إصلاحات متسارعة في الجامعات الحكومية اليابانية

مجتمع التعليم الياباني اللغة اليابانية

تتسارع وتيرة الإصلاح والتجديد في كليات الجامعات الحكومية لأول مرة منذ عقود. الكلمات المفتاحية ”دمج العلوم الطبيعية والإنسانية“ و ”المساهمة الإقليمية“ فمع حرص وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية على دعم جميع الكليات على حسب الأولوية إلا أن هناك بعض المخاوف في أن تفقد هذه الكليات لقيمتها كمؤسسات علمية عليا. هذا ما سوف يعرضه الكاتب المتخصص في التاريخ المقارن للجامعات وما هو تأثير هذه الإصلاحات على الجامعات.

رياح التغير التي تهب على الكليات اليابانية

”علم تصميم المناطق“ ”صناعات الموارد البيولوجية“ ”المساهمة في إنشاء المجتمعات“ ”تصميم المناطق الفنية“ ”خلق الموارد الإقليمية“

هذه هي أسماء لكليات جديدة افتتحت في بعض الجامعات الحكومية خلال العام الدراسي ٢٠١٦ (بالترتيب في كل من جامعات أوتسونوميا، توكوشيما، إيهيمي، ساغا، ميازاكي) ويصل عدد الجامعات الحكومية التي تم استحداث أو إعادة هيكلة كليات جديدة بها إلى ١٤ جامعة حكومية. كما أنه من المتوقع أن يتم إعادة بناء كليات في ١١ جامعة أخرى خلال العام الدراسي ۲٠١٧. تنشط عمليات إعادة تنظيم وتشكيل المنظمات البحثية والعلمية التابعة للجامعات الحكومية حيث يتم أيضا استحداث وإعادة تنظيم أقسام علمية جديدة، ومراجعة الطاقة الاستيعابية للجامعات، وإعادة تنظيم أقسام الأبحاث والدراسات العليا.

وتتنوع المجالات العلمية التي يتم فيها استحداث أو إعادة تنظيم الكليات ولكن ما يسترعي الانتباه هو الدعوة إلى المساهمة الإقليمية وإلى دمج العلوم الطبيعية والإنسانية بعضها ببعض. فعلى سبيل المثال، تتكون كلية ”علم تصميم المناطق“ التابعة لجامعة أوتسونوميا من ثلاثة أقسام مختلفة هي ”تصميم المجتمعات“ و ”الهندسة المعمارية والتصميم الحضري“ و ”تصميم البنية التحتية المجتمعية“.

وفي كلية ”المساهمة في إنشاء المجتمعات“ التابعة لجامعة إيهيمي، يوجد أربعة أقسام (دورات تدريبية) هي ”قسم إدارة الصناعات“ (ويشتمل على إدارة الصناعات وإنشاء الأشغال) ”قسم ابتكارالصناعات“ (ويشتمل على علم الصناعات البحرية، الصناعات الورقية، التصنيع)، ”قسم التصميم البيئي“ (ويشتمل على الاستدامة البيئية، تصميم الأقاليم والوقاية من الكوارث)، ”قسم إدارة الموارد الإقليمية“ (ويشتمل على إدارة قرى الصيد والزراعة،  إدارة الموارد الثقافية، إدارة الصحة والرياضة)، وكل قسم من هذه الأقسام يهدف إلى تنمية الموارد البشرية للإسهام في أقاليمها بوجهة نظرعلمية تندمج داخلها العلوم الطبيعية والإنسانية.

وما قيل أعلاه عن ”استحداث“ كليات جديدة، يعتبر أحد خصائص ”الإصلاح“ الذي تقوم به حاليا الجامعات الحكومية متمثلا في إعادة تشكيل، وتوزيع الأكاديمين والطاقة الإستيعابية الموجودة بالفعل في الكليات القائمة على الكليات الجديدة. وهذا له علاقة كبيرة بانخفاض سعة كليات تربية المعلمين، وإيقاف العمل بالنظام المسمى بالـ ”زيرومين“، وينطبق هذا على ١٠ جامعات من الـ ١٤ جامعة التي استحدثت كليات جديدة بها خلال العام الدراسي ٢٠١٦.

