إعادة تأهيل ”مطاردي“ النساء في اليابان!

مجتمع

قامت كوباياكاوا أكيكو، رئيسة منظمة هيومانيتي الغير هادفة للربح، بتقديم المشورة لأكثر من 500 من المتهمين من المطاردين. وفي إطار هذه العملية، أصبحت مقتنعة بضرورة دمج العلاج والمشورة في مواجهة اليابان لمشكلة المطاردة. قمنا بإجراء حوار معها لمناقشة حدود قانون مكافحة المطاردة في اليابان ووعد برنامج علاجي جديد.

كوباياكاوا أكيكو KOBAYAKAWA Akiko

رئيسة منظمة غير هادفة للربح متخصصة في استشارات المطاردة، التحرش، والعنف المنزلي. مؤلفة كتاب (فيما يفكر المطاردون؟) وكتاب المطاردون: لماذا يتبدل الأشخاص العاديون؟

عقدين من المواجهات مع الشرطة

تطلب الأمر قتل امرأة تبلغ من العمر 21 عامًا في وضح النهار خارج أحد محطات قطار الضواحي لإقناع المجتمع الياباني بضرورة أخذ "مطاردة النساء" على محمل الجد. ففي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1999، بعد شهور من المضايقات والتهديدات من رجل كانت قد واعدته لفترة وجيزة، طُعِنت الطالبة الجامعية إينو شيوري حتى الموت أثناء سيرها إلى محطة أوكيغاوا في محافظة سايتاما. وكانت قد ذهبت إلى الشرطة أكثر من مرة، لكنهم رفضوا اتخاذ أي إجراء رسمي ضد المطارد. وأثار تفاعل الشرطة مع الأمر الغضب الشعبي في اليابان، وتم فتح تحقيق بالأمر واتخاذ إجراءات تأديبية ضد الضباط المعنيين. وأدت حادثة أوكيغاوا أيضًا إلى سن قانون لمكافحة المطاردة في عام 2000، حيث سمح للشرطة بالتعامل مع المطاردة (يتم تعريفها على أنها الاقتراب من شخص ما أو ملاحقته بشكل متكرر ضد رغباته)، عن طريق إصدار تحذير والاعتقال في خطوة تالية حال تجاهل التحذير.

ولكن للأسف استمرت الجرائم الواحدة تلو الأخرى، وسط اتهامات متكررة للشرطة بالإهمال. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2012، طُعنت ميوشي ريئي البالغة من العمر 33 عامًا حتى الموت في مدينة زوشي بمحافظة كاناغاوا، بعد أن اشتكت من مضايقات لا متتالية كانت تلاحقها عبر البريد الإلكتروني (والتي لم يشملها قانون عام 2000 بشكل واضح). وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2013، قُتلت طالبة بالمرحلة الثانوية بمنزلها في مدينة ميتاكا بطوكيو على يد حبيبها السابق، بعد فترة قصيرة من طلبها تدخل الشرطة. وفي حادثة وقعت في مايو/ أيار عام 2016 في مدينة كوغاني في طوكيو، تعرضت المطربة توميتا مايو، البالغة من العمر 20 عامًا، للطعن مرارًا وتكرارًا من قِبل معجب مهووس، مما ألحق بها إصابات حرجة. حيث أنها طلبت مساعدة من الشرطة، وأخبرتهم بأن تعليقات المعجبين العدائية بشكل متزايد والتهديديات المختلفة على تويتر تجعلها تخشى على حياتها.

ومن هذا المنطلق تم تنقيح قانون مكافحة المطاردة مرتين في محاولة لسد الثغرات القانونية. وتم توسيع تعريف المطاردة في عام 2013 ليشمل مضايقات البريد الإلكتروني (بعد حادثة القتل التي وقعت في مدينة زوشي)، ومرة أخرى في عام 2016، لتغطية الاتصالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي (في أعقاب حادثة مدينة كوغاني). ولكن حتى لو عوقب مرتكب الجريمة بالعقوبة القصوى والتي تبلغ السجن لمدة عامين أو غرامة قدرها مليوني ين، فلا يوجد ما يمنعه من معاودة الكرة مرة أخرى، وهو ما يجعل الكثير من الضحايا يعيشون في خوف من هذا التكرار.

