كيف ستغير البيانات الضخمة اليابان؟

البيانات الضخمة وانعكاساتها على مجال الرعاية الصحية والخدمات الطبية

اقتصاد علوم تكنولوجيا صحة وطب

نعيش الآن في عصر المعلومات، ومعظم ما نقوم به يتأثر بشكلٍ كبير بقدرتنا على الوصول إلى كميات هائلة من البيانات سواء أكان ذلك عبر الإنترنت، أم حواسيبنا، أم هواتفنا المحمولة. والكلمة الطنانة التي تصف هذا الكمّ من المعلومات هي البيانات الضخمة. لذلك فما هو التحدي الذي تطرحه البيانات الضخمة؟ وكيف يمكن أن تساهم في تحسين جودة الرعاية الطبية وخفض التكاليف؟

قادت اليابان ريادة تطبيقات البيانات الضخمة في مجالات التسويق وإدارة الأعمال في ثمانينات القرن الماضي، حيث كان يتم إرسال بيانات المبيعات التي يتم جمعها من متاجر الكومبيني من كل أنحاء اليابان بشكل فوري إلى أجهزة كومبيوتر في المقر الرئيسي للشركة عبر أنظمة تربط نقاط البيع. وكان يتم تجميع البيانات يومياً واستخدامها في عملية تخزين البضائع وكذلك تطوير منتجات جديدة.

ولطالما اعتقدت بشكل غامض أن التطور في جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالممارسات العلاجية سيؤدي إلى تعظيم الفائدة المرجوة من خلال التحسين المتوازي لفعالية التكاليف، إمكانية الوصول والجودة. وكما تبين فيما بعد، لم يكن الطريق سهلاً في حالة البيانات الطبية، والتي كانت تمثل أعلى درجات المعلومات الشخصية والتي ترتبط حقاً بمسائل الحياة والموت. ولكن في الوقت الذي يواجه فيه نظام الضمان الاجتماعي في اليابان أكبر تحد له على الإطلاق، والمتمثل في العد التنازلي للدخول في مرحلة مجتمع فائق العمر من المسنين، لا يوجد وقت لإضاعته في سبيل الاستفادة من البيانات الضخمة في هذا المجال.

 تحول بيانات النفقات الطبية إلى الشكل الإلكترونيتملك المستشفيات والعيادات ثروة من البيانات الضخمة التي تتميز بما يعرف 3Vs: أو الحجم، السرعة، والتنوع. ويوجد 1.34 مليون مريض داخلي و7.26 مليون مريض خارجي يومياً في جميع أنحاء اليابان وفقاً لاستقصاء المرضى الذي أجري عام 2011 الذي أعدته وزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية. ويكون الخلط الكبير، وحجم الإنتاج القليل هو النمط المعتاد في واجهات العيادات، حيث يتلقى المرضى مجموعة كبيرة متنوعة من الخدمات المصممة بدقة للاستجابة لأمراض كل فرد على حدة.

ثم يتم تفصيل كل نوع علاج مقدم للمريض في شكل عناصر موضحة في بيان النفقات الطبية، والتي يتم إرسالها إلى منظمة مسؤولة عن مراجعة مطالبات التأمين الصحي وتسديد تكاليف المرافق الطبية. وقد تسبب مجرد تحويل هذه العملية إلى طريقة رقمية في بلبلة كبيرة. فعلى الرغم من كون أغلب المستشفيات والعيادات تستخدم أجهزة الكومبيوتر في إدارة بيانات النفقات الطبية منذ عام 2006 تقريباً، فقد كان يتم طباعة ما يصل إلى 1.4 مليار ورقة سنوياً لتقديم البيانات. ولم يتم فرض البيانات الإلكترونية وتعبئة المطالبات عبر الإنترنت بشكل إلزامي حتى عام 2011.

ومنذ عام 2009، قامت الحكومة بتخزين سجلات البيانات الإلكترونية في قاعدة البيانات الوطنية الخاصة بها. فإذا تم تحليلها بشكل صحيح يمكن إضافة القيمة الرابعة التي تميز البيانات الضخمة، لكن المبادرات في هذا المستوى قد بدأت للتو مؤخراً.

