حكومة آبي الثانية : نظرة معمقة على الساحة السياسية الجديدة

جدول أعمال آبي على ثلاث جبهات

سياسة

يترتب على رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إظهار القيادة وتعزيز سياسات واقعية دون التقيد بالإيديولوجيات من أجل التعامل مع القضايا الصعبة التي تواجه اليابان علي الصعيدين الدولي والمحلي.

القضايا الثلاث الأكثر الحاحا في ولاية آبي الثانية

سجل الحزب الليبرالي انتصارا كبيرا في انتخابات مجلس النواب التي جرت في السادس عشر من شهر ديسمبر كانون الأول الماضي. فبعد عشرة أيام من الانتخابات، أصبح رئيس الحزب الليبرالي أبي شينزو رئيساً للوزراء للمرة الثانية، منهياً بذلك حكم الحزب الديمقراطي الذي استمر مدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر. ولكن كما لاحظ العديد من المعلقين، كان نصيب الحزب الديمقراطي من الأصوات في دوائر التمثيل النسبي مشابهاً لانتخابات مجلس المستشارين التي جرت عام ٢٠٠٧، عندما فاز الحزب الديمقراطي. لكِّن الفارق الكبير هذه المرة كان في الانخفاض الحاد في دعم الحزب الديمقراطي وصعود الأحزاب الجديدة، ولا سيما حزب ”نيبون إيشين نو كاي“ وحزب ”مينا نو تو“.

وعلى الرغم من أن الحزب الليبرالي حصل على أغلبية مريحة في مجلس النواب، فإنّ هذا لا يعني أن الرأي العام الياباني قد وضع ثقته في طابع رئيس الوزراء آبي، أو أنه يدعم الأيديولوجية ذات النزعة اليمينية، أو أنه حتى على ثقة في كفاءة الحزب الليبرالي. حيث أن القضايا التي تواجه إدارة آبي الجديدة هائلة جدا ولن يكون من السهل حلها. فقد شهدت اليابان تغييرا لرؤساء الوزراء وصل إلى ست مرات في السنوات الست الماضية، مما جعل عمل القيادة السياسية الفعالة أمرا مستحيلاً. كما يدرك عامة الشعب أن هذا كان أمراً سيئاً للبلاد، وأصبح الشعب الآن راغباً برؤية الإدارة الجديدة باقية في السلطة لفترة زمنية طويلة مقبولة. وهذا يفسر نسبة الـ ٦٠٪ التي توافق على مجلس الوزراء الجديد.(*)

كما تتحمل إدارة آبي أيضا عبئاً ثقيلاً من المسؤولية. فإذا ما فشلت في التعامل بشكل مناسب مع القضايا التي تواجه اليابان، فسينخفض تأثير السلطة في البلاد بشكل أكبر وستتعثر سياسات الحكومة تماماً. وفي هذا الصدد، أود هنا النظر في القضايا التي تواجه الفريق الجديد والتي هي على ثلاث جبهات تشمل الاقتصاد، الشؤون الدولية، والسياسة الداخلية.