توضح كوباياكاوا أكيكو، وهي مستشارة متخصصة في أمور المطاردة "يركز قانون مكافحة المطاردة على منع الجريمة الأولى"، وتضيف "إن تحذير الشرطة الصادر بموجب القانون يمكن أن يكون رادعًا للبعض. ولكن بمجرد أن يعبر أحدهم الخط ويتورط في حالة التخويف أو الاعتداء، يجب أن يتم احتجازه على الفور. يصبح السؤال بعد ذلك هو كيفية منع هذا الشخص من أن يكرر الشخص نفس الجريمة". هذا هو موضع قصور النظام القائم.

من ضحية إلى معالج

بدأت كوباياكاوا في تقديم الخدمات نيابة عن ضحايا المطاردة في عام 1999. لم يكن الدافع المباشر هو حادث أوكيغاوا، الذي وقع في نفس العام، بل تجربة كوباياكاوا المؤلمة مع شخص كان يطاردها هي شخصيا.

كانت كوباياكاوا قد بدأت نشاطها في استيراد القطع الفنية في عام 1994. وطلب رجل كانت على معرفة به، الانضمام إلى فريق الإدارة، وعندما أخبرته برفضها، بدأ يتتبعها ويتصل بها عبر الهاتف عشرات المرات يوميًا. وتتذكر كوباياكاوا "أنه في أحد المرات اقتحم المكتب وقد انتابته حالة شديدة من الهياج". وتقول "لقد أصيب أحد موظفيي بجروح نتيجة لذلك. لكن عندما ذهبت إلى الشرطة، أخبروني، عودي عندما يفعل شيئًا خطيرًا، مثل إضرام النار بالمكتب". كانت تلك هي النقطة التي قررت عندها أنني بحاجة إلى تولي الأمر بنفسي يعيدا عن الشرطة".

وجدت كوباياكاوا شركة أمنية خاصة وفرت لها حراس شخصيين لحمايتها من المطارد. ومن خلال إجراءات صارمة، تمكنت من منع أي حوادث عنف اخرى. وعلى الرغم من ذلك، واصل الرجل مطاردتها لعدة سنوات بعد ذلك. وحتى اليوم لا تزال تشعر بعدم الارتياح، متخيلة استياءه الشديد. وتقول: "ما زلت معتادة على النظر خلفي من وقت لآخر".

وبعد أن حفزتها التجربة، قررت كوباياكاوا إطلاق خدمة غير هادفة للربح لمساعدة الضحايا المطاردين الذين قد يفتقرون إلى الموارد. "في البداية، كان الأمر كله يتعلق بحماية الضحايا". "ولكن عندما بدأت أتحدث مع المطاردين بناءً على طلب ضحاياهم، رأيت أنهم يعانون أيضًا. في كثير من الأحيان، أصيبوا بتأثير رومانسي لم يتمكنوا من تركه ووقوعهم في حلقة من السلوك المدمر للنفس. وأدركت بسرعة أن المطاردة كانت نوعًا من الإدمان الذي ينطوي على التعلق بشخص معين".

تُعرّف كوباياكاوا المطارد على نطاق واسع على أنه أي شخص "يبدأ اتصالًا غير مرغوب فيه مرارًا مع طرف معين بدافع الهوس أو الرغبة في التواصل مع هذا الطرف". إن "الحبيب الذي تم رفضه" الذي توخاه واضعو قانون مكافحة المطارد هو أكثر الأنواع الشائعة والمسؤول عن غالبية الحوادث، بما في ذلك حالات القتل. ومع ذلك، يمكن أن تحدث تفاعلات مماثلة بين أحد الوالدين وطفل بالغ. تعاملت كوباياكاوا أيضًا مع مطاردين بدافع العداء فقط.

