عقد مهرجان أفلام اللاجئين للمرة العاشرة في اليابان

سياسة مجتمع

لعل إحدى أكبر الكوارث الإنسانية التي أصابت العالم في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية تكمن في تلك الأزمة الإنسانية التي تعاني منها مناطق النزاع وخاصة في سورية وغيرها من دول الشرق الأوسط وأفريقيا حيث تتدفق منها أعدادٌ كبيرة من الناس كلاجئين وكمهاجرين باتجاه أوروبا ومع ازدياد أعداد اللاجئين في جميع أنحاء العالم بنسبة حوالي ٥٠ بالمائة خلال السنوات العشر الماضية فقد وصل تعدادهم الآن إلى ٦٠ مليون نسمة. وتجدر الإشارة أنه ضمن هذا الإطار، يُعقد ”مهرجان اللاجئين“ العاشر في كل من طوكيو، وسابّورو وسنداي وذلك بهدف تعميق التّفهم لهذه القضية خلال
شهريّ: أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.

رسالة أمل

ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) التي تستضيف المهرجان السينمائي، تم اختيار أفلام للعرض في المهرجان بحيث لم تكن مجرد أعمال جدية تصور المعاناة والصعوبة التي يواجهها اللاجئون فحسب، وإنما تم اختيار الأفلام كوسيلة تنقل رسالة من الأمل أيضا.

المثال التمثيلي الأول هو ”عدسة شاب سوري (Young Syrian Lenses)“، وهو فيلم وثائقي يصور الحياة اليومية القاسية والبائسة في مدينة حلب السورية (صورة ١). والمثال الآخر هو فيلم ”الكذبة الجيدة (The Good Lie)“ (صورة ٢)، وتدور أحداث فيلم حول ثلاثة سودانيين أصبحوا يتامى خلال الحرب الأهلية، ثم تم منحهم حق اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية بعد قضائهم ١٣ عاما في مخيمات اللجوء في كينيا. كما يُبين كيف يحاول هؤلاء الأولاد الثلاث أن يتجاوزوا ذكريات أيام الطفولة من المعاناة والويلات وكيف تعتريهم الحيرة في حياتهم في المأوى الجديد الآمن.

صور ١: مشهد واحد من ”عدسة شاب سوري“

صورة ٢: مشهد واحد من ”الكذبة جيدة“

وبالإمكان مشاهدة الأفلام في المهرجان مجاناً لكن يتم جمع التبرعات لمساعدة اللاجئين خلال العرض. وفقا للمفوضية فقد وصل العدد الإجمالي لزوار مهرجان اللاجئين في السنوات التسع الماضية لنَحوِ ٤٦٠٠٠ شخص وقد زار مهرجان العام الماضي حوالي ٤٨٠٠ شخص. وهناك العديد من الأمثلة على هؤلاء الذين ليست لديهم فكرة عن قضايا اللجوء إلاّ أنَّ اهتمامهم يزداد بعد مشاهدة الأفلام. ويشهد هذا العام أيضا أزمة اللاجئين في أوروبا، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الحضور هذا العام عن العدد الذي كان في العام الماضي.

أسوأ مشكلة إنسانية بعد الحرب

وفقا لما كشفته المنظمة الدولية للهجرة (IOM) فقد بلغ عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط من الشرق الأوسط وأفريقيا لغاية ٢٩ سبتمبر/أيلول نحوَ ٥٢٢٠٠٠ شخص وذلك منذ بداية هذا العام وحتى وقت صدور هذا التصريح وقد تخطى هذا العدد كثيرا الأرقام في الماضي وهو مستمر في الزيادة. كما أن أعداد اللاجئين بالتفصيل هي حوالي ٣٨٨٠٠٠ شخص في اليونان، ونحو ١٣١٠٠٠ شخص في إيطاليا. ووفقا لإحصاءات المفوضية العليا للاجئين، ٥٤٪ من اللاجئين هم من سورية، و١٣٪ من أفغانستان و٧٪ من إريتريا، بالإضافة إلى ٢٩٨٠ شخصا بين قتيل ومفقود ممن غرقوا أثناء الأبحار عبر البحر الأبيض المتوسط.

