قصة الويسكي الياباني

بداية الويسكي في اليابان

اقتصاد مجتمع لايف ستايل

انتعش سوق الويسكي في اليابان بفضل الشعبية المتزايدة لكوكتيل الهاي بول والأغنية المعروفة Whisky ga osuki desho (تحب الويسكي، أليس كذلك؟)، التي استخدمت في إعلانات سانتوري التجارية. وأصبحت الخمور الغربية جزءا من الثقافة الشعبية خلال ازدهار الاقتصادي الياباني، مما جعل من الـmizuwari (الويسكي مع الماء) كلمة منزلية بالإضافة لظهور أماكن صغيرة للشرب تعرف باسم حانات ”الوجبة الخفيفة“ أو snack bars.

سوق الويسكي ينكمش إلى الربع خلال أكثر من ثلاثة عقود

لعب النمو الاقتصادي في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية دوراً هاماً في تشكيل ثقافة شرب المشروبات الروحية الغربية، لا سيما الويسكي. حتى ذلك الحين، تمحورت ثقافة الشرب في جميع أنحاء اليابان حول الساكي. ولكن أصبح اليابانيون يشربون المزيد من البيرة والويسكي مع تطور الثقافة والمجتمع الياباني واستيعابه التأثيرات من الغرب.

لقد ارتفع استهلاك البيرة لا سيما بعد أن أصبح وجود الثلاجات من الثوابت الشائعة في المنازل، وفي الخمسينات كانت البيرة قد تجاوزت الساكي لتصبح المشروب الكحولي الأكثر شعبية في كافة أرجاء البلاد. وعلى الرغم من نمو الاستهلاك الكلي للكحول مع ارتفاع عدد سكان اليابان، تضاءل استهلاك الساكي بعد أن بلغ ذروته في عام ١٩٧٥.

وفي الوقت نفسه، توسع سوق الويسكي بشكل اطرادي حتى عام ١٩٨٣. ولكن ما يسمى بـ ”ثورة الأرواح البيضاء“ التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية وصعود الكحول المقطر مثل الفودكا والجن وانتقالها أيضا إلى اليابان، بدأ المستهلكون باختيار الشوتشو (مشروب روحي ياباني يصنع من الأرز، الشعير، البطاطا الحلوة) والتشوهاي (كوكتيلات على أساس الشوتشو). ومنذ عام ١٩٨٣، تضاعف استهلاك الشوتشو وتجاوز الويسكي خلال بضع سنوات. في المقابل، انخفض استهلاك الويسكي، الذي حقق نمواً ثابتاً في العقود ما بعد الحرب في غضون سنوات من أعلى مستوى له عام ١٩٨٣ بنسبة وصلت إلى الربع.

في عام ١٩٩٠، ألغت اليابان نظامها الفريد من وضع درجات للويسكي. على الرغم من أن هذا خفض من متوسط سعر بيع الخمور، واصلت السوق في الانكماش. وقبل حوالي عام ٢٠٠٠، وصل الإنتاج إلى ربع ذروته في وقت سابق ما يقرب من عقدين من الزمن. بدأ الوضع يتغير بالنسبة للويسكي فقط في السنوات الأخيرة.

بداية الويسكي في اليابان

بالمقارنة مع الدول الغربية، يعد تاريخ الويسكي في اليابان قصيرا نسبيا. كانت كوتوبوكيا - سلف سنتوري - أول شركة تكشف النقاب عن أول ويسكي محلي للبلاد في عام ١٩٢٤، وذلك باستخدام الشعار الاستفزازي ”استيقظوا، يا ناس! مضت أيام الإعجاب الأعمى بالواردات. اسكروا يا ناس! نقدم لكم خمرة محلية لذيذة، ويسكي سنتوري!“.

ويمكن الاستدلال على ذلك من الشعار بأن الويسكي المستورد كان ذو قيمة بالفعل في اليابان، وفي الوقت الذي كان سوق الويسكي ضئيلاً، حيث كان يخدم عدد محدود من الأثرياء الذين يستمتعون بالشراب كوسيلة للتواصل مع الثقافة الغربية. أما بالنسبة لمعظم الشعب الياباني كان الويسكي مشروبا قد سمعوا به وحلموا فقط بتذوقه. لم يصل الويسكي إلى متناول يد الياباني العادي إلا في فترة الستينات.