 دعم الجودة والفعالية

وهناك نوع آخر من البيانات الضخمة والتي تساعد بالفعل في تحسين جودة الرعاية الطبية وفاعليتها، وهي البيانات السريرية القائمة على نظام دمج إجراءات التشخيص DPC.  وتشتمل قاعدة البيانات الوطنية كذلك على نفس النظام.

وتقوم الرعاية الطبية في اليابان على نظام الدفع مقابل الخدمات الطبية، حيث يتم تسجيل كل الموارد الطبية التي دخلت في علاج المريض كعناصر في الفاتورة. وتم البحث عن نظام دفع شامل كبديل يقوم على معدلات تطبق بشكل يومي، استجابة للنقد الشديد لمثل هذا النظام الذي يشجع على العلاج والدواء الزائدين عن الحاجة. ويقدم نظام DPC تلك التصنيفات لتحديد معدلات كل وحدة. وهكذا منذ أن تم إدخال نظام التسعيرة الموحدة لليوم في عام 2003 في 82 مستشفى للعلاجات المتقدمة، مثل المستشفيات الكبرى بمراكز الطب بالجامعات، انضمت المزيد من المستشفيات من تلقاء نفسها لتلك المنظومة. وفي نهاية مارس/ آذار، كان هناك حوالي 1860 من المستشفيات إما مشاركة أو تستعد للاشتراك في تلك المنظومة، ويتم إضافة أكثر من 8 ملايين وحدة من البيانات السريرية سنويا. ويستطيع نظام DPC تقديم المزيد من القيمة لكونه قاعدة بيانات مبنية بشكل جيد.

إتاحة المقارنة بين المستشفيات

تتكون شفرات DPC من 14 رقم. وتشير الشفرة بالإضافة إلى اسم المرض أو الإصابة التي تم صرف أغلب الموارد الطبية من أجلها أثناء العلاج بالمستشفى، إلى عمر المريض، ووزنه، ومستوى وعيه في صورة رقمية، والعمليات الجراحية وغيرها من العلاجات والعقاقير المستخدمة والمضاعفات وحدتها، والتي قد تؤثر على كمية الموارد الطبية المطلوبة (شكل رقم 2). كما يضاف إلى ذلك المعلومات الأخرى ذات الصلة، مثل عدد الأيام التي أمضاها المريض في المستشفى والتكاليف الطبية، والتي من شأنها أن تجعل لمجموعة البيانات أن تزيد من شفافية المعلومات الطبية.

لقد طورت المجموعات المرتبطة بالتشخيص بجامعة ييل في أوائل السبعينات من القرن الماضي بالولايات المتحدة الرائدة في هذا المجال وتم تسويقها بواسطة شركة 3M. بينما يمكن لليابان أن تفخر بكونها قامت بتطوير نسخ أكثر تعقيداً وتطورا بنفسها، بدلا من مجرد "استيراد" النظام الأمريكي والاكتفاء بالاستسلام للريادة الأمريكية. وتقوم وزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية بجمع بيانات DPC المقدمة من المستشفيات وإصدار الاحصائيات كل عام متضمنة أسماء المستشفيات.

وعلى عكس بيانات النفقات الطبية والتي هي قوائم مفصلة للمعالجة، فإن بيانات DPC لا تعطي صورة شاملة للخدمات الطبية التي تم توفيرها فحسب، بل توضح بشكل جلي مدى التباين الكبير في العلاج بين المؤسسات الطبية المختلفة لنفس التشخيص.

من خلال عرض البيانات، يمكن للمرضى وغيرهم معرفة المستشفيات التي تقدم نوع الرعاية لمرضهم، بما في ذلك طول فترة الاستشفاء والتكاليف. ويمكنهم أيضا المقارنة بين المستشفيات وأدائها في ضوء بعض المعايير، مثل متوسط عدد الحالات الخارجة من المستشفى شهرياً، نصيب كل نوع من العلاجات، ومتوسط مدة الإقامة. وهناك

مواقع مقارنة خاصة بالمستشفيات يديرها القطاع الخاص والتي تقوم بمعالجة البيانات الأولية الصادرة عن وزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية، وتقدمها في شكل أسهل مع وظيفة البحث والميزات الأخرى التي تم إضافتها.

