وصفة الطعام الممتع

هل هناك حياة في الموقع الجديد؟ مستقبل سوق تسوكيجي للسمك

اقتصاد مجتمع ثقافة سياحة وسفر

هذا هو سوق تسوكيجي الضخم للأسماك في طوكيو الذي أصبح بقعة لتذوق الأطعمة يجذب السياح من جميع أنحاء العالم. ولكن ماذا سيحدث للجزء الخارجي الصاخب من السوق عندما تنتقل عمليات البيع بالجملة في تسوكيجي بما فيها مزادات التونة الشهيرة إلى منطقة تويوسو، في الجزء الشرقي من العاصمة في نوفمبر/تشرين الثاني ؟

البرد قارس ولا تزال الساعة الثالثة صباحا بينما تظهر مجموعات من سياح أجانب بالقرب من جسر فوق نهر سوميدا في وسط طوكيو. حيث يصل البعض بسيارات أُجرة من فنادقهم، في حين يأتي آخرون سيرا على الأقدام. وفي البداية، يقوم السياح في الاصطفاف بهدوء أمام مبنى صغير مؤلف من طابقين.

ومع نمو الحشود، تتعالى أحاديث الناس الحماسية حيث تملأ الأجواء، تتخللها حفنة من أصواتٍ ترتفع بالإنكليزية والصينية، وغيرها من العبارات - مزاد التونة. . . التونة ذات الزعانف الزرقاء. . . زودي شيتشانغ (سوق تسوكيجي بالصينية). من جميع أنحاء العالم، حيث يتجمع السياح هنا في ساعات الصباح الأولى لما قد يكون الفرصة الأخيرة لهم لمشاهدة مزادات سوق تسوكيجي للتونة ذات الشهرة العالمية. سيما وأنه بعد أكثر من ثمانية عقود من الأنشطة في هذا الموقع التاريخي، سوف ينتقل أكبر سوق سمك في العالم إلى تويوسو في الجزء الشرقي من المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٦.

غموض تسوكيجي

كما أن سوق الجملة المركزي في طوكيو المعروف باسم سوق تسوكيجي، يقع بالقرب من قلب العاصمة، أي حوالي ١٠ دقائق سيرا على الأقدام من جينزا. وفي حين اشتهر بمجموعاته المختارة والكميات المذهلة من الأسماك والمنتجات البحرية الأخرى، يتناول السوق بيع كمية كبيرة من الفواكه والخضروات الطازجة أيضا. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يعتبر أيضا مثابة بقعة ضخمة لتذوق الأطعمة، ومنطقة تجارية مزدهرة مليئة بالمطاعم والمحلات المتخصصة ببيع الأطعمة ذات النوعية الجيدة والأواني المطبخية، وأكثر من ذلك. فإنه مع ازدياد الاهتمام في المطبخ الياباني في السنوات الأخيرة، فقد تحول تسوكيجي إلى منطقة رئيسية لجذب السياح الأجانب.

ولعل أحد الأمور الذي يجذب السياح بشكل كبير في تسوكيجي هو مزاد التونة الذي يبدأ الساعة الخامسة صباحا وينتهي الساعة الخامسة والنصف. ولا يُسمح سوى لـ ١٢٠ متفرج بالدخول إلى ساحات المزاد العلني كل يوم، ولذلك يبدأ السياح بالاصطفاف قبل ساعتين في وقت مبكر من أجل تأمين فرصة الدخول. وبعد ذلك، فإنهم أي أولئك السُوّاح عادة ما يتسوقون ويتناولون الطعام في ما يسمى سوق تسوكيجي الخارجي قبل أن يتفرقوا إلى بقع سياحية أخرى، بما في ذلك جينزا، أساكوسا، والقصر الإمبراطوري.

وبالإضافة إلى مطاعم السوشي التي أنشئت منذ فترة طويلة داخل السوق الداخلية، فقد شهدت السنوات الأخيرة تدفقاً في مطاعم ومحلات الطعام التجارية إلى المناطق المجاورة، التي استغلت موقع السوق المركزي وتزايد شعبية المنطقة بين السياح الأجانب والمحليين على حد سواء. فبمجرد أن تكون قادرة على إدراج تسوكيجي في اسم المحل أو الإعلان فسوف تكتسب ميزة كبيرة من حيث العلامة التجارية.

