طوكيو تتجمل من أجل أولمبياد ٢٠٢٠

مجتمع ثقافة لايف ستايل رياضة سياحة وسفر

يبحث خبير بارز في علوم الرياضة في اليابان في العوامل التي تقف وراء قرار إعطاء طوكيو حق استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في عام ٢٠٢٠. ولكن كيف يمكننا استغلال هذه الفرصة لإحداث نقلة نوعية في أكبر مدن اليابان وتنشيط القطاع الخامل في الاقتصاد الوطني؟

حملة اليابان الناجحة لاستضافة أولمبياد ٢٠٢٠

نجحت طوكيو أخيرا في استضافة الألعاب الأولمبية والبارالمبية الصيفية لعام ٢٠٢٠. وهذا بالتأكيد يعود جزئيا إلى العمل الشاق للجنة الأولمبية والتي كان واضحا أنها تعلمت الدروس الصحيحة من الحملة غير الناجحة لاستضافة ألعاب عام ٢٠١٦ في طوكيو. ولعل الَسَببَ الأهم هو أن هذا القرار كان نتيجة للمشاكل التي قوضت جهود المرشحين الآخرين في النهائيات.

فلفترة طويلة من حملة الترشيح لاستضافة ألعاب الأولمبياد كان الناس الذين يدعمون طلب ترشيح طوكيو يبذلون جهودا مضنية للتوصل إلى سبب مقنع لإقامة دورة الألعاب الأولمبية مرة أخرى في عاصمة اليابان. وكان هناك استفساراً صغيراً فيما إذا كانت المدينة تملك البنية التحتية اللازمة والتمويل، ولكن ببساطة قد تكون الميزة الرئيسية لطوكيو في المنافسة أنها أقل عيوباً من غيرها. وقد شدد التقييم بقوة خلال المراحل الأخيرة للحملة على أن مدينة طوكيو ببيئتها الآمنة والجديرة بالثقة كانت في الواقع قادرة على استضافة دورة الألعاب الأولمبية.

إلا أن السؤال فيما إذا كانت مياهها ملوثة بتسرب المياه الملوثة بالإشعاع من مفاعل فوكوشيما المعطوب بقي دون إجابة. خلاصة القول، صوتت اللجنة الأولمبية الدولية لصالح طوكيو بسبب وعد اليابان بإحلال الأمن والسلامة في البلاد بعد سبع سنوات، مما فرض التزامات كبيرة عليها كي تتمكن من الإيفاء بوعودها.

نموذج جديد من المشاريع استعدادا لاستضافة الأولمبياد

منذ الحرب العالمية الثانية تم اختيار مدينتين فقط لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية مرة أخرى وهما لندن (في عامي ١٩٢٨ و٢٠١٢) وطوكيو حاليا والتي استضافت الألعاب الأولمبية سابقا في عام ١٩٦٤. وقد سبقت دورة الألعاب الأولمبية في عام ١٩٦٤ جهود جبارة من أجل التجديد العمراني والذي كلف نحو تريليون ين وأدى إلى انشاء بنية تحتية على المستوى الوطني، بما في ذلك القطار فائق السرعة توكايدو ونظم مدينة طوكيو للمواصلات وخط سكك حديدية أحادي لمطار هانيدا. وهذا ما قد يدل على انه لن تكون هناك حاجة إلى للقيام بمثل هذه المشاريع على نطاق واسع لإعداد المدينة لاستضافة الألعاب الأولمبية في عام ٢٠٢٠. وبدلا عن ذلك، فلعّلهُ هناك حاجة في الوقت الحالي لخلق نموذج جديد يأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من جانب وإرث أول تجربة لها في الألعاب الأولمبية.

من جانب آخر وسيكون النموذج الأفضل هو ذلك الذي يجمع بين ازالة المخاوف المتعلقة بالبيئة والمناظر الطبيعية في المدن كما يسعى لتأسيس طوكيو كواجهة مستدامة للسياحة الدولية. سيما وانه لا يوجد في طوكيو مناطق أحياء عشوائية أو مناطق صناعية مهجورة في حاجة ماسة إلى إعادة التطوير، لذا ليس هناك من حاجة لاتخاذ أي مبادرة تجديد عمراني كبرى مثل تلك التي أدت إلى بناء مركز تجاري عملاق في الطرف الشرقي من لندن قبل دورة الألعاب الأولمبية لعام ٢٠١٢. حيث انّ طوكيو مدينة متطورة بشكل جيد وتحتوي بالفعل على معظم البنية التحتية اللازمة، وبالتالي فمن غير المرجح أن نرى أي مشروع واسع النطاق في المرافق العامة بخلاف تلك المتعلقة مباشرة بالألعاب الأولمبية كبناء ملعب وطني جديد وقرية أولمبية يقيم فيها الرياضيون وفرقهم هناك خلال الألعاب.

