التعليم في اليابان: القدرة التنافسية للجامعات اليابانية في عصر العولمة

العولمة وإصلاح نظام التعليم العالي في اليابان

مجتمع التعليم الياباني اللغة اليابانية

شهدت الجامعات اليابانية عدداً هائلاً من الإصلاحات الجهازية والتنظيمية على مدى العشرين عاماً الماضية. وبالتحديد منذ التسعينات يراجع السيد أمانو إيكو الأستاذ الفخري في جامعة طوكيو في هذا المقال جذور الإصلاحات التي أجريت على الجامعات استجابة للعولمة ويستعرض المشاكل التي لاتزال بحاجة إلى معالجة.

مضى أكثر من نصف قرن على ظهور النظام الجديد للتعليم العالي والذي بدأ خلال فترة الاحتلال الأمريكي لليابان عقب الحرب العالمية الثانية، وهاهي الجامعات والكليات اليابانية تواجه إصلاحات كبرى مرة أخرى. وما تزال رياح التغيير التي بدأت في أوائل تسعينيات القرن العشرين تعصف بالتعليم العالي. ويتسأل المرء: ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا الزلزال الكبير في نظام التعليم العالي في اليابان؟ واننّي لأرغب في هذه المقالة أن أتوقف عند العوامل الستة التي أعتقد أنها مسؤولة بالدرجة الأولى عن هذا الزلزال، ثلاثة عوامل منها متعلقة بالتوجهات الدولية والثلاثة الأخرى خاصة بالأوضاع في اليابان.  

التوجهات العالمية المؤثرة على إصلاح نظام التعليم العالي

يتجسد التوجه الأول في التحول نحو الالتحاق بالرُكبِ العالمي للتعليم العالي. فقد وصف عالم الاجتماع الأمريكي مارتن ترو تطور الالتحاق بالتعليم العالي على أنه زيادة معدلات الدخول في الجامعات عبر الأجيال، فالرسم البياني لتطوره ينتقل من مرحلة ’’النخبة‘‘ إلى مرحلة ’’الكتلة‘‘ ومن ثم إلى مرحلة ’’العالمية‘‘ وذلك في الوقت الذي تزداد فيه نسب الالتحاق بالجامعات من أرقام صغيرة إلى ١٥٪ ومن ثم إلى ٥٠٪. ففي الولايات المتحدة، وصل التعليم العالي إلى مستوى ’’العالمية‘‘ في الفترة ما بين أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن العشرين. وتبعتها بسرعة معظم الدول المتقدمة الأخرى بالانتقال من مرحلة ’’الكتلة‘‘ إلى مرحلة الدخول ’’العالمي‘‘ في السنوات اللاحقة.

أما في اليابان، فقد حافظ معدل الالتحاق بالتعليم العالي على ثباته بين ٣٦–٧٪ خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ولكن بعد ذلك بدأ بالتزايد ليصل إلى ٤٥٫٢٪ عام ١٩٩٥ و٥١٫٥٪ عام ٢٠٠٥ و٥٥٫١٪ عام ٢٠١٣. وهي لا تشمل سوى الجامعات والكليات والكليات المتوسطة المرموقة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مدارس التدريب الخاصة وهي نوع آخر من المؤسسات التي تقدم التعليم للمرحلة ما بعد الثانوية في المواضيع المهنية بشكل رئيسي فإن معدل الالتحاق بالتعليم العالي يزداد ليصل إلى ٧٧٫٩٪ (انظر الشكل ١). وتَتَطَلّبُ عملية التوسع الكمي في التعليم العالي ومعدلات الالتحاق على هذا المستوى تغييرات جوهرية في نظام التعليم العالي وفي الجامعات والكليات بحد ذاتها، وهي تغييرات لم يعد من الممكن تأجيلها. وبهذا المعنى فإن رياح الإصلاح التي تؤثر حاليا بالجامعات اليابانية هي جزءٌ من توجهٍ عالمي.

أمّا التوجه الثاني فيتمثل بالتسويق. فقد كان ينظر للتعليم العالي حتى وقت قريب على أنه أمر يحتاج أو يستحق الحصول عى دعم من التمويل العام، والذي كان يقع على عاتق الحكومات الوطنية والمحلية. ففي أوروبا، كانت الجامعات الحُكومِّيّة الوطنية هي الحالة الطبيعية. أمّا في الولايات المتحدة والتي تحتوي عددا كبيرا من المؤسسات الخاصة القوية فإن الدعم الحكومي للجامعات كان أمرا غير عادي إلى حد ما. ولكن حتى في الولايات المتحدة، فإن حوالي ٨٠٪ من العدد الإجمالي للطلاب يدرسون في القطاع العام. وبهذا المعنى فإن اليابان تُشّكل حالة استثنائية للغاية حيث يمثل القطاع الخاص نحو ٨٠٪ من مجموع الطلبة. لِذَا يعتبر القطاع الخاص سوقا بشكل أساسي، تدخل فيه الجامعات بالضرورة في منافسة بحثا عن تمويل وطلاب وأعضاء هيئة التدريس. لكنّ من الملاحظ أنه في العديد من البلدان حول العالم بدأت هذه الموجة من التسويق في السنوات الأخيرة بالتأثير على القطاع الحكومي أيضا. وكلما اشتد التنافس على الموارد في ظل خلفية التوسع الكبير في نظام التعليم العالي، زادت الحاجة لاستخدام التمويل المحدود بكفاءة، إضافةً إلى زيادة في المطالبة بالمساواة من قبل القطاع الخاص، وقد أدت كل هذه العوامل إلى خلق ضغوط لإدراج مبادئ السوق في القطاع الحكومي أيضا. وقد بدا هَذَا الامر جليّا فيما يتعلق بالتمويل وإدارة الجامعات. وحسب هَذا المعنى فإن التسويق في القطاع الحكومي يعني الخصخصة.