جدول تم إعداده من بيانات نظام DPC للمقارنة بين عدد من الجراحات التي جرت في مستشفيات العلاج المتقدم في طوكيو. تشير السطور إلى أسماء المستشفيات، والأعمدة إلى نوع المرض، والصورة الواردة في كل تقاطع توضح عدد الجراحات المتعلقة بمرض محدد التي أجرتها المستشفى في عام.

التحاليل الكيفية قد تقود إلى ثورة في المستشفيات

قد يستطيع علماء البيانات المتخصصين في الطب، إجراء المزيد من التحليلات المتعمقة التي تتعلق بجودة الرعاية الطبية. ويمكنهم استنتاج ما إذا كانت الإجراءات بالمستشفى تتوافق مع المبادئ التوجيهية أم لا، على سبيل المثال، أو ما إذا كانت هناك مضاعفات قد تطورت أثناء العلاج بالمستشفى. ويمكن هكذا التعرف على المستشفيات التي لا تزال تستخدم أساليب العلاج القديمة، كما في حالة علاج الأورام حيث لاتزال الأبحاث جارية لتطوير العقاقير وبالتالي تحفيز عملية توحيد لعلاج السرطان في سائر أنحاء اليابان.

هناك خطط محتملة للربط بين الدفع والفعالية من خلال نظام DPC، ولكن يرتبط ذلك بإثارة الكثير من الجدل. وعلى الرغم من ذلك، ومع زيادة إتاحة البيانات حول الأداء الطبي للأشخاص، قد تواجه المستشفيات التي لا تستطيع مواكبة معايير عالية من جودة العلاج التهديد بالغلق.

 نقص الاستمرارية في البيانات العلاجية

يشير الأستاذ فوشيمي كيوهيدي من جامعة طوكيو للطب وطب الأسنان، والذي دعم أكاديمياً تشغيل DPC في اليابان في مرحلة مبكرة، إلى أن هناك مشاكل يمكن حلها قبل استخدام بيانات DPC بكامل طاقتها. ولكن التحدي الأكبر هو عدم القدرة على تتبع المرضى مع مرور الوقت.

الأستاذ فوشيمي كيوهيدي من جامعة طوكيو للطب وطب الأسنان.

لقد أصبحت المعلومات الآن متاحة حول المرضى الذين يتلقون العلاج حالياً في كل مستشفى تقوم بتقديم بيانات DPC. ولكن حين يتعلق الأمر بالتحقق من فعالية علاج معين، على سبيل المثال، يجب على المرء أن يكون قادراً على تتبع المرضى الذين خضعوا للعلاج والتحقق مما إذا كانوا قد تعافوا أو فارقوا الحياة أو نقلوا إلى مستشفى آخر. ومن المهم بالتالي، القدرة على ربط النقاط ببعضها البعض من خلال البيانات المتعددة التي تتميز بطبيعة شخصية عالية وتفتقد كذلك للمعلومات التي يمكن التعرف عليها.

وتربط متاجر الكومبيني في اليابان بيانات عمليات الشراء عبر سلسلة المتاجر من خلال تسجيل العملاء لبياناتهم وإصدار بطاقات النقاط في المقابل، والتي يستخدمها العملاء في كل مرة يتسوقون فيها. وغني عن القول مدى تعاظم تلك أهمية ربط البيانات الشخصية الغير مسماة في حالة البحث الطبي أكثر من غيرها من المجالات. ويذهب فوشيمي إلى أبعد من ذلك، قائلاً "إن حقيقة كون البيانات العلاجية في اليابان لا يمكن ربطها بالبيانات الأخرى، هو عيب في تاريخنا ويقوض المصلحة الوطنية".

 تطبيقات الهوية الشخصية في المجال الطبي

إن الغرض من تحليل البيانات الضخمة في الأبحاث هو اختبار الافتراضات العلمية من الناحيتين الكمية والكيفية. في حين أن العمر والجنس هما من المعلومات الحيوية، فإن الهويات الفردية ليست كذلك، وكل ما هو مطلوب هو القدرة على ربط البيانات برقم تعريف شخصي صحيح. وهنا تكمن صعوبة الأمر.

