الشباب الياباني يتكيف مع ”الوضع الطبيعي الجديد“: وباء كورونا والتغيير الاجتماعي

مجتمع

جلبت جائحة كورونا والتحولات اللاحقة للعمل أو الدراسة من المنزل مسافة جسدية أكبر بين الناس. كيف سيؤثر ذلك على علاقات الشباب الرومانسية وغيرها من الأمور في المجتمع الياباني؟

ناغاتا ناتسوكي NAGATA Natsuki

أستاذة مشاركة في جامعة هيوغو لتعليم المعلمين، حيث تتخصص في علم اجتماع الأسرة. ولدت في محافظة ناغاساكي عام 1973. تجري أبحاثًا حول وجهات النظر حول الزواج وتكوين الأسرة في اليابان المعاصرة. كما تهتم كثيرًا بالاتصال عبر الإنترنت والثقافات الفرعية. لديها العديد من المؤلفات.

الفجوات الاقتصادية والرقمية

المحاور: أثرت جائحة كورونا على المجتمع من كافة المستويات، ولكن يقال إن عدم المساواة يزداد سوءاً، خاصة بالنسبة لطلاب الجامعات.

ناغاتا ناتسوكي: بالنظر إلى الوضع الحالي الذي يدرس فيه حوالي 60٪ من الطلاب في الجامعات الخاصة وحوالي 40٪ في الجامعات الوطنية والعامة (مسح منظمة خدمات الطلاب اليابانية)، فإن العديد من طلاب الجامعات ”يتمتعون بالحماية“ نسبيًا. من ناحية أخرى، من المؤكد أن التفاوت الاقتصادي وتفاوت المعلومات سوف يتسعان بالنسبة للطلاب الذين يعانون من ضائقة مالية، حيث انخفض ​​دخل العمل بدوام جزئي الذي يعوض نفقات الدراسة ونفقات المعيشة وربما لن تكون لديهم وسلو للوصول لاستخدام الإنترنت بسبب ضيق الحال. في الوقت الحالي، لا توجد بيانات استقصائية تُظهر حالة الطلاب الفقراء المعزولين، ولكن خلال فترة ”البقاء في المنزل“، التي طلبت فيها الحكومة من المواطنين عدم الخروج قدر الإمكان للحد من انتشار فيروس كورونا، كان من الصعب القيام بالبحث عن وظيفة، وحتى بعد رفع حالة الطوارئ، فإن الوضع قد تغير بشكل كبير لا يمكن الإلمام بكافة تفاصيله، مما قد يتسبب في عدم القدرة على إيجاد الفرصة الوظيفية المناسبة. لا أعتقد أنه يمكننا الاعتماد على الجامعات للقيام بالكثير للوصول ومساعدة الطلاب الذين لديهم مجموعات صداقة محدودة أو يفتقرون إلى المبادرة.

كانت الجامعات بطيئة في تبني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولكن بعد الإسراع في تقديم فصول دراسية عبر الإنترنت، حيث تعقد الاجتماعات وجهًا لوجه عند الضرورة القصوى. من الضروري أن يكون لديك شبكة أمان تدعم الطلاب الذين لا يحضرون الفصول عبر الإنترنت بسبب بيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمشكلات النفسية، ليس عبر الجامعات فقط ولكن تقديم الدعم بالعديد من الأشكال عبر المؤسسات المختلفة.

ضغط أقل للتوافق

المحاور: يقضي الأشخاص وقتًا أطول في المنزل، ومن المتوقع أن يستمر الاتجاه نحو العمل والدراسة عن بُعد. ما هو تأثير ذلك على علاقات الشباب؟

ناغاتا: من المحتمل أن يكون الأفراد أكثر انتقائية بشأن من يريدون التواصل معهم بنشاط. قبل تفشي الوباء، كان من المعتاد أن يتناول الطلاب الغداء ويتحدثون مع أي شخص جديد لمشاركة الدروس أو وقت الفراغ معه. ولكن الآن، يعد التواجد مع الآخرين خطرًا في حد ذاته، وإذا كان الاتصال عن بُعد هو الأمر الطبيعي، فسيكون عليهم أن يقرروا من يستحق استغلال الفرصة للقاء شخصيًا.

