الفاكهة اليابانية: السعي نحو الكمال

حمام ساخن بسحر فاكهة اليوزو المميزة

ثقافة

اليوزو هو ملك فواكه اليابان فهو أحد الفواكه التي يمكنك أن تراها في اليابان بشكل خاص، وهو خليط في المذاق بين الجريب فروت والليمون وأحياناً ما يماثل حجمها حجم الجريب فروت ومستديرة الشكل مع لون أصفر ينبض بالحياة وهي غنية أيضا بالرائحة العطرية. يضع اليابانيون ثمرات اليوزو في الحمّامات الساخنة حيث أن شكلها ولونها الزاهي الجميل وعبيرها النفاذ يساعد على تنشيط الحواس ويجلب الدفئ والراحة النفسية في أكثر أيام الشتاء برودة. هكذا نصح الحكماء من قديم الأزمان.

متعة الحمّام الساخن بفاكهة اليوزو في الشتاء

”يوزو“ هي فاكهة يابانية من الحمضيات لديها رائحة فريدة تختلف عن كلٍ من الليمون واللّيم والجريب فروت. نكهة ثمرة اليوزو التي تدخل في أطباق المخللات والشوربات في المطبخ الياباني كخلطة الدُّقة الأصلية في المطبخ العربي التي تحبُك المذاق وتغنيه، كما أن مذاق هذه الفاكهة المميز في حلوى المثلجات يجدد المزاج ويعطي انتعاشة خاصة. ولا يتوقف سحر فاكهة اليوزو في الطعام فحسب بل لها تأثير أيضاً في تدفئة الجسم البارد شتاءً، فهي تُجدد خلايا الجسم وتنعشه، ولذلك فقد كانت توضع ثمرات اليوزو منذ القدم في مغطس الحمّامات الساخنة خاصةً في يوم الإنقلاب الشتوي فيما يعرف بـ”يوزو- يو“ أي ”حمّام اليوزو الساخن“. إذا جربته مرة لن تنساه أبداً.

ويوم الانقلاب الشتوي هو اليوم الذي يكون فيه النهار أقصر ما يكون والليل أطول ما يكون في نصف الكرة الشمالي ويصادف يوم ٢١ أو ٢٢ من ديسمبر/ كانون الأول. وكنوع من التطهر والتيمن في هذا اليوم ومن أجل موسم جديد بصحة جيدة وبدون أمراض، يستمتع اليابانيون بحمّام ساخن بفاكهة اليوزو. ويمكن رؤية فاكهة اليوزو مرصوصة في السوبر ماركت كما أن عادة تحضير السينتو (الحمّامات العامة) وومنتجعات الينابيع الساخنة بثمرات فاكهة اليوزو في هذا الوقت من العام لا تزال موجودة في أماكن كثيرة حتى الآن. فالاسترخاء لوقت كاف في حمّام ماء ساخن تطفو على سطحه ثمرات فاكهة اليوزو واستنشاق رائحتها الزكية النفاذة يحول دون الإحساس بالبرودة حتى بعد الخروج منه كما يجعلك تنعم بنوم هانئ هاديء طوال الليل وحتى الاستيقاظ صباحا في حيوية وانتعاش فضلا عن فائدتها في الحفاظ على جمال البشرة.

”أوماجي“ .. قرية رائدة تقوم على فاكهة اليوزو

تعتبر فاكهة اليوزو واحدة من ضمن عدد كبير من الفواكه الحمضية التي تنمو في اليابان. ويزرع أكثر من نصف الانتاج الكلي لها في محافظة كوتشي والتي تفتخر بكونها الأولى في انتاج فاكهة اليوزو على مستوى اليابان. وعلى بعد ساعتين بالسيارة من مطار كوتشي في أعلى الجبل تقع قرية أوماجي، وهي قرية يقوم اقتصادها المحلي بالكامل منذ الستينات على فاكهة اليوزو منتجاتها. المتحدث الرسمي للقرية، السيد هونزاوا يوكي، يحكي عن متعة حمّام فاكهة اليوزو ليس فقط في يوم الانقلاب الشتوي بل يذكر أنه كان يستمتع به في أيام الشتاء الباردة ويقول ”فضلا عن الرائحة الزكية، أذكر الاحساس الرائع بالدفئ الذي يستمر حتى بعد الخروج من الحمّام، لذا أحاول حتى الآن أن استمتع بحمّام اليوزو كلما إتيحت لي الفرصة..“