الاقتصاد: انتظار استراتيجية آبي للنمو

على الصعيد الاقتصادي، فإن القضية الأكثر خطورة هي العجز الكبير الذي تم مجاراته من قبل الحكومة، حيث لم تغطي عائدات الضرائب سوى نصف الأموال اللازمة، وتضخم الدين الوطني الناجم عن ذلك، والذي يعادل حاليا ما يقارب ٢٠٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي. فانَّه من أجل الحد من هذه الخطوط المالية الحمراء، يتوجب على الحكومة تحقيق النجاح في عدد من المهام الصعبة، بحيث يشمل ذلك ايضاً تعزيز النمو الاقتصادي لزيادة عائدات الضرائب، وتنفيذ الزيادات في ضريبة الاستهلاك والرسوم الأخرى، وتقييد الإنفاق على الضمانات الاجتماعية، وتبسيط الحكومة نفسها. وتسعى إدارة آبي قبل كل شيء إلى التغلب على الانكماش وإعادة تنشيط الاقتصاد. ومن أجل تحقيق ذلك، يقترح تنفيذ مجموعة سياسات مؤلفة من ثلاثة محاور: تخفيف القيود النقدية الجريئة، الحوافز المالية، واستراتيجية النمو. وسابقا، كان آبي يُعرف بآرائه القوية إزاء السياسة الخارجية والقضايا الأمنية، ولكن منذ توليه رئاسة الحزب الليبرالي في سبتمبر/ ايلول الماضي بدأ في التركيز بشكل رئيسي على هذه الأجندة الاقتصادية. هذا وقد اشارت الإدارة إلى تضخم نسبته ٢٪ وهي تسعى إلى توثيق التعاون بين الحكومة وبنك اليابان. وقد عملت هذه الرسالة وحدها على انخفاض الين ​​إلى حد كبير، وهو تطور رحب به الكثير من المصدرين. كما يجري حاليا وضع ميزانية تكميلية رئيسية، حيث تأمل الحكومة أن تكون بمثابة جسر لميزانية السنة المالية المقبلة. ولعل تنفيذ هذا النوع من التحفيز المالي هو سياسة العلامة التجارية للحزب الليبرالي. وقد رحب مجتمع الأعمال بهذه الخطوة، جنبا إلى جنب مع تراجع الين، وسجلت أسعار الأسهم مكاسباً كبيرة. وعلى الرغم من أن الحكومة لم تنفذ هذه التحفيزات بعد، مازال الاقتصاد يتحرك صعودا بناء على الآمال والتوقعات، وقد حققت الإدارة نجاحا كبيرا في هذا الصدد. لكن خطط الإنفاق الإضافية تنحصر إلى حد كبير في مجال تعزيز البنية التحتية الوطنية، مختلفة قليلا عن اعتمادات الأشغال العامة من الإدارات السابقة للحزب الليبرالي الديمقراطي، وهناك الكثير من الشكوك في هذا الخصوص، بما في ذلك شك مفاده أن الكثير من النفقات ستكون في خانة الإسراف، كما كانت عليه الحال في الماضي.

أما العنصر الثالث في سياسة الادارة الجديدة فهو استراتيجية النمو الاقتصادي، لكننّا لم نر حتى الآن أي تفاصيل تذكر. في السابق، كان الحزب الليبرالي غير قادر على القيام بسياسات تحرّرية جريئة وذلك لاعتماده على الدعم القادم من المصالح القائمة. فهل ستكون النتيجة مختلفة هذه المرة؟ وهل سيكون بمقدور الحزب التغلب على تردده في مشاركة اليابان في مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ؟ أيضا، قد يكون تفعيل محطات الطاقة النووية العاطلة عن العمل جزءا من جدول أعمال إدارة آبي لتعزيز النمو، ولكن تحقيق ذلك لن يكون بالمهمة السهلة. وحتى لو نجحت حزمة السياسات هذه والتي أطلق عليها ”Abenomics“، هذا وحده لن يكون كفيلاً لحل المشاكل المالية للحكومة. ولعله من المرجح أن يكون ضرورياً فرض المزيد من الزيادات على ضريبة الاستهلاك والرسوم الأخرى وذلك لكبح جماح الإنفاق على الأمن الاجتماعي، وتبسيط الجهاز الإداري. والسؤال الآن هو هل ستكون إدارة آبي قادرة على كبح نمو إنفاق التقاعديات العامة وغيرها من أشكال الإنفاق على الضمان الاجتماعي من خلال اتخاذ خطوات لرفع سن انطلاق المعونات والحد من المدفوعات للمتقاعدين وغيرهم؟ ولربما قد يكون من الصعب تحقيق ذلك نظراً لاعتماد الحزب الليبرالي بشكل كبير على دعم كبار السن من المواطنين. وإضافة إلى ذلك فإنه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أعلن الليبراليون أن حزبهم قد تغير خلال السنوات الثلاث الماضية اثناء وجوده خارج السلطة. ولإظهار أن الحزب الليبرالي قد تغير حقاً، فإنه يحتاج إلى تقليص الأشغال العامة التقليدية، وإجراء خطوات تحرّرية جريئة، والعمل بشكل وثيق مع البلدان الأخرى، ومعالجة قضية زيادة الضرائب التي لا تحظى بشعبية، وخفض الرعاية الاجتماعية. وتحقيق هذه الأجندة يتطلب جهودا مستميتة.

