سادو: جزيرة ذهبية في بحر اليابان
سياحة وسفر
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
أفضل ما في اليابان في جزيرة واحدة
تقع جزيرة سادو في بحر اليابان قبالة الساحل الغربي لهونشو في محافظة نييغاتا. تبلغ مساحتها حوالي 855 كيلومترا مربعا، أي ما يقرب من 1.5 ضعف حجم أحياء طوكيو المركزية الثلاثة والعشرين، وهي ثامن أكبر جزيرة في اليابان (بما في ذلك الأراضي الشمالية التي تحتلها روسيا حاليا)، ويبلغ عدد سكانها حوالي 57 ألف نسمة. من الشائع تسميتها اليابان المصغرة، وهي تتيح للزوار رؤية تاريخ غني وثقافة متنوعة ومجموعة من العجائب الطبيعية.
وعلى النقيض من السمعة التي اكتسبتها تاريخيا باعتبارها جزيرة نائية – حتى أنها كانت في العصور القديمة مكانا يُرسل إليه المنفيون ليعيشوا حياتهم بعيدا عن حضارة الجزر اليابانية الرئيسية – أصبح الذهاب إلى سادو اليوم من طوكيو رحلة سهلة. يمكن للزوار من العاصمة الوصول إلى ميناء ريوتسو الرئيسي في غضون 4 ساعات في رحلة تشمل ركوب قطارات شينكانسين فائقة السرعة لمدة ساعتين ورحلة في البحر لمدة ساعة من ميناء نييغاتا بواسطة عبّارة.
تقع جزيرة سادو في مكان التقاء تيار تسوشيما الجنوبي بتيار ليمان الشمالي الأكثر برودة، ما يجعل من الجزيرة ذات مناخ يتميز بصيف أكثر برودة وشتاء أكثر اعتدالا وأقل ثلوجا من البر الرئيسي لنييغاتا. مناخها المعتدل مناسب لمجموعة متنوعة من الحياة النباتية، بما في ذلك أنواع مختلفة من البشملة اليابانية وبرتقال اليوسفي الشائع في خطوط العرض الأكثر دفئا، بالإضافة إلى الأنواع التي تتحمل البرودة مثل الصنوبر والبلوط.
تجلب التيارات البحرية أيضا كميات كبيرة من الأسماك والمأكولات البحرية الأخرى. وفي فصلي الربيع والصيف، تعود قوارب الصيد في الجزيرة بغلات وفيرة من أنواع مثل أسماك الدنيس والتونة والحبار، بينما في فصلي الخريف والشتاء فتكون الشباك مليئة بأسماك القد والأسماك صفراء الذيل. كما أن المياه الساحلية في سادو بيئة داعمة لنمو القريدس ومحار أذن البحر وسازاي، ويمكن العثور على مزارع المحار في مياه خليج مانو وبحيرة كامو التي تشكل ثغرا بحريا قبالة خليج ريوتسو.
تفتخر جزيرة سادو بتاريخ طويل من الفنون المسرحية التقليدية، بما في ذلك مسرح ’’نو‘‘ الذي نشأ من الثقافة الأرستقراطية وعروض السيف ويابوسامي (الرماية من على الخيول) التي لها جذور في مجتمع المحاربين. هناك أيضا تقاليد فولكلورية مثل هاناغاسا أودوري – نوع من الرقص يتميز بقبعات مزخرفة من القش – وفرق القرع على طبول تايكو. وغالبا ما يشاهد الزوار هذه الأشكال الفنية المتنوعة في المهرجانات والفعاليات الأخرى.
كنوز سادو الثلاثة
يقول ناكاغاوا يوجي من إدارة السياحة في سادو إن من بين الكنوز الكثيرة التي يمكن العثور عليها في الجزيرة، يتربع منجم الذهب وطائر أبو منجل المتوج والمناظر الطبيعية، على رأس تلك الكنوز.
أول هذه الكنوز هو منجم الذهب سادو كينزان والذي اكتشف في عام 1601. وسرعان ما وصلت أنباء ثروات الجبل إلى العاصمة الإقطاعية إيدو حيث وضع توكوغاوا إياسو مؤسس شوغونية توكوغاوا، المنجم والجزيرة تحت السيطرة المباشرة للحكومة المركزية في عام 1603. وفي أواخر القرن التاسع عشر أدخلت حكومة ميجي آلات وتقنيات تعدين جديدة، واستخدمت المعادن الثمينة المستخرجة للمساعدة في تمويل عملية تحديث البلاد. أغلق المنجم أخيرا في عام 1989 بعد ما يقرب من 400 عام. وتبذل حاليا جهود لتسجيل منجم ذهب سادو كموقع للتراث العالمي على قائمة اليونسكو.
