أبطال رغم العوائق والتحديات

القوة اللازمة لتحقيق الانتصار: رافع الأثقال نيشيزاكي تيتسؤو

مجتمع رياضة

يتدرب رافع الأثقال البارالمبي نيشيزاكي تيتسؤو بكل ما أوتي من قوة واضعًا نصب عينيه المنافسة في دورة الألعاب البارالمبية 2020 في طوكيو. ويتطلع إلى إثبات نفسه بعد أداء مخيب للآمال في دورة ألعاب ريو دي جانيرو، عام 2016.

نيشيزاكي تيتسؤو Nishizaki Tetsuo

هو رافع الأثقال الباراليمبي وصاحب الرقم القياسي الياباني في فئة وزن 54 كيلوغرامًا. ولد في عام 1977 في محافظة نارا، وفي عام 2001 أصيب بشلل تام من أسفل الخصر جراء حادث مروري. وشارك في سباق الكراسي المتحركة في عام 2003، ثم بدأ رفع الأثقال في عام 2013 بهدف التنافس في دورة الألعاب البارالمبية 2020 في طوكيو، وكان أول ظهور بالألعاب البارالمبية له في ألعاب ريو دي جانيرو 2016. وفي عام 2014، انضم إلى شركة "نومورا" للتصميم والتخطيط العمراني.

تمارين الضغط للفوز بالميدالية الذهبية

يتميز رافع الأثقال البارالمبي نيشيزاكي تيتسؤو بطريقته فريدة في جذب المستمعين. فبابتسامته الرائعة وأسلوب حديثه المفعم بالحيوية، يستطيع حامل الرقم القياسي الياباني في فئة ال 54 كيلوجرامًا أن يدهش جمهوره ويخلق حالة من الفكاهة.

ويقوم نيشيزاكي بتمارين الضغط لعضلة الصدر بمنتهى الجدية، وهي الممارسة الوحيدة لرفع الأثقال في الألعاب البارالمبية. كما يشير دائمًا إلى أنه فيما يتعلق بالقوة المُطلقة، لا يوجد شيء يفصل بين رافعي الأثقال ذوي الاحتياجات الخاصة عن أقرانهم الأصحاء بدنيًا. وقد قال وهو يبتسم ابتسامته المعهودة: ”في الواقع، ليس غريبًا أن يحرز الرياضيون البارالمبيون أرقامًا قياسية أكبر“.

نيشيزاكي داخل غرفة التدريب بالشركة التي يعمل بها

وكان ذلك الأمر عندما فاز الإيراني سيامند رحمن في مسابقة الألعاب البارالمبية في ريو 2016، والذي كان ينافس في فئة أكثر من 107 كيلوجرامات، بذهبية بفضل رقمه القياسي الذي سجله في ضغط الصدر، 310 كيلوجرام. ”ويعد هذا أكثر 20 كيلوجرامًا من الرقم القياسي العالمي للرياضيين الأصحاء بدنيًا“، وقد أعلن نيشيزاكي ذلك وهو يضحك ملء قلبه.

لكن الفرق في فئة وزن 59 كيلوغرام، التي ينافس بها نيشيزاكي، أكبر بكثير. مؤخرًا، في يونيو/ حزيران 2018، وصل الرقم القياسي لرفع الأثقال للرجال 210.5 كيلوجرام، وبالمقارنة بأفضل رقم للأصحاء بدنيًا والذي بلغ 171 كيلوغرامًا، نجد أن هناك فارق تزيد عن 40 كيلوغرامًا. (*١)

يعرف نيشيزاكي أن هناك نظريات مختلفة حول ذلك الأمر، بما في ذلك الافتراض بأن اعتماد الرياضيين على الكراسي المتحركة يمنحهم ميزة في قوة الجزء العلوي من الجسم. وبدلًا من محو الأفكار الخاطئة حول الاختلافات بين المنافسين ذوي الاحتياجات الخاصة والأصحاء بدنيًا، فهو راضٍ بقبول أنه لا يزال هناك بعض الأشياء لا تزال تحتاج لتفسير، وقال ساخرًا ” ما زال جسم الإنسان يخفي العديد من الأسرار“.

تفاوت في القوة

يعد رفع الأثقال البارالمبي هو اختبار مباشر لقوة الجزء العلوي من الجسم. فبينما تشمل مسابقات رفع الأثقال للرياضيين الأصحاء بدنيًا فقرات القرفصاء والرفعة المميتة (الديدليفت) أيضًا، تشمل الألعاب البالرالمبية مسابقة واحدة فقط، ألا وهي: مسابقة الضغط لرفع الأوزان. ويتم تقسيم الرياضيين الذين يعانون من احتياجات بدنية خاصة تؤثر على الأطراف السفلية أو الساقين، أو ذوي القامة القصيرة، إلى 10 فئات بناءً على وزن الجسم لكل جنس. وأثناء الرفع، يستلقي المتنافسون على ظهورهم بحيث تلمس رؤوسهم وأكتافهم دكة الجلوس، ويخفضون عارضة الأوزان إلى صدورهم بشكل محكم، ثم يرفعونه مرة أخرى بطول الذراع والمرفقان مغلقان. ولدى الرياضيين ثلاث محاولات رفع، والفائز هو الذي يرفع أثقل وزن.