مفهوم الدفاع الديناميكي: من غير المناسب مراجعته

على الصعيد الدولي، بما في ذلك السياسة الخارجية والأمن، تتمثل أكبر مشكلة لإدارة آبي في كيفية التعامل مع الصين الصاعدة. حيث تتمحور السياسة الأساسية لرئيس الوزراء آبي على تعزيز القدرات الدفاعية لليابان وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. كما يعتزم مراجعة المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني الحالي، والذي اعتمد ابّان حكومة الحزب الديمقراطي عام ٢٠١٠، على زيادة ميزانية الدفاع، وتنقيح تفسير الحكومة الرسمي للدستور للسماح بممارسة الدفاع الذاتي المنظم. كما أنه يدرس إنشاء مجلس للأمن القومي لصياغة السياسات والاستراتيجيات الشاملة وطويلة الأجل، والأهداف بعيدة المدى، وهو يتطلع الى فكرة تعديل الدستور وتغيير اسم قوات الدفاع الذاتي ليُستبدل بوضوح بتسمية أخرى وهي الجيش الياباني.

وفيما يتعلق بالمبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني من عام ٢٠١٠، فقد اعلن وزير الدفاع في حكومة آبي، اونوديرا أتسونوري، نية الإدارة تنقيح البنود بما في ذلك البند المتعلق بتخفيضات الأفراد في قوات الدفاع الذاتي البرية ومفهوم ”الدفاع الديناميكي“ وزيادة اعتمادات الدفاع. ولكن اليابان ليست في وضع يُمكنِّها من رفع الإنفاق على الدفاع إلى حد كبير. يجب على الحكومة المضي قدماً في التخفيضات المقررة في قوات الدفاع الذاتي البرية والعمل على قضية ملحة وهي بناء القدرات في الجنوب الغربي، الذي أصبح أكثر أهمية من حيث الدفاع، وتحسين معدات قوات الدفاع الذاتي البحرية وقوات الدفاع الذاتي الجوية. وفي هذا الصدد، كانت الاستعاضة عن المفهوم السابق ”قوات الدفاع الأساسية“ مع مفهوم ”الدفاع الديناميكي“ في إطار المبادئ التوجيهية التي وافق عليها الحزب الديمقراطي الياباني عام ٢٠١٠ مناسبة. سيما وإنَّ فكرة التنقيح تبدو كتعبير عن المشاعر المعادية للحزب الديمقراطي الياباني وقبول لا جدال فيه من قبل الإدارة الحالية للحزب الليبرالي الديمقراطي للتأكيدات المتقدمة من قوات الدفاع الذاتي البرية. وحتى صحيفة يوميوري، المؤيدة لرئيس الوزراء آبي، كانت ايضا ضد تنقيح هذا المفهوم في مقال افتتاحي نشر يوم ١١ يناير/ كانون الثاني الماضي.