كنز سادو الثاني هو طائر أبو منجل المتوج. عانت أعداد هذا النوع من الطيور من الانخفاض في جميع أنحاء اليابان بسبب فقدان بيئتها واستخدام المبيدات الزراعية، وبحلول سبعينات القرن الماضي، كانت سادو هي المكان الوحيد في البلاد الذي نجت فيه هذه الطيور. وقد نفق آخر طائر أبو منجل متوج في اليابان مولود في البرية، أثناء وجوده في الأسر في الجزيرة في عام 2003، ولكن برنامجا لإكثار طيور مستعارة من الصين قد مكّن من تعافي أعدادها إلى حوالي 300. كما قللت جهود الحماية المحلية من استخدام المواد الكيميائية الزراعية، وفي عام 2011 اعترفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بنظام ساتوياما البيئي في سادو الخاص بمناطق حرجية قريبة من أراضي زراعية، كنظام تراث زراعي ذي أهمية عالمية.
أما أكثر كنوز سادو اتساعا فهي المناظر الطبيعية الخلابة. وهذه المناظر هي نتاج أحداث جيولوجية معقدة وقديمة بدأت عندما ظهرت الجزيرة لأول مرة من البحر منذ حوالي 30 مليون سنة بسبب حركة الصفائح التكتونية. يمكن للزوار رؤية أدلة على أحد تلك الأحداث المبكرة في طبقات الصخور والحفريات البحرية والتي يعود تاريخ بعضها إلى ما يصل إلى 300 مليون سنة. ساعد النشاط البركاني اللاحق على نحت الأرض بشكل أكبر، وقد أنتجت هذه العوامل مجتمعة المنحدرات الصخرية والجبال وغيرها من المعالم الطوبوغرافية الوعرة التي تميز الجزيرة. تقع الكثير من المناطق ذات المناظر الخلابة في سادو داخل متنزهات قومية ومتنزهات محافظات، ويستمتع بها عامة الناس على نطاق واسع.
الماضي الذهبي لسادو
تتمثل إحدى أفضل الطرق لتجربة تاريخ سادو في استكشاف منجم الذهب سادو كينزان. يمكن لزوار المتحف العبور من ممرات قديمة نُحتت خلال فترة إيدو (1603 - 1868)، ورؤية الظروف الصعبة وأعمال المناجم القاسية التي تعين على عمال المناجم مكابدتها لاستخراج خامات المعدن الثمين.
أثّر تدفق العمال والإداريين من العاصمة الإقطاعية إيدو على ثقافة الجزيرة بعدة طرق. فوفقا لناباتا شو أحد موظفي متحف المنجم، جلب الوافدون الجدد معهم إلى الجزيرة أحدث الموضات. ويوضح ذلك قائلا ’’عندما كان العمال يربطون شعورهم، فإنهم كانوا غالبا ما يفعلون ذلك وفق الموضة المنتشرة في العاصمة‘‘.
كما ساعد المسؤولون الذين أرسلوا للإشراف على العمليات في المنجم على نشر فن الأداء التقليدي ’’نو‘‘ في جميع أنحاء الجزيرة. فقد عُثر على ثالث مسرح ’’نو‘‘ في اليابان في جزيرة سادو، ولا يزال الغناء والرقص والجوانب الأخرى من هذا الفن من بين الأمور التي تحظى بشعبية بين سكان الجزيرة. وغالبا ما ينسب فضل إنشاء هذا الفن في سادو إلى زيأمي وهو مؤدي ’’نو‘‘ مؤثر وكاتب مسرحي نُفي إلى الجزيرة عام 1434، لكن مدير المناجم أوكوبو ناغاياسو (1543-1613) هو الذي يستحق التقدير الحقيقي في ترسيخ نو بالجزيرة. فقد ولد في عائلة تربطها صلات قوية بفن نو وغيره من الفنون المسرحية، وأحضر أوكوبو – وهو نفسه مؤدٍ بارع في فن نو – فرقة من المؤدين والموسيقيين معه عندما وصل إلى الجزيرة في عام 1603.
كان العمل في المناجم يتطلب الكثير من اليد العاملة، لذلك تضخم عدد سكان قرية آيكاوا المجاورة إلى 50 ألف نسمة في الذروة، ومع ازدياد إنتاج الذهب واجه المسؤولون مهمة إطعام العدد المتزايد من العمال وسكان جزيرة سادو الآخرين. ومن أجل زيادة غلة محاصيل الأرز، وسعت الحكومة مساحة الأراضي الزراعية عن طريق إنشاء حقول متدرجة على سفوح التلال الساحلية. تعد هذه الحقول المتدرجة الآن إحدى أكثر المناظر الريفية إبهارا في سادو وهي أيضا موطن مهم لطائر أبو منجل المتوج.