وبالنسبة لليابان على سبيل المثال، فستكون خصخصة جامعاتها الوطنية، القضية الأهم التي سأناقشها لاحقاً في هذه المقالة، وهي ليست سوى المثال الأكثر وضوحاً على هذا التوجه العالمي نحو التسويق والخصخصة. فالعولمة هي العامل الثالث الأكثر أهمية في التوجه العالمي حيث جعلت الثورة المذهلة في تكنولوجيا النقل والاتصالات العالم أكثر تقاربا من أي وقت مضى. ولَم ينحصر تأثير هذه الثورة على المجالات الاقتصادية والاجتماعية فقط ولكن شمل القطاع الأكاديمي أيضا. وفي الوقت الحاضر تشكل الجامعات وأنظمة التعليم العالي في كل بلد جزءا لا يمكن تجنبه من شبكة تغطي الكرة الأرضية. وهذه الشبكة مستدامة ليس فقط من خلال الطبيعة العالمية للمعرفة والتعلم، ولكن أيضاً من خلال تنقل الباحثين والطلاب من بلد إلى آخر. فهم يتنقلون حول العالم بسهولة متزايدة ولا سيما في مجال دراسات العلوم والأعمال، كما أن المنافسة على أشدها لضمان اجتذاب ألمع الطلاب والباحثين الموهوبين أكثر من أي وقت مضى.

ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة هي مركز هذا النظام العالمي للتعليم العالي فلديها أكثر الجامعات نجاحاً في العالم ونظام التعليم العالي فيها هو الأنجح، كما تلعب دوراً محورياً في جذب الموارد الفكرية والبشرية والمادية معاً من جميع أنحاء العالم. وإذا سلمنا أن الولايات المتحدة تقوم بتوفير وتصدير نماذج لدول أخرى للاحتذاء بها من حيث إصلاح نظام التعليم العالي والجامعات لديهم، فإن التغييرات الجارية حاليا يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها توجه نحو الأمركة أكثر من كونها عملية نحو العولمة. كما تحتل الولايات المتحدة ايضاً مكانة ذات أهمية فريدة من نوعها باعتبارها حكما للمعايير العالمية، وكذلك من نظام الدرجات الأكاديمية إلى تقييم البحوث الأكاديمية وإلى شبكة من الكليات المهنية المتخصصة في مجال الأعمال التجارية والقانون والطب وغيرها من الاختصاصات. وتواجه البلدان الأخرى تحديات لإصلاح أنظمتها بحيث تتوافق مع هذه المعايير. واليابان ليست استثناء.

العوامل اليابانية المؤثرة على إصلاح نظام التعليم العالي

>ولكن ماذا بشأن العوامل الخاصة باليابان والتي تجعل إصلاح الجامعة في البلاد أمراً ضرورياً؟ يتعلق العامل الأول بتوجهات التحول الديموغرافي. فنظام التعليم في اليابان يكافح منذ ثمانينيات القرن العشرين لمواكبة التغيير الكبير في تركيبة سكان اليابان. فعدد الأشخاص الذين يبلغ أعمارهم ١٨ عاماً كان ثابتاً عند نحو ١٫٥ مليون حتى منتصف ثمانينات القرن العشرين، وقد تغير بسرعة منذ ذلك الحين وبلغ في ذروته نحو ٢٫٠٥ مليون عام ١٩٩٢ قبل دخول مرحلة الركود الاقتصادي، وانخفض إلى ١٫٥١ مليون عام ٢٠٠٠ و١٫٢٢ مليون عام ٢٠١٠ (انظر الشكل ٢).

وكان لهذا التحول الجذري في التركيب السكاني تأثير كبير على نظام التعليم العالي في اليابان بما تملكه من قطاع خاص ضخم. وعملت الجامعات الخاصة خلال فترة النمو السريع على زيادة قدراتها، ومن ثم دخلت مرحلة معاناة لجذب أعداد كافية من الطلاب في السنوات التالية، وذلك على الرغم من تزايد معدل الدوام في الكليات. ومن النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين تكافح أعداد متزايدة من الجامعات والكليات لملء برامجها الدراسية بالطلاب. وهَذه المدارس اصبحت الآن تُشكل أكثر من نصف إجمالي الكليات. وكانت هذه تجربة جديدة للجامعات اليابانية. ففي الماضي كان عدد المتقدمين للانتساب للجامعات يتجاوز دوماً عدد المقاعد المتوفرة لهم. وكانت صرامة معايير الجامعات في اختيار طلابها ونظام امتحان القبول الجامعي سيء الصيت إحدى السمات المميزة للجامعات اليابانية. ونتيجة لهذه التغييرات، أُجبرت الجامعات والكليات اليابانية ليس فقط على إعادة النظر في طريقة جذب الطلاب واختيارهم وتعليمهم بعد الحصول على قبول جامعي، ولكن أيضا على إعادة هيكلة الطريقة التي تحكم كامل نظامهم، ابتداء من الرسوم الدراسية والأبحاث إلى الطريقة التي تنتهجها في الحصول على التمويل والإدارة.