نظام تصنيف الويسكي الفريد

من عام ١٩٦٢ حتى تعديل ضرائب الخمور في عام ١٩٨٩، تم تصنيف الويسكي في المقام الأول وفقا لنسب الخليط إلى درجة استثنائية، أولى وثانية ومن ثم خضع للضريبة وفقاً لذلك. كانت الفروق كبيرة بين معدلات الضريبة لكل درجة، وقد اتسم الويسكي الياباني أكثر من غيره في البلدان الأجنبية من خلال التسلسل الهرمي بين العلامات التجارية. وأدى ذلك إلى تقسيم واضح للصناعة لنوعين من الويسكي: الفئة الثانية، وهو منتج للاستهلاك العام والفئة الخاصة وهو منتج فاخر.

في فترات التنمية الاقتصادية، تزداد باستمرار قيمة المنتجات عالية التكلفة كونها أشياء مرغوبة. الويسكي ليس استثناء، وهذا ما يفسر سبب انتماءه إلى فئة خاصة حيث له مكانة بارزة في سوق الهدايا اليابانية. عندما تم إلغاء نظام التصنيف، كانت قيمة الضرائب المفروضة للويسكي من الدرجة الاستثنائية حوالي ١٤٠٠ ين وهي نسبة تصل لأكثر من ٤٠٪ من ٣١٧٠ ين وهو سعر التجزئة للمنتج النموذجي. في حالة الويسكي من الدرجة الثانية، وصل سعر التجزئة إلى ٧٢٠ ين والذي شمل ١٧٠ ين من ضريبة الخمور. بالإضافة إلى ذلك، مع زيادة مستويات المعيشة، تحول تركيز السوق من ويسكي الدرجة الثانية (مثل سنتوري توريس، سنتوري ريد، وهاي نيكا) إلى أشقائه من الدرجة الممتازة.

الضرائب التفضيلية بموجب نظام تصنيف أدت إلى تزايد التفاوت في الأسعار بين الويسكي من مختلف العلامات التجارية، وتشجيع الشركات المصنعة لتناول استراتيجية بيع علامات تجارية متعددة. في المقطع التالي، أعطي لمحة موجزة عن المستهلك الياباني للويسكي في ذلك الوقت.

اشرب الويسكي واربح رحلة إلى هاواي

قدم الويسكي لأول مرة باعتباره رمزاً لانتعاش اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ليصبح الشراب الذي ليس مخمورا فحسب، بل كان مشبعا أيضا مع الثقافة. في فترة الستينات، برزت الحانات الشعبية على النمط الغربي مثل ”Torys Bar“ و”Nikka Bar“ بشكل بارز وانتشرت أسماءها في أنحاء البلاد. حتى شجعت حملة إعلانية عام ١٩٦١ الناس لشرب ويسكي TORYS والحصول على فرصة للفوز برحلة إلى هاواي. في الوقت الذي كان فيه السفر إلى الخارج ليس أكثر من حلم بالنسبة للياباني العادي، اعترف الناس على نطاق واسع بالمشروب الروحي الجديد باعتباره أداة لتحقيق الأحلام.

إعلان من حملة ”اشرب ويسكي Torys واربح رحلة إلى هاواي“. (الصورة مقدمة من سنتوري).

في السبعينات، واصل الاقتصاد الياباني النمو بشكل كبير وملحوظ وأصبحت نسخة إعلانية لويسكي سنتوري أولد آخر الصرعات. يقول الإعلان إن ”قبل عقد من الزمن كان يمكن أن يكون كوبا من الساكي الساخن. . . . لإنهاء اليوم، كورومارو(*١)“. الإعلان الذي صور أحد طهاة السوشي وهو يحتسي الويسكي من الدرجة الأولى بدلا من الساكي بعد العمل، نجح في تحويل صورة المشروب كإحدى الخمور الأجنبية الخاصة التي تستهلك فقط في الحانات على النمط الغربي إلى جزء من الحياة اليومية. كانت مبيعات سنتوري أولد السنوية، المنتج الرئيسي للشركة في ذلك الوقت، حوالي ١ مليون صندوق عندما أطلق الإعلان في عام ١٩٧٠. وارتفع هذا الرقم إلى ٥ مليون صندوق في عام ١٩٧٤، و١٠ مليون صندوق في عام ١٩٧٨، و١٢.٤ مليون صندوق في عام ١٩٨٠. وفي غمضة عين، نمت العلامة التجارية لتصبح واحدة من علامات الويسكي الأكثر مبيعا في العالم.