صيد الأسماك والفنون التقليدية
كان دعم منجم كينزان يتطلب أيضا نقلا بحريا موثوقا به لجلب العمال ونقل الذهب إلى البر الرئيسي. وفي عام 1614 افتتحت الحكومة الشوغونية ميناء جديدا على طول ساحل أوغي على الطرف الجنوبي من الجزيرة والذي تطور كمركز للشحن التجاري. استقر العديد من بناة السفن والتجار في قرية شوكونيغي الصغيرة المجاورة، حيث لا تزال مبان خشبية مكتظة بشكل كبير شاهدا اليوم على تلك الحقبة المزدهرة.
ربط قطاع الشحن التجاري بين سادو والمراكز التجارية في جميع أنحاء اليابان. وكانت القوارب المتجهة إلى الغرب حاملة الأرز من الحقول الخصبة المحيطة بساكاتا (فيما يسمى الآن بمحافظة ياماغاتا) ترسو في موانئ سادو في طريقها إلى الأسواق في أوساكا. أثّرت هذه السفن على ثقافة الجزيرة من خلال العادات والممارسات التي انتقلت من المقاطعات الشمالية ومنطقة كانساي في غرب اليابان.
تشتهر أوغي أيضا بقوارب تارايبوني الشبيهة بأحواض الاستحمام. نجم عن إنتاج الذهب استخدام أحواض ودلاء خشبية بكثافة، ووظف الحرفيون الذين بنوا تلك العناصر الأساسية خبراتهم لإنشاء القوارب الدائرية. تاريخيا كانت تستخدم من قبل السكان المحليين لجمع الأعشاب البحرية والمحار وغيرها من المنتجات البحرية من المياه الضحلة، ولكنها أصبحت اليوم عوامل جذب سياحي شهيرة.
سادو هي موطن تقليد أواني موميوي الخزفية الشهيرة. يصنع الفخار من الطين الغني بالحديد الذي مصدره بالقرب من منجم كينزان ويتميز بلون أحمر صدئ. وفي عام 2003 أصبح إيتو سيكيسوي الخامس أول خبير أواني موميوي يحدد كنزا قوميا حيا.
من بين موروثات كينزان الأخرى معابد سادو الكثيرة والعديد من الجدران والسلالم حول الجزيرة التي بناها عمال الأحجار وغيرهم من العمال المهرة الذين جاؤوا خلال ذروة إنتاج المنجم. ولكن حتى قبل اكتشاف الذهب، كانت سادو أيضا مقصدا للعديد من المفكرين البارزين والشخصيات الثقافية بمن فيهم زيأمي المذكور آنفا، بالإضافة إلى كهنة بوذيين مؤثرين وحتى أحد الأباطرة.
فاعتبارا من فترة نارا (710-794) كان المنفيون والسياسيون وآخرون يرسلون إلى الجزيرة. وبعد حرب جوكيو في عام 1221 نُفي الإمبراطور المتنحي جونتوكو إلى سادو لدوره في الانتفاضة. وفي فترة كاماكورا (1185-1333) طردت الحكومة الإقطاعية الكاهن البوذي نيتشيرين الذي استغل وقته في سادو لتأسيس معابد ووضع المبادئ الأساسية لفرع جديد من الديانة البوذية.
التجول حول الجزيرة
يوجد في سادو نظام واسع للحافلات، ولكن مواعيد عملها المحدودة يجعلها غير ملائمة للمسافرين الذين يقيمون لفترة قصيرة فقط. وبالنسبة للزوار الذي ليس لديهم الكثير من الوقت ويرغبون في تحقيق أقصى استفادة من رحلتهم إلى الجزيرة، فإن استئجار سيارة هي طريقة جيدة لمشاهدة مناطق الجذب الرئيسية. ويعد خط أوسادو سكايلاين الذي يبلغ طوله 30 كيلومترا ويربط بين آيكاوا وكاناي طريقا شهيرا لهذا الغرض. يسير الطريق صعودا لأكثر من 900 متر، ما يوفر إطلالات خلابة على المناظر الطبيعية للجزيرة على مدار السنة.
أفضل طريقة للاستمتاع بساحل سادو الطويل مع السير بهدوء وكسب مزيد من الوقت ليستغله المسافرون في الاستكشاف، هو عبر استئجار دراجة. يمكن لراكبي الدراجات تحديد أوقات الراحة للاستمتاع بوجبات من المأكولات البحرية الطازجة والمشروبات المحلية في المطاعم على طول الطريق وتهدئة عضلاتهم المرهقة بالغطس في الينابيع الساخنة. وبالنسبة للسياح الذين يعشقون التحدي، تستضيف الجزيرة أيضا عددا من فعاليات ركوب الدراجات والترياتلون.
(المقالة الأصلية مكتوبة باللغة اليابانية بقلم آوكي ياسوهيرو ومنشورة بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول عام 2017. الترجمة من الإنكليزية. الصور من قبل ميوا نوريأكي ما لم يذكر خلاف ذلك)