في الألعاب البارالمبية هناك حد أقصى 10 مراحل لكل فئة حسب الوزن. وللتأهل للألعاب، يجب تصنيف الرياضي في المراكز الثمانية الأولى على مستوى العالم أو الحصول على أحد ترشيحين مخصصين بموجب نظام دعوة ثنائي. وفي عام 2016، كان الفريق الياباني في ريو مؤلفًا من الثلاثي نيشيزاكي وميئورا هيروشي في فئة 49 كيلوجرام، وأودو هيدكي في فئة 88 كيلوجرام. أنهى ميئورا وأودو المسابقة في المراكز الثامنة والخامسة، على التوالي، لكن نيشيزاكي فشل في كل من محاولاته الثلاث ولم ينجح.

يقول نيشيزاكي إنه أحبط كثيرًا، وما زاد الأمر مرارة هو أنه كان محظوظًا بالتواجد بالمنافسة بالأساس. ”حللت في المرتبة الحادية عشرة ولم أكن أعتقد أنني سأتأهل. ولكن بعد ذلك، خرج أحد الرياضيين المشاركين عن طريق الدعوة الثنائية، ولحقت أنا في آخر لحظة“.

إنه يلقي اللوم على الأعصاب والاستراتيجية السيئة لأدائه الضئيل. على الرغم من أنه سبق له أن سجل الرقم القياسي الياباني برفع 136 كيلوجرامًا، إلا أنه قرر اللعب بأمان في أول دورة له في الألعاب البارالمبية وبدأ برفع 127 كيلوجرام. وتبين أن هذا هو سبب خسارته. وقبل أن يعرف ذلك كانت محاولاته الثلاث قد انتهت وكان خارج المنافسة دون أن ينجح في رفعة واحدة. ويقول بحزن: ”عادة ما يكون ذلك الوزن سهل“. ”لكنني سمحت للبيئة المحيطة أن تخرج أفضل ما عندي“.

بضع ثوانٍ تصنع الفارق

بالنسبة لشخص عديم الخبرة، قد يبدو الضغط على عضلة الصدر بسيطًا مثل خفض ورفع عارضة الأوزان. لكن نيشيزاكي يوضح أن الرياضة تتطلب مزيجًا من القوة والتوازن. ”من الضروري أن تمنع العارضة من التأرجح يمينًا أو يسارًا. عليك التركيز بشدة حتى تنطلق جميع الأوتار والألياف العضلية في ظهرك وصدرك وكتفيك وذراعيك في انسجام تام“.

نيشيزاكي في بطولة اليابان السادسة عشرة لرفع الأثقال في طوكيو في يناير/ كانون الثاني 2016. (تاكيمي شوغو©)

يقول نيشيزاكي إنه على الرغم من أنه قد صقل عقله وجسمه على مدى سنوات من المنافسة، إلا أنه يعلم أن هذه المهارة وحدها ليست كافية للصعود إلى القمة. فبينما تستغرق الرفعة الواحدة ثلاث ثوانٍ فقط، هناك عوامل لا حصر لها تؤثر على النتيجة، بما في ذلك الظروف الطبيعية والجوية في المكان. ”تختلف كل مسابقة عن الأخرى، وللحصول على أداءٍ مثالي، أريد أن أكون قادرًا على ضبط أدائي ليتناسب مع أي ظرف من الظروف“. كما يعترف بأنه لا يزال يتعين عليه إكمال استراتيجيته، لكنه ما زال يأمل في التوصل لمعادلة للفوز بحلول دورة الألعاب البارالمبية  في طوكيو 2020.

النجاة من كارثة

ولد نيشيزاكي في تينكاوا بمحافظة نارا، وهو أصغر ثلاثة أطفال. وكان يمارس الرياضة منذ نعومة أظافره. فلعب أولًا، البيسبول في المدرسة الابتدائية والثانوية ثم المصارعة في المدرسة الثانوية. حتى أنه فاز بلقب في بطولة إقليمية بفضل مهارته في الحلبة، لكنه يعترف بعدم قدرته على التكيف مع ألعاب السجال الفردية. ويوضح قائلًا: "عليك دائمًا البحث عن مناطق ضعف خصمك، وبمجرد أن تكتشفها، اقضِ عليه بلا تردد".

وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، بدأ نيشيزاكي العمل في شركة نقل. في عام 2001 كان يقود شاحنة ذات حمولة 10 أطنان على الطريق السريع، ثم انقلبت الشاحنة، وألقت به قوة الحادث من كابينة القيادة، مما حماه من السحق في الحطام ولكنه أصيب بجروح خطيرة. ثم عندما استيقظ في المستشفى وجد زوجته وعائلته وزملاءه في العمل يقفون حول سريره. وما أثار دهشة الحاضرين، أن أفكاره الأولى كانت تتعلق بالمشكلة التي سببها لصاحب العمل وتمتم دون وعي باعتذارٍ لصاحب الشركة، الذي كان واقفًا من بين الزوار. يوضح نيشيزاكي: "قضى مديري نصف السنة يدرس أمر شراء الشاحنة". ”لقد دمرت هذا الاستثمار المهم“.