يشكل الاقتصاد العامل الرئيسي الثاني المهم. فالركود الاقتصادي الذي بدأ منذ انهيار اقتصاد الفقاعة في بداية تسعينيات القرن العشرين لايزال بتأثيراته الكبيرة على القيام بإصلاحات على مستوى الجامعات يُخَيّمُ بصفةٍ متواصلة حتى يومنا هذا. فالهبوط الاقتصادي المطول جعل الكثير من الناس يدركون أن اليابان قد تخلفت عن بقية دول العالم المتقدمة في مجال تكنولوجيا المعلومات والعولمة، ومن أجل تعويض هذا التأخر لا بد من تحسين نوعية القوى العاملة في البلاد. وهذا سيعني تحسين الجامعات المسؤولة عن تدريب القوى العاملة وتعزيز مستويات الجودة في البحوث الأساسية والتطبيقية. وعَلَّيه هرعت الأحزاب السياسية والمجموعات الاقتصادية لوضع مقترحات تنافسية حول سبل إصلاح نظام التعليم العالي، والتي تهدف إلى تحرير وتنشيط التدريس والبحوث. ودعا الكثير من الناس الجامعات لأن تكون أكثر فعالية نحو السعي للارتباط بالقطاع الخاص، لاسيما في مجال البحوث، وإلى بذل جهود أكبر لإجراء إصلاحات تنظيمية. والأمرُ المُسَّلمُ به هو أن الجامعات لعبت دورا محوريا لفترة طويلة من الزمن في بناء مجتمع قائم على المعرفة، وأن لها دورا حيويا استراتيجيا في تطوير العلوم والتكنولوجيا المتطورة في بيئة بحثية مفعمة بالعولمة بشكل متزايد. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي أعقبت انهيار اقتصاد الفقاعة، أصبحت هذه القضايا مرتبطة مع الحاجة إلى إصلاح الجامعات في البلاد. ولعل العامل الثالث المهم يتعلق بتغيير السياسة على مستوى الحكومة. فقد وضعت حكومة الحزب الليبرالي الديمقراطي في عهد رئيس الوزراء ناكاسونيه ياسوهيرو عام ١٩٨٣حجر الزاوية لبدء تحول في سياسة الحكومة. وكانت الكلمات الافتتاحية في ذلك الوقت حول ’’إصلاح النظم‘‘ و’’إصلاحات هيكلية‘‘. ثم استمرت هذه الحركة في عهد رئيس الوزراء السابق جونئيتشيرو كويزومي بعد عام ٢٠٠١، وكان لها تأثير كبير على إصلاح الجامعات. وكان الأمر الأكثر أهمية قرار الحكومة بتخفيف اللوائح والقواعد التي تحكم الجامعات والكليات في إطار عملية تحولها السياسي. وقد بدأت عملية التحرير هذه بشكل جدى في بداية تسعينيات القرن العشرين مع تغييرات بعيدة المدى أجريت على معايير إنشاء الجامعات (دايغاكو سيتّشي كيجون) وهي اللوائح التي تقوم بتحديد كيفية تنظيم الجامعات والتي تعرض الشروط الأساسية للتعليم العالي. وقد أعطت هذه الإصلاحات مزيدا من الحرية للجامعات في تنظيم المناهج الدراسية والتعليم داخل أقسامها وحررتها من القيود الصارمة. وأدى هذا إلى ظهور سلسلة من الأقسام والمناهج الجديدة بشكل كامل أو التي أُعيد تسميتها. كما كانت إجراءات الحصول على اعتراف رسمي كجامعة مُخففة وتزايد عدد الجامعات بسرعة من ٥٠٧ كلية معتمدة عام ١٩٩٠ إلى ٦٤٩ كلية عام ٢٠٠٠ و ٧٨٢ كلية عام ٢٠١٣ (الشكل ٣).

وقد امتدت الإصلاحات الهيكلية التي تلت إلغاء القيود إلى التنظيم الجامعي والإدارة، وخاصة في الجامعات الوطنية التي كانت سابقا تحت إشراف مباشر من وزارة التربية والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا. وانهار نظام الندوات ذو التاريخ العريق والذي يشمل مجموعات بحثية وتعليمية صغيرة داخل كل قَسمٍ من أقسام الجامعة ويترأسه أستاذ أو أستاذة مختصة. كما أُدخل نظام العقود المحددة المدة لأعضاء الهيئة التدريسية جنبا إلى جنب مع نظام جديد لنواب رؤساء الجامعات. كما أصبح تخصيص التمويل العام للبحوث في وضعٍ أكثر تنافسية، وتم بنشاط تشجيع الحصول على تمويل من شركات وكيانات أخرى. وبهذا الشكل، تحررت الجامعات في البلاد سواء أكانت وطنية أم عامة أم خاصة من السيطرة الأبوية لوزارة التربية، وبدأت بِسَّن إصلاحاتٍ مستقلة في الإدارة فضلا عن التعليم والبحوث. واضحت الآن عُرضةً للضغوط لاتخاذ خطوات أكبر والدخول في منافسة أكثر ضراوة من أجل بقائها.

