مستقبل العلاقات الروسية اليابانية في عهد رئيس الوزراء الياباني الجديد

سياسة

سعى رئيس الوزراء السابق شينزو آبي إلى إقامة علاقات شخصية وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل تحقيق أهداف سياسية، والآن بعد أن استقال آبي دون إحراز أي تقدم في قضية الأقاليم الشمالية المتنازع عليها بين البلدين، كيف ينبغي أن يتعامل خليفته سوغا يوشيهيدي مع الوضع الراهن. محلل العلاقات الدولية كيتانو يوشينوري المقيم في موسكو والبالغ من العمر 28 عامًا يحلل لنا الموقف ويطلعنا على تفاصيل القضية.

تعديل الدستور الروسي يضع مزيد من العقبات أمام عودة الجزر

ترك رئيس الوزراء الياباني آبي منصبه تاركاً العديد من الأهداف التي لم تتحقق، من بينها تعديل المادة 9 من الدستور الياباني، وحل قضية الاختطاف في كوريا الشمالية، وتأمين عودة جزر الكوريل - المعروفة في اليابان باسم الأقاليم الشمالية، وكذلك الجزر التي يحتلها الاتحاد السوفيتي منذ قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. كانت إحدى استراتيجيات آبي على الجبهة الأخيرة هي إقامة صداقة شخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن مع نهاية إدارته أصبح من الواضح أنه غير قادر على تحقيق أي تقدم ذو مغزى.

في 1 يوليو/ حزيران 2020 شارك الشعب الروسي في استفتاء على تعديل دستور البلاد، واختار منح بوتين سلطة تمديد فترته الرئاسية حتى عام 2036. وتشمل التعديلات المقبولة أيضًا لغة تحظر أي دعوات للتنازل عن الأراضي الروسية باستثناء ”إعادة ترسيم حدود الاتحاد الروسي مع الدول المجاورة“. مما يترك مجالًا لتفسير الأقاليم الشمالية على أنها استثناء. وهو ما يمثل عقبة جديدة أمام المفاوضات. مع اتخاذ الأمور مثل هذا المنعطف الصعب، كيف يجب أن يتعامل رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي، خليفة آبي مع روسيا بزعامة بوتين؟

مبدآن يحكمان العلاقات اليابانية الروسية

من الشائع أن تسمع أشخاصًا في اليابان يقولون إنهم غير قادرين على فهم ما يفكر فيه بوتين. في الحقيقة، مع ذلك، عادة ما تكون عمليات تفكيره واضحة تمامًا. هناك مبدآن ضروريان لفهم العلاقات اليابانية الروسية. أولا، مناقشة قضية الأقاليم الشمالية ستضر بهذه العلاقات. ثانيًا، الحديث عن الأرباح الاقتصادية من شأنه أن يحسن هذه العلاقات.

عندما يتعلق الأمر باليابان، هناك شيئان في ذهن بوتين ”أريد المال“ و ”لا أريد إعادة الجزر“. قد يكون من الصعب فهم هذا الأمر دون توضيح، لذلك أعددت بعض الأدلة على كلامي هذا.

بدأ شينزو آبى فترته الثانية كرئيس للوزراء في ديسمبر/ كانون الأول 2012. ومن العام التالي عكف على تحسين العلاقات الثنائية مع روسيا على أمل حل النزاع الإقليمي خلال فترة توليه المنصب. ولكن في الوقت نفسه تجنب توجيه أي مطالب مباشرة لإعادة الجزر، وركز على تحسين التعاون التجاري بين البلدين.

ولكن في مارس/ آذار 2014 تبدلت الأمور، فقد أعلنت روسيا عن ضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، مما دعا اليابان إلى الإعلان عن انضمامها إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تحالف من أجل فرض عقوبات ضد روسيا، كما توقفت الحكومة اليابانية عن مناقشة الأنشطة الاقتصادية بين البلدين ”باختصار توقفوا عن منح المزيد من الأرباح الاقتصادية لروسيا“ ومنذ ذلك الحين أصبح بإمكان المسؤولين اليابانيين التحدث عن عودة الجزر الأربعة بما أنه قد أصبح من الواضح أن روسيا تريد المال لكنها لا تريد إعادة الجزر، ونتيجة لذلك فقد ساءت العلاقات مجدداً بين البلدين.

