الفاكهة اليابانية: السعي نحو الكمال

الكانتالوب الياباني...ليس مجرد كانتالوب عادي!

لايف ستايل

الشمام الياباني تجده معبأ في صندوق أنيق خاص بالهدايا أو يزين الحلويات الفاخرة. في هذه الجولة الخاصة، نزور محل فاكهة في العاصمة طوكيو يفتخر بحلوى الشمام وأحد المزارعين في محافظة شيزوؤكا الذي كرس حياته لفن زراعة الكانتالوب الياباني.

فاكهة تستحق الانتظار

في بلد ذو تقاليد عريقة في التعامل مع الفاكهة على أنها سلع فاخرة، ربما لا توجد فاكهة توازي في الترف والفخر تماما مثل الكانتالوب الياباني ”مسك ملون“ (نوع من الشمام برائحة المسك). فإنه ليس من المستغرب، إذن، أن هذا النوع من الكانتالوب يلعب دور المنتج الأهم في شينجوكو تاكانو (Shinjuku Takano، تأسس في ١٨٨٥)، واحد من أقدم وأشهر متاجر الفاكهة الفاخرة في اليابان.

الكانتالوب هو نجم هذه الحلوى الهلامية. (الصورة: كوديرا كي)

أنشأ تاكانو أول مطعم للفواكه في عام ١٩٢٦ بعد أن أبدى الزبائن الأجانب الرغبة في التمتع بسلع المحل على الفور. أحد السلع الأكثر شعبية في المطعم هي بارفيه (هي كلمة فرنسية تعني حرفيا الكمال تستخدم بشكل شائع لوصف نوع من الحلوى المجمدة من عام ١٨٩٤) الشمام، التي تم تجميعها بدقة حيث يتشكل النصف العلوي من قطع مختارة من حبة شمام ناضجة تماما، أما النصف السفلي فهو عبارة عن عدة طبقات من الآيس كريم والقشدة والمثلجات المصنوعة من الفاكهة الطبيعية. ويتم احتساب كل مكون من المكونات، وصولا إلى أسفل الكأس الزجاجي المخروطي الشكل المصمم خصيصا لحلوى البارفيه، لتعزيز الطعم وجمال فاكهة الشمام للحصول على تجربة لا تنسى حقا.

بارفيه الشمام في مطعم تاكانو متوفر مقابل ٢١٦٠ ين على مدار السنة، وذلك بفضل زراعة البيوت البلاستيكية، لكنها تحظى بشعبية خاصة خلال أشهر الصيف، وحينها يتوجب على الزبائن الانتظار ساعتين أو ثلاث ساعات للحصول على طاولة.

بارفيه الكانتالوب الأكثر مبيعا في تاكانو. (الصورة: كوديرا كي)

بوتيك الشمام

في عام ٢٠٠٦، افتتح شينجوكو تاكانو متجر ”مسك ملون“ في الذكرى ١٢٠ لإنشاء المتجر، وهو بوتيك داخلي مكرس حصرا لملك الفاكهة. هنا تجد خبيرا متاحا على الدوام لتقديم المشورة للزبائن حول وقت وصول الشمام إلى ذروة النضج على وجه التحديد. هذه ليست مهمة سهلة، ولكن هذه الطريقة الأمثل للاستفادة القصوى قبل شراء هذه الفاكهة باهظة الثمن، لأنه حتى يوم واحد سابق أو متأخر عن أوان النضج يمكن أن يحدث فرقا كبيرا في نكهة وملمس وعطر الفاكهة. بعض خبراء المتجر يعملون أيضا كمدربين، لتعليم صفوف شعبية مثل ”الفاكهة في الموسم“ و”فن ترتيب الفاكهة“.

متجر ”مسك ملون“ في شينجوكو تاكانو (أعلى)، خبير يدق على أسفل حبة الكانتالوب لتقييم نضجها (أسفل اليسار)، كانتالوب مخصص للهدايا مقابل ١٦٢٠٠ ين (أسفل اليمين). (الصور: كوديرا كي)

على طريقة مطبخ الكايسيكي في اليابان، يتعامل المتجر مع الشمام ويعرض كل منتجاته ليس كأطعمة وإنما بوصفها أعمال فنية طازجة وصالحة للأكل. وهذا أمر مفهوم، إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد الساعات الشاقة التي يكرسها المنتجون في كل حبة كانتالوب، والذي تدعمها خبرة تمتد لعقود من تربية وتنمية هذه الفاكهة.

