الفنون القتالية اليابانية

تعرف على تاريخ ظهور الكاراتيه ونشأته في اليابان

ثقافة رياضة

الكاراتيه هو فن قتالي ينطوي على مجموعة متنوعة من التقنيات الهجومية والدفاعية، ويُعتبر تراثًا مهمًا في اليابان. يتميز الكاراتيه بتقنيات اللكم والركل والحركات الدفاعية، وهو يجمع بين الجوانب البدنية والروحية. تاريخ الكاراتيه يعود إلى جزيرة أوكيناوا في اليابان، حيث كان السكان يمارسون فنون الدفاع عن النفس كوسيلة للبقاء على قيد الحياة في ظل القيود التي فرضتها السلطات الحاكمة. مع مرور الوقت، تطورت تلك التقنيات وأُدخِلت إلى اليابان الرئيسية. شهد الكاراتيه تطورًا كبيرًا في القرن العشرين، حيث أصبحت رياضة رسمية وانتشرت على مستوى العالم. في عام 2020، أُدرجت رياضة الكاراتيه كإضافة لدورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، مما جعلها أحد الرياضات الأولمبية الرسمية للمرة الأولى. تُعَدُّ إضافة الكاراتيه إلى الألعاب الأولمبية تقديرًا للتأثير الثقافي والرياضي الذي يحمله هذا الفن القتالي. يشمل نظام التحكيم في الألعاب الأولمبية تقنيات اللكم والركل والتفاف الجسم، ويتيح للرياضيين فرصة التنافس في فئات مختلفة ووزنيات مختلفة، مما يجسد التنوع والشمول في هذه التجربة الرياضية العالمية.

بداية الكاراتيه في أوكيناوا

 نشأ الكاراتيه في القرن الرابع عشر في جزيرة أوكيناوا باليابان، حيث كانت المملكة تسمى ريوكيو. في ذلك الوقت، فُرض حظر على حمل السلاح في أوكيناوا، خلال فترة حكم مقاطعة ساتسوما وحكم الملك شوو شين. هذا الحظر دفع سكان المنطقة إلى تطوير وسائل للدفاع الشخصي بدون استخدام الأسلحة.

تأثرت تقنيات الكاراتيه بالفنون القتالية الصينية نظرًا للعلاقات التجارية والثقافية الوثيقة بين أوكيناوا والصين. تميزت هذه التقنيات بالتركيز على استخدام الجسم بفعالية وكفاءة الحركات، وذلك بدون الحاجة إلى السلاح.

مع مرور الوقت، انتقلت تقنيات الكاراتيه إلى اليابان حيث تم تطويرها وتنويعها. أصبحت الكاراتيه رياضة قتالية عالمية شهيرة، واحتفظت بتراثها الفريد وفلسفتها التي تعزز تطوير الفرد واحترام الآخرين.

كان الكاراتيه يُعرف في البداية باسم ”تودي“ بلغة أوكيناوا. لكن مع مرور الوقت وتأثير النطق الياباني، تم تعديل الاسم ليصبح ”كاراتيه“. كلمة ”كارا“ باليابانية تعني ”خالٍ“ أو ”فارغ“، وتعكس فلسفة الوجود والخلاء. تمت إضافة هذا الحرف ليظهر الفارغ أو الفراغ في التقنيات، حيث يشير إلى أن الفن يستخدم الجسم بطريقة فعّالة دون الحاجة إلى أسلحة.

على الرغم من أن تعلم الكاراتيه كان يتم عادةً من خلال ”انتقال السر“ من المعلم إلى التلميذ، إلا أنه في العقد الأول من القرن الماضي، قام بعض القادة الذين اكتشفوا قيمة التربية البدنية بدمج الكاراتيه في التعليم النظامي. تم تضمين ”الكاتا“ (التقنيات المتفق عليها مسبقًا) في نظام التعليم في مدارس أوكيناوا، مما ساهم في نشر وتطوير هذا الفن القتالي.

وعليه، فتعتبر”الكاتا“ والحركات الأساسية للكاراتيه آمنة نظرًا لعدم التصادم مع الخصم. فهو يقوم على حركات متكافئة للجسد بشكلٍ كاملٍ يمينًا ويسارًا، وهو يمتاز بسمعة طيبة في المدارس في الوقت الحاضر كما أنه لا يتطلب أدوات خاصة، أو اختيار مكان معين لممارسته.