أعطى الأطباء نيشيزاكي القليل من الأمل في المشي مرة أخرى. ويقول، ”لن أنسى تلك اللحظة“. ”كان عيد ميلادي، وحينها، قيل لي إنه سيتعين على قضاء بقية حياتي على كرسي متحرك. كنت خائفًا لدرجة أنني لم اتوقف عن البكاء لمدة أسبوع“.

العائلة في المقام الأول

بمجرد خروجه من المستشفى، سرعان ما بدأ نيشيزاكي العمل على إعادة بناء حياته. وبسبب عجزه عن قيادة الشاحنة مجددًا، درس واجتاز اختبار الخدمة المدنية لبلدية أوساكا. جنبًا إلى جنب مع حياته المهنية الجديدة، شارك أيضًا في سباقات الكراسي المتحركة، ونافس في سباق 400 متر. يقول إنه كان من الصعب في البداية قبول طريقة حياته الجديدة. ”لقد أزعجتني نظرة بعض الناس إليّ بشفقة. ساعدني السباق في استعادة ثقتي بنفسي، واعتدت تدريجيًا على الحياة على كرسي متحرك“.

كان متسابقًا موهوبًا، وقد حاول الانضمام للمنتخب الياباني لذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه فشل في التأهل لأولمبياد بكين 2008. وعلى الرغم من خيبة أمله جراء ذلك الفشل، ارتفعت معنوياته بعد فترة وجيزة حين رُزق هو وزوجته بابنتهما. ولمواجهة التحدي المتمثل في الموازنة بين العمل والتدريب والعائلة الجديدة، قرر نيشيزاكي في نهاية المطاف اعتزال سباق الكراسي المتحركة. ”كنت أنهي عملي في السادسة ثم أذهب إلى التدريبات، ولم أعد إلى المنزل معظم الليالي حتى حوالي الساعة العاشرة. أصبح الأمر لا يُحتمل، وهنا، قررت التخلي عن هدفي المتمثل في التأهل إلى لندن لقضاء المزيد من الوقت مع ابنتي“.

تحدٍ جديد

استمتع نيشيزاكي بقضاء مزيد من الوقت مع العائلة، لكن اختيار طوكيو كمدينة مضيفة لدورة الألعاب البارالمبية 2020 أجبره على العودة إلى الرياضات التنافسية. ومع الدعم الكامل من أحبائه، بدأ رفع الاثقال، وهو المجال الذي كان على دراية به من ممارسة تمرين الرفع على الصدر كجزء من نظام التدريب في وقت سابق. وفي عام 2014، حصل على منصب مُصمم فعاليات في مكان عمله، شركة الهندسة المعمارية نومورا، وذلك بمساعدة من اللجنة الأولمبية اليابانية. لم تقدم الوظيفة مسارًا مهنيًا جديدًا فحسب، بل وفرت أيضًا صالة رياضية لتدريب ودعم أنشطته الرياضية.

يقول نيشيزاكي: "أنا محظوظ كوني في منصب يمكنني فيه التركيز فقط على التدريب"، مضيفًا بضحكة مكتومة: "قلقي الوحيد هو أنني هو احتمال ركوني إلى الطمأنينة وأفقد روح التنافسية لدي." لكن كلمات أحد زملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة ساعدته على الاستمرار في التركيز. "عندما سمعت عبارة" 'التوقعات تخلق ضغطًا عصبيًا، لكن الدعم يمنح القوة'"، تأثرت كثيرًا. لقد جعلتني هذه العبارة أدرك كم أنا محظوظ بتشجيع الكثيرين لي".

في الوقت الذي يستعد فيه نيشيزاكي لدورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، تنتظر الأعداد المتزايدة من مشجعيه في جميع أنحاء اليابان أداء قياسي يحطم الأرقام القياسية.

يتدرب نيشيزاكي في مقر شركة نومورا في طوكيو. وقد جهزت الشركة مقراتها في طوكيو وأوساكا بحيث يستطيع نيشيزاكي ممارسة تمرين الرفع من الصدر.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صور المقابلة: هاناي توماكو. صورة العنوان: نيشيزاكي في بطولة اليابان السادسة عشرة لرفع الأثقال في طوكيو في يناير/ كانون الثاني 2016.  الصور من تاكيمي شوغو)

(*١) ^ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، رفع الرافع الروسي سيرغي فيدوسينكو 205.5 كغم في بطولة العالم المفتوحة لرفع الأثقال في هالمستاد، السويد، مما أدى إلى سد هذه الفجوة إلى حد كبير.

الألعاب الأولمبية ذوي الاحتياجات الخاصة