خصخصة الجامعات الوطنية كرمز للإصلاح

كان تحول الجامعات الوطنية إلى كيانات مؤسسية خطوة حظيت بدعم وذلك استجابة لمختلف العوامل المحلية الدولية الضاغطة من أجل إجراء إصلاحات، وربما يكون الرمز الأكثر وضوحا للميل نحو هذه الإصلاحات. لسنوات عديدة، كانت الجامعات الوطنية في اليابان تدار بإشراف مباشر من وزارة التربية. وكان أعضاء هيئة التدريس موظفين حكوميين، وكان يسمح للجامعات بهامش ضيل جدا من الاستقلالية الحقيقة من حيث الطريقة التي تُدار بها، بما فيها ميزانية تلك الجامعات وقرارت التوظيف. وقد شعرت الجامعات الوطنية بالتأثير الأكبر من المنافسة الدولية الناجمة عن العولمة، كما موضح أعلاه. يبلغ عدد الجامعات الوطنية أقل من ٩٠ جامعة. وهي متخصصة في البحوث الأكاديمية والتعليم المهني المتخصص وبشكل رئيسي العلوم الطبيعية، فهي من أفضل الجامعات في اليابان التي يقارب عددها ٨٠٠ جامعة وكلية، وتضم ٥٧٪ من طلاب الماجستير و٦٩٪ من طلاب الدكتوراه في أنحاء البلاد. وهي أيضا من الجامعات التي تحتل أعلى التقييمات في التصنيفات المختلفة لأفضل الجامعات في العالم، كما سنرى أدناه. فعلى سبيل المثال، وفي جدول تصنيف الجامعات لعام ٢٠١٣ - ٢٠١٤ الذي نشرته صحيفة ’’تايمز هاير إديوكيشن‘‘ البريطانية، جاءت ١١ جامعة يابانية، على رأسها جامعة طوكيو، ضمن أفضل ٢٣ جامعة من بين أفضل ٤٠٠ جامعة. ومن بين هذه الجامعات، جامعة واحدة عامة فقط ’’كوريتسو دايغاكو‘‘ وهي تدار من قبل حكومات محلية. أما الجامعات العشر المتبقية فهي جامعات وطنية، وعلى رأسها الجامعات السبع التي كانت تُعرف بـ ’’الجامعات الإمبراطورية‘‘(*١).

(ولَم تّتمكن اثنتان من الجامعات الخاصة التي أدرجت في قائمة عام ٢٠١٢-٢٠١٣ في دخول القائمة الأحدث). ويعتبر مجالا العلوم والتكنولوجيا حاسمين بالنسبة لليابان حتى تكون ناجحة على المستوى الدولي في ظل بيئة اقتصادية تنافسية بشكل متزايد، وبالتالي لجعل هذه الجامعات الوطنية أكثر قدرة على المنافسة يجب أن يكونا على قمة الأولويات. وبعد مداولات حادة لاقت معارضة من الجامعات نفسها، تم إلغاء الإشراف المباشر لوزارة التربية على الجامعات الوطنية عام ٢٠٠٤ وتم الاعتراف بها بوصفها كيانات مؤسسية مستقلة. وهذا ما يعادل بشكل أساسي تَحَول الجامعات الوطنية إلى مؤسسات خاصة حيث تتم إدارة الجامعات من قبل مجالس لمديرين يترأسهم رؤساء جامعات يتم اختيارهم من قبل لجنة مختصة. كَمَا تم تشكيل لجنة إدارية تتضمن أعضاءً من لجانٍ خارجية، ولجنة تقييم التعليم والبحوث تعينها هيئة التدريس لتقديم المشورة للرئيس. وأصبح هذا التنظيم الأساسي الجديد لإدارة الجامعة.