ووفقا لقوانين الاتحاد الأوروبي، يفترض على أول دولة من دول المنطقة أينما تطأ قدميّ أي شخص أراضي تلك الدولة مراجعة السلطات المختصة لتفحص ما إذا كان هذا الشخص مستوف لشروط اللجوء، ولكن بما أن معظم الهاربين من مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا لا ترغب البقاء في أيّ من اليونان أو إيطاليا فإن حكومتيّ هذين البلدين تعملان على إرسال معظمهم دون فحص إلى الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد.

ويهدف اللاجئون الوصول في نهاية المطاف إلى ألمانيا المتسامحة لقبول اللاجئين أو إلى إحدى الدول الإسكندنافية أو هولندا أو المملكة المتحدة. سيما وأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على وجه الخصوص، تحولت إلى ”بطلة“ بين ليلة وضحاها بعد تصريح لها في ٤ سبتمبر/أيلول مفاده أن ألمانيا ستسقبل اللاجئين القادمين عبر النمسا والذين قاموا بعبور البحر من تركيا إلى اليونان ثم توجهوا شمالا إلى البلقان وتقطعت بهم السبل في هنغاريا.

ارتباك عميق

ومع ذلك فقد أعادت الحكومة الألمانية في منتصف سبتمبر/أيلول فرض مراجعة وتفحص اللاجئين على حدود البلاد مع النمسا بصورة مؤقتة وذلك بسبب التدفق غير المسبوق للاجئين خلال فترة قصيرة من جانب ومن أجل تفادي الفوضى من جانب آخر. وقد اتخذت النمسا، سلوفاكيا، وهولندا أيضا تدابير مماثلة. وقد هدد هذا الإجراء المبادئ التي تم الاعتراف بها في إطار ”اتفاق شنغن“ وحرية التنقل في منطقة الاتحاد الأوروبي.

وقد أصبحت هنغاريا نقطة التتابع في الطريق إلى ألمانيا والدول الإسكندنافية والتي يهدف إليها الكثير من اللاجئين. وفد قامت الحكومة الهنغارية للحيلولة دون تدفق اللاجئين، بوضع الأسلاك الشائكة في منطقة الحدود مع صربيا والتي تصل إلى ١٧٤ كم، كما أعلنت عن ”حالة الطوارئ“ في الجنوب بالقرب من الحدود الصربية. وقال الاتحاد الأوروبي إن الفوضى والارتباك في ازدياد مستمر بسبب ”أزمة اللاجئين“ التي وُصِفت بأنها أسوأ مشكلة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.

مع ذلك يلفت الانتباه إلى الموقف الألماني لاتخاذه تدابيراً إيجابية تجاه قبول اللاجئين مع وجود انعكاس لكراهية الأجانب من فترة ألمانيا النازية حيث سادت تلك الأفكار خلال الفترة الواقعة بين الخمسينات والسبعينات. وقد قامت ألمانيا الغربية (آنذاك) بقبول الكثير من العمال المهاجرين من تركيا لتعويض النقص في اليد العاملة. كما بعد إعادة توحيد ألمانيا عام ١٩٩٠ تم استقبال العديد من اللاجئين من دول يوغوسلافيا سابقاً. وفي أواخر التسعينات تغيرت سياسات قبول اللاجئين بسبب مشكلة الشيخوخة وتناقص عدد السكان، فطرأ تحولٌ على سياسة الحصول على الجنسية نحو الأسهل، وقد استقر مؤخرا أي خلال عام ٢٠١٤ حوالي ٥٥٠ ألف نسمة. وأصبح المهاجرون وأحَفادُهم يشكّلون اليوم حوالي ٢٠ بالمائة من السكان أي ما يقرب من ١٦.٤ مليون شخص.