حين تأتي ضحية إلى كوباياكاوا، تبدأ كوباياكاوا باستخدام معلومات من العميل لتقييم الحالة العاطفية لمرتكب الجريمة وتحديد الخطر الذي يمثله. وفي المرحلة الأولية، يسعى المطاردون للحصول على الاهتمام والتفهم من قبل الأشخاص الذين يستهدفونهم. وفي المرحلة الثانية، يسيطر عليهم الشعور بالظلم الاستياء، ويتحول مرتكب الجريمة إلى الشكوى والاعتداءات اللفظية. وتصف كوباياكاوا هذه المرحلة بأنها "خطرة". وإذا استمر الوضع في التصاعد، فإنه يصل إلى المرحلة "السامة"، حيث من المحتمل حدوث أعمال العنف. وكما تقول، المفتاح هو إيقاف المطاردة قبل أن تصل إلى المرحلة الثالثة. لقد حققت كوباياكاوا نجاحًا كبيرًا في تطبيق العلاج على طريقة (Gestalt)، وهي تقنية تدربت عليها "إنها مدرسة للعلاج تركز على الحدود الصحية الواجب الحفاظ عليها بين الذات والآخرين" كما أوضحت.

وتقول "من المؤكد أن التحذير من الشرطة بموجب قانون مكافحة المطاردة يمكن أن يكون مفيدًا للغاية، لكن إذا تم التعامل معه بشكل أو توقيت سيئ، فإن تدخل الشرطة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة. ولهذا السبب أعتقد أن تطبيق القانون يحتاج إلى التنسيق مع خبراء الصحة العقلية. الشخص الذي يتلقى تحذيرا يجب أن يعرض على أخصائي اجتماعي نفسي أو مستشار مؤهل. ولكي نكون صادقين، سيكون من الأفضل لو أتيحت لهم الفرصة للحصول على المشورة قبل أن تشارك الشرطة في الأمر بشكل نشط".

وتعتقد كوباياكاوا أنه يمكن تجنب العديد من الحوادث الخطيرة إذا تمكن المطاردون من الوصول إلى مثل هذا الدعم. ميوشي ريئي، الضحية في حادثة زوشي عام 2012، قامت بالتشاور مع كوباياكاوا في عام 2011، بعد اعتقال حبيبها السابق، كوزوتسومي هيديتو، لإرساله رسائل بريد إلكتروني تهديدية لها. وعرضت كوباياكاوا الاجتماع بشكل مباشر مع كوزوتسومي، لكن ميوشي لم توافق. وتم بالفعل توجيه الاتهام إلى المطارد وإدانته بتهمة التخويف لكنه تلقى حكماً مع وقف التنفيذ. وفي مارس/ آذار من العام التالي، استأنف المضايقات بالبريد الإلكتروني. وذهبت ميوشي إلى الشرطة وتوسلت إليهم لإعادة اعتقال كوزوتسومي، لكنهم لم يتخذوا أي إجراء. حتى قُتلت ميوشي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012. وما زالت كوباياكاوا تتساءل عما إذا كان بإمكانها منع جريمة القتل لو نجحت في الحصول على إذن ميوشي بمقابلة كوزوتسومي. وتقول "سيظل هذا الأمر يحياتي".

علاج جديد

على الرغم من أن كوباياكاوا تدعي نجاحًا كبيرًا مع المطاردين الذين يوافقون على تلقي المشورة من قِبلها، إلا أن حوالي 10٪ منهم لا يستطيعون ببساطة بدء صفحة جديدة. ولكن يظل هناك أمل لمدمني المطاردة المتشددين. ويستخدم الدكتور هيراي شينجي من مركز شيمفوسا للطب النفسي، المستشفى الوطني، "تقنية التحكم المنعكسة المشروطة"  CRCT لعلاج مجموعة واسعة من السلوكيات القهرية، بما في ذلك تعاطي المخدرات، وإدمان الكحول، وإدمان المقامرة. وCRCTبالأساس هي دورة تدريبية مدتها 13 أسبوعًا لتدريب العقل، تدار بالأساس على المريض، حيث يقوم من خلالها المدمنين بالتعلم خطوة بخطوة التحكم في جموح وكبح السلوكيات غير المرغوبة. وعندما قابلت كوباياكاوا هيراي في عام 2013، أخبرها بشكل لا لبس فيه أنه يمكن أن "يشفي" المطاردون باستخدام ذات التقنية.