انتشار الكاراتيه في اليابان

في عام 1922، قام فوناكوشي غيتشين، معلم كاراتيه من أوكيناوا، بعرض ”الكاتا“ في معرض الألعاب الرياضية الوطني في طوكيو، الذي نظمته وزارة التربية والتعليم اليابانية. كان هذا العرض هو أول ظهور للكاراتيه خارج أوكيناوا، وقد لفت الانتباه إلى هذا الفن القتالي وساهم في انتشاره.

في تلك الفترة، توجه العديد من معلمي الكاراتيه من أوكيناوا إلى جزر اليابان الرئيسية، حيث قاموا بتأسيس حلبات لتعليم وممارسة الكاراتيه. تزايدت شعبية الكاراتيه في الجزر الرئيسية، خاصةً بين طلاب الجامعات.

في عام 1924، تم افتتاح قسم لرياضة الكاراتيه في جامعة كيئو، وهذا الحدث يُعتبر نقطة انطلاق لانتشار أقسام الكاراتيه في الجامعات اليابانية. وليس ذلك وحسب، بل تبعه افتتاح أقسام للكاراتيه في جامعة طوكيو الإمبراطورية في عام 1926، وبدأت الرياضة في الانتشار والاندماج في المجتمع الياباني بشكل أوسع.

 في عام 1957 تمت إقامة أول مباراة تنافسية للكاراتيه في التاريخ، وكانت بعنوان ”المباراة الافتتاحية الأولى للاعبي الكاراتيه في اليابان على مستوى الجامعات“. أقيمت هذه المباراة في صالة الألعاب الوطنية القديمة ”ريوغوكو“. تم وضع قوانين اللعبة وفقًا لرغبات الطلاب، وتم تحديد أسس المباريات الحديثة.

في الفترة نفسها، بدأت الأصوات تتزايد لإقامة اتحادات تجمع بين المدارس وتتجاوز مستوى المدارس الفردية. في عام 1964، تأسس الاتحاد الياباني للكاراتيه ”JKF“. كما تم في عام 1970 تأسيس الاتحاد الدولي للكاراتيه ”WKF“ في اليابان، وذلك بناءً على قوانين دولية. وتمت إقامة أول مباراة افتتاحية للاعبي الكاراتيه الدوليين في صالة ”نيبون بودوكان“. هذه الخطوات ساهمت في تعزيز انتشار الكاراتيه على مستوى العالم وتطويرها كرياضة تنافسية دولية.

مدارس الكاراتيه الأربع الرئيسية

ماذا تعني مدارس الكاراتيه؟

يتسم الكاراتيه بالتنوع في مدارسه، حيث تشير كلمة ”مدرسة“ إلى مجموعة من التقنيات والأساليب التي تورث وتتوارث داخل هذه المجموعة. على الرغم من اختلاف التقنيات بين المدارس، إلا أن الفنون القتالية الأساسية تتمركز عادة حول اللكمات والركلات. كما أن الرؤية الروحية والتركيز على تطوير الذات من خلال التدريبات هي جوانب مشتركة في أغلب المدارس.

كثير من المعلمين الذين أسسوا مدارس الكاراتيه قد قدموا دروسًا حول أهمية التوازن بين التقنيات الجسدية والتنمية الروحية. يعتبر المعلم فوناكوشي غيتشين من أبرز الشخصيات التي قدمت إسهامات كبيرة في هذا السياق. قوله ”الكاراتيه ليس رياضة الهجمة الأولى“ يعكس فلسفة الكاراتيه بأنه ليس مجرد فن قتالي للاعتداء، بل هو فن يشجع على حماية النفس وتحقيق التناغم والتوازن.

بالإضافة إلى ذلك، تركز الكاراتيه على التدريبات الداخلية وتطوير الفرد بدنيًا وروحيًا، وذلك من خلال التركيز على المهارات التقنية والتأمل الروحي في معظم المدارس.

 جلسة السيزا وأداء التحيات وممارسة التأمل تعتبر جزءًا مهمًا من تقاليد الكاراتيه. في بداية ونهاية التدريبات، يجلس المتدربون في جلسة السيزا، وهي جلسة تقليدية يابانية تشبه جلوس الافتراش العربي، حيث تتجه أصابع القدمين للخارج. يتم أداء التحيات وممارسة التأمل كجزء من هذه الجلسة.

تعد مراسم التحية جزءًا مهمًا في الكاراتيه، حيث يقوم المتدربون بأداء التحيات للمعلم المشرف ولبعضهم البعض. هذه التحيات تعبر عن احترام وتقدير المتدربين لبعضهم البعض وللمعلم، وتعزز الروح الرياضية والتضامن داخل المجتمع التدريبي.

تعكس هذه الممارسات التراث الياباني العميق والقيم الروحية التي تميز فنون القتال اليابانية بشكل عام، وتساهم في تشكيل الفهم الشامل للكاراتيه باعتبارها طريقًا لتطوير الفرد لاحترام الذات والآخرين، ولنمو الروح.

وسنتطرق في هذا المقال إلى أربع مدارس نموذجية من بين المنظمات المُدرَجة في الاتحاد الياباني للكاراتيه.

مدرسة غوجو ريو

المؤسس: ميّاغي تشوجون

المميزات: تتميز بمهارات توقع الهجمات القريبة المباشرة

وطرق التنفس الفريدة.


مدرسة شيتو ريو

المؤسس: مابوني كينوا

المميزات: توارث مؤسسوها كثير من الكاراتيه الكاتا الذي تعلموه على أيدي العديد من القادة، ويقومون بتوريثها للأجيال القادمة.

مدرسة شوتوكان

المؤسس: فوناكوشي غيتشين

المميزات: تتميز بحركاتها الخطية الديناميكية. ويعتبر فوناكوشي غيتشين هو من قام بإقامة أولى مبارايات للكاراتيه خارج موطنه أوكيناوا أي في الجزر الرئيسية لليابان.

مدرسة وادو ريو

المؤسس: أوتسوكا هيرونوري

المميزات: تتميز بإدراج عناصر الجوجوتسو أيضًا، إضافةً إلى الكاراتيه.


علاوة على ذلك، تم انضمام منظمة إدراج قوانين الاتصال المباشر بالخصم إلى الاتحاد الياباني للكاراتيه باعتبارها ”منظمة صداقة“.

القتال عن طريق الكاتا والكوميتيه

في رياضة الكاراتيه، تنقسم المنافسات إلى فئتين رئيسيتين: الكاراتيه الكاتا والكاراتيه الكوميتيه.

1. الكاراتيه الكاتا:
- الكاتا هي مجموعة من الحركات الثابتة المقررة مسبقًا، وهي فن الهجوم والدفاع المتوارث منذ نشأة الكاراتيه.
- يوجد 91 كاتا مقررة في قائمة اتحاد الكاراتيه الدولي WKF.
- تم تصميم حركات الكاتا لتعكس حركات الهجوم والدفاع، حيث يظهر المتسابق تنفيذًا دقيقًا لتلك الحركات بشكل فني.

2. الكاراتيه الكوميتيه:
- الكاراتيه الكوميتيه تشمل الهجوم والدفاع ضد الخصم باستخدام الضربات الفنية المستطاعة من لكمات وركلات وضربات.
- يهدف هذا النوع من المنافسات إلى إظهار المهارات الفعّالة في التكتيك والهجوم والدفاع.
- تتطلب هذه الفئة من المتسابقين السيطرة على جميع الضربات الفنية دون إلحاق أذى جسدي بالخصم.

في الكاراتيه الكوميتيه، يتعين على المتسابقين تجنب إلحاق الإصابات بالخصم، وفي حالة حدوث ذلك، يمكن أن يتم احتساب مخالفات وفرض عقوبات وفقًا لقوانين اللعب.

قوانين اللعب

تقام منافاسات كلا من ”الكاتا“ و”الكوميتيه“ في صورة دورات رياضية، يرتدي أحد الخصمان اللون القرمزي، بينما يرتدي الآخر اللون الأزرق.

في الكاراتيه الكاتا، يتقدم ذو الزي القرمزي أولًا على ذو الزي الأزرق باستعراض الكاتا، ويتم إقرار نتيجة المباراة من فوز وخسارة على يد قرار أعلام خمسة محكمين طبقًا للأغلبية. تتمثل قواعد التقييم هذا في دقة الأداء (ما إذا تم تجسيد المعنى باعتباره من فنون القتال)، السرعة، القوة، التمركز وغيرهم.

في ”الكوميتيه“، تتألف لجنة التحكيم من حكم رئيس وأربعة محكمين فرعيين ومراقب واحد، يحمل المحكمين الفرعيين الأعلام القرمزية والزرقاء. يقوم اللاعبين بالتبارز خلال وقت المباراة، ثلاث دقائق للرجال، ودقيقتان للسيدات، وعند الضربات الفنية الناجحة، يقوم المحكمون الفرعيون بالتلويح بالعلم. وعندما يلوح أكثر من إثنين بالعلم، يتم احتساب النقاط وفقًا لدرجة صعوبة الضربة الفنية، فإما أن يفوز أحدهم بفارق ثمان نقاط مسبقًا، أو يتم احتساب الفوز لمن حصل على عدد أكبر من النقاط خلال وقت المباراة. أما في حال التعادل بنفس عدد النقاط، يتم إقرار نتيجة المباراة بالأغلبية عن طريق المحكمين الفرعيين الأربعة والحكم الرئيسي.