كما تظهر تباينات واضحة في قدرة الشباب على بناء مجتمعات على الإنترنت. سيكون هناك شباب لا يأخذون المبادرة بأنفسهم، ويتم رفضهم من شبكات مختلفة، ويتم استبعادهم في النهاية. بالنسبة لأولئك الذين يمكنهم إنشاء مجتمعات بمفردهم، هناك خطر أن ينتهي بهم الأمر بعلاقات ثابتة تقتصر فقط على الأشخاص الذين يجدونهم مرتاحين. يساعد الالتقاء بجميع أنواع الأشخاص، بما في ذلك أولئك الذين لديهم آراء مختلفة أو من أجيال مختلفة، على الحفاظ على التفكير المرن، ولكن الارتباط فقط مع الأشخاص الذين يتواصل معهم الشخص من الجيل نفسه يعني أن فرصة حدوث ذلك ضئيلة جدًا.

ومع ذلك، فإن الاتصالات البعيدة لها جانب جيد أيضًا. هناك ضغط أقل للتوافق. يخشى الشباب بشدة أن يتم تجنّبهم إذا لم يتأقلموا مع من حولهم. أعطى الكثيرون الأولوية للتوافق، واستوعبوا رغبات الآخرين بدلاً من التعبير عن تفضيلاتهم الخاصة، كما هو الحال عند التخطيط للذهاب للغناء في محلات الكاريوكي أو الذهاب لرحلة ما. ربما انخفض هذا الضغط غير الضروري الآن.

من بين الطالبات اللاتي أعرفهن، هناك شعور بأنه من الأسهل التعبير عن آرائهن عن بعد. فعند المواجهة وجهاً لوجه، يشعرن بالخوف من الحجم المادي أو الأصوات العالية للآخرين. وضعت وزارة التعليم مؤخرًا سياسة لتوفير ”تعليم منصف ومُحسَّن بشكل فردي“ من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأساليب أخرى. أحد الجوانب الواعدة هو الدعم الذي توفره الدراسة عبر الإنترنت للطلاب الذين لا يمكنهم مغادرة المنزل بسبب المرض أو الإعاقة، والذين يعانون من اضطرابات في النمو، وغيرهم ممن لا يتناسبون مع نظام التعليم الحالي، مثل الغائبين لفترات طويلة من المدرسة. يحمل التحول للعمل من المنزل القدرة على تغيير وضع الأشخاص ذوي الأجسام الصغيرة والأصوات الهادئة. ولكن هذا يعتمد على الفرضية الرئيسية المتمثلة في الوصول للإنترنت على قدم المساواة. لا يمكن أن يكون هناك أي انقسامات من حيث سهولة الاتصال بالإنترنت وعرض النطاق الترددي والمعدات اللازمة. مطلوب إجراءات أساسية لمعالجة هذا الوضع.

حياة أكثر ديناميكية

المحاور: في كتابك Shōgai mikon jidai ”عصر العزوبية مدى الحياة“، تتحدثين عن كيف أصبح الزواج بالنسبة لكثير من الشباب أحد الخيارات العديدة في الحياة. ولكن في عصر الكورونا، هل هناك فرص أقل للعثور على شريك حياة في المقام الأول؟

ناغاتا: بغض النظر عن مواقع المواعدة، يتزوج المزيد من الأشخاص من حولي بعد إجراء اتصال على وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك. لا يختلف الإنترنت كثيرًا عن حفلات البحث عن شريك حياة ”غوكون“ عندما يتعلق الأمر بمقابلة شخص جديد، ولكن لن تتطور العلاقة دون الاجتماع شخصيًا. لا يمكن أن يكون التواصل عبر الإنترنت دائمًا بديلاً للحياة الواقعية: الأمثلة الكلاسيكية ستكون علاقة عاطفية وتربية الأطفال الصغار. في هذه الحالات، التواصل غير اللفظي ضروري.

هذا مجرد توقع، ولكن هناك فرصة لأن تصبح حياة الشباب العاطفية أكثر نشاطًا الآن. عليهم أن يقرروا بوعي المخاطرة للمقابلة والمواعدة، ولم يعد هناك ضغط مما يعتقده الآخرون. إذا لم يقلقوا بشأن آراء الآخرين، فقد يعملون بجد لبناء العلاقات.