ولعل سلسلة Sushizanmai تجسد هذه الظاهرة - صاحب السلسلة كيمورا كيوشي - الذي افتتح أول متجر له في السوق الخارجي عام ٢٠٠١، انتفع بمهارة من علامة تسوكيجي التجارية، خصوصا الدعاية المحيطة بمزاد التونة الأول من العام. وفي عام ٢٠١٣، دُفع رقم مذهل مقابل سمكة تونة ذات الزعانف الزرقاء بحجم ٢٢٢ كيلوغراما وصل إلى ١٥٥.٤ مليون ين ويوجد اليوم، لدى السلسلة أكثر من ٥٠ مطعم في جميع أنحاء اليابان، بالإضافة إلى فرع تسوكيجي الرئيسي (على مدار ٢٤ ساعة) الذي تجده مكتظاً بالزبائن تقريبا في أي ساعة من ساعات النهار. (كما أنه واحد من عدد قليل من مطاعم السوشي التي تضع الإعلانات على شاشات التلفزيون.)

خطوة مثيرة للجدل

ظهرت فكرة نقل سوق تسوكيجي إلى مكان جديد للمرة الأولى في مناقشة جادة عام ١٩٩٨. وفي البداية، كان مشغلو السوق والباعة يأملون في إعادة بناء المنشأة في نفس الموقع الحالي، ولكن لم يتُمَّكن من تخطي العقبات الاقتصادية والتقنية.

وفي ثلاثينات القرن الماضي، عندما صُمم وبُنِيَ سوق تسوكيجي الحالي، كان يتم شحن المأكولات البحرية في جميع أنحاء البلاد عن طريق القوارب أو القطار، وكان الحجم عبارة عن جزء صغير مما هو عليه اليوم. وفي الوقت الحاضر يبيع السوق سنويا حوالي ٤٥٠ ألف طن من المنتجات البحرية بما في ذلك مأكولات بحرية يتم استيرادها عن طريق الشحن الجوي من جميع أنحاء العالم. كما يتعامل مع حوالي ٢٩٠ ألف طن من المنتجات تُنقل كلها تقريبا من بواسطة الشاحنات وقد تجاوز حجم البضائع التي يتم شحنها وبيعها منذ فترة طويلة القدرة الفعلية للموقع الحالي (٢٣٠ ألف متر مربع). لكن في الوقت نفسه تدهورت المرافق القديمة في السوق إلى درجة أنها تشكل الخطر في بعض الحالات.

وهكذا فإنّ نقل السوق هو خطوة عقلانية تطلعية نحو هذه القضايا لكن هذه المبادرة استغرقت طريقا طويلا ومتعرجا للوصول إلى هذه النقطة، حيث قوبلت بمقاومة عنيفة من التجار، لا سيما هؤلاء الموجودين في السوق الخارجي، الذين استفادوا كثيرا من علامة تسوكيجي التجارية والقرب من السوق الداخلية وقد تأخر التنفيذ مرة ثانية بعد اكتشاف تلوث كيميائي في موقع المبنى المقترح في تويوسو، في قطعة من الأراضي المستصلحة على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب.

وقد دعم كيمورا كيوشي من سلسلة Sushizanmai بشكل صادق خطة النقل حتى أنه كان يأمل في إعطاء هذا الدعم دفعة قوية من خلال الاستثمار في منشأة للتجزئة على نطاق واسع بالقرب من السوق الجديد. وعلى الرغم من أنه اضطر مؤخرا إلى التخلي عن المشروع في مواجهة العقبات العملية فإنه ما زال ملتزما بقضية بناء ”سوق الخارجي“ جديد مجاور للموقع في تويوسو. فقد شدد كيمورا في مقابلة أجريت معه مؤخرا في Harbor Business Online، بأن الجاذبية الفريدة لسوق تسوكيجي لا تكمن فقط في الكميات الضخمة والمتنوعة من الأسماك الطازجة التي تباع من قبل تجار الجملة ولكن في التآزر أيضا بين الأسواق الداخلية والخارجية. وقال ”نحن بحاجة إلى بناء ”سوق خارجي“ جديد في تويوسو لإنجاح عملية النقل ولتعزيز صورة طوكيو واليابان في جميع أنحاء العالم“.

وربما لا يشارك الجميع حماسه فقد قَدًم تحالف من مجموعات المستهلكين والمنظمات النسائية، والنقابات العمالية خطابا مفتوحا للاحتجاج على محافظ طوكيو في أواخر فبراير/شباط من هذا العام،، منوهين فيه إلى تلوث التربة والمياه في الموقع الجديد، وكذلك قضايا أخرى تتعلق بأمورٍ لوجستية وبحركة المرور.

ولكن موقف حكومة العاصمة طوكيو ثابت. فالخطط تسير على ما يُرام لإعادة فتح سوق السمك بالجملة في تويوسو في ٧ نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام، وأصحاب المصالح في تسوكيجي يستعدون بفارغ الصبر للحياة الجديدة بعد عملية النقل.