كما ظهر في نفس الفترة الـmizuwari، أو الويسكي مع المياه، والذي أصبح وسيلة معيارية للاستمتاع بالشراب. إضافة الماء يساعد على تخفيف لدغة المشروب الروحي القوي عن طريق الحد من حجم الكحول الذي يصل إلى ٤٠٪ أو أكثر لـ١٥٪ وهو مستوى أكثر ألفة للفم الياباني. هذه الممارسة هي مماثلة لتلك التي في منطقة كيوشو الجنوبية، حيث يخفف الناس من مستوى الكحول من مشروب كحولي معروف باسم oyuwari بإضافة الماء الساخن إلى ١٥٪. إدخال طريقة الإعداد mizuwari مهدت الطريق لشرب الويسكي ليس فقط كمشروب ديجيستيف (أي يشرب بعد تناول وجبات الطعام)، ولكن أيضا كمرافق لتناول العشاء.

وعلاوة على ذلك، اكتسب الويسكي صورة حديثة في حين أصبح الساكي مشروبا ”قديم وعفا عليه الزمن“. وقد توقف النظر إليه على أنه مجرد مشروب رفيع المستوى من العالم المتقدم، وأصبح الشراب اليومي المألوف. وأدى ذلك إلى ظهور سناك بار أو بارات ”الوجبة الخفيفة“، وهو نوع من النمط الغربي يجسد البارات اليابانية التقليدية كأماكن لشرب الويسكي.

(*١) ^ كان يعرف سنتوري أولد باسم Kuromaru، ويعني بالعربية ”الكرة السوداء“، في إشارة إلى زجاجته المدورة السوداء.

الحانات توسع سوق الويسكي

الحانات المعروفة في اليابان باسم سناكّو (”snack“) ازدهرت من فترة السبعينات حتى التسعينات. تقدم هذه المحال المريحة، غالبا ما يتم الجلوس على كراسي مرتفعة أمام منضدة مثل البارات، المأكولات الخفيفة وكذلك الكحول وتتميز بالمضيفات للترفيه عن الضيوف. لعبت حانات ”الوجبة الخفيفة“ دورا رئيسيا في توسيع استهلاك الويسكي. من هنا انتشرت خدمة حفظ زجاجة المشروبات الروحية الخاصة حيث يمكن للزبائن شراء المشروب المفضل لديهم وحفظها من قبل الحانة من أجل الزيارات المستقبلية. وجد مصنعو الويسكي من خدمة حفظ الزجاجة وسيلة مريحة لأعمالهم، ووجود هذه المحال الأساسية التي تبيع منتجاتها سهل من بناء الوعي بالعلامة التجارية وتوفير دعم المبيعات.

في حانة للوجبات الخفيفة. معظم الحانات لديها أجهزة الكاراوكي. جيجي برس

وقد شجعت الشركات المصنعة التحول إلى منتجات من الدرجة العليا داخل نفس فئة الويسكي من خلال تقديم العديد من العلامات التجارية بأسعار متفاوتة. وكان شرب ويسكي أغلى من الآخرين باعتباره شكلاً من أشكال الاستهلاك الواضحة. على الرغم من أن زبائن حانات الوجبة الخفيفة بالطبع يدفعون الفاتورة، لم يكن السبب حقا وراء ذهابهم هناك متعلق بتناول الطعام أو المشروبات بل بالأحرى كانوا يذهبون هناك للحصول على الخدمات من الماما (صاحبة الحانة) والمضيفات. في السبعينات، تمثلت هذه الخدمات في الغالب بالحديث مع الزبائن ولكن أضيف إليها الغناء والرقص مع ظهور الكاراوكي في الثمانيات. شرب المشروبات باهظة الثمن في حانات الوجبة الخفيفة كان وسيلة لإشباع رغبة الزبون بجذب الاهتمام إليه، وهذا يعني أن عددا قليلا من الناس ذهبوا لاستكشاف الويسكي من النكهات المختلفة في نفس النطاق السعري.

اتساع الخيارات من الويسكي

شهدت فترة الثمانيات فصاعدا ظهور أنواع جديدة من المحال مثل المقاهي والبارات ”cafe bars“ وحانات الجرعة ”shot bars“، حيث يمكن للعملاء الاختيار من بين مجموعة واسعة من الويسكي التي يتم تقديمها على شكل جرعة أو تخلط في الكوكتيلات. ازدادت شعبية ويسكي البوربون وخاصة بين جيل الشباب، وبدأت المشروبات الكحولية الغربية الأخرى المتاحة للجمهور بالتنوع أيضا. ويعود السبب في هذا جزئيا لظهور الواردات الموازية، مما قوض النظام القائم في اليابان المتمثل بوكلاء استيراد حصريين يتحكمون بالأسعار.