يعمل الزيت المستخرج من قشرة ثمرة اليوزو إذا دهن به الجسم على تنعيم البشرة كما يستخدم الزيت المستخرج من بذورها في أنواع كثيرة من زيوت تصفيف ومعالجة الشعر التالف. وتعمل قرية أوماجي على تطوير عدد من المنتجات الخاصة بها والتي تعتمد على فاكهة اليوزو منها مستحضرات للتجميل وأنواع من العطور والكريمات والزيوت العطرية.

مزارعون يحصدون ثمار اليوزو في مزارع توسا-كيتاجاوا. الصورة من كوسانو سيّتشيرو.

حمّام الفواكه الساخن يرجع تاريخه إلى أكثر من ٤٠٠ سنة

فاكهة اليوزو في الأصل موطنها هو الصين ويقال إنها بالفعل كانت قد وصلت إلى اليابان خلال حقبتين تاريخيتين من أسوكا إلى هييان (٥٩٣-٧٩٤). ولطالما كانت هناك منذ القدم في اليابان ثقافة وضع الثمار المختلفة في موسمها الطبيعي في الحمّامات الساخنة بغرض العلاج وتنمي دوام الصحة، ولكن يرجع أصل بداية حمّام فاكهة اليوزو ”يوزو-يو“ إلى حقبة إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨) حيث كان يقال إن الاستلقاء في حمّام ساخن بفاكهة اليوزو في يوم الانقلاب الشتوي يحمي من التعرض لنزلات البرد. وفي رواية أخرى يقال إن عادة دخول حمّام اليوزو بغرض العلاج ارتبطت مع يوم الانقلاب الشتوي من تطابق نطق كلا الكلمتين باليابانية، حيث أن كلمة الاستحمام العلاجي في الينابيع الساخنة (湯治) وكلمة يوم الانقلاب الشتوي (冬至) كلاهما ينطق ”توجي“ مع اختلاف مقطع الكانجي وهي لعبة التلاعب بالألفاظ المعروفة لدى اليابانيون باسم غوروأواسيه (語呂合わせ). مثلها مثل عادة وضع عشب ”القصب العطري“ في الحمّام في مهرجان ”تانغو نو سيكّو“ للصبيان والتي انتشرت في نفس الفترة لتمني كمال الصحة والقوة للأولاد حيث أن العشب يسمي باليابانية ”شوبو“ وهو نفس نطق كلمة ”تنافس“.

ثمار يوزو طازجة من إنتاج قرية أوماجي. الصورة من كوسانو سيّتشيرو.

الاستمتاع بحمّام فاكهة اليوزو في المنزل

في ينابيع قرية أوماجي الساخنة تقدم خدمة الحمّام الساخن بفاكهة اليوزو في يوم الانقلاب الشتوي كل عام. حيث توضع ثمار فاكهة اليوزو لتطفو على ماء الحمّام بينما في العادي توضع ثمار اليوزو داخل شباك صغيرة.

ويمكن تحضير حمّام اليوزو في المنزل باستخدام كمية من ثمار اليوزو أو استخدام فقط ٢-٣ ثمرات وتقطيعها إلى نصفين أو إلى شرائح ووضعها داخل شبكة. وهناك طرق أخرى حيث تجرح القشرة أو يقشر بعضا منها وجعلها تطفو على سطح الماء كما هناك طريقة إضافة العصير فقط إلى مياه المغطس. ولكن لا بد من توخي الحذر فإذا كان هناك جرح سطحي على الجلد فقد يسبب الحامض في الفاكهة في إحداث ألما لاذعا وربما يكون قويا على بشرة الأطفال أو البشرة الحساسة.