لقد تم إطلاق ماي نامبر في بدايات عام 2016، وهو عبارة عن بطاقة هوية واحدة تحمل كل بيانات الضمان الاجتماعي حيث يتم تخزين معلومات الضمان الاجتماعي للمواطنين بما في ذلك معلومات عن المعاشات التقاعدية والضرائب بموجب رقم بطاقة تعريفية واحدة. ومثل ذلك بداية نظام رقم التعريف الوطني والذي مثل حلماً لسنوات طويلة. وحتى وإن كان ذلك قد قوبل بالعديد من المخاوف حول الحماية والخصوصية، لكن توجد مخاوف قوية أن أي محاولة لربط أرقام التعريف هذه بالسجلات الطبية ستحتاج إلى أقصى درجات الحذر. وتراقب كلا من وزارة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية والجمعية الطبية اليابانية عملية إنشاء بطاقة هوية طبية مستقلة للبيانات مرتبطة بالرعاية الطبية والتمريضية.

وتدرس الحكومة تطبيق نظام ماي نامبر في القطاع الطبي، بحيث تستطيع المعاهد الطبية ومنشآت الرعاية التمريضية، مشاركة البيانات الطبية للأشخاص بناء على موافقتهم. بل قدم مشروع قانون لمراجعة حماية المعلومات الشخصية في الجلسات الاعتيادية للبرلمان مع بدايات العام المالي 2015، للسماح بتمرير المعلومات الشخصية الغير معرّفة لأطراف أخرى دون الحاجة للحصول على موافقة أصحابها.

وعلى أي حال إن تم عمل بطاقة هوية طبية أو حتى في حالة تم ربط ماي نامبر بالتأمين الصحي، سيستطيع الأشخاص الحفاظ على سرية البيانات المتعلقة بحالتهم الصحية مثل الفحوص الصحية والسجلات العلاجية طوال حياتهم، مما يقلل من الاختبارات والأدوية الغير ضرورية. وإن أصبح من الممكن عمل أبحاث باستخدام بيان النفقات الطبية، DPC والبيانات الأخرى في قاعدة البيانات الوطنية، سيحفز ذلك تطبيقاتها في تدابير الحياة الواقعية. كما يوجد نوع أخر من البيانات الضخمة في القطاع الطبي وهو المعلومات الجينية، والتي قد تطبق لاكتشاف العقاقير الجينية والطب الشخصي. كل تلك الاحتمالات قد تساعد في تخفيض العبء الاقتصادي الحالي على المنظومة الطبية في اليابان.

القيمة الحقيقية للبيانات

وفي النهاية، فلنلقي نظرة شاملة على متاجر الكومبيني. فقد انتشرت أنظمة ربط متاجر البيع لأول مرة في الولايات المتحدة. ولكن أي كان الغرض الأصلي في البداية سواء تفادي أخطاء البيانات المدخلة أو عمليات الاحتيال عند تسجيل المدفوعات النقدية، فإن سفن-إلفن اليابان، والتي كانت في السابق أحد أفرع السلسلة التي نشأت في الولايات المتحدة، هي أول من طرح فكرة تطبيق نظام ربط بيانات نقاط البيع في التسويق.

وتشتهر سفن-إلفن في معالجة قوية للفروض والاختبارات عند استخدامها لأنظمة ربط بيانات متاجر البيع. فبدلاً من الاكتفاء بمجرد عمل مخزون من منتج معين بسبب مبيعاته الجيدة، يقوم كل متجر ببناء فرضيات مبنية على حالة الجو، الموقع والعدد من العوامل الأخرى، ويقوم بالتالي بطلب المنتجات، وعمل مجهودات مبتكرة لبيعها، ثم يستخدم بيانات ربط متاجر البيع لفحص أداء ومبيعات تلك المنتجات في الوقت الحالي. وبالمثل، في القطاع الصحي، أتمنى ألا يقتصر دور البيانات الضخمة العلاجية على أغراض الضوابط الكيفية أو لرفض تغطية التأمين الصحي، ولكن المضي قدماً لما هو أبعد من ذلك والمساهمة في التأكد من نتائج التدابير المعمول بها.

الطب الطب التجديدي البيانات الضخمة