أبطال رغم العوائق والتحديات

كاوامورا ريو: تحدي العالم المجهول لكرة قدم المكفوفين

مجتمع رياضة

تقوم لعبة كرة القدم للمكفوفين على التنافس الحامي بين لاعبين من المكفوفين يقومون بصقل مهارات الإنصات لصوت الكرة وإدراك المساحات. ويقوم كاوامورا ريو كابتن لاعبي الفريق الياباني لكرة القدم للمكفوفين الطامح لاقتناص ميدالية في أول ظهور لتلك اللعبة في الألعاب الأوليمبية القادمة، مجتهداً بشكل يومي لتطوير قدراته ”المجهولة“ قبل نحو عامين على انطلاق دورة طوكيو بعد عامين من الآن.

كاوامورا ريو KAWAMURA Ryō

كاوامورا ريو من مواليد أوساكا عام 1989. منضم لفريق أكسا سيميه هوكين. أصيب بمرض التهاب العنبية في عمر 5 سنوات، وانخفضت قدرته على الإبصار. مارس رياضة الجري بالمدرسة المتوسطة والثانوية، وبدأ رياضة كرة القدم للمكفوفين حين التحق بجامعة تسوكوبا التقنية. شخصت حالته بفقد تام للإبصار في عام 2013، وبدأ اللعب للمنتخب الياباني في ”كأس نورماليزيشن، مدينة سايتما“، وكان أول من أحرز هدفاً أمام البرازيل. واختير كابتن منتخب كرة القدم للمكفوفين في عام 2016.

الاستماع في ثلاثة أبعاد

يتمتع بوجه أنيق، وينطق بالكلمات كلمة تلو الأخرى بعد تفكير. ويصعب إدراك أنه مصاب بالعمى التام حيث يقوم بالتجاوب الهادئ بشكل لحظي متابعاً تعبيراتي الصوتية. وجعلني ذلك أتذكر كلمته التي قالها سابقاً بعد المباراة.

”أستطيع معالجة مع الدلالات ثلاثية الأبعاد للخصم“.

وأشعر أني فهمت قليلاً معنى تلك الكلمات لأول مرة عندما وقفت أمامه على مقربة منه.

الشخص الماثل أمامي هو اللاعب كاوامورا ريو كابتن منتخب اليابان لكرة القدم للمكفوفين. أصبح قائد الفريق في عام 2016. أضاعت اليابان فرصة الصعود للألعاب البارالمبية في دورة ريو دي جانيرو باحتلالها المركز الرابع في بطولة آسيا، ولكن تم تجديد الفريق استعداداً لدورة طوكيو عام 2020. واختير اللاعب الشاب البارع كاوامورا كابتن الفريق.

كرة القدم للمكفوفين (يكون لاعبو الميدان من فاقدي القدرة على الإبصار بشكل التام)، تقام في ملعب مماثل في مساحته لملعب الكرة الخماسية، مثبت به سور بطول حوالي 1 متر على الجانبين. وتقام المباريات بتشكيل من خمس لاعبين، أربع لاعبي ميدان، وحارس مرمى واحد. ولتحقيق المساواة (حيث حتى في حالة الفقد التام للإبصار تتفاوت القدرة على إدراك الضوء بين الأشخاص) بين لاعبي الميدان، يرتدي جميع اللاعبين أقنعة على العينين، ويقوموا بدفع الكرة بالمراوغة والتمرير إلى أرض الخصم عن طريق الإنصات إلى الصوت الصادر من تدحرج الكرة.

تحدي البرازيل

أدرجت كرة القدم للمكفوفين في الألعاب البارالمبية منذ دورة أثينا عام 2004. ولم تحظ اليابان بخبرة المشاركة حيث أضاعت تذكرة التأهل في الأربع دورات حتى الآن. وقد فاز فريق ملوك كرة القدم، البرازيل بالبطولة البارالمبية 4 مرات على التوالي. يحكي كاوامورا هذا وقد تغيرت ملامح وجهه.

”أصارحك القول، إن اللحاق بالبرازيل هو هدف بعيد المنال. لكن أصبح من الممكن هذا الهدف ولو بشكل خافت بعد أن كان خارج نطاق رؤيتنا تماماً، وأعتقد أنه إذا لعبنا عشر مباريات يمكننا الفوز في واحدة منها. ونقوم حالياً بتركيز خبراتنا وتمضيتنا وقتنا لبلوغ هذا الفوز لمرة واحدة في دورة طوكيو القادمة“.

