رغبة الإمبراطور في التخلي عن العرش وفرص تحقيقها (الجزء الثاني)

سياسة

وردت مؤخرا تقارير تفيد بأن الإمبراطور أكيهيتو والذي يبلغ من العمر ٨٢ عاما يرغب في التنازل عن العرش خلال السنوات القليلة القادمة. ومن المتوقع أن تباشر الحكومة فورا مداولات بشأن هذه القضية بغية تحقيق رغبة الإمبراطور.

قراءة الجزء الأول من الرابط التالي:
رغبة الإمبراطور في التخلي عن العرش وفرص تحقيقها (الجزء الأول)

وجهات نظر مخالفة

أكدنا في الجزء السابق على القضايا المهمة التي يمكن استخلاصها من تقرير NHK الأصلي. وسأقدم في هذا الجزء بصورة مختصرة أفكاري حيال ما يجب القيام به لتحقيق رغبة الإمبراطور.

ولكن أولا يجب علي الإشارة إلى أن عددا لا بأس به من الناس ردوا على التقرير الأصلي في ١٣ يوليو/تموز بآراء مخالفة بناء على استغراق في المبادئ. فعلى سبيل المثال، في مقالة نشرت في صحيفة سانكيي شيمبون في ١٦ يوليو/تموز، أعلن كوبوري كييئيتشيرو الأستاذ الفخري في جامعة طوكيو ”تتملكني خشية كبيرة من أن المغامرة في هذه النقطة بصنع سابقة من خلال السماح للإمبراطور بالتخلي عن العرش سيؤدي إلى تدمير فعلي لنظام الحكم القومي….ولعله من الأفضل تجاوز هذه الحالة بوضع وصاية على العرش“.

وأيضا ضم عدد شهر سبتمبر/أيلول لمجلة ويل المنشور في ٢٦ يوليو/تموز مقالة بقلم موموتشي أكيرا الأستاذ في جامعة نيهون والذي يدعم جعل إمبراطور اليابان رأسا للدولة (مستعيدا بذلك استقلاليته)، ”بالنسبة لمجلس الوزراء الملتزم بالعبارات ”الخاصة“ للإمبراطور سيخالف نظام الإمبراطورية الدستورية….عند الضرورة القصوى، إعفاء جلالته من مسؤولياته الكثيرة من خلال وضع وصاية على العرش سيوافق روح القانون وسيتماشى أيضا مع مشاعر جلالته“.

تنص المادة ١٦ من قانون البيت الإمبراطوري على أنه ”في حالة إصابة الإمبراطور بمرض خطير، عقليا أو بدنيا، أو هناك عائق خطير وهو غير قادر على أداء أعماله المتعلقة بالدولة، يجب وضع وصاية على العرش بقرار من مجلس البيت الإمبراطوري“. ولكن وضع وصاية على العرش بسبب تقدم الإمبراطور في السن بالتأكيد لن ”يوافق روح القانون“ في حالة الإمبراطور أكيهيتو الذي لا يزال مفعما بالحيوية وهو في الثمانينيات من العمر.

وأكثر من ذلك، طبقا لتقرير NHK في ١٣ يوليو/تموز، يعتقد الإمبراطور أكيهيتو أن منصب الإمبراطور يجب أن يشغله شخص يستطيع تأدية المسؤوليات المطلوبة من الرمز القومي بصورة كاملة كما جاء في الدستور، وحتى الآن كرس الإمبراطور كل طاقته لأداء العبء الكبير من المسؤوليات المنوطة بالإمبراطور كما قدمت في تعليقي بعد الفقرة ٣ من التقرير المقتبس أعلاه. لم يأت تحرك الإمبراطور لتقليل مسؤولياته أو تفويضها بصورة كاملة لشخص آخر، ويبدو حتى الآن أن رغبته ليست من أجل إعفائه من مسؤولياته الكثيرة وقضاء ما تبقى من عمره في راحة، ولذلك فإن وضع وصاية على العرش لن ”يتماشي مع مشاعر جلالته“.