ولكن إنشاء مدينة كاملة يتطلب الكثير من العمل الذي يشمل مد خطوط الكهرباء تحت الأرض وإزالة أعمدة الكهرباء لإتاحة رؤية المناطر الطبيعية بشكل أفضل. كما ينبغي أن يشمل العمل الحفاظ على الطرق السريعة وغيرها من البنى التحتية لتجنب تدهورها وضمان السلامة هذا ويشكل نجاح طوكيو في استضافة الألعاب الألمبية فرصة مثالية لإعادة إحياء النقاش حول تخطيط المدينة الذي تراجع في الماضي بسبب عدم وجود أهداف واضحة. ويجب أن يتم التعامل مع موعد افتتاح الألعاب الأولمبية بعد سبع سنوات من الآن كموعد نهائي للجهود الهادفة إلى مزيد من الابتكار. والابداع

موقع مشروع مركز تجاري ضخم في شرق لندن وهو جزء من جهود إعادة التطوير في إطار الاستعدادات لدورة الألعاب الأولمبية لعام ٢٠١٢ (الصورة مقدمة من الكاتب).

تجديد طوكيو لتنشيط السياحة

ولكن ربما نتساءل أي نوع من المدن يجب على طوكيو أن تكون؟

وللإجابة دعونا نتأمل على سبيل المثال مدينة برشلونة الإسبانية كأحد النماذج. في الفترة التي سبقت أولمبياد برشلونة عام ١٩٩٢، فقد شرعت المدينة بالقيام بحملة لتحويل نفسها من بلدية كئيبة غارقة في تاريخ العصور الوسطى إلى عاصمة للسياحة الدولية وحققت نتائجاً باهرة.

ففي عام ١٩٩٠ واستنادا إلى أرقام من مؤسسات استقبال الزوار، زار برشلونة نحو ٣٫٨ مليون سائح وارتفع هذا الرقم ليبلغ ٧٫٧٨ مليون سائحاً بحلول عام ٢٠٠٠. وكانت هناك زيادة كبيرة في عدد السياح الأجانب الذين يشكلون ٤٨٫٨٪ من إجمالي عدد السياح في عام ١٩٩٠ ونسبتهم التي وصلت الى ٦٨٫٧٪ في عام ٢٠٠٠.

لقد اجتذبت برشلونة في الواقع سياحاً جدداً وبشكلٍ أسرع من أي مدينة أخرى في أوروبا. وأدى هذا النجاح إلى ظهور نهج جديد في التجديد العمراني والذي أصبح يعرف باسم ’’نموذج برشلونة‘‘. ولعل مدينة طوكيو بحاجة إلى استغلال مثل هذه الفرصة لوضع خطة لنفسها وخلق إرث جديد للألعاب الأولمبية. حيث تتمثل أولى العائدات المرتقبة من الألعاب الأولمبية في الوقت الحالي من خلال تنشيط قطاع السياحة. حيث انه مما لا شك فيه أن الألعاب الأولمبية ستجتذب الكثير من الزوار الأجانب إلى طوكيو.

وبالرغم من أن طوكيو تلعب دورا كمركز للأعمال، بيد أنها لا تملك إلا القليل لتقدمه فيما يتعلق بالمواقع التاريخية والمعالم السياحية. فحتى وقت قريب، كان ينظر إلى السياحة بوصفها أمرا مكملا. ووفقا لشركة أبحاث السوق ’’يورومونيتور إنترناشيونال‘‘ زار طوكيو نحو ٣٫٨٢ مليون سائح أجنبي خلال عام ٢٠١٠، وهذا الرقم منخفض جدا بالمقارنة مع نظيراتها من المدن الرئيسية الأخرى، حيث زار هونغ كونغ ١٩٫٩٧ مليون سائح و لندن ١٤٫٧١ مليون سائح وباريس ٨٫١٨ مليون سائح. كما خلصت دراسة حكومة مدينة طوكيو التي أجريت في السنة المالية لعام ٢٠١٢ أن ٣٥٫٥٪ من الزوار الأجانب قدموا إلى طوكيو بهدف العمل و ٤٥٫١٪  بهدف السياحة. ووفقا للمسح كانت الوجهات الأكثر شعبية هي مناطق الترفيه الراقية مثل غينزا وشيبويا وشينجوكو، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالتسوق والتجول وتناول الأطعمة اليابانية.