إنشاء مجلس الأمن القومي والموافقة على الدفاع الذاتي الجماعي

المجموعة الثانية من البنود المدرجة على السياسة الخارجية وجدول أعمال الأمن هو إنشاء مجلس الأمن القومي والسماح بممارسة الدفاع الذاتي الجماعي. أثناء فترة آبي الأولى (٢٠٠٦-٢٠٠٧)، أعدت الحكومة مشروع قانون لإنشاء مجلس الأمن القومي، ولكن آبي استقال قبل سن ذلك القانون، وقد اعترض خليفته، ياسو فوكودا، على الاقتراح. ولكن حتى الحزب الديمقراطي كان هو في الأساس لصالح هذه الخطوة. وهو أمر ينبغي بالتأكيد أن يتم من أجل التغلب على الإقليمية المستوطنة في اليابان والتوصل إلى سياسات شاملة وأمنية طويلة المدى. والحزب الديمقراطي يؤيّد في الأساس اتخاذ تلك الخطوة، وحزب ”نيبون إيشين نو كاي“ وحزب ”مينا نو تو“ يدعمان هذه الخطوة أيضاً، لذلك آمل أن تكون الإدارة الحالية سريعة في التنفيذ. ولهذا الغرض أيضا، سيكون من الأفضل عَدم التورط في معركة غير مثمرة مع أطراف أخرى حول تنقيح مبادئ ٢٠١٠ التوجيهية للدفاع. أما بالنسبة للدفاع الذاتي الجماعي، فقد تم تشكيل لجنة أثناء فترة إدارة آبي الأولى ترمي لدراسة هذه المسألة، وقد قدمت هذه اللجنة تقريرا إلى رئيس الوزراء ياسو فوكودا في عام ٢٠٠٨، ولكن قامت إدارة فوكودا حينها بتعليق الأمر. وكان تقرير اللجنة، التي ترأسها شونجي ياناي وهو سفير سابق للولايات المتحدة، مكتملا. وأشار التقرير على وجه الخصوص أنه بدون ممارسة الدفاع الذاتي الجماعي سيكون من المستحيل العمل بشكل مناسب على حماية السفن البحرية الأميركية أو الدفاع ضد الصواريخ. حاليا، وقد اتخذت هذه القضايا طابع فوري وعاجل أكثر من أي وقت مضى في ظل إمكانية العمل المشترك بين اليابان والولايات حول جزر سينكاكو وبعد أن أصبح بمقدور كوريا الشمالية إطلاق صاروخ يصل إلى قبالة شواطئ الفلبين. في هذا الصدد، وربما سيعمل الرأي العام على دعم أي تحول في موقف الحكومة. ومن الممكن أن بعض الأحزاب السياسية وأجهزة وسائل الإعلام، التي اعتادت لعقود على السلمية، ستقاوم بشدة الموافقة على الدفاع الذاتي الجماعي. أيضا، حيث يستند القانون الياباني على مبدأ القوى المذكورة، وهذا يعني أن الحكومة لا تستطيع أن تفعل أي شيء غير مخول لها صراحة في التشريعات. حتى لو غيرت الحكومة موقفها وقررت أن ممارسة الدفاع الذاتي الجماعي أمر غير ممنوع بموجب الدستور، فإنه لا تزال هناك حاجة إلى مراجعة جوهرية لبند قوات الدفاع الذاتي حتى تكون هذه الإجراءات ممكنة. ولعل هذا أمر قد يكون من الصعوبة تحقيقه، خاصة وأن حزب كوميتو الجديد، شريك الحزب الليبرالي في الائتلاف الحاكم، يخشى من إجراء هذا التغيير. ولكن ومن منظور عالمي، فانّ هذه المراجعة هي أمر طبيعي. سيما وان الصين وكوريا الجنوبية على حد سواء قادرة على المشاركة في الدفاع الذاتي الجماعي. وليس هناك حاجة لليابان للتردد لمطابقة المعيار العالمي بهذا الشأن. وبالتالي يجب على الحكومة اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك.