ونظام الـ ”زيرومين“ هو عبارة عن دورة تدريبية لا تشترط الحصول على رخصة لمزاولة مهنة التدريس من كليات تربية المعلمين كشرط للتخرج. فنتيجة لانخفاض أعداد المعلمين الذين يتم توظيفهم المصاحب لمشكلة قلة المواليد في اليابان، وتعدد المسارات المتاحة أمام المتخرجين، فقد تم البدء في هذه الدورة التدريبية منذ العام ١٩۸٧ وتشمل أفرع ”التعليم مدى الحياة“ ”الفن“ ”الثقافة“ ”التربية الرياضية“ ”الأقاليم“ ”علم النفس والاستشارات“ ”المعلومات“ ”البيئة“ ”التعدد الثقافي والعولمة“.

ولكن منذ العام ٢٠٠٦، ومع تغير الحاجة للمعلمين، فقد تم إيقاف العمل بالـ ”زيرومين“ وتم الأخذ بمبدأ إعادة التحويل للكليات المتخصصة بتربية الكوادر التعليمية والمعلمين. وقد تسارع هذا الاتجاه بعد تطبيق وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا سياسات ”إعادة تعريف المهام“ و ”إعادة النظر في المؤسسات والأعمال“ التي تضطلع بها الجامعات الحكومية في عام ٢٠١٦.

تحويل الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية وتعزيز أدائها

في عام ٢٠٠٤، تم تحويل الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية. فقبل هذا التاريخ كانت الجامعات الحكومية لا تتجاوز كونها مؤسسات حكومية، وكانت القيود المؤسسية الخاصة بالجوانب المالية والأفراد فيها قوية. ولذا فقد كان الهدف من تحويل هذه الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية هو تفعيل دورها كمؤسسات تعليمية وبحثية واضحة الصفات وذلك عن طريق تعزيز المرونة والإدارة الذاتية من قبل هذه الجامعات لشؤونها المؤسسية والمالية.

وعلى الجانب الآخر تحويل الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية كان لها جانب آخر تمثل في تنفيذ توجهات الدولة الخاصة بالإصلاح المالي والإداري عن طريق محاولة القيام بتحويل المعلمين إلى موظفين غير حكوميين. وبعد تطبيق تحويل الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية، فإن الأموال التي يتم تقديمها من قبل الدولة لكل الجامعات على سبيل المنح للمساهمة في تكاليف تشغليها، أصبح يتم تخفيضها كل سنة بنسبة ١% مقارنة بالسنة التي تسبقها. وهذه الأموال التي تم تخفيضها، تم تجميدها فعليا في عام ۲٠١٠، ولكن المبلغ الإجمالي للمنح التي يتم تقديمها تم الاستمرار في تخفيضه حتى العام ۲٠١٣.

وقد قامت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية من العام ۲٠١٣، ومن خلال تبادل الآراء مع كافة الجامعات الحكومية، بإعادة النظر في الفكرة التي كانت هي نواة  تحويل الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية  وهي ”نقطة قوة كافة الجامعات ومزاياها ودورها المجتمعي“، وتم إعادة تعريف المهام المنوطة بها الجامعات الحكومية. بالإضافة لهذا، فقد تم صياغة ”خطة إصلاح الجامعات الحكومية“، فمن أجل تعزيز دور وأداء كافة الجامعات، خلال الفترة الثالثة المستهدفة على المدى المتوسط (من ٢٠١٦ إلى ٢٠٢١) من خلال أليات ”إحياء مزايا كافة الجامعات ونقاط قوتها“ ”والتشجيع على تحسين والتقدم في الاستقلالية والإدارة الذاتية للجامعات“، وبناء على النتائج المتحققة من جهود كافة الجامعات، تم وضع المبدأ الذي ينص على ”خلق بيئة تسمح بإعادة النظر بشكل جوهري في هيكلة المؤسسات البحثية والتعلمية والجامعات وتوزيع الموارد داخلها، من خلال طرق توزيع المنح المقدمة للجامعات الحكومية للمساهمة في تكاليف تشغيلها“.