وهكذا يبدو أن الوضع منقسم داخل الاتحاد الأوروبي حيث أن موقف الدول الأورربية الغربية تجاه قبول اللاجئين والمهاجرين عموما من خارج المنطقة هو إيجابي من الناحية الإنسانية، أما بلدان أوروبا الشرقية فهي تظهر موقفا سلبيا ينبع من عدم القدرة على القبول. وقد وافق الاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ على إعادة توزيع ما مجموعه ١٦٠ ألفا من طالبي اللجوء في جميع أنحاء أوروبا بصعوبة. وفي ظل هذه الظروف، خرج اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم ٢٣ سبتمبر/أيلول بقرار دعم إضافي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يصل إلى مليار يورو على الأقل وذلك لوقف تدفق اللاجئين المفرط إلى أوروبا. وهذا الدعم هو بمثابة دفعة إلى الأمام لأنشطة وكالات الأمم المتحدة حيث تأمل دول الاتحاد في الحد من أعداد اللاجئين المتجهة نحو أوروبا.

انتقادات الموقف السلبي لليابان

وفي نطاق تناقل وسائل الإعلام لأزمة اللاجئين في أوروبا بشكل يومي، يتزايد انتقاد الحكومة اليابانية الغير راغبة في قبول اللاجئين من الخارج. وفي الواقع، وصل عدد المتقدمين إلى اللجوء في اليابان عام ٢٠١٤ إلى ٥٠٠٠ شخص لكن لم يتم سوى قبول ١١ شخصا في نفس العام في نهاية المطاف بما في ذلك المتقدمين قبل عام ٢٠١٤. وهو رقم ٌصغيرٌ جدّا بالمقارنة مع المقاييس الأوروبية. فاليابان لم تعطِ سوى ١١٠ تصريحاً من تصاريح الإقامة القائمة على اعتبارات إنسانية كما لم يتم سوى قبول ٣ طلبات من أصل ٦٠ متقدما للجوء من سورية حتى الآن.

لكن في الآونة الأخيرة أعلنت وزارة العدل المعروفة بتفسيرها الصارم لاتفاقية اللاجئين عن سياسات من شأنها أن توسع إطار الاعتراف باللجوء، حيث أصبحت تعتبر الأشخاص مثل النساء اللواتي يتعرضن للاعتداء في أفريقيا ”نموذجاً جديداً يتعرض للاضطهاد“ وينبغي حمايتهن ولكن ما زالت التفاصيل مبهمة فيما إذا كانت الأعداد المخولة باللجوء ستزداد أم لا. وقد اعترفت نفس الوزارة أيضا، على الرغم من عدم تصديقها لطلبات للجوء على أساس النزاعات، لأول مرة بحق الحماية والمتمركز في مفهوم ”فرصة تجنب النزاعات“ ووافقت على إعطاء إقامات في اليابان لاعتبارات إنسانية.

اليابان ثاني أكبر مساهم للمفوضية

وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن القول إن موقف اليابان من الجهود المبذولة تجاه مشكلة اللاجئين سلبيٌ تماما. فاليابان تعتبر ثاني أكبر مساهم لمفوضية اللاجئين في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فقد سبق وأن قبلت اليابان حوالي ١١٠٠٠ شخص من جنوب شرق آسيا منذ أواخر السبعينات بعد نهاية حرب فيتنام. كما أن اليابان هي الدولة الوحيدة في آسيا التي تنفذ برامج إعادة توطين اللاجئين. وتعمل الحكومة اليابانية على ذلك بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة كالمفوضية وغيرها منذ عام ٢٠٠٩، حيث وهبت الإقامة لـ ٨٦ شخصا من اللاجئين من ميانمار على مدى خمس سنوات حتى عام ٢٠١٤ ممن كان يعيش في مخيم للاجئين في تايلاند.

