مينامي كانّون ياما“ في الخلفية

ويمكن رؤية الناس الذين يرتدون ”يوكاتا“ Yukata، وهو رداء صيفي تقليدي يرتبط بالمهرجانات اليابانية. وفي الساعة ١٠ من مساء ليلة يويياما (١٦ يوليو/تموز) يبدأ الموسيقيون بالسير وعزف الموسيقى كجزء من طقوس الصلاة من أجل أن يكون الطقس جيداً في اليوم التالي. وبإمكان الزائرين سماع  مزيج من الألحان عندما يقومون بجولة في المكان.

موسيقيون يسيرون في رحلتهم إلى وسط المدينة ولا يعودوا إلى منطقتهم إلا بعد منتصف الليل

أكثر لحظات مهرجان غيون إثارة

وبحلول صباح  يوم ١٧ يوليو/تموز يغطي الشوارعَ هدوءٌ مفاجئ مرة أخرى بعد ازالة جميع الأكشاك الليلية مما يفسح المجال لمرور موكب المجسمات والذي على وشك البدء.

سحب مجسم ”كيتا كانّون ياما“ من قبل رجال يلبسون سترة ”هاؤوري“ البيضاء وآخرون يرتدون سترة زرقاء اللون للتأكد من أن المجسم يسير في الاتجاه الصحيح. وهناك أيضا آخرون يأخذون أماكنهم على أسطحة المنازل والمحال التجارية للتأكد من أن المجسم الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من ٢٠ مترا لن يلامس أسلاك الكهرباء.

وهناك نوعان من المجسمات في مهرجان ”غيون“: وهُما ”ياما“ Yama (جبال) و”هوكو“ Hoko (رماح).  وبشكل عام تكون مجسمات ”ياما“ بدون سقف وتحمل دمى متقنة الصنع على أقسامها الأساسية. بينما تكون مجسمات ”هوكو“ أكبر ولها سقف وعجلات فضلاً عن وجود عمود مركزي يمثل الرمح الذي اشتق منه اسم المجسمات، ويعزف الموسيقيون موسيقاهم على خشبة تحت السقف أثناء تنقل المجسم. ولكن هناك عدداً قليلاً من مجسمات ”ياما“ مزودة بسقف وعجلات أيضاً مثل مجسم ”كيتا كانّون ياما“ Kita Kannon Yama، ولذلك فإنه ليس بإمكان للمشاهدين  ضعيفي الخبرة معرفة نوع المجسمات و الاختلافات التي توجد بينهم دائماً.

حمل الدمى على ”كاكّيو ياما“ (يسار) مجسمات ”هوكا هوكو“ (وسط) مجسم ”فوني هوكو“ الذي يشبه القارب (يمين)

 

تحرك الموكب على طول ”شينجو دوري“

وتتقدم قافلة المجسمات ٣٣ بشكل مهيب وبوَقعٍ يشبه ايقاع الأجراس والطبول. وتأتي الإثارة عندما تنعطف مجسمات ”هوكو“ العملاقة على زاوية شارع. ونظراً لكون محاور المجسمات صلبة، يجب على الفريق المرافق لها أن يضع عصي خيزران تحت عجلات المجسمات حتى تنزلق ببطء مستديرة ٩٠ درجة. وهي توجه من قبل رجال يدعون ”أوندوتوري“ Ondotori الذين يصرخون بشكل متكرر ”يويتوسي!“ Yōitose! كوسيلة لتنسيق تحركات الفريق في انسجام. وتلك اللحظات هي ذروة الإثارة في موكب ”غيون“.

انعطاف مجسم ”كيتا كانّون ياما“ عند زاوية الشار

 

فتاة ”مايكو“ (غييشا متدربة) ترتدي ”يوكاتا“ وتستمتع بالمهرجانات

طقوس لإبعاد الأرواح الشريرة

يعود تاريخ المهرجان إلى الفترة التي عانت فيها كيوتو من وباء صيفي قاتل قبل أكثر من ١١٠٠ عام. حيث طفحت مياه نهر ”كامو“، الذي يمتد عبر المدينة، بانتظام في تلك الأيام وخصوصاً خلال موسم الأمطار أوائل الصيف، وأصبحت المياه الراكدة مرتعاً خصبا للأمراض والأوبئة. ولم تكن كيوتو الجزء الوحيد في اليابان الذي عانى من مثل تلك الكوارث الطبيعية. ففي عام ٨٦٩ ضرب زلزال ”جوغان“ شمال شرق اليابان الذي يعتقد أن قوته بلغت أكثر من ٨.٤ درجة على مقياس رختر، وأدى إلى حدوث تسونامي مشابه للتسونامي الذي تسبب به زلزال شرق اليابان الكبير في عام ٢٠١١. وفي نفس الفترة تقريباً ثار بركان جبل ”فوجي“ الشهير وكذلك جبل ”آسو“ في كيوشو. وكان هناك اعتقادٌ سائد بين الناس في ذلك الوقت مفاده أن مثل هذه الكوارث الطبيعية المتكررة كانت لعنة من أرواح أولئك الذين عانوا من وفيات عنيفة مؤلمة وأنه من الضروري بعث السكينة في تلك الأرواح. ومهرجان ”غيون“ مستمد من الطقوس التي أجريت في معبد ”غيون“ (معبد ”ياساكا“ حاليا) لجلب السكينة لتلك الأرواح.