تغيير ثقافة الشركات

المحاور: هل سيغير الطلاب والشركات طريقة تفكيرهم في البحث عن الوظائف والتوظيف؟

ناغاتا: من خلال تجربتي، كان هناك الكثير من الطلاب الذين قالوا ”اعتقدت دائمًا أن الحصول على وظيفة يعني الانتقال إلى طوكيو، لكنني أدركت أن هناك خيارات أخرى“. وكان هناك شباب يريدون العمل في مدنهم. إذا كان من الممكن العمل عن بُعد من أي مكان، فمن الطبيعي أن يختار المزيد من الأشخاص أنماط الحياة المريحة للمجتمعات الصغيرة.

تفكر المزيد من الشركات في توسيع مبادرات العمل عن بعد. أحد الاحتمالات هو نقل مكاتبهم إلى مدن أصغر خارج المراكز الحضرية الرئيسية في اليابان. يصبح هذا أكثر جاذبية إذا كان نوع الشباب الموهوبين الذين يمكنهم التكيف مع الظروف الجديدة للوباء يبحثون عن طريقة مختلفة للعمل. مع تقلص حجم العمالة، تكتسي كيفية تأمين الموظفين الواعدين أهمية بالغة للشركات. تطلب تركيز المكاتب في طوكيو من الشركات دفع مبالغ كبيرة في نفقات السفر لمسافات طويلة، ولكن العمل عن بعد يعني أنها تستطيع توفير هذا المال.

المحاور: يمكن إجراء البحث عن عمل عن بعد أيضًا، مع توظيف موظفين جدد بشكل رئيسي من المنزل.

ناغاتا: في هذه الحالة، سيشعرون بشعور أقل بالانتماء، من حيث الالتزام برؤية صاحب العمل ونمو الشركة. يرتبط حفل دخول الشركات، وحفلات الشرب بعد الدورات التدريبية، وارتداء شارات الشركة، وطرق أخرى لغرس هذا المعنى بشكل مباشر بالاستقرار في مكان العمل في العالم الحقيقي.

ومع ذلك، وسط الضغوط المطروحة من أجل التوافق، فإن الخوف من سوء قراءة الموقف والابتعاد عن الآخرين هو سبب رئيسي للجو الخانق الحالي في اليابان، لذلك فإن تغيير ثقافة الشركات سيكون موضع ترحيب. هذا يعني أن تكون مستعدًا للتخلص من العادات القديمة، كما هو الحال عندما يقول الناس ”الختم الشخصي ’هانكو‘ مطلوب للموافقة الداخلية، كما هو معتاد“، أو ”نحن نتبع دفتر قواعد قياسي، لذلك ليست هناك حاجة للتفسيرات“. يسير عدم الالتزام بالعادات القديمة جنباً إلى جنب مع تحمل المسؤولية للتفسير بشكل صحيح. وإلا فإن الشركة لن تعمل بشكل جيد.

تغير الموقف تجاه الأسرة تغير

المحاور: هل غيرت طلبات ”البقاء في المنزل“ المواقف تجاه الأسرة؟

ناغاتا: من بين الأشخاص الذين أعرفهم الذين لم يتمكنوا من العودة إلى مسقط رأسهم أثناء إعلان حالة الطوارئ وقضوا كل هذا الوقت في الحياة بمفردهم، انتقل بعضهم إلى سكن جديد بعد رفع حالة الطوارئ. حتى ذلك الحين، قضوا الكثير من الوقت في العمل وكان المنزل مجرد مكان للنوم في مكان صغير وقريب من المحطة. لكن خلال إقامتهم القسرية في المنزل، أدركوا أنهم لم ينتبهوا لكيفية قضاء وقتهم هناك. قرروا الانتقال إلى مسكن أكبر للحصول على قدر أكبر من الشمس والتهوية، حتى وإن كان بعيدًا نسبيًا عن المحطة. قبل التفكير في الزواج وتكوين أسرة، يبدو أن هناك إحساسًا متزايدًا بأهمية الاهتمام أولاً بأسلوب حياة المرء.