أحيانا ينتظر السياح ثلاث ساعات لكي يجلسوا في أحد محلات السوشي الشهيرة في أوؤغاشي يوكوتشو، قسم البيع بالتجزئة في سوق تسوكيجي الداخلي. وهذه المطاعم ستنتقل لتويوسو في نوفمبر/تشرين الثاني مع عمليات البيع بالجملة في السوق.

هل يسير السوق الخارجي على غير هدى؟

وكما هو معلوم فإن السوق الخارجي هو جزء لا يتجزأ من الجاذبية الشعبية الواسعة في تسوكيجي والتي تتضمن منطقة التسوق الكبيرة إلى الشرق من سوق الجملة نحو ٥٠٠ مؤسسة، معظمها من المطاعم والمحلات التجارية المتخصصة في المواد الغذائية، وتجهيزات المطابخ، وأدوات المائدة، وما شابه ذلك.

ولكن خطة النقل لا تشمل السوق الخارجي ووفقا لذلك، يتخذ التجار في المنطقة خطوات استباقية لضمان استمرار السوق الخارجي في الازدهار باعتباره منطقة تجارية بعد إعادة النقل. وقد افتتح سوق ميناء الصيد في تسوكوجي (Tsukiji Japan Fishing Port Market) أبوابه في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤ في مبنى منخفض الارتفاع بين الأسواق الداخلية والخارجية. وهو يقدم مجموعة واسعة من الأسماك الطازجة والمنتجات البحرية الأخرى، بما في ذلك الأطباق المحلية النادرة التي يتم شحنها مباشرة من مصائد الأسماك في جميع أنحاء اليابان، من هوكايدو في الشمال إلى كيوشو وشيكوكو في الجنوب.

سوق سمك جديد في تسوكيجي يبيع أطباق محلية نادرة يتم شحنها مباشرة من مصائد الأسماك في جميع أنحاء البلاد.

وفي الوقت نفسه، قررت جمعية تجار السوق الخارجي التي تظاهرت سابقا على هذه الخطوة (Tsukiji Shoku-no-Machi-zukuri Kyōgikai/Tsukiji Jōgai Shijō Shōtengai Shinkō Kumiai، برئاسة سوزوكي أكيو) لتوجيه مواردها في تطوير سوق جملة جديد لبيع السمك موجه إلى المتخصصين في هذا القطاع، مثل الطهاة وتجار المأكولات البحرية بالتجزئة. بدعم من بلدية حي تشوأو، وهذا السوق الجديد الذي يسمى تسوكيجي أوؤغاشي (رصيف تسوكيجي البحري للسمك)، سيفتتح يوم ١٥ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٦ و يضم حوالي ٦٠ من تجار الجملة والموزعين من سوق تسوكيجي الداخلي. مثل سوق ميناء الصيد في تسوكوجي المذكور في الأعلى، حيث يتم فتح أبوابه للزبائن المهنيين الذين يشترون بالجملة في وقت مبكر من الصباح وبعد ذلك يتم استقبال العامة بعد الساعة ٩ صباحا.

ووفقا لموقع سوق تسوكيجي الخارجي، ”المنشأة الجديدة [تسوكيجي أوؤغاشي]، بالاشتراك مع المؤسسات الشهيرة في السوق الخارجي، ستخلق تجربة سوق تسوكيجي جديدة، حيث بإمكان المتخصصين في صناعة المواد الغذائية التسوق تحت جو أكبر من الرعاية والكفاءة، كما يمكن للمستهلكين الاستفادة الكاملة من هذا النوع من المنتجات المختارة التي يمكن توفرها فقط في تسوكيجي.“ وقد بدأت ملامح الجزء الخارجي من المبنى الجديد، تظهر إلى جانب جسر للمشاة في منطقة التسوق في السوق الخارجي.

سوق السمك بالجملة في تسوكيجي أوؤغاشي الجديد، قيد البناء حاليا، ومن المقرر افتتاحه في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٦.

ومع ذلك، يتساءل بعض المتشككين ما إذا كان يمكن للسوق الخارجي أن يزدهر بعيدا عن الرحم الذي غذى نموه. ويشيرون إلى أن نيهونباشي كانت منطفة معروفة بمطاعم السوشي المتميزة ذات الجودة الأعلى في أوائل القرن العشرين، عندما كان سوق سمك المركزي واقعاً في تلك المنطقة. واليوم لا يزال عدد قليل من تلك المؤسسات الأسطورية قائما لكن هناك مخاوف من أن سوق تسوكيجي، أيضا، سيفقد المغناطيسية كوجهة الطعام عندما ينتقل سوق الجملة المركزي إلى تويوسو.