وبدأ يباع الويسكي سكوتش القياسي بأسعار مخفضة مما أدى إلى هبوط قيمة العلامة التجارية وتآكل حصتها في السوق. وفي الوقت نفسه، توسعت لفترة مؤقتة قاعدة مستهلكي الويسكي سكوتش النخبوي. ولكن هبطت الأسعار، وبالتالي القيمة المتصورة، وفي النهاية لم تعد مرغوبة في سوق الهدايا، وتراجعت المبيعات في اليابان.

وبالتالي فإن سوق الويسكي تقلص نتيجة لانخفاض الأسعار، وتحدي منطق التسويق القياسي. مع فقدان سوق الويسكي من الدرجة الممتازة، توجهت الصناعة لإعادة هيكلة نفسها حول القيم القائمة على التفضيل، مثل النكهة والرائحة، كما يتضح من ويسكي الشعير.

التسلسل الهرمي في المجتمع الياباني

في العقود التي سبقت فترة الثمانيات عندما كان يشرب الويسكي على نطاق واسع كخيار للعديد من اليابانيين، كانت العلامات التجارية للويسكي عبارة عن رموز للوضع الاجتماعي والأيديولوجية، والجوانب الأخرى لمن يشربها. كان عليه الحال بالنسبة للأفراد أن يصعدوا سلم العلامات التجارية طردا مع ارتفاع دخلهم المادي: على سبيل المثال، من سنتوري ريد (Red) إلى سنتوري وايت (White) إلى سنتوري أولد (Old) إلى ريزيرف (Reserve). وعلاوة على ذلك، فإن اختلاف العلامات التجارية لا يعني دائما اختلافات في التسلسل الهرمي. كان هناك المزيد من الويسكي الفريد من نوعه بالنسبة للمفكرين، مثل علامة سنتوري التجارية Kakubin، وويسكي من شركة نيكا، وويسكي البوربون، والتي سمحت لشاريبها التعبير عن ذاتهم اعتمادا على ما يشربونه. كل هذا يثبت أن لدى الويسكي أهمية اجتماعية كبيرة لليابانيين في ذلك الوقت.

وهذا ما يفسر الحملات التسويقية التي أطلقتها شركة سنتوري على مر السنين للوصول إلى أجيال مختلفة في المجتمع الياباني. الشركة، التي سعت للمساهمة في المجتمع بطرق عديدة، كانت شركة ثقافية، وليس مجرد منتج للمشروبات الكحولية الغربية. وفي بداية الثمانينات، كانت الشركة تتمتع بشعبية بين طلاب الجامعات، كأكثر مكان مرغوب للعمل فيه.

ومع ذلك، فإنه يمكن القول إن سوق الويسكي انتشر بصفته عنصرا ثقافيا أكثر من كونه قائم على اختلافات في النكهة والرائحة بين العلامات التجارية الحالية. ومنذ أن أصبح لكوكتيل chūhai شعبية في أوائل الثمانينات، توقفت موجة الصعود في سوق الويسكي العام.

ظهور الهاي بول

بعد عدة سنوات من الترويج لكوكتيل الويسكي أو الهاي بول (ويسكي ومياه غازية)، نجحت سنتوري في نفث حياة جديدة في سوق الويسكي. لقد خصصت قدرا كبيرا من الوقت والجهد في تعليم الحانات وصفة الهاي بول الخاصة بهم، بما في ذلك كمية الكحول ودرجة الحرارة، للوصول لأقصى قدر من طعم الويسكي. ونتيجة لذلك، كانت سنتوري قادرة على خلق سوق جديدة من الجمهور التقليدي المستهدف للويسكي.

كان هناك دائما مجموعة معينة من الناس التي لا تحب الطعم الحلو لمشروب chūhai. ما أرادته هذه المجموعة هو مشروبات منخفضة الكحول، جافة، مشعشعة ومنعشة لا يضجر المرء من شربها، وهنا كان كوكتيل الويسكي أو الهاي بول يناسب هذا الذوق. وقد جلب هذا الطلب في سوق ويسكي عملاء جدد، قدموا كمستهلكين لأسواق المختلفة، بما في ذلك مشروبات البيرة وchūhai.

ولكن هذه القاعدة الاستهلاكية الجديدة تكون محدودة لاستخدامها الويسكي في الهاي بول. حملهم على شرب الويسكي في حد ذاته هو فصل آخر على الطريق. ودفع هؤلاء القادمين الجدد بنجاح إلى طرق أكثر أصالة للاستمتاع بالويسكي سيكون أساسيا في زيادة تعزيز السوق الكلي للويسكي.

(عنوان الصورة: داخل بار TORYS، حوالي عام ١٩٥٥. الصورة مقدمة من سنتوري).

ويسكي