إعادة النظر في قانون قوات الدفاع الذاتي

بند آخر على جدول ابي هو تعديل الدستور، ولا سيما الأحكام النابذة للحروب من المادة التاسعة. الفقرة الأولى من المادة التاسعة (بالإنكليزية) تنص على تحقيق تسوية سلمية للنزاعات، والذي هو طموح مشترك حول العالم. وليس هناك حاجةً لتنقيح هذه الفقرة، علماً بأنّ عدد قليل من الناس يدعون لتنقيحها. أما الفقرة الثانية فتنص على أن ”القوات البرية والبحرية والجوية، فضلا عن غيرها من الفعاليات القتالية، لا يمكن الإبقاء عليها أبدا“ ولكن اليابان لديها بالفعل قوات الدفاع الذاتي، وبهذا المعنى تم إجراء التعديل. ومع ذلك ينظر العديد من أعضاء الحزب الليبرالي إلى هذا على أنه غير كاف، ويريدون إعادة النظر بالمراجعة بشكل صحيح. وبموجب التعديل المقترح للدستور، سيتم الاعتراف بوجود الجيش الوطني، وسيتم إعادة التسمية القائمة وهي قوات الدفاع الذاتي إلى قوات الدفاع الوطنية. وسيدرج على الاسم الياباني الجديد كلمة سلاح، وهذا يعني ”الجيش“ ولكن سيكون الاسم باللغة الإنكليزية مشابه تقريبا لما هو عليه الآن، وأنا لا أرى في إعادة التسمية هذه وجود دلالة كبيرة. حيث ينبغي أن يكون من الممكن التعامل مع هذه المسألة على نحو كاف عن طريق تنقيح قانون قوات الدفاع الذاتي. وبصرف النظر عن معالجة القضايا المذكورة أعلاه والمتعلقة بسياسة الدفاع، تحتاج اليابان لضمان الاستقرار في علاقاتها مع الصين وكوريا الجنوبية. كما تحتاج إدارة آبي إلى العمل بدقة في تعاملها مع المواجهة مع الصين على جزر سينكاكو والخلافات مع كوريا الجنوبية حول تاكيشيما وهي جزيرة يقال أنها يابانية ويحتلها الكوريون، ويطلقون عليها دوكدو إضافة إلى وقضية ”نساء المتعة“ الذين خدمن الجيش الياباني خلال الحرب.