عملية دراسة تعديل قانون البيت الإمبراطوري

في ضوء ذلك، الرد المناسب الوحيد هو أخذ ما تردد عن رغبة الإمبراطور أكيهيتو على محمل الجد والمباشرة بتحقيقها. وكما أشرت في تعليقات بعد الفقرة ٨ أعلاه، فإنه سواء إن تم ذلك بتعديل قانون البيت الإمبراطوري أو عن طريق تبني تشريع خاص، فإن المسألة بحاجة لعرضها على البرلمان. وهذا الأمر قد يسبقه تأسيس مجلس من قبل الحكومة. وكما أشار تقرير NHK ”أسست الحكومة مسبقا مجالس خبراء لمناقشة إجراء تعديلات ممكنة على نظام البيت الإمبراطوري مثل توسيع نطاق أهلية الخلافة الإمبراطورية وتأسيس عوائل أميرية جديدة من ذرية سلالات الإناث. ومن المرجح على ما يبدو أن إجراء مماثلا سيتم تبنيه في هذه الحالة“.

في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تحركت الحكومة لتبني تشريع جديد لتعديل قوانين كانت مطبقة، كانت تأخذ في أغلب الأحيان آراء خبراء معارضين ومؤيدين للتغيرات المقترحة. تم تأسيس لجنة استشارية في عام ٢٠٠٥ من قبل وزير شؤون مجلس الوزراء لدراسة تعديل قانون البيت الإمبراطوري، وفي عام ٢٠١٢ عقد وزير شؤون مجلس الوزراء جلسات استماع لخبراء تتعلق بنظام البيت الإمبراطوري، وفي كلتا الحالتين كنت مدعوا لأعبر عن آرائي.

ولكن تلك المناسبات سمحت فقط للمشاركين للتعبير عن وجهات نظرهم بشكل مقتضب فيما يتعلق بالمسائل قيد الدراسة، ولم تسمح للمشاركين بإجراء مناقشات بينهم تهدف للتوصل لنقاط اتفاق. وعلى النقيض، ولكنها تهدف لإبراز الفروق بين المؤيدين والمعارضين ما يؤدي لانقسام أكثر وضوحا في وجهات نظر الناس. وإذا تم تأسيس لجنة خبراء هذه المرة مجددا، آمل بأن كلا من مسؤولي الحكومة والخبراء المشاركين - بالاستفادة من الحالتين المذكورتين أعلاه - سيتبنون إقرارا مشتركا في أن تحقيق رغبة الإمبراطور أكيهيتو هي المقدمة الكبرى وأنهم سيعملون على جعل المجلس منتدى لتقاسم بناء لتعليقات حول نقاط إشكالية متعلقة بهذا الهدف.

مجلس البيت الإمبراطوري بوصفه المنتدى الأفضل

برأيي إن مناقشة مسألة مهمة تشمل دور البيت الإمبراطوري بالتركيز على الإمبراطور الذي هو موضوع الفصل الأول من الدستور بدلا من التحول إلى لجنة استشارية مؤقتة مشكلة من قبل الحكومة هو المنهج الذي يتماشى مع روح المسألة على النحو الأمثل والأمر الأكثر عملية هو التوصل إلى توافق عن طريق مناقشات في مجلس البيت الإمبراطوري وهو أعلى هيئة مشكَّلة على أساس دائم بموجب الفصل الخامس من قانون البيت الإمبراطوري.

تركيب مجلس البيت الإمبراطوري

البيت الإمبراطوري أفراد العائلة الإمبراطورية البالغين من الذكور والإناث شخصان
السلطة التشريعية رئيس مجلس النواب ونائبه شخصان
رئيس مجلس المستشارين (الشيوخ) ونائبه شخصان
السلطة التنفيذية رئيس الوزراء ومدير وكالة البلاط الإمبراطوري شخصان
السلطة القضائية رئيس المحكمة العليا وقاضي آخر شخصان

يحل مجلس البيت الإمبراطوري مكان مجلس العائلة الإمبراطورية (المكون من أفراد الأسرة الحاكمة من البالغين الذكور) في قانون البيت الإمبراطوري القديم. وهو هيئة دائمة تتألف من ١٠ أشخاص كما تنص المادة ٢٨ من قانون البيت الإمبراطوري الراهن: شخصان من العائلة الإمبراطورية، رئيس مجلس النواب ونائبه (السلطة التشريعية)، رئيس مجلس المستشارين (الشيوخ) ونائبه (السلطة التشريعية)، رئيس الوزراء ومدير وكالة البلاط الإمبراطوري (السلطة التنفيذية)، ورئيس المحكمة العليا وقاضي آخر فيها (السلطة القضائية). وبموجب المادة ١٩ من القانون، فإن رئيس الوزراء يترأس المجلس.