وتُقدِّم الحكومة كل عام مبالغا معينة من التمويل العام إلى كل جامعة لدعم تكاليف الإدارة. كي تستفيد كل الجامعات من هذا التمويل، جنبا إلى جنب مع تمويل إضافي من التعليم والدخل تحصل عليه من المستشفيات التابعة لها وتمويل البحوث من الحكومة والشركات والتبرعات الخاصة، لدفع تكاليف إدارة الجامعة. ومَع ما تُقّدمه كل جامعة من خطط متوسطة الأجل للسنوات الست المقبلة للموافقة عليها من قبل وزارة التربية ويجري تقييم نتائج الجامعات من قبل مجموعة تسمى ’’لجنة تقييم مؤسسة الجامعة الوطنية‘‘. واضافة الى منح الجامعات الوطنية استقلالية، وضعت الحكومة ووزارة التربية قواعد لزيادة مقدار التمويل العام على نطاق واسع الذي يتم توزيعه بناء على أسس تنافسية. وبِشكلٍ يكون فيه جزءٌ من هذا التمويل مخصصاً فقط للجامعات الوطنية، ولكن الغالبية منه متاح للجامعات من جميع الأنواع (الوطنية والعامة والخاصة) ويتم تخصيصه استنادا إلى تقييم تنافسي لطلبات التمويل. وجدير الذكر أن عام ٢٠٠٤، عندما تم تحويل الجامعات الوطنية إلى شركات مؤسسية، كان نفس العام الذي تم فيه تخفيف القيود بشكل كبير على متطلبات الحصول على إذن لتأسيس جامعات خاصة. وهذا أدى إلى نشوء الظروف التي قادت إلى زيادة سريعة في عدد الجامعات التي أنشئت حديثا. وباختصار، تمت استعاضة التنظيم والحماية بوصفها أسس السياسة الجامعية لليابان بالحرية والمنافسة. وليس من المبالغة القول إن هذا التغيير قد تم تصميمه لإحداث هزة ثورية في نظام التعليم العالي.

مكان الجامعات الوطنية اليابانية في التصنيف الدولي لعام ٢٠١٣-٢٠١٤ الذي نشرته مجلة ’’تايمز هاير إيديوكيشن‘‘

٢٣ جامعة طوكيو (وطنية)*
٥٢ جامعة كيوتو (وطنية)*
١٢٥

معهد طوكيو للتكنولوجيا (وطني)

١٤٤

جامعة أوساكا (وطنية)*

١٥٠

جامعة توهوكو (وطنية)*

٢٠١-٢٢٥

جامعة ناغويا (وطنية)*

٢٠١-٢٢٥

جامعة طوكيو ميتروبوليتان (عامة)

٢٧٦-٣٠٠

جامعة طوكيو للطب وطب الأسنان (وطنية)

٣٠٠-٣٥٠

جامعة هوكايدو (وطنية)*

٣٠٠-٣٥٠

جامعة كيوشو (وطنية)*

٣٠٠-٣٥٠

جامعة تسوكوبا (وطنية)

ملاحظة: النجمة السابقة تشير إلى ’’جامعة إمبراطورية‘‘
المصدر:التصنيف العالمي للجامعات، مجلة ’’تايمز هاير إيديوكيشن‘‘

(*١) ^ مُصَطَلحٌ اُستخدم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية لِلجامعات الوطنية الشاملة. وقد كانت جامعة طوكيو أول مؤسسة تحصل على اسم ’’جامعة إمبراطورية‘‘ عقب إصدار قانون الجامعات الإمبراطوري لعام ١٨٨٦. وقد أُعيد تسميتها إلى ’’جامعة طوكيو الإمبراطورية‘‘ في عام ١٨٩٧ عندما تم إنشاء ثاني ’’جامعة إمبراطورية‘‘ في مدينة كيوتو. وقد تلى هاتين الجامعتين جامعات إمبراطورية في توهوكو وكيوشو وهوكايدو وأوساكا وناغويا وكيئجي (سول) وتايهوكو (تايبيه). وعندما تم تأسيس نظام الجامعات الحالي في عام ١٩٤٨ تحولت جميع هذه الجامعات إلى جامعات وطنية باستثناء كليتين استعماريتين.

تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام ١٩٧٠ بشأن التعليم العالي في اليابان

بهذه الطريقة، حلت ’’الحرية والمنافسة ‘‘محل ’’الحماية والتنظيم‘‘ بوصفها الشعارات الجديدة لسياسة التعليم اليابانية. وهذا يعيد إلى الذاكرة مقتطفات من تقرير ’’مراجعة السياسات الوطنية للتعليم: اليابان‘‘ والذي نشر بعد زيارة بحثية إلى اليابان قام بها فريق من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD عام ١٩٧٠. والذي جاء فيه: ’’على الرغم من أن الجامعات تقاسمت الرصيد الجيد مع مؤسسات أخرى، بسبب معدل اليابان في النمو الاقتصادي والتحديث الذي لا مثيل له، ولكن هذا التقدم يدعو للانتباه إلى استمرارها في تصلبها....‘‘ و’’نظام التعليم العالي في اليابان هو نظام هرمي متميز وقد تغير هيكليا بشكل طفيف هذا القرن، وذلك على الرغم من نموه السريع. وقد تمايز عدد قليل من الجامعات اليابانية عن الجامعات الأخرى من حيث مواردها المالية وهيبتها ونوعية التعليم الذي تقدمه. كَمَا أن هيكل الجامعة الناتج هو أقرب ما يكون إلى هرم بقمة ضيقة جدا وبحركة ضئيلة جدا بين المستويات..‘‘. وكذلك: ’’لقد اصبح من الواضح أن الهيكل الجامعي الحالي الهرمي من جانب وغير المرن من جانب آخر لا يُمكن أن يلبي الحد المقبول بوجهٍ عامٍ من الأهداف التربوية والتعليمية لمجتمع عالي التقنية والموجود حالياً في اليابان(*٢)‘‘.