دراسات تاريخية مشتركة لتعزيز الحوار مع الصين وكوريا الجنوبية

فيما يتعلق بجزر سينكاكو، اقترح البعض تعزيز السيطرة اليابانية من خلال تمركز موظفي الحكومة أو بناء مرافق على الجزر الغير المأهولة حاليا، ولكن يبدو أن رئيس الوزراء آبي قد قرر عدم اتخاذ مثل هذا الإجراء على الفور، متمسكا بهذه الاحتمالات كورقة مساومة لاستخدامها مع الصين. وقبل أن يصبح رئيسا للوزراء، تحدث آبي عن مراجعة بيانين سابقين متعلقين بعلاقات اليابان مع الصين وكوريا الجنوبية، وهما الاعتذار الصادر عن رئيس الوزراء آنذاك توميتشي موراياما في الذكرى الخمسين لنهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٩٥ وبيان عام ١٩٩٣ من قبل أمين رئاسة الوزراء يوهي كونو الذي اعتذر حول مسألة نساء المتعة. ولكن في حال إذا عادت الحكومة إلى هذا الأخير، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم المشاكل مع كوريا الجنوبية، ولن تحصل اليابان على دعم من الولايات المتحدة في هذا الصدد. ولعل العديد من أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي ينظرون إلى بيان كونو على أنه إجراء خاطئ وغير مدعوم بالأدلة بشكل مناسب. وهؤلاء الذين يدعون إلى إعادة النظر كثر وخاصة الأعضاء منهم في زمرة آبي. قد يكون أحد الاحتمالات إجراء البحوث الأكاديمية المتعلقة بهذه المسألة على أساس دولي مشترك. ولكنّها تبقى قضية لا يتوجب معالجتها تحت قيادة رفيعة المستوى. وقد كتب أستاذ جامعة طوكيو فوجيوارا كيشي وهو ناقد يساري بارز، بأنه يمكن له فهم فكرة تعديل السياسة الأمنية، وأنه قد يكون مقبولا حتى تعديل الفقرة الثانية من المادة التاسعة، ولكن هذا التحرك لإعادة تفسير تاريخ اليابان يجب تجنبه (صحيفة اساهي ، ٢٦ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٢). أجد هذا مثيرا للاهتمام حيث تتزامن وجهات نظره مع وجهات نظر العديد من المعلقين المعتدلين، بما في ذلك وجهة نظري شخصيا. وفي اعتقادي، ما يتوجب على اليابان حقا فعله من أجل علاقات مستقرة مع الصين وكوريا الجنوبية هو الدخول في حوار حول التاريخ. فقد أطلقت إدارة آبي الأولى لجنة بحوث تاريخية يابانية صينية مشتركة (كنت أشغل منصب رئيس الجانب الياباني)، كما بدأت إدارته أيضا جولة ثانية من الأبحاث المشتركة في التاريخ مع كوريا الجنوبية. وآمل أن الإدارة الجديدة سوف تتخذ مرة أخرى مبادرات من هذا القبيل. وفي مشروع البحوث المشتركة بين اليابان والصين حيث كنت منخرطا فيه، سعينا لإنتاج ”التاريخ الموازي“ من خلال تقديم مواقف البلدين جنبا إلى جنب. وربما أود أن أرى اتخاذ خطوة أخرى في هذا النحو وهي صياغة قصص قصيرة للأطفال تعرض إصدارات موجزة عن مواقف البلدين. كما هي عليه، وقد لا يدرك الناس في الصين وكوريا الجنوبية تماما مواقف اليابان، والعكس صحيح حيث أن المواقف الصينية والكورية الجنوبية ليست معروفة جيدا في اليابان. وبهذا، على سبيل المثال، يمكننا إبلاغ الشعب الكوري عن أسباب اعتبار اليابان لجزيرة تاكيشيما جزءاً من الأراضي اليابانية، ويمكننا على الأقل التقدم إلى مرحلة ”الاتفاق على عدم الاتفاق“. وهذا يجب أن يكون هدفنا.

السعي لتعديل الدستور

دعونا ننظر الآن إلى القضايا المطروحة على الجبهة الثالثة، السياسة الداخلية. فأكبر مشكلة في جدول الأعمال السياسي لآبي وفريقه هي الفوز بالأغلبية في انتخابات مجلس المستشارين هذا الصيف. في الوقت الحاضر ينحسر الائتلاف الحاكم في الأقلية في مجلس المستشارين؛ والفوز في الانتخابات القادمة من شأنه أن يسهل مهام الإدارة الجديدة من أجل تشريع القوانين. حيث إن تعديل الدستور يتطلب أغلبية وهي الثلثين في كلا المجلسين؛ لقد حصل الائتلاف الحاكم بالفعل على هذه الأغلبية في مجلس النواب، وإذا تمكن من الفوز بالأغلبية في مجلس المستشارين أيضا، فإن الإدارة قد تمضي قدما في عملية التعديل. والاحتمال الآخر هو أن حزب استعادة اليابان الجديد (الذي يفضل أيضاً تعديل الدستور) سيسجل تقدماً كبيراً في انتخابات مجلس المستشارين، وهذا بدوره سيساعد الإدارة على تحقيق الهدف المنشود وهو ضمان الاغلبية من ثلثي الاعضاء في المجلسين من خلال مساعدة الحزب الجديد. هذا وتبدو الأولوية الأكبر لرئيس الوزراء آبي فيما يتعلق بتعديل الدستور عبر إعادة النظر في الأحكام المتعلقة بعملية التعديل نفسها. وبموجب المادة ٩٦ الحالية، لا بد من الموافقة على التعديل بالأغلبية المؤلفة من ثلثي اصوات مجلسي البرلمان والمصادقة عليها بأغلبية في استفتاء وطني. حيث انّ آبي يريد الشرط السابق أن يتغير ليجعل الأغلبية مجرد فارق بسيط فقط في المجلسين. قد يكون لهذا التغيير معنى، وبدون أي تعارض على الإطلاق مع المعايير الدولية. ولكن من المؤكد أن هذه الخطوة لجعل عملية التعديل أسهل تجعل البعض ينظر إليها البعض على أنها خطوة أولى نحو إعادة النظر في أحكام  بنود المادة التاسعة السلمية، وهذا ما قد يواجه معارضة قوية. وإذا قررت إدارة آبي تنقيح المادة ٩٦ أولا، فإنه ينبغي عليها توضيح نواياها فيما يتعلق بالمادة التاسعة. ومع ذلك، وحتى لو فعلت هذا، فمن المحتمل ان تواجه مقاومة شعبية.