يغطي الصحفي كاواموتو دايغو من جيجي برس سوق تسوكيجي لمدة ٢٥ عاما.

إلا أن كاواموتو دايغو، الصحفي الذي عمل على تغطية تسوكيجي لمدة ٢٥ عاما، يعتقد أن هذه المخاوف لا أساس لها. كما يقول، ”في أغلب الأحيان، عندما يفكر السياح الأجانب أو اليابانيون في سوق تسوكيجي، فإنهم يفكرون في السوق الخارجي. لذا فإنني أشك في أن نقل السوق سوف يسبب الكثير من الخسائر.“

كما يشير كاواموتو إلى أن تسوكيجي ضمن بالفعل مكانا في الخيال الشعبي بفضل التغطية الواسعة من قبل وسائل الإعلام والاهتمام غير المسبوق في السوشي، الطعام الياباني، والأسماك بشكل عام. لكنه في الوقت نفسه، يأسف للمعالجة السطحية لتلك الموضوعات من قبل وسائل الإعلام ويأمل في ”أن يساعد النقل على إطلاق نقاش أكثر جدية حول الموارد البحرية في اليابان وفي بقاع أخرى من العالم.“

رؤى تنافسية

في وقت مبكر من ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٤، وضعت بلدية حي تشوأو، التي لديها سلطة قضائية على سوق تسوكيجي، مفهوما لـ ”الحفاظ على ديناميكية تسوكيجي والنشاط كمركز لثقافة الطعام بعد نقل سوق تسوكيجي.“ الوثيقة (”رؤية لمنطقة سوق تسوكيجي الحيوي والصاخب“) تدعو إلى استغلال الصفات الأصيلة للموقع على جانب النهر بغية تطوير مركز جديد للسياحة الدولية يسلط الضوء على تاريخ طوكيو كمدينة بُنيت حول الممرات المائية الخلابة والعملية.

وحتى وقت قريب، لم تظهر حكومة العاصمة طوكيو الكثير من الحماس لأخذ مفهوم التنمية على محمل الجد. وبدلا من ذلك فقد رفضت تسوكيجي كموقع لمثل هذه المشاريع ونظرت إلى الموقع كمرشح لبناء المركز الإعلامي الأولمبي أو المقر الجديد لمحطة NHK (هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية).

ومن الناحية الواقعية، فمن المرجح للموقع أن يظل شاغراً لمدة عشر سنوات على الأقل لإتاحة الوقت لتطهير التربة والمسح الأثري. ولكن هناك دلائل تشير إلى أن حكومة العاصمة لمدينة طوكيو قد تميل نحو رؤية جديدة وجريئة. لحي تشوأو وذلك في مقابلة ظهرت في صحيفة ماينيتشي شيمبون يناير/كانون الثاني الماضي، أكد محافظ طوكيو ماسوزوئي يويتشي عبر سطورها على مكان الموقع على طول نهر سوميدا ومزايا استخدام المجاري المائية لتحسين الوصول بين سوق تويوسو ومطار هانيدا - ومع ذلك سارع للإشارة إلى أن محافظة طوكيو لم تقرر شيئا بعد. وذكرت الصحيفة أيضا أن المسؤولين في طوكيو يدرسون بنشاط إمكانية تطوير الواجهة البحرية لتصبح منطقة سياحية مجهزة بقوارب تجول وغيرها من عوامل الجذب السياحي.

ولكن عند النظر إلى جميع المناقشات حول استراتيجيات إحياء تسوكيجي والسوق الخارجي، يبدو أنه ليس هناك ما يساوي جاذبية محلات السوشي التجارية في السوق الداخلية، وصفوف الناس المصطفين لمدة تتجاوز الثلاث ساعات، أو مزادات سمك التونة ذات الزعانف الزرقاء، الذي يجذب السياح الأجانب إلى تسوكيجي قبل بزوغ الفجر. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم ستودع المنطقة هذه المعالم الأسطورية، ولكن لا يمكن لأحد أن يتنبأ بكيفية تغير هذه المنطقة في غيابها.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم ميكي تاكاجيرو من nippon.com ونشرت في ١٧ مارس/آذار ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: السياح يصطفون خارج منطقة مزاد التونة ذات الزعانف الزرقاء في ساعة مبكرة من صباح اليوم وهم بحاجة لساعتين على الأقل للوصول قبل بدء المزاد للحصول على واحدة من عدد محدود من السترات التي توزع بدلا من بطاقات مرور المتفرجين.)

السياحة جينزا الأسماك تسوكيجي