ولذلك، فقد تم الإعلان في يونيو/ حزيران ٢٠١٥ عن قرار وزير التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا الياباني المتعلق بـ”إعادة النظر في مؤسسات الجامعات الحكومية وأعمالها“. وقد تم الإعلان عن هذا في وسائل الإعلام، ولقي صدى واسعا. وتمت مطالبة الجامعات الحكومية بإحداث إصلاح مؤسسي سريع ”خاصة بالنسبة لكليات تربية المعلمين وكليات العلوم الإنسانية والاجتماعية والدراسات العليا بها، فيجب عليها السعي نحو التحول الإيجابي للمجالات العلمية التي عليها طلب مجتمعي واسع، من خلال صياغة خطة لإعادة النظر المؤسسي تأخذ بعين الاعتبار انخفاض عدد السكان ممن تبلغ أعمارهم ١٨ عاما واحتياجات القوى العاملة، ضمان معايير البحث والتعليم، والدور المنوطة به الجامعات الحكومية.“

وقد تم تشجيع ”إعادة النظر“ تلك عن طريق أولويات توزيع المنح المقدمة للجامعات لتغطية تكاليف تشغليها، والأطر التي تم التركيز عليها عند ”إعادة النظر“ تلك، هي الثلاثة أطر التالية:

١ تشجيع البحث والتعليم الذي يسهم إقليميا، مع إسهامه أيضا عالميا وفي كافة أنحاء اليابان (الجامعات التي تسهم اقليميا يبلغ عددها ٥٥ جامعة).
٢ تشجيع البحث والتعليم الدولي وفي كافة أنحاء اليابان، وليس فقط إقليميا (ويبلغ عدد الجامعات العاملة على مستوى البلاد والعالم ١٥ جامعة).
٣ تشجيع التطبيق المجتمعي والبحث والتعليم الممتاز على المستوى الدولي (ويبلغ عدد الجامعات العاملة بهذا الإطار ١٦ جامعة).

وتختار كافة الجامعات الحكومية من بين هذه الأطر الثلاثة التي تم وضعها من أجل تعزيز أداءها، الإطار الذي يلائمها في خطتها ”نقاط القوة وتعزيز مزاياها“ ثم تقوم بتلخيص ”الرؤية“ و ”الإستراتيجيات“ الخاصة بها في المرحلة الثالثة، وتقديم ”الأهداف التي سيتم تقييمها“ (القابلة للتقييم) والتي ستصبح هي المعايير التي يتم من خلالها تقييم مدى تنفيذ تلك الرؤية والإستراتيجيات. وستنعكس نتائج هذا التقييم على توزيع الأموال والمنح المقدمة من وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية. وتقوم كافة الجامعات الحكومية بالمساهمة بـ ١% من أموال المنح وتكاليف التشغيل الحيوية لها، والأموال التي يتم تجميعها والتي تصل إلى ١٠ مليارات ين ياباني يتم إعادة توزيعها مرة أخرى عن طريق وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية.

وفي العام ۲٠١٦، تم توزيع ما معدله ٧٥.٥% إلى ١١٨.٦% في مقابل مبالغ المنح التقليدية. وكانت نتيجة هذا أن هناك ٤۲ جامعة حكومية زادت المنح المقدمة لها، في مقابل ٤٣ جامعة حكومية انخفضت المنح المقدمة لها (وهناك جامعة واحدة لم تتقدم بطلب لتوزيع هذه الأموال عليها). وكان أكبر مبلغ مالي تم زيادته في المنح المقدمة لجامعة حكومية هو ٧٠ مليون ين ياباني، وأكبر مبلغ تم تخفيضه هو ٥٠ مليون ين ياباني، وفي العام ۲٠١٧، أيضا مع تقييم التطور وارتفاع المستوى في العمل الذي تقوم به الجامعات، تم توزيع زيادات نطاقها ٧٨.٣% إلى ١١٣.٠%، وعدد الجامعات التي حدث لها زيادة في المخصصات وصل إلى ٤١ جامعة، في مقابل ٤٥ جامعة حدث لها خفض في المخصصات، وأكبر مبلغ تم زيادته وصل إلى ٥٥ مليون ين، و أكبر مبلغ تم خفضه وصل إلى ٣٠ مليون ين.

القضايا والتحديات المتعلقة بإصلاح الجامعات الحكومية

من بين ٢٥ جامعة قامت خلال العامين الدراسيين ٢٠١٦ و ٢٠١٧ باستحداث وإعادة هيكلة كليات جديدة، هناك ١٨ جامعة تصنف بكونها جامعات مساهمة في أقاليمها، ونصف هذا العدد أي ما يصل إلى تسع جامعات، تلقت توزيعات متزايدة من أموال المنح خلال العامين الماضيين، فعند رؤية الحركة النشيطة لإعادة هيكلة الكليات، نستطيع رؤية زيادة النتائج التي تحدثها سلسلة إصلاحات الجامعات الحكومية.