وبينما تتجه أنظار العالم إلى أزمة اللاجئين في أوروبا، جاء تصريح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم ٢٩ سبتمبر/أيلول والقائل بأن اليابان ستساهم هذا العام بمبلغ ٨١٠ مليون دولار لمساعدة اللاجئين والمشردين داخليا في سورية والعراق وهي مساهمة تصل إلى ثلاثة أضعاف مساعدات العام الماضي. كما ورد أيضاً في الخطاب المذكور بأن اليابان ستدعم كذلك لبنان الذي يستقبل حوالي مليون لاجئ سوري بمبلغ ٢ مليون دولار، إضافة إلى ٢.٥ مليون دولار من مساعدات إنسانية إلى الدول التي تكافح من أجل قبول اللاجئين والمهاجرين في دول الجوار في الاتحاد الأوروبي مثل صربيا ومقدونيا.

أموال دعم وافرة

وبالرغم من تزايد الانتقادات تجاه القبول المتواضع للاجئين في اليابان فإنَّ الحكومة اليابانية منحازة لمساعدة اللاجئين اقتصاديا، حيث أشار رئيس الوزراء آبي خلال مؤتمر صحفي عُقد في نفس اليوم في مدينة نيويورك، بعد سؤال وُجِّه إليه عن إمكانية قبول اللاجئين السوريين إلى أن اليابان ”سوف تسهم في تغيير التربة السورية التي تنتج اللاجئين“. مُوضِّحَا بأنّ اليابان ترغب بمواصلة التعاون بشكل إيجابي في نشاطات قطاع التعليم والصحة والاقتصاد.

وقد اقترحت المفوضية للحكومة اليابانية أن يتم الدعم الإنساني للاجئين من سوريا من خلال (١) تسهيل طلبات تأشيرة دخول اليابان في الدول المجاورة مثل الأردن، (٢) قبول المزيد من الطلاب السوريين والباحثين، (٣) دعوة المحتاجين للعلاج من مرض أو إصابة، ووفقا لما ذكره المتحدث باسم مكتب المفوضية في اليابان، فإنّ المفوضية لم تتلق حتى يوم ١ أكتوبر/تشرين الأول، أيّة إجابة حول المقترحات لكنها علمت أن الحكومة اليابانية ستنظر في البند الثاني منها والمتعلق بقبول العشرات من الطلاب السوريين.

نسخة مزدوجة عن فترة حرب الخليج؟

وكانت الجمعية اليابانية لشؤون اللاجئين (JAR) مع ١٣ منظمة أُخرى مَعنية بحقوق الإنسان ومساعدة اللاجئين قد طلبت من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الإفصاح بصراحة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم ٢٨ سبتمبر/أيلول عن قبول اللاجئين السوريين إلى اليابان. سيما وأن عدد قبول اللاجئين المنخفض للغاية مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى (على سبيل المثال اتفق ألمانيا على قبول ٣٥٠٠٠ شخص، والولايات المتحدة ما لا يقل عن ١٠ آلاف من اللاجئين السوريين) يعود إلى التفسير الدقيق جدا لاتفاقية اللاجئين وتطبيقها من قبل وزارة العدل من ناحية، وإلى عدم وجود إجماع بشكل كاف نحو قبول اللاجئين في المجتمع الياباني من ناحية أُخرى.

وربما يكون من الضروري لليابان إعادة النظر في دورها تحت ”سياسة الدبلوماسية الإيجابية“ وذلك بناء على المركز والفائدة التي تجنيها اليابان من المجتمع الدولي المعولم. لقد ساهمت اليابان بمبالغ كبيرة من المال خلال أزمة حرب الخليج بين عامي ١٩٩٠ و١٩٩١ ومع ذلك لدى اليابان تجربة مريرة حيث تم تقييم دورها سلبيا لأنها ترددت نوعاً ما في مساهمتها الإنسانية. أَلاَ ينظر المجتمع الدولي إلى اليابان بنفس التقييم حول مشكلة اللاجئين؟ لكن مع استمرار أزمة اللاجئين في أوروبا، توجد في اليابان فرصٌ تُتيح التوصل لمساهمة أكثر إيجابية.

(المقال الأصلي باللغة اليابانية نُشر بتاريخ ٢١ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٥ بقلم موراكامي ناوهيسا، قسم التحرير في nippon.com. صورة العنوان: غلاف مهرجان اللاجئين العاشر. تقديم: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.)

الشرق الأوسط سوريا لاجئون المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين