المرأة الحامل في المجتمع الياباني والبحث عن راحة البال

مجتمع لايف ستايل

عندما تمشي في الشارع أو تستقل القطار في اليابان فإنك غالباً ما ستشاهد ميدالية علامة الأمومة متدلية من حقيبة إمرأة وهي عبارة عن سلسلة معلقة بها علامة على شكل قلب مرسوم عليها صورة إمرأة حامل وجنينها حيث تُعتبر هذه العلامة شكلا بسيطاً لإعلام الآخرين أن صاحبتها امرأة حامل وذلك عِلماً بانّ وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية قد سبق وطرحت هذه العلامة عام ٢٠٠٦ وضمن إطار برنامج أشمل للترويج لصحة الأمهات ومن ثم أصبحت العلامة رمزا للأمهات الحوامل.

طريقة هادئة للمطالبة بالتفهم

مكتوب على علامة الأمومة: ”جنين في بطني“.

ولربما تكون الأشهر الأولى من الحمل من أصعب المراحل حيث يكون جسم المرأة في حالة تأقلم سريعة للحاجات المتنامية للجنين. وقبل أن تظهر علامات الحمل الخارجية، فإن التبدلات في مستوى الهرمونات والتغيرات الجسدية قد تتسبب في إحداث نوبات مفاجئة من غثيان الحمل وغيرها من الأوضاع التي قد تؤدي إلى اضطرابات في حالة الأم. وقد أسست وزارة الصحة برنامج علامة الأمومة بهدف زيادة الوعي الاجتماعي بشأن الحمل ولتشجيع الآخرين على أخذ حاجات الأم بعين الاعتبار.

كما عملت الحكومة الوطنية والحكومات المحلية والمنظمات الخاصة بثبات على زيادة إدراك هذه العلامة منذ طرحها قبل نحو عقد من الزمن. وتضمن هذه الجهود عرض مُلصقات إعلانية- بوسترات- للتعريف بها في محطات القطارات والمطاعم والأماكن العامة الأخرى. وعادة ما يتم توزيع دبابيس وشارات وغيرها من الأدوات المماثلة التي تحمل علامة الأمومة في مكاتب البلديات للأمهات اللواتي يسجلن للحصول على ”بوشي تيتشو“ (كتيب صحة الأم والطفل) كما تتوفر كذلك أدوات ذات صلة في بعض المستشفيات والعيادات، والتي يتم توزيعها أيضا من قبل مجموعات الأمومة.

وعلى الرغم من تلك الجهود، فقد أظهرَ مَسحٌ نشره مكتب رئاسة الوزراء في شهر سبتمبر/أيلول يُفيد بأنّ إدراك العامة ما زال متأخراً. واستناداً لهذا التقرير فإن أكثر من ٦٠٪ من النساء وأقل من ٥٠٪ من الرجال فقط عرفوا ما هي علامة الأمومة. ويعزو بعض الناس تلك الأرقام جزئياً إلى الحقيقة القائلة بأنّ السكان في المناطق الريفية هم أقل مشاهدة لتلك العلامة نظرا لقلة اعتمادهم على المواصلات العامة.

ومن الممكن أن تختلف طريقة استخدام العلامة بين الأمهات. وَعادةً يتم عرضها على حقيبة اليد بشكلٍ ظاهرٍ للعيان وهناك الكثير من الأمهات اللواتي يخترن أن يفصلن شاراتهن على أشرطة لامعة وأنيقة كما أن بعضهن يخترن علامات تحمل رسائل مثل الطلب من الناس الامتناع عن التدخين بالقرب منهن على سبيل المثال كما توجد بعض الأمهات ممن يتبعن منحىً محافظا حيث يبقين العلامة في جيوبهن ويخرجنها فقط في حالات الطوارئ.

سيما وأنّ العلامة لا تُلزم الآخرين القيام َبتصرف مألوف، ولكنها تشجع الناس على إظهار الاحترام عن طريق إعطاء مقاعدهم للحوامل في المواصلات العامة، والامتناع عن التدخين وتقديم المساعدة عند الحاجة. وقد يكون الاقتراب من الغرباء بشكل جلي أمرا صعبا طبقا للأعراف الاجتماعية في اليابان، ولكن علامة الأمومة تساعد الأفراد بطريقة غير مباشرة على الاستجابة للوضع دون التسبب بتوتر أو احتكاك غير مبرر.