ومع ذلك، مهمة شينجوكو تاكانو اليوم هو وضع هذه السلع الفاخرة ضمن نطاق يسهل الوصول إليها و”جعل الفاكهة جزءا من الحياة اليومية“. فالمتجر لا يقدم الفاكهة الطازجة الفاخرة فحسب، بل أيضا خط شامل من منتجات الفاكهة الأصلية، من الكعك والحلويات الهلامية والمربى والعصائر. في هذه الأيام تصر الشركة على تجهيز كل متجر، بما في ذلك تلك الموجودة في متاجر التسوق الكبرى، بمطبخ خاص بها. والفكرة هي لخدمة وبيع الأطباق والمنتجات التي تستخدم فقط الفواكه الطازجة. ”سلطة الفواكه هي آخر الصيحات لدينا“، كما يقول كوبو ناوكو، رئيس قسم المعلومات العامة والتسويق.

الشمام الفاخرة

في متجر متخصص في بيع الفواكه في وسط طوكيو، يبلغ سعر حبة الكانتالوب الواحدة في أي مكان من ١٣٠٠٠ ين إلى حوالي ٣٠٠٠٠ ين. بالمقارنة مع أكثر الأسعار انخفاضا، نجد أنها حوالي ٢٥ ضعفا ما يتوقع معظم الأميركيين دفعه مقابل أي حبة كانتالوب جيدة. ماذا يمكن أن يفسر هذه الفروق في الأسعار؟

لمعرفة ماهية هذه الفاكهة الفاخرة، سافرنا ٢٠٠ كلم جنوب غرب طوكيو إلى فوكوروي، في محافظة شيزوؤكا، حيث كرس تشوجو فوميّوشي وهو مزارع من الجيل الثاني ٤٠ عاما في زراعة ”مسك ملون“.

في اليابان، اسم فوكوروي، شيزوؤكا يذكرنا بأمرين: كرة القدم (استضاف المكان بعض الأحداث لنهائيات كأس العالم لكرة القدم ٢٠٠٢) والشمام ماركة Crown وهي واحدة من أبرز العلامات التجارية للشمام. وينحدر كانتالوب Crown من مجموعة متنوعة من الكانتالوب، ويطلق عليها بالإنكليزية Earl’s Favorite، والتي تم زرعها لأول مرة في فوكوروي، شيزوؤكا في عام ١٩٢٤. للعثور على مناخ معتدل مناسب تماما لزراعة الكانتالوب والتي تأتي أصلا من مصر، استمر المزارعون بتحسين مجموعة متنوعة من خلال التربية الانتقائية حتى استطاعوا تطوير زراعة الكانتالوب الفاخر المصمم خصيصا لتقديم الهدايا. هم يواصلون هذه العملية حتى اليوم، وبذلك من خلال حفظ أفضل البذور وحمايتها بحذر وكأنها سر تجاري.

يسمح فقط لحبة كانتالوب واحدة مدللة لتنمو على كل نبتة.

تم تصميم البيوت البلاستيكية المكسوة بالزجاج بعناية لتحقيق الاستفادة المثلى من الإشعاع الشمسي.

يزرع تشوجو الكانتالوب في ١١ بيتا بلاستيكيا زجاجيا. دورة النمو من الزراعة إلى الحصاد تستغرق نحو ١٠٠ يوما، وبفضل الترتيب التعاقبي للزراعة، تشوجو قادر على حصاد الكانتالوب على مدار السنة. للحفاظ على درجة حرارة ورطوبة مثالية في كل بيت بلاستيكي، يستخدم تشوجو نظاما حاسوبيا للتحكم في المناخ مبرمج لتنظيم عدة بيئات للنمو. رطوبة التربة، وهي على الأرجح أكبر عامل واحد لتحديد حلاوة ونكهة البطيخ، يجب أن تكون مضبوطة بشكل مناسب لنمو كل نبتة، لذلك يراقب تشوجو حبات الكانتالوب يوميا ويرويها بالمياه وفقا لذلك.