وهذه القضايا التي أثارها هذا التقرير منذ نصف قرن تقريبا هي نفس القضايا التي واجهت المصلحين على مدى السنوات العشر الماضية. ولكن إلى أي حد نجحت السياسة الجديدة المتمثلة بـ’’الحرية والمنافسة‘‘ في تحويل الهيكل ’’الصلب والهرمي‘‘ للجامعات اليابانية إلى هيكل أكثر’’مرونة وتنوعا‘‘؟ - فلربما عشر سنوات فقط كانت فترة قصيرة جدا للحكم على نتائج الإصلاح، نظرا لأن الأنظمة السابقة استمرت منذ بداية التحديث في اليابان في أواخر القرن التاسع عشر وصولا إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. بالإضافة إلى حقيقة أن الإصلاحات لا تزال جارية. ولكن بشكل عام، من الإنصاف القول أن سياسات الحرية والمنافسة في السنوات العشر الماضية أدت إلى جعل المشكلات الجديدة أوضح بشكل أكبر من إيجاد حل للقضايا القائمة.

الحاجة للتحول إلى جامعات دولية

ومن القضايا الجديدة التي طفت على السطح على مدى السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، والتي تعتبر من القضايا الأكثر أهمية في الوقت الحاضر هي قضية ’’عالمية‘‘ الجامعات التي رافقت ظهور العولمة. وتتجلى أكثر المظاهر وضوحا في هذا التوجه بالاهتمام المتزايد في تصنيف الجامعات العالمي والذي سبق ذكره، وقد نشأ بالتوازي مع خصخصة الجامعات الوطنية اليابانية، ومع المناقشات التي تتوضح بشكل متزايد حول الحاجة إلى تطوير وتعزيز جامعات الأبحاث في البلاد. وكما رأينا فإن أداء اليابان في تصنيفات الجامعات العالمية ليس ضعيفا بشكل خاص. وبالتالي ليس هناك حاجة لتكرار إنجاز اليابان باعتبارها الدولة الوحيدة خارج أوروبا وأمريكا الشمالية الحاصلة على العديد من جوائز نوبل. ومع ذلك، فإنه لا يزال صحيحا القول إن التدريس والبحث في الجامعات اليابانية لا يتطابق مع معايير أفضل الجامعات في بريطانيا والولايات المتحدة، ويمكن اعتبار أن هنالك عدد قليل فقط من الجامعات اليابانية من بين أفضل الجامعات في العالم. وعلاوة على ذلك، يتراجع تصنيف الجامعات اليابانية في الوقت الذي تصعد فيه جامعات في أماكن أخرى في شرق آسيا. فبالطبع المعيار الأهم في تقييم جامعة ما هو معيار أساليبها في التدريس والابحاث. ولكن من الملاحظ أن اليابان ضعيفة بشكل خاص فيما يتعلق بمعدل العوامل المرتبطة بـ ’’النظرة الدولية‘‘ وخصوصا فيما يتعلق بنسبة أعضاء هيئة التدريس والطلاب الدوليين. وهذا معترف به على نطاق واسع باعتباره عاملا رئيسيا يؤدي إلى هبوط درجات اليابان.

وكما رأينا في تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد ساهمت الجامعات اليابانية لسنوات عديدة بشكل كبير في النمو الاقتصادي للبلاد والتحديث. وبهذا المعنى، فمن الإنصاف القول إن الجامعات في اليابان نجحت في إنهاء اعتمادها على الغرب وتحقيق استقلالية وهوية وطنية خاصة بها في فترة قصيرة من الزمن. وفي وقت مبكر من أوائل القرن العشرين، كان التدريس في مرحلة التعليم العالي في اليابان يتم بالفعل باللغة اليابانية من قبل أعضاء هيئة تدريس يابانيين وقد بدأ التعليم العالي بإحراز أول إنجازاته التي تحظى بأهمية دولية في العلوم الطبيعية والهندسة والطب بالرغم من أنها كانت قليلة العدد.وحتّى قبل بدء الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان من الطبيعي للأكاديميين قضاء سنتين أو ثلاث سنوات في الخارج في وقت مبكر من حياتهم المهنية. ومع ذلك، لم يكن بغرض نيل درجة علمية، ولكن لدراسة الأبحاث المتطورة بشكل مباشر، وكان عدد الطلاب الذين يذهبون إلى الخارج محدود للغاية وقد أدى هذا النجاح السريع في إنتاج نظام تعليم عالي ’’أصيل‘‘ إلى إمكانية تدريب أعداد كبيرة من العمال المهرة بسرعة وبتكاليف زهيدة، وكان عاملا رئيسيا في التحديث والتصنيع في اليابان. ولكن بنفس الوقت، إن هذا النجاح نفسه هو الذي يفسر كيف تراجعت البلاد للوراء في التعامل مع تحديات العولمة. فالهيكل المشار اليه والذي وُصف بأنه ’’صلب وهرمي‘‘ يمكن أنه يوصف أيضا بأنه ’’مغلق‘‘. ومن أجل زيادة عدد الجامعات المدرجة ضمن التصنيف العالمي كل عام وتحسين ترتيبها، سيكون حيويا تشجيع المنافسة بين الجامعات داخل اليابان. لكن هناك حاجة للقيام بأكثر من ذلك. فمن أجل أن تصبح الجامعات أكثر قدرة على المنافسة مع الجامعات في البلدان الأخرى، تحتاج اليابان إلى فتح جامعاتها وإلى العمل بإيجابية لاستقبال المزيد من الباحثين والطلاب الموهوبين من الخارج. كما تحتاج إلى زيادة عدد البرامج المُتوفّرة باللغة الإنجليزية التي هي فعليا لغة عالمية مشتركة. في الوقت نفسه اليابان بحاجة إلى إرسال المزيد من الباحثين والطلبة اليابانيين إلى الخارج لتحفيز أبحاثهم ولتحسين المعايير. ولقد نجحت الجامعات اليابانية في الماضي باتباع سياسة الأصالة. لكن في الوقت الحالي، لعله من المحتمل القول بأنهم يواجهون فترة رئيسية ثالثة من ’’الانفتاح‘‘ أو’’كايكوكو‘‘ وهي حاجة ملحة لفتح البلاد على العالم الخارجي بشكل مشابه للحظات سابقة من التاريخ مثل الأزمة في أوائل حقبة ميجي وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.