أبطال القارات الخمس

إن المباريات التي ينظمها الاتحاد الدولي للكاراتيه WKF، بخلاف بطولة العالم، تعد مباريات عالمية للأجيال الصغيرة بالإضافة إلى ذلك هناك قرابة ١٠ مباريات سنوية من الدوري الممتاز قاموا بتأسيس التصنيف العالمي من بينهم. وكذلك يشارك الكاراتيه أيضًا في كل من الألعاب العالمية، الألعاب القتالية التي تنظمها ”سبورت أكورد“، الألعاب القارية، وبطولة العالم للجامعات WUC.

أيضًا، تتناثر البلاد الحائزة على ميداليات في المنافسات العالمية في شتى بقاع الأرض. وكنتيجة لبذل مختلف الدول جهودًا في تحسين قدراتها التنافسية، اكتظ نطاق الدول القوية في الكاراتيه.

فعلى مستوى آسيا أحرزت اليابان بطولات ناجحة على مر التاريخ، ولكن في الكوميتيه تعد إيران منافسها الأقوى باعتبارها بطل العالم في الكوميتيه الجماعي للرجال لعام ۲٠١٤، وفي الكاتا فازت لاعبة فيتنامية بلقب بطل العالم في عام ٢٠٠۸. بينما تتنافس كل من تايبيه الصينية، هونغ كونغ، المملكة العربية السعودية وغيرهم في تحسين قدراتهم بشراسة.

لاعب إيراني يجيد الكوميتيه بالتحديد (إلى اليمين)

اللاعبة الفيتنامية غوين الحائزة على لقب بطل العالم عام ٢٠٠۸

تعتبر أوروبا القارة ذات المستويات الأعلى، فكل من فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا وكذلك تركيا وأذربيجان أقوياء.

لاعبون إسبانيون يظهرون في منظمة الكاتا

لاعبة تركية تسدد ركلة عليا (إلى اليمين)

وتعتبر ملكة قارة إفريقيا هي جمهورية مصر العربية. فقد حصلت على عدد من ميداليات المركز الثاني في بطولة العالم عام ۲٠١٤، وهي أحد البلاد التي يحظى فيها الكاراتيه بشعبية كبيرة، وتمتاز بلاعبين أقوياء رجالًا ونساءً كلٍ على حد سواء. وقد بدأت كل من الجزائر والمغرب ببذل الجهود في تنشئة اللاعبين، لتصبحا بذلك بلادًا واعدة.

لاعبة كوميتيه مصرية (إلى اليمين). وتبذل مصر في السنوات الأخيرة كذلك الجهود في تحسين قدراتها في الكاتا.

وفي الأمريكتين، فاز برازيلي بلقب بطل العالم في الكوميتيه الفردي. وفي الكاتا تعتبر كلا من فنزويلا وبيرو هما الرائدان. وفي الولايات المتحدة الأمريكية كان لاعبو هاواي هم الأقوياء في الألفينات، ولكن يبدو أن هناك من الولايات الأخرى أيضًا من سيعملون على تنشئة اللاعبين فيما بعد.

اللاعب بروس، بطل العالم البرازيلي.

على الرغم من ندرة الدول الأعضاء في أوقيانوسيا، تم ميلاد بطل عالم في عام ۲٠١٠ من أستراليا. وتليها في الريادة نيوزيلاندا.

الجمال والصحة وكذلك الصحة العقلية

يقتصر الكاراتيه المشارك في أولمبياد طوكيو ۲٠۲٠ على ثمانين لاعبًا، لثمانِ أنواع. أي أنه سيتم انتقاء الصفوة على مستوى العالم ليقومون بأعلى منافسات فنية.

وعلى صعيدٍ آخر، يمكن لأي فئة عمرية أن تستمر في ممارسة رياضة الكاراتيه باعتبارها رياضة حياتية. فهي تقوم بإثراء الحياة من أجل الصحة والجمال وتغذية الروح وعدة صور أخرى خلاف ذلك. فيحتوي الكاراتيه على سمات متنوعة باعتباره فن قتالي ورياضة وأحد ألوان الثقافة اليابانية، ونأمل أن يصل إلى شتى بقاع العالم أيضًا في أعقاب دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية. صورة العنوان إيزوكا تسويوشي.)

الرياضة الألعاب الأولمبية الكاراتيه الفنون القتالية