سوف تتغير العائلات بشكل كبير. بما أن الناس بقوا في المنزل، بما في ذلك العمل، أصبح من المهم أن يشعروا بالراحة هناك. يحتاج أفراد الأسرة لإدارة الضغوط الشخصية، والتفكير في الآخرين، وبناء بيئة مريحة. إذا كان هناك الكثير من الأزواج الذين لا يستطيعون القيام بذلك، فسيؤدي ذلك إلى زيادة ”حالات الطلاق بسبب كورونا“.

المحاور: في كتابك، تقارنين بين طريقتين مختلفتين للنظر إلى الحياة، والتي تسميها حياة دراغون كويست لايف

وبوكيمون لايف، كيف أثر الوباء على ذلك؟

ناغاتا: تتبع حياة دراغون كويست مسار قصة واحدة، كما هو الحال في سلسلة اللعبة. على سبيل المثال، يتقدم شخص ما من خلال الأحداث القياسية مثل العثور على وظيفة والزواج، وتحقيق كل واحد على التوالي. حياة بوكيمون، من ناحية أخرى، غير منهجية، والهدف الرئيسي هو التقاط وتدريب المخلوقات الأسطورية. ليست هناك حاجة للقيام بما يفعله أي شخص آخر. لذا، في حياة بوكيمون، الهدف الرئيسي هو اتخاذ الخيارات التي تؤدي إلى الرضا الشخصي في مراحل مختلفة. يعتبر البحث عن عمل والزواج من الخيارات الممكنة فقط من بين العديد من الخيارات.

تفتقر المكاتب الحكومية والشركات الكبرى ذات أنظمة الأقدمية المستمرة إلى التنقل، لذا فهي مناسبة لحياة دراغون كويست، حيث لا يوجد مكان للأفراد لاتخاذ القرارات بحرية. بعد انتهاء أزمة كورونا، من المحتمل أن تفتح فجوة بين أنواع الوظائف حيث يمكن للناس أن يعيشوا حياة بوكيمون وهؤلاء الذين لا يستطيعون القيام بها. ربما سيكون هناك أيضًا تقسيمات إقليمية بين الأماكن التي يريد الناس العيش فيها وتلك التي لا يريدونها، وقد تصبح طوكيو أقل شعبية.

تحديات مستقبلية

المحاور: ما هي النظرة المثالية لمجتمع ما بعد الوباء؟

ناغاتا: قد يكون المجتمع المثالي حيث يشعر الجميع بالرضا بطريقتهم الخاصة. سيصبح عدد من الانقسامات أكثر وضوحًا، لكن هذا ليس بالأمر السيئ تمامًا. إن تغيير طريقة عمل الأفراد وحياتهم هو المفتاح لتغيير الطبيعة الخانقة للمجتمع الياباني. على الرغم من أننا لا نعرف ما ينتظرنا، فمن المحتمل أن هناك الكثير ممن يرون اللحظة الحالية كفرصة لتغيير طريقة حياتهم.

يعد التحول إلى أنماط الحياة البعيدة مفيدًا للشباب الذين اعتادوا على العمل عبر الإنترنت. أود أن أراهم لا يتواصلون فقط داخل مجتمعات أقرانهم المتشابهين، الذين يشعرون بالراحة معهم، ولكن أيضًا بذل الجهد للتعبير عن أنفسهم لكبار السن وغيرهم ممن لم يلتقوا بهم. أود أن تكون هذه فرصة لمزيد من المناقشة بين الأجيال.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، المقابلة والنص من إيتاكورا كيمي من Nippon.com صورة العنوان: اختارت جامعة دوشيشا في كيوتو عقد فصول عبر الإنترنت. درس الطالب في الصورة باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية منذ أن كان في المدرسة الثانوية، ولم يشعر بصعوبة التحول إلى الفصول عبر الإنترنت، لكنه يقول إن بعض أصدقائه اضطروا إلى الاندفاع لشراء أجهزة كمبيوتر أو افتقروا إلى الوصول إلى الإنترنت. الصورة التقطت في 20 أبريل/ نيسان 2020، جيجي برس)

الشباب المجتمع الياباني الشركات اليابانية الحكومة اليابانية