قضايا جديدة متعلقة بالإصلاح: الإنفاق وتعليم البالغين وكليات الدراسات العليا

لا تتوقف العالمية ببساطة على مشكلة تصنيف الجامعات. فالبيانات المقارنة التي تنشرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كل عام تُستخدم لجعل الناس يدركون نقاط ضعف الجامعات اليابانية من وجهة نظر المعايير الدولية أو بطريقة أخرى، القضايا الجديدة التي تواجه أي محاولة لإجراء إصلاحات في الجامعات. وهكذا فالعولمة تمارس ضغوطا على نظام التعليم العالي الياباني وتؤكد على الحاجة لإجراء إصلاحات هيكلية. فعلى سبيل المثال، بالرغم من ضخامة القطاع الخاص في اليابان إلا أنها تمتلك أقل مستوى من الإنفاق العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الشكل ٤).

وهذا يشير إلى أن النسبة العالية من الإنفاق الأسري والتي تذهب إلى نفقات المدارس والعبء الشخصي الكبير الذي ينتج عنه. مما يؤدي إلى حدوث عدم مساواة في الفرص التعليمية وإلى معيار متدني نسبيا للبحث العلمي في الجامعات الخاصة التي يجب أن تعتمد على الرسوم الدراسية لتوفير مدخولاتها. وفي الحقيقة، على مدى عدة عقود كان التمويل العام للجامعات الخاصة يغطي مجرد ١٠٪ أو نحو ذلك من مصاريف تشغيل الجامعات. وكذلك بالنسبة للجامعات الحكومية أيضا حيث تم اقتطاع المنح التي تدعم تكلفة تشغيلها بحوالي ١٠٪ على مدى العقد الماضي. ولا يمكن إنكار أن مواصلة التحرك قدما نحو دخول عالمي بدون تحسين التمويل العام يمثل خطرا عن طريق إضعاف المساواة في التعليم والبحث بصورة أكبر.

عند إجراء مقارنة مع دول في أوروبا وأمريكا الشمالية يظهر اختلاف آخر وهو العدد المنخفض للطلاب البالغين كنسبة من العدد الإجمالي. وقد دأبت الجامعات اليابانية على نحو تقليدي بالتركيز على اختيار طلاب على أساس نتائج امتحانات الدخول للجامعة التي يخضع لها تقريبا بشكل حصري طلاب حديثو التخرج من المدارس الثانوية. ولذلك يشكل الشباب الأغلبية الساحقة من الطلاب وعدد الطلاب البَالغين محدود للغاية. ولم تُجرِ وزارة التربية في الوقت الراهن إحصاءات عن عدد الطلاب وفقا للفئة العمرية. وحتى اليوم، عندما انخفض عدد المواطنين الذين يبلغون ١٨عاما بشكل كبير، تواجه الكثير من الكليات صعوبات في ملئ برامجها الدراسية، إلا أن هذا الوضع يبقى ثابتاً بشكل أساسي. وعلى الرغم من محادثات ’’مجتمع قائم على التعليم مدى الحياة‘‘، ما يزال الشباب بصورة حصرية هم الذين يدرسون في الجامعات اليابانية، ويشكل هذا الاختلاف مع الوضع في جامعات غربية التي يتزايد فيها عدد الطلاب البالغين بثبات أمرا صادما. والأمر اللافت للنظر بشكل أكبر هو التطوير البطيء لنظام التعليم على مستوى الدراسات العليا في اليابان. فقد لعبت برامج المرحلة الجامعية لفترة طويلة الدور الرئيسي في التدريب المهني المتخصص، وتم اعتبار كليات الدراسات العليا أمكنة لتدريب أكاديمي في المستقبل. وعلى الرغم من أن الإصلاحات التي تم إجراؤها كانت على أساس النموذج الأمريكي، فانه لم يتم إدخال نظام مشابه لأمريكا فيه كليات مختصة بالحقوق والأعمال والمحاسبة حتى عام ٢٠٠٤، وحتى في الوقت الحالي، تشكل هذه الكليات ١٠٪ فقط من الطلاب المدرجين في برامج رسائل الماجستير. إن الطلب المتزايد على أشخاص بشهادات عالية أدى إلى زيادة عدد الأفراد الذين ينضمون إلى كليات الدراسات العليا من نسبة كانت ٦٫٤٪ من الخريجين عام ١٩٩٠ إلى ١٠٫٣٪ عام ٢٠٠٠ وإلى ١٢٫٩٪ عام ٢٠١٠. ولكن هذه النسب ما تزال منخفضة مقارنة مع الولايات المتحدة وأوروبا. حيث يتمثل العامل الأكبر في ذلك بافتقار فرص إجراء دراسات عليا في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية. ففي عام ٢٠١٣، كان هنالك ١٧٫٨٪ فقط من الطلاب الذين يدرسون في كليات دراسات عليا وممن يختصون بمواضيع متعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية. مقابل ٥٦٫٦٪ من الطلاب الآخرين الذين يدرسون العلوم الطبيعية أو الهندسة أو الزراعة أو الطب، في حين شكل دارسو الهندسة لوحدهم نسبة ٤١٫٥٪ من إجمالي الطلاب. وهذا التركيب يعني أن كليات الدراسات العليا ضعيفة في تدريب الموارد البشرية في مجالات غير العلوم والهندسة وأنها تبقى منغلقة أمام الطلاب البالغين. ومن الإنصاف القول إن ندرة كليات الأعمال وغيرها من المؤسسات الاحترافية المختصة على مستوى الدراسات العليا في اليابان ترمز إلى مدى تخلف اليابان في هذه المجالات.