جدل وسوء فهم

ويمكن للمرء أن يفترض أن برنامجاً يشجع على إظهار الاحترام للحوامل قد يلقى ترحيباً حاراً مزدوجاً في الدول المعمرة مثل اليابان حيث يكون معدل الولادات فيها من ضمن الأقل في العالم. ولطالما كان الانطباع العام عن علامة الأمومة إيجابياً، حيث أظهر أحد المسوحات غير الرسمية على شبكة الإنترنت موافقة ٨٧٪ من المشاركين في المسح على العلامة كما شهدت الإنترنت أيضا طيفا متنوعاً من الأصوات المعارضة.

بوستر يقدم معلومات عن علامة الأمومة.

وقد تتمثل إحدى الشكاوي البارزة بالطبيعة العدوانية المستترة وراء العلامة، حيث ينظر الكثيرون للضغط الممارس عليهم لإعطاء مقاعدهم للحوامل على أنه ابتزاز عاطفي. فالجلوس على المقاعد في المواصلات العامة أمرٌ مرغوبٌ به في اليابان، وهي مسألة لا تدعو للدهشة في ظل ما هو معروف عن البلاد من ازدحام قطاراتها واستخدام متوسط سكان المدن للمواصلات العامة في غضون ساعة. وقد ساعدت الأساطير المنتشرة في المدن عن دجالات يستخدمن العلامة لأخذ مقاعد الراكبين الآخرين بالخداع في تغذية مشاعر عدم الثقة. وفي نهاية المطاف فإنّ الأمر يعود للأفراد ليقرروا ما إذا كانوا سيقدمّون مقاعدهم أم لا. وعلى الرغم من أن الكثيرين يُقدّمون مقاعدهم للحوامل إلا أنه ليس جميع الناس لطفاء للأسف و حتى في حال حصول الحوامل على مقاعد، فإن بعضهن يشتكين من اضطرارهن لتحمل سماع بعض التعليقات المهينة أحيانا أو رؤية نظرات تهكمية والتي قد تترافق مع تلك الأعمال الإنسانية.

ويتمثل الاعتراض الآخر على العلامة في أنها تُعلم الناس بأنّ صَاحِبتَها حاملٌ بطريقة غير ملائمة ولعل نزعة اليابانيات في تأخير حصولهن على أطفال حتى وقت متأخر من عمرهن يعني أن هناك عددا معتبرا من الناس يجب أن يخضعوا لأنظمة طويلة وشاقة لمعالجة الخصوبة بغية الحصول على طفل. ويعتقد بعض المعارضين للعلامة أنها لا تأخذ في الحسبان بصورة ملائمة مشاعر تلك النسوة، بالإضافة إلى النسوة اللواتي يُدركن أنهن غير قادرات على الإنجاب.

لكن في نهاية الأمر يصب هذا الجدل في مصلحة علامة الأمومة من خلال توسيع الفهم بشأن استخدامها ومعناها. ويبدو على الأرجح أن المشاعر السَلبية سوف تتلاشى في الختام وذلك مع تنامي المعرفة بهذا البرنامج. إن الترويج النشط لهذه العلامة من قبل منظمات مثل ”هيماواري نو كاي Himawari no Kai“ والتي تعني ”جمعية أزهار دوار الشمس“ يساهم في زيادة حجم التقبل لها من خلال جعل العلامة على مرأى من الناس.

ومع الأخذ بالحسبان التحديات التي تواجه النساء في اليابان، يشعر الكثير من المؤيدين أن علامة الأمومة تتمتع بالقدرة الكافية على مساعدة جهود البلاد في زيادة معدل الولادات من خلال تأمين راحة البال للنساء. كما أن العلامة قد تكون أكثر قيمة بوصفها رمزا إلى مجتمع يدعم قرارهن في الإنجاب أكثر من كونها وسيلة للحصول على مقعد في القطار.

(النص الاصلي باللغة الانكليزية بتلريخ ١٤ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٤. صورة العنوان: ”أريمورا هاروكو“، الوزيرة المسؤولة عن شؤون تمكين المرأة، تقدم شرحا عن علامة الأمومة في مؤتمر صحفي في ١٢ سبتمبر/أيلول ٢٠١٤. الصورة من جيجي برس).

صحة إنجاب الأطفال معدل المواليد