”يوزو-غاما“ أو ”وعاء يوزو“: يقدم بداخلة الأطعمة المنهكة بخل اليوزو أو يستخدم ككأس لشرب الساكي البارد. الصورة مقدمة من قرية كيتاجاوا

أما في قرية كيتاغاوا والتي تقع أيضا في محافظة كوتشي، فلا يتوقف استخدام فاكهة اليوزو على وقت معين، فطبقاً للسيد أوتسوبو تاكاشي الذي يعمل في مكتب القرية، أنهم يقومون بتفريغ اللحم من الثمرة واستخدام القشرة كأكواب لشرب الساكي الياباني، كما يستخدمون ما يتبقى منها بعد استخدامها في الأطعمة المختلفة ويضعونه في مغطس الاستحمام طوال الوقت. وعند شق القشرة بلطف وتركها فإن الرائحة تتصاعد منها وتستخدم كمعطر للمكان، وكثيرا ما يحضّرون حمّام اليوزو حيث يمكن استخدام نفس الثمرات لـ٢-٣ أيام. ويقول السيد أوتسوبو تاكاشي مبتسما ”أعطي ثمرة يوزو لكلٍ من بنتي الصغيرتين وهما في الرابعة والثانية من العمر، فتظلان لبرهة تلعبان وتأبيان الخروج قبل أن تستمتعان بوقتهما وتدفئ أجسامهما تماما..“

فوائد متعددة لفاكهة اليوزو

حمّام ساخن تطفو على سطحه ثمرات فاكهة اليوزو في منتجع الينابيع الساخنة بقرية أوماجي. الصورة من كوسانو سيّتشيرو.

إن اليوزو لديه فوائد متعددة. وتكمن رائحة اليوزو في الأساس في القشرة ولذلك تستخدم القشرة بشكل رئيسي. وتحتوى المادة الدهنية الموجودة في القشرة وتعرف بـ ”يوزو- نون“ على مادة الليمونين والتي يقال إنها تذوب في الماء الساخن وتعمل على تنشيط المسام في الجلد وبالتالي تحسين الدورة الدموية في الجسم كله. كما تساعد رائحة اليوزو على الاسترخاء وتحافظ على صحة الجلد وجمال البشرة. ونظراً لاحتواء اليوزو علي مستويات عالية من فيتامين سي الذي يعزز الدورة الدموية ويساعد على تدفئة الجسم إلى جانب تقوية الجهاز المناعي. وبينما يحسن البكتين في ثمرة اليوزو من وظائف الأمعاء يعمل كذلك على تخليص الجسم من السموم. أما لحم الثمرة فيحتوي على حمض السيتريك وحمض التفاح الذي يجدد النشاط ويرفع من قوة التعافي الطبيعي للجسم.

تلذذ بنكهة اليوزو الفريدة في الطعام واستخدم الباقي منها للاستحمام. فالرائحة الزكية ولونها الأصفر البرتقالي الجذاب مع ملمس الماء الدافئ في حمّام فاكهة اليوزو الساخن يجلب الراحة للجسم المتعب والدفئ في أيام الشتاء البارد. صدق الحكماء عندما أوصو به..

(النص الاصلي باللغة اليابانية بقلم دوي إميكو من nippon.com بتاريخ ٢٠ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦. صورة العنوان: ”يوزو-يو“ حمّام ساخن بفاكهة اليوزو في ينابيع قرية أوماجي الساخنة. فهو خدمة بشكل خاص في يوم الانقلاب الشتوي، وفي العادة توضع الثمرات داخل شبكات صغيرة. شكر خاص لمنتجع الينابيع الساخنة بقرية أوماجي. الصورة من كوسانو سيّتشيرو.)

ينابيع المياه الساخنة حمام الفاكهة