ولكن هناك أيضا الكثير من التحديات. فالتحدي الأول يتمثل في أن المبالغ التي تتم زيادتها عن طريق الدعم لن تتجاوز بضعة عشرات من الملايين بالين الياباني. وإن هذه الأموال والتي قد نعتبرها حافز للإصلاح، لن تكون كافية لخلق مناخ بحثي وتعليمي جديد، وفي نهاية المطاف لن يتم سوى إعادة هيكلة المؤسسات القائمة بالفعل، وعلى الرغم من إطلاق أسماء جديدة على الكليات التي يتم استحداثها، إلا أن هناك بعض الشكوك التي تحيط بمقدرتها على تقديم محتوى علمي وبحثي جديد.

التحدي الثاني هو أنه وعلى الرغم من تأكيد وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية على الإصلاح الإختياري للجامعات الحكومية، إلا أنه وعلى الجانب الأخر فإنها تشير إلى الاتجاه لإعادة هيكلة كليات تربية المعلمين والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ولأن إدارة الجامعات الحكومية تتأثر بصورة كبيرة بالأموال التي تتلقاها من وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية، فلابد لها من السير في هذا الاتجاه. ولذا فعلى الرغم من أسماء الكليات التي يتم استحداثها قد تدل على الفردية والاستقلال، إلا أنه وبرفع الغطاء عن الإصلاحات التي تقوم بها الجامعات الحكومية، سنجد أنها جميعا تسير في نفس الاتجاه المتمثل في المساهمة الإقليمية ودمج العلوم الطبيعية والإنسانية.

التحدي الثالث يتمثل في مدى ملائمة الكليات، التي تطبق نظام المساهمة الإقليمية ودمج العلوم الطبيعية والإنسانية، مع احتياجات المجتمع، فكما يتضح من استخدام المصطلح ”تعزيز الأداء“ فيما يخص إصلاح الجامعات في الوقت الحالي، فإن هناك اتجاه قوي لفهم كلمة ”أداء“ على أنها تمثل قدرة الجامعات على تلبية المتطلبات المجتمعية، وتتم المطالبة بوضع معايير موضوعية لتقيم وقياس درجة تحقيق هذا الأداء، ولكن هذا التفسير لـ ”أداء الجامعات“ من وجهة نظر اجتماعية يعني أن ”الأهداف التعليمية والبحثية للجامعات، يتم تقديمها وعرضها من خارج الجامعات“.

ولكن ما هي متطلبات المجتمع؟ هل هي ما يطلبه متلقوا الامتحانات وأولياء أمورهم، أم هي تطلبه الشركات المحلية، أم هي المبادئ التي تضعها الحكومة؟ ففي نهاية المطاف، يجب على الجامعات أن تختار أهدافها ومهامها المجتمعية من بين العديد من الاحتياجات. وهذا هو مغزى وجود ”استقلالية الجامعات“ و ”حرية التعليم“. وليست الحكومة هي المخولة بتقرير الاحتياجات المجتمعية، وإن التلبية والاستجابة للسياسات بدون أي نقد لها، قد يعرض الجامعات نفسها لخسارة المهمة التي تضطلع بها الجامعة كمركز للعملية التعليمية.

هناك العديد من الأحوال والشؤون المتعلقة بتحويل الجامعات الحكومية إلى الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية، ولكن المعنى الآخر الذي تمثله تحويل الجامعات الحكومية لكيانات مؤسسية، من حيث حصول الجامعات الحكومية على استقلاليتها بعيدا عن كونها مؤسسات حكومية تابعة للدولة، هو معنى كبير. فإن تقدم العلم يتشكل في الأساس عن طريق حرية الفكر والتعليم. ويجب ألا تتواجد الجامعات من أجل الحصول على أموال المنح أو إعادة توظيف المسؤولين السابقين. ولذا فلنأخذ حذرنا جميعا، جامعات حكومية وخاصة، حتى لا نفقد هذا الفخر.

(النص الأصلي باللغة اليابانية. صورة العنوان: كلية المساهمة في إنشاء المجتمعات التي استحدثت في جامعة إيهيمي. الصورة من أفلو)

التعليم الجامعات