كانت كوباياكاوا متشككة، لكنها كانت تتعامل مع قضية مستعصية وقررت أن الأمر يستحق المحاولة. كانت المريضة، امرأة في العشرينات من عمرها، يائسة وبدأت في التعبير عن أفكار انتحارية. وبترشيح من كوباياكاوا، انضمت المرأة لبرنامج العلاج الخاص بهيراي. وبحلول موعد خروجها، كانت قد تخلصت تمامًا من هواجسها.

وتقول كوباياكاوا إنها أحالت منذ ذلك الحين أكثر من 20 من المطاردين "الخطرين" أو "السامين" إلى البرنامج، وتم إعادة تأهيلهم جميعًا تقريبًا. وفي إحدى حالات التعاون الناجح مع نظام العدالة الجنائية، نفذ محامي رجل وُجهت إليه تهمة التخويف، نصيحة كوباياكاوا وتقدّم بطلب ناجح للحصول على الافراج بكفالة بشرط أن يراجع موكله مركز شيموفوسا للطب النفسي، حيث يكون الدكتور هيراي هو الضامن له. وقام ضابط شرطة باصطحاب الرجل إلى المركز الطبي. واستطاع الرجل الذي أدين بحكم مع وقف التنفيذ، بدء حياة جديدة، بعد أن شفي تماما من تعلقه.

تقول كوباياكاوا: "لم يتبنى بعد مجتمع الرعاية الصحية ككل فكرة المطاردة كمرض عقلي، فتحديدًا اضطراب السيطرة على الجموح يتطلب علاجًا طبيًا"، ولا يزال يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه شيء يمكن إدارته من خلال الاستشارة وحدها. ونادرًا ما ينظر كذلك المطاردون إلى سلوكهم كمرض. وأعتقد أننا بحاجة إلى تعزيز الفهم المشترك للمطاردة كاضطراب نفسي. ومع ذلك، آمل أن نرى بعض التغييرات في نظام العدالة الجنائية، بما في ذلك وجوب الخضوع للعلاج بأمر من المحكمة. "

المراهقين، وسائل التواصل الاجتماعي، والسرقة الإلكترونية

لقد سهل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر من أي وقت مضى، وقوع التصرفات المطاردة الجامحة. ففي عام 2018، تجاوز عدد الحالات المؤكدة للمطاردة 20 ألف حالة للسنة السادسة على التوالي، وفقًا لوكالة الشرطة الوطنية. وتشهد كوباياكاوا عددًا متزايدًا من الضحايا، الكثير منهم من طلاب المدارس الاعدادية والثانوية، الذين لم يلتقوا أبدًا من قبل بمطاردهم وجهاً لوجه. وتقول: "أشعر أيضًا أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير في تسريع التصعيد للوصول إلى مرحلة المطاردة" السامة ".

تشعر كوباياكاوا أن المدارس تحتاج إلى البدء في تثقيف الشباب حول المطاردة الإلكترونية. "يجب أن يكون المعلمون مستعدين للرد بسرعة وبشكل مناسب عند وقوع حادث مطاردة"، كما تقول. إنها تتصور التعليم المدرسي الذي يقوم بعمل محاكاة لمواقف مطاردة، استنادًا إلى دراسات الحالة الفعلية، لمساعدة الشباب على مقاومة جموح المطاردة والتخلص من التفاعلات المحفوفة بالمخاطر.

وفي الوقت نفسه، مع توفير وسائل التواصل الاجتماعي فرصًا متنامية باستمرار للمطاردين، فإن كوباياكاوا مقتنعة بالحاجة إلى تطبيق واسع النطاق للعلاج المتمركز على CRCT. وتقول "هذا علاج جديد حقًا، وأريد أن أراه يصبح معيار أساسي للعلاج في كل مكان."

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. المقال قائم على حوار أجرته إيتاكورا كيميئي من Nippon.com. تصوير هاشينو يوكينوري)

جريمة الجرائم الجنسية جنس