وقد ينظر إلى تلك الكلمات حول استهداف تحقيق الفوز أمام البرازيل، على الرغم من عدم تحقيق اليابان أي إنجازات في بطولة آسيا المؤهلة للألعاب البارالمبية، على سبيل المبالغة. ولكن يبدو كاوامورا واثقاً من تحقيق هذا الهدف.

ويشعر بوجود الزخم الصاعد في الفريق بالرغم من النتيجة الصعبة المتمثلة في احتلال المركز الخامس من بين ست دول شاركت في البطولة المعترف بها من قبل الاتحاد الدولي لرياضات المكفوفين IBSA، ”بطولة IBSA الجائزة الكبرى العالمية لكرة القدم للمكفوفين 2018“ التي أقيمت في شيناغاوا في طوكيو في مارس/ آذار هذا العام.

اللاعب كاوامورا ريو في المباراة أمام تركيا من ”بطولة IBSA الجائزة الكبرى العالمية لكرة القدم للمكفوفين 2018“ التي أقيمت في مارس/ آذار. الصورة مقدمة من الاتحاد الياباني لكرة القدم للمكفوفين.

كاوامورا يعود بالذاكرة للماضي.

”أعتقد أن المنتخب الياباني بالخبرات المتراكمة لدى الكرة اليابانية أثبت أنه يمكنه الطمع في الوصول للهدف“.

ليس ذلك كل ما في الأمر. فقد استطاعت اليابان تحقيق الفوز لأول مرة في تسع مقابلات مع الند الإيراني القوي في المباراة الودية ”CAROLO CUP 2018“ التي أقيمت في مايو/ أيار في بلجيكا. في ذلك الوقت، كانت إيران في وضع ممتاز ومستعدة لكأس العالم في الشهر التالي. وقد فازت اليابان على الفريق المختار من ألمانيا ونادي شارل روا البلجيكي. وحصل كاوامورا على جائزة هداف البطولة بعدما أحرز 8 أهداف. وسبب تكلم كاوامورا عن ”البرازيل“ يعود إلى ذلك الإنجاز الأخير.

تدريب العقل والسمع

يشعر المرء حين يشاهد كرة القدم للمكفوفين لأول مرة، بالدهشة من دقة المراوغات، التمريرات، والتسديدات التي يقوم بها اللاعبون وسرعة تحركاتهم ومناورتهم.

يقوم الأشخاص بإدراك المعلومات الخارجية عن طريق الخمس حواس، البصر، السمع، الشم، التذوق واللمس، ثم يقوم المخ بمعالجة تلك البيانات قبل القيام بأي فعل. ويقال إن حاسة البصر وحدها تمثل 80% من البيانات المدركة بواسطة الخمس حواس. وعلى الرغم من عدم قدرة لاعبي كرة القدم للمكفوفين على استخدام عضو تلقي هذا الكم الهائل من المعلومات، فكيف يقوموا مثل اللاعبين المبصرين باتخاذ القرارات بسرعة والتحرك والمناورة. ويجاوب كاوامورا على هذا التساؤل من دون تردد.

”تتشابه البيانات المدركة عن طريق البصر وتلك المدركة عن طريق السمع، في صورتها داخل المخ. لذا أقوم باللعب بناء على البيانات المدركة عن طريق السمع كما يلعب المبصرون. أي أني أستطيع معالجة مع الدلالات ثلاثية الأبعاد للخصم“.

بمعنى أن المخ يستطيع استنباط نفس الصورة من خلال معالجة البيانات المدركة بواسطة السمع وليس الإبصار، واتخاذ القرارات بناء على ذلك والقيام بالفعل. ولكن لا يعني ذلك أن أي شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة البصرية يستطيع اكتساب نفس المستوى من المهارات مثل كاوامورا. فهو يقوم بالإنصات بعناية وصقل أعصابه أثناء الحياة اليومية للإلمام بأي صوت أو دلالات خفيضة. ويقول إن تلك هي الطريقة للشعور بالصور من خلال السمع بصقل قوة إدراك المساحات بفضل تلك الإرادة القوية.

”على سبيل المثال، أحاول الإشارة بدقة إلى مصدر الصوت. وأستطيع التمرين أثناء الحياة اليومية على تخمين المسافة، الموقع، وإن كان الشخص واقفاً أم جالساً. أي أن الأمر يتوقف على مدى القدرة على الاستمرار في إدراك ذلك في الحياة اليومية. فمن دون رفع القدرة على الإدراك، لن تدخل البيانات ولن يتم صقل مهارة إدراك المساحات“.