١. بعد التقليم، يتم ترك كل نبتة بحبة كانتالوب صغيرة بحجم البيضة.
٢. يتم تغليف كل حبة كانتالوب بورق.
٣. تشوجو يدق على أسفل حبة الكانتالوب لتقييم نضجها.
٤. الكانتالوب المفحوص في انتظار الشحن.

عندما تزهر الكروم، حوالي ٢٥ يوما بعد الزرع، يجب على المزارع التحرك بسرعة لتلقيح كل زهرة باليد وذلك باستخدام فرشاة صغيرة. بعد مضي عشرة أيام أخرى، عندما تنمو الثمرة لحجم البويضة، يتم تقليم الكروم حتى لا يبقى على كل نبتة سوى حبة كانتالوب واحدة، والتي تلف بلطف بواسطة ورق رقيقة لضمان سطح موحد اللون تماما. القنوات ترسل جميع العناصر الغذائية والسكريات إلى حبة الكانتالوب الوحيدة المتبقية حتى يفوح منها العطر. ”النتوءات الشبكية“ المميزة التي تتشكل على السطح هي نتيجة الشقوق التي تظهر وتشفى أثناء نضوج الفاكهة وتضخمها.

تشوجو يقيس درجة النضج من قبل الطرف اللين في الجزء الأدنى من حبة الكانتالوب.

يتم نقل الكانتالوب بعد حصاده لتعاونية محلية، حيث يخضع لتفتيش دقيق وتصنيف على أساس عوامل مثل الحجم ومحتوى السكر، وبروز النتوءات الشبكية. الكانتالوب ماركة Crown له ست درجات: فوجي في المقدمة، تليها ياما، شيرو، يوكي، وهلم جرا. واحدة فقط من الألف تكسب درجة فوجي العليا. بعد الفحص، تعبأ حبات الكانتالوب بعناية في صناديق وتشحن إلى واحدة من أسواق الجملة المركزية في اليابان.

بيوت تشوجو البلاستيكية تتحول في بعض الأحيان إلى غرف صفية، حيث يستطيع طلاب الزراعة وبائعو الفواكه وغيرهم إلقاء نظرة مباشرة على العمل الجاد والدراية الذي يدخل في كل حبة كانتالوب متميزة. ويقول تشوجو، ”إنه من دواعي سروري حقا عندما يقوم تجار الفاكهة بالتجزئة بإرسال موظفيهم إلى هنا للتعرف على تقنيات الإنتاج“.

إن زراعة الكانتالوب كثيرة المطالب والرهانات عالية. لا يزال تشوجو يتذكر صدمة تلف المحاصيل من خلال نقص الري. ويقول إنه بالكاد تناول الطعام لعدة أيام بعد ذلك. ويضيف، ”كل يوم لا بد لي من ضبط كمية المياه حسب نمو الكانتالوب، لذلك لا يمكن اتخاذ أي إجازة، ولا حتى في عيد الميلاد أو رأس السنة الجديدة. هذا النظام صعب على زوجتي أيضا“. في الواقع، لم يذهب الزوجان أبدا في إجازة عائلية.

ومع ذلك، تشوجو في غاية السعادة: ”أنا أزرع الكانتالوب اللذيذ الذي يسر العين، ثم الأنف، وأخيرا حاسة الذوق. بالنسبة لي، هذا أفضل شيء يمكن أن أحصل عليه“.

الكانتالوب الحلو والعطري الذي يصعب مقارنته والمعروض في محلات الفاكهة اليابانية ومطاعم الفواكه هو نتاج التفاني الدؤوب للكمال في كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة. ومع ذلك فإن الكانتالوب هو مجرد كانتالوب... أليس كذلك؟ هل تستحق قطعة من الفاكهة فعلا كل هذا الجهد؟ حاول تناول واحدة منها وقرر بنفسك.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية. وكتبتها دوي إيمي من nippon.com ونشرت يوم ٣١ أغسطس/آب ٢٠١٦. صورة العنوان: كرات الكانتالوب تتوج شرائح من الكيك المكون من طبقات (الثاني من اليسار) في شينجوكو تاكانو، الذي يحتوي على تشكيلة واسعة من الحلويات بالإضافة إلى الهدايا ومنتجات الفواكه الأخرى. التصوير: كوديرا كي)

الزراعة الفاكهة