وبالتالي فإن هذا المجلس يجمع ممثلين عن العائلة الإمبراطورية (حاليا الأمير أكيشينو والأميرة هيتاتشي) وثمانية ممثلين عن السلطات الثلاث للحكومة. وبإمكانه بالتأكيد مناقشة المسألة بعناية، باعتبار أن ممثلي العائلة الإمبراطورية قد استمعا لرغبة الإمبراطور أكيهيتو وولي العهد الأمير ناروهيتو، في حين أن الثمانية الآخرين يعكسون رغبات الناس (على اعتبار أنه يتم اختيار رئيسي مجلسي النواب والمستشارين من الأحزاب الحاكمة ونائبي المجلسين من الأحزاب المعارضة).

ومن المؤكد أنه باعتبار أن قانون البيت الإمبراطوري قائم على فرضية أن الإمبراطور سيبقى في العرش طوال حياته، لم يضع القانون بالاعتبار مناقشة التنازل عن العرش. ولكنه ينص في المادة ٣ على أن ترتيب الخلافة المحدد بالمادة ٢ ”ربما يتم تغييره بقرار من مجلس البيت الإمبراطوري وبما يتوافق مع الترتيب المنصوص عليه في المادة السابقة“. المادة ٤ تفترض أن الإمبراطور سيبقى في منصبه طوال حياته حيث تنص على أنه ”لدى وفاة الإمبراطور، يجب أن يتولى المنصب وريث العرش الإمبراطوري فورا“، وبتطبيق البند السابق، يجب أن يكون كافيا إضافة العبارة المظللة التالية إلى المادة ٤ لتصبح ”لدى وفاة الإمبراطور أو تنازل الإمبراطور عن العرش بناء على مداولات من قبل مجلس البيت الإمبراطوري، فإن وريث العرش الإمبراطوري يجب أن يتولى العرش فورا“.

وبهذه الطريقة، حتى لو تم التعامل مع حالة التنازل عن العرش الحالية عن طريق سنّ تشريع خاص، فسيكون من الممكن توضيح السياسة بالنسبة للحالات اللاحقة. وإذا أردنا الحديث بطريقة أكثر وجاهة، فبينما تعطى الأولوية للترتيب الراهن بالبقاء في الحكم مدى الحياة، يجب أن تضاف مسألة التنازل عن العرش كخيار جديد ولكن ليس كشيء يترك فقط لإرادة الإمبراطور الحرة، بل كمسألة يجب عرضها على مجلس البيت الإمبراطوري المنصف لدراستها بصورة متأنية.

عندما تم تبني قانون البيت الإمبراطوري الأصلي في عصر ميجي وعندما تم تبني القانون الحالي بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن يُنظر إلى التنازل عن العرش كمشكلة لأنه كثيرا ما وقعت حالات تنازل عن العرش في العصور ما قبل الحديثة والتي بلغت نحو ٦٠ حالة بصورة اعتباطية أو بدوافع سياسية وترافقت بقتال ناجم عن الإكراه من قبل شخصيات قوية متنازعة. نستطيع فهم أن القرار بمنع هذا الأمر عن طريق نص القانون على أن يحكم الأباطرة طيلة فترات حياتهم كان قرارا منطقيا.

ولكن في وقتنا الراهن ومع تقدم الأعمار إلى درجة لم يتم توقعها قبل ٧٠ عاما، إذا استمرينا في الاعتماد على الحكم طوال الحياة فقط، فإنه ليس الإمبراطور عرضة لأن يصبح غير قادر على أداء دوره الرمزي بشكل كامل فحسب، بل هناك قلق جوهري من أن وريث العرش الإمبراطوري والشخص التالي في ترتيب الخلافة سيتوليان العرش في عمر متقدم وهما بنفسيهما سيجدان صعوبة في أداء مسؤولياتهما. ويبدو أن إفساح المجال للتنازل عن العرش في هذه النقطة ضروريا وذو معنى من أجل الحفاظ على أداء نظام الإمبراطور الرمز المنصوص عليه في الدستور.

ولكني أود التأكيد على أنه من أجل ضمان أن يتم تطبيق التنازل عن العرش لأسباب مشروعة وأن يعمل كنظام يسمح ببقاء وتطور ثابتين للعرش والبيت الإمبراطوريين، فمن الأساسي وجود مشاركة عملية من مؤسسة رسمية دائمة مثل مجلس البيت الإمبراطوري.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية ومنشورة بتاريخ ٥ أغسطس/آب ٢٠١٦. والترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الإمبراطور أكيهيتو يدعو البرلمان في ١ أغسطس/آب ٢٠١٦ وهي إحدى أعماله الدستورية المتعلقة بالدولة. جيجي برس)

إمبراطور