يتم الدعاية لكاوامورا على أنه يشبه اللاعب البرازيلي ريكاردو ألفيس الذي يطلق عليه ”ميسي كرة القدم للمكفوفين“. كان لريكاردو دور بارز في فوز البرازيل بلقب كأس العالم أربع مرات على التوالي، وتم القيام بمسح على مخه وتحليله في أحد البرامج التلفزيونية حين أتى لليابان، وتم التوصل إلى أن لديه القدرة على المراوغة السريعة كما يشاء تولدت عن مهارة إدراك المساحات وحاسة السمع النادرتين. وتبين أن منطقة إدراك البصر بالمخ لديه لا تعالج الصورة التي تلتقطها العين بل ”تطورت“ لتعالج الصوت الذي التقطته الأذن. ووجود اللاعب ريكاردو أحد العوامل التي تلفت نظر كاوامورا إلى البرازيل.

”لا يروقني مقارنتي به، ولكن أنا أيضا اقتنعت بالكثير من النقاط حين تلقيت نتيجة التحليل من منظور علوم المخ والأعصاب. وفي المقابل، يعني هذا أنه هنالك فرصة لاكتشاف مهارات أخرى لم تكتشف بعد. وأود أن أرفع من مستوى طموحي بالحصول على ميدالية في عام 2020 حتى أقابل شخصي الجديد“.

متعة التحدي

ولد كاوامورا في شرق مدينة أوساكا، وضعف بصره بعد إصابته بالتهاب العنبية في سن 5 سنوات. وبدأ ممارسة كرة القدم منذ الصف الأول بالمرحلة الابتدائية، وبعد أن قام بالإعلان عن نفسه ”كطامح في أن يصير لاعبًا محترفًا“ عندما كان في الصف السادس، ومع دخوله المرحلة المتوسطة، دخل فريق ألعاب القوى بعد أن حذره والديه ومعلمه من ”خطورة“ لعبة كرة القدم. وأصبحت قوة ساقيه التي صقلها من خلال ممارسته لرياضة الجري لمسافات متوسطة كرهاً، أحد أسلحة كاوامورا فيما بعد.

”دخلت قسم اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية. وبينما كانت دراسة اللغة الأم صعبة بالنسبة لي حيث لم أكن أرى الكانجي بوضوح، أحببت الحروف الإنكليزية والأرقام حيث كان من السهل إدراكها“.

يروي كاوامورا أنه رزق ببيئة جيدة حوله في المرحلة الثانوية. حيث كان معلمه يختار الطلاب المتفوقين وذوي الخط الحسن ويلحقهم بمعاونة كاوامورا. وكان لهذا الدعم من المحيطين به، أثر في نجاحه في الجامعة الوطنية تسوكوبا التقنية. وبدأ في ممارسة خماسي كرة القدم لضعاف البصر في فصل ضعاف البصر بالجامعة أثناء دراسته بكلية الطب الشرقي. وفي صيف العام الجامعي الأول، تسمر أمام لاعب كرة القدم للمكفوفين في ملعب مجاور. وكان ذلك الشخص هو لاعب المنتخب الياباني لكرة القدم للمكفوفين وقتها، موراتا يوئيتشي.

”على الرغم من ارتداء قناع على العينين، يقوم بمراوغة الدفاع، وإحراز هدف بقراءة تحركات حارس المرمى. وأهتز قلبي لهذا بشدة. وودت أن أقوم باللعب مثل هذا الشخص. وأصبحت تلك اللحظة المحورية في تبدل حياتي“.

”شعرت في البداية بالخوف من اللعب مرتدياً قناع على عيني، ولكن اكتشفت ذلك بعد أن تم تشخيص حالتي بالعمى التام في عام 2013. وأجتهد في تدريبات كرة القدم للمكفوفين بينما أعمل معالج في شركة أكسا سيميه. وقمت بصقل حاسة السمع لدي كعضو مسؤول عن جمع البيانات بديلاً لحاسة البصر، ولكن أنا متأكد أنه لازال الكثير أمامي لتطوير مهاراتي“.

”وإذا فرضنا أني أطمح للوصول إلى 100 بحلول عام 2020، أعتقد أني الآن لازلت عند 50 من مستواي. وأشعر بمتعة كبيرة في التحدي في الجانب الغير معروف لي وإجراء التجارب على نفسي، ومعرفة المنظر الذي قد أستطيع رؤيته من منصة التتويج والمهارات التي يجب أن أكتسبها خلال تلك السنتين“.

ويقوم كاوامورا اليوم أيضا بالإصغاء لصوت الكرة المتدحرجة، ساعياً لمهارات لم يدركها إنسان قبل.

 (النص الأصلي باللغة اليابانية. تصوير الحوار: كاواموتو سيا)

الألعاب الأولمبية ذوي الاحتياجات الخاصة