السياحة الرياضية على الصعيد الوطني

من المرجح أن تزيد استضافة طوكيو لأولمبياد ٢٠٢٠ من رصيدها وتعزز السياحة. وهناك طريقتان يمكن من خلالهما زيادة عدد السياح الأجانب إلى طوكيو. تتمثل الطريقة الأولى في جعل طوكيو أكثر جاذبية عبر خلق موارد جديدة فيها للسياحة. أما الطريقة الثانية فهي تعزيز اليابان بمجملها وكمدخل لذلك يتم تسليط الضوء على جاذبية طوكيو. في النهاية وانني لأرغب في عرض مقترح لكل من هاتين الطريقتين. على النحو التالي:

1) إعادة تجديد طوكيو القديمة عبر زيادة الفعاليات الرياضية:

 إن استعادة جزء من المدينة التاريخية في إطار خلق موارد جديدة للسياحة هو خطوة أولى جيدة. ويمكن تحقيق ذلك عبر إعادة بناء قلعة إيدو واستبدال المناظر غير المحببة من على الطريق السريع والتي تفسد حاليا جمال جسر نيهون باشي بنفق تحت الأرض أقل قبحا. وهناك طريقة أخرى فعالة تتمثل في فتح كازينوهات وإنشاء أرصفة للسفن السياحية الكبيرة. وقد تمت الموافقة بالفعل على خطط لتلك الغاية. وبالإضافة إلى مشاريع البناء تلك، تحتاج طوكيو إلى خلق وتعزيز فعاليات رياضية قادرة على جذب سياح من دول أخرى. ونظرا لقلة عدد المقاصد السياحية التاريخية في طوكيو، فإن وضعها كمدينة تستضيف الأولمبياد بشكل ناجح على المحك. ويجب على اليابان أن تسعى إلى استخدام هذا الحالة لتوطيد سمعتها كعاصمة عالمية للمنافسات الرياضية. ولتحقيق ذلك، أقترح إنشاء هيئة طوكيو للرياضة لتقديم إطار عمل منظم لتحرك الناس من خلال الرياضة.

2) الوصول إلى طوكيو وزيارة اليابان:

يتركز الاقتراح الثاني على فكرة الترويج للسياحة الرياضية. وسيكون هذا البرنامج على نطاق اليابان مع جعل طوكيو بوابة العبور حيث تملك اليابان ثروة من الموارد الطبيعية  قادرة على جذب السياحة الرياضية وهي: الثلوج في هوكايدو والشعاب المرجانية في أوكيناوا كما تغطي الغابات أكثر من ٦٠٪ من مساحة البلاد بالإضافة للجبال والسواحل الطويلة المتنوعة للغاية، والتي تُشِكِلُ بدورها مجموعة عالمية من موارد الرياضة في الهواء الطلق. وسوف توفر شركات الطيران ذات تكلفة منخفضة (المقال بالإنكليزية) مع الوقت للزوار إمكانية حرية الحركة. كما أن دخول عصر الهواتف الذكية والتحديثات الفورية يُمّكن الناس من العثور على المعلومات التي يحتاجونها بسرعة أكبر من أي وقت مضى. ومن المفترض أن تسهل هذه التطورات عملية جذب السياح بهدف الرياضة إلى اليابان وخاصة من الدول الآسيوية الأخرى. كما إن بناء خطوط السكك الحديدية المباشرة بين مطاري ناريتا الدولي الرئيسي في طوكيو وهانيدا، بالإضافة الى مراكز توزيع محلي، يجعل السفر أسهل بكثير للزوار الأجانب.

(المقالة الأصلية مكتوبة باللغة اليابانية في ١ أكتوبر/ تشرين الأول، صورة العنوان: احتفال مؤيديّ فوز طوكيو باستضافة الألعاب الأولمبية. الصورة مأخوذة بإذن من صحيفة نيكّان الرياضية/ موقع أفلو)

طوكيو السياحة الرياضة