تعزيز سيادة مجلس النواب

ما أود اقتراحه هو أن الإدارة الجديدة لا تُولي تركيزها على تخفيف متطلبات المادة ٩٦ بشأن التعديلات بل توجهه على تعزيز سيادة مجلس النواب داخل البرلمان. وفي ظل نظام ديمقراطي برلماني، من الطبيعي لقرارات مجلس النواب أن تكون لها الأسبقية على تلك في مجلس المستشارين. وبموجب المادة ٥٩، الفقرة الثانية، من الدستور الحالي، يمكن لمجلس النواب سن تشريعات سبق وان رفضها مجلس المستشارين أو أخفق في سنها من خلال تمريرها فيه لمّرةٍ ثانية، ولكن وللقيام بذلك فانّه يحتاج هذا إلى ضمان وجود أغلبية الثلثين، وهذه عقبة كبيرة. لذا اقترح تغيير هذا الشرط إلى الأغلبية البسيطة. (وهناك فكرة أخرى وهي إلغاء مجلس المستشارين تماما). ولعل مثل هذا الاقتراح، على ما أعتقد، لن يجلب الكثير من المقاومة من عامة الناس أومن وسائل الإعلام. بل من شأنه أن يجعل الجمهور مدركا أنه من الممكن بالنسبة له تغيير الدستور، وهو ما لم يكن يحدث في تاريخ اليابان. وللأسف هذا الاقتراح ليس من المرجح أن يخرج لا من الحزب الليبرالي الديمقراطي ولا من الحزب الديمقراطي الياباني المعارض، حيث يشكل العديد من أعضاء كلا الحزبين مجموعات قوية من المشرعين في مجلس المستشارين. ولعل التغلب على مقاومة هؤلاء الأعضاء يتطلب ممارسة قيادة سياسية قوية.

منذ أن أصبح رئيسا للوزراء، امتنع آبي عن التعبير أو البناء على مواقف ذات إيديولوجية يمينية اعتنقها من قبل. يظن كثيرون أن حالة ضبط النفس هذه ستنتهي عندما يفوز الحزب الليبرالي في انتخابات مجلس المستشارين في الصيف المقبل. ولكن إذا كان رئيس الوزراء يعرض القيادة الحقيقية ويظهر أنه سيواصل الاسترشاد من خلال مذهب الواقعية بدلا من الأيديولوجية، فإنه يتوجب على إدارته أن تكون قادرة على تحقيق التقدم في التعامل مع العديد من القضايا التي تواجهها. لن يجلب التقلب اليميني الأيديولوجي أي خير على الإطلاق.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ١٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٣، عنوان الصورة: رئيس الوزراء آبي في مؤتمره الصحفي حول التدابير الاقتصادية الطارئة ١١ يناير/ كانون الثاني، الصورة من صحيفة سانكي)

(*) ^ هذا الرقم وصل  إلى نسبة ٧١٪ وفقا لمسح أجرته صحيفة يوميوري كما ورد في ١٠ فبراير/ شباط ٢٠١٣.

استراتيجية النمو الحزب الليبرالي الحزب الديمقراطي الضمان الاجتماعي مجلس الوزراء البنك المركزي الانكماش الأمن الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ مجلس الأمن القومي التعديل الدستوري المادة التاسعة