(*٢) ^ لجنة التعليم التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مراجعات السياسات الوطنية للتعليم: اليابان، (باريس: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ١٩٧١) الصفحة ٢٦-٢٨.

مستقبل إصلاح الجامعات اليابانية

بهذه الطريقة، ما تزال العالمية بمعنى استيفاء المعايير العالمية تُعّد قضية مهمة للتعليم العالي في اليابان. ومن الإنصاف القول إن هيكل التعليم العالي في اليابان، والذي تعرض لانتقادات شديدة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في المسح الإحصائي الذي أجراه وفدها، حيث وُصف بأنه ’’غير قادر على استيفاء الأهداف التعليمية المطلوبة في مجتمع ذو تقنيات عالية‘‘، لم يتغير بعد. وهكذا تعاني اليابان من مجتمع كهل في مواجهة الركود الاقتصادي. ومع تزايد الحصة التي تخصصها الحكومة للإنفاق على الصحة والرعاية الاجتماعية في جميع الأوقات، فإن الإنفاق على التعليم المتدني بالفعل وفق المعايير الدولية، لم يفشل فقط في الارتفاع ولكن يخضع لضغوط متزايدة ناجمة عن قيود وتقشفات إضافية. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، هناك إمكانية كبيرة بأن يؤدي منهج ’’الحرية والمنافسة‘‘ للتعليم العالي إلى عدم مساواة أكبر في القدرة التنافسية بين الجامعات، وبشكل خاص في مجال الأبحاث. لكن من المرجح أن ينتج النظام عددا أقل من الجامعات القوية وعدداً كبيراً من الجامعات الضعيفة. في غضون ذلك، تشعر مؤسسات الجامعات الوطنية بالقلق بقدر ما على الرغم من تراخي قبضة وزارة التربية في الإشراف والتحكم المباشر، فإن ’’التحكم غير المباشر‘‘ عن طريق المنح والتمويلات المالية الأخرى هو أقوى من أي وقت مضى، ولطالما وجهت انتقادات بأن هذا التحكم يقيد من قدرة الجامعات في القيام بإدارة الجامعات بشكل مستقل. وفي ظل ظروف يكون فيها رأس المال الاستثماري محدودا، فإن ’’التحرير والمنافسة‘‘ لن تكونا كافيتين لإصلاح نظام هرمي صلب من القاعدة إلى القمة وأن يجعلانه مرنا ومتنوعا. الّا انه من المرجح أن يتم فقط إنتاج نسخة أكثر هرمية من النظام الراهن وإنتاج هرم أكثر حِدَّةً من النظام الحالي. ولكن كم سيكون إلغاء القوانين التي فرضت في العشرين سنة الماضية أو نحوها ناجحا في إصلاح الجامعات اليابانية وتحويل نظامها إلى نظامٍ قادر على تلبية الاحتياجات المتنوعة في المستقبل لمجتمع عالي التقنية ومؤسس على المعرفة والتعلم المستمر مدى الحياة؟ - ولعّل اتجاه ومصير الإصلاحات الحالية يتطلبان المزيد من المراقبة عن كثب خلال الأعوام القادمة.

 (المقالة الأصلي باللغة اليابانية، بتاريخ ٢٨ يناير/كانون الثاني ٢٠١٤، الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان: التصنيف العالمي للجامعات من موقع تايمز هاير إديوكيشين على الانترنت)

▼اقرأ المزيد عن الجامعات اليابانية من الرابط التالي

مشاكل التعليم العالي في اليابان
كاريا تاكيهيكو

التعليم الجامعات اليابانية