هذا وتحظى المجسمات في يومنا الحالي بجل الاهتمام، لكن في الأصل لعبت المعابد المحمولة ”ميكوشي“ Mikoshi الثلاث التابعة لمعبد ”ياساكا“ دورا قياديا كما يوضح ”يوشيدا كوجيرو“ رئيس اتحاد مجسمات مهرجان ”غيون“: ’’من أجل موكب ”ميكوشي“ فَفي ١٧ يوليو/تموز يُحمل إله الشينتو ”سوسانوأو نو ميكوتو“ وإلهين آخرين في معابد محمولة إلى ”أوتابيشو“ وهي نقطة الاستراحة. وتظل هناك حتى ٢٤ من يوليو/تموز حيث تحمل من جديد إلى معبد ”ياساكا“. ويتمثل الهدف من الطقسين في غسل الشوائب وإبعاد الوباء‘‘.

مغادرة ”ميكوشي“ لمعبد ”ياساكا“ حاملا الإله ”سوسانوأو نو ميكوتو“ (يسار)، عمدة كيوتو يلقي خطابا أمام ثلاثة "ميكوشي“ (يمين)

وكان يتم تقسيم موكب المجسم في الأصل إلى جزئين: أحدهما يقام قبل موكب ”ميكوشي“ للترحيب بالآلهة والآخر يجرى بعد ذلك لتقديم الشكر لهم. ولكن في وقتنا الحالي يقام الموكب الأول فقط.

غيون مصدر فخر لكيوتو

أصبحت المجسمات تأخذ مركز الصدارة بعد أن كانت تقدم كعرض جانبي وذلك بفضل تجار كيوتو. فقد حصلت المصالح التجارية في المدينة مثل مصنعي الساكي والرأسماليين على دفعة عام ١٣٣٦ تقريبا عندما استعادت مدينة كيوتو وضعها كعاصمة للبلاد مستحوذة بذلك عليها من ”كاماكورا“. وبدأت كل منطقة من كيوتو بالتباهي بازدهارها من خلال إنتاج مجسم لها. وبعد احتراق المدينة بالكامل أثناء حرب ”أونين“ Ōnin War (١٤٦٧-١٤٧٧) تم إيقاف مهرجان ”غيون“ لبعض الوقت، ولكن التجار عملوا على إحياء هذا التقاليد وقد أصبح مهرجانهم بشكل فعلي. ومع ازدهار التجارة الخارجية اعتبارا من القرن السادس عشر، أصبحت المجسمات تبدو أكثر بذخا وإثارة للإعجاب. ويقول ”إيشيكاوا تاكاشي“، رئيس جمعية الحفاظ على ”كيتا كانّون ياما“، إن التنافس بين من يملك مجسما أكثر روعة  كان جزءا من المهرجان منذ البداية. ’’كان العديد من التجار مقتصدين في نفقاتهم ويعيشون حياة متواضعة، لكنهم لم يترددوا في إنفاق المال على المهرجان. بينما كانت عوائل التجار فاحشة الثراء في منطقة ”روكاكو“  مثل ”ميتسووي“ و”ماتسوزاكايا“ تنفق مبالغاُ ضخمة لشراء منسوجات من بلاد التيبت وفارس البعيدة وكذلك الزخارف الفاخرة. كما كان التجار يدعون أفضل عملائهم لحضور المهرجان. وباختصار كان المهرجان وسيلة لتجار كيوتو لإظهار حسن ضيافتهم‘‘.

المبالغة في زخرفة المجسمات

كمَا تَجلّت المنافسة بين التجار في إظهار بذخهم، حيث كانت المفروشات الثمينة من أجل المجسمات تستورد من أماكن بعيدة وعلى نطاق واسع. وقد أدى تراكم كنوزهم الفنية إلى تسمية المجسمات بـ”المتاحف المتنقلة“ وكانت مصدر إلهام وفخر عميق لسكان كيوتو. وقد بدأ عدد من المدن اليابانية الأخرى بإقامة مهرجانات خاصة بهم على نمط مهرجان ”غيون“ ومن أهمها مهرجان ”هاكاتا غيون ياماكاسا“ Hakata Gion Yamakasa في فوكوأوكا ومهرجان ”تاكاياما“ Takayama و مهرجان ”تشيتشيبو“ الليلي Chichibu Night.

كرم الضيافة في كيوتو

وكما تظهر حفاوة الاستقبال لمدينة كيوتو بوضوح في مهرجان ”بيوبو“ Byōbu الذي يقام في الأيام الثلاثة التي تسبق موكب المجسمات. يُعرض أيضاً أثناء المهرجان أنواع من السواتر القابلة للطي وتحف فنية كان التجار يحتفظون بها في مخازنهم وتعرض أمام الأقارب والمعارف ويقول إيشيكاوا ’’إن مهرجان ”غيون“ هو وقت يُظهر فيه الناسُ في كيوتو أشياءً للزوار لا يتم عرضها عادة.‘‘ وهذا جزء من جو فريد من نوعه يتطور خلال موسم المهرجان، مما يعكس كرم الضيافة لدى تجار كيوتو.

عرض سواتر قابلة للطي (يسار)، تجمع السياح حول عمل فني (يمين)

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ترجمة من الإنكليزية بتاريخ ١٣ سبتمبر/ ايلول ٢٠١٣، الصور: مقدمة من قبل ناكانو هاروأو)

للتعرف على أجواء المهرجان المميزة يمكنكم مشاهدة الفيديو المجود في الأسفل.

السياحة كيوتو مهرجانات