حدثت نقطة التحول التالية في مايو/ أيار 2016 عندما التقى آبي وبوتين في سوتشي بروسيا. وخلال الاجتماع اقترح آبي خطة تعاون من ثماني نقاط لتوسيع العلاقات الاقتصادية الثنائية. بعبارة أخرى، توقفت الحكومة اليابانية عن الحديث عن النزاع الإقليمي وبدأت مجدداً تتحدث عن الأرباح الاقتصادية. وفي ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام جاء بوتين إلى اليابان في زيارة ظهر فيها الجانب الروسي راضياً عن الأوضاع، واتخذت العلاقات اليابانية الروسية منعطفًا إيجابيًا مرة أخرى.

جاء آخر انعكاس لإدارة آبي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018, ففي اجتماعه مع بوتين في سنغافورة اقترح آبي تسريع مفاوضات معاهدة السلام الرسمية بناءً على الإعلان المشترك بين اليابان والاتحاد السوفيتي عام 1956، وهو ما يعد تنازلاً كبيراً من الحكومة اليابانية. فبهذا الطلب يكون رئيس الوزراء آبي قد تخلى عن السياسة الأساسية للحكومة اليابانية ”العمل من أجل استعادة الجزر الأربعة“ ، وتحول إلى ”الاكتفاء باستعادة جزيرتين فقط“ بحجة ”الاستناد إلى الإعلان المشترك بين اليابان والاتحاد السوفيتي“.

ومع ذلك لم يبدو أن بوتين معجب كثيراً بخطوة آبي الجريئة. فكما ذكرت من قبل، هناك شيئان في ذهن بوتين: رغبته في تحقيق أكبر منفعة اقتصادية ممكنة ورفضه التخلي عن الجزر. والأمر هنا بالنسبة له لا يختلف كثيراً إذا كنا نتحدث عن جزيرتين أو أربعة جزر. ومرة ​​أخرى بدأت العلاقات الثنائية تشهد تدهوراً جديداً.

يعتقد بوتين على ما يبدو أنه إذا أعادت روسيا الجزر إلى اليابان، فسوف يفتح ذلك الطريق لوجود عسكري أمريكي على أعتاب الإقليم الشرقي لروسيا. والدليل على ذلك أنه في مارس/ آذار 2019 صرح بوتين أنه لن تكون هناك معاهدة سلام رسمية ممكنة ما لم تنه اليابان اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقات اليابانية الروسية في التدهور مجدداً.

الآن وبعد شرح المبدأين الأساسيين اللذين يوجهان العلاقات بين اليابان وروسيا، أعتقد أن منحنى تطور العلاقات بين البلدين خلال إدارة آبي قد أصبح واضحاً.

الأمل الوحيد لرئيس الوزراء سوغا

 من الواضح إذاً أن روسيا ليس لديها النية لإعادة الجزر.

في هذه الحالة ما الذي يجب أن تفعله اليابان إذاً؟ هل يجب عليها أن تحاول مجدداً؟ ربما البعض يفكر ”إذا كان الأمر مستحيلاً فلماذا لا نقوم بقطع العلاقات؟“.

أنا أيضاً أفكر أحياناً في نفس الشيء، فربما يكون قطع العلاقات هو التصرف السليم في الظروف العادية، لكن الأمر ليس كذلك الأن كما يعرف الكثير من الناس. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، اقتربت الصين من روسيا وكوريا الجنوبية لتشكيل جبهة موحدة ضد اليابان. في الوقت نفسه، أنكرت الصين سيادة اليابان ليس فقط على جزر سينكاكو، ولكن على جزيرة أوكيناوا أيضًا. مما يعني أن اليابان الأن تواجه تهديد واضحاً من الجانب الصيني.

استجابة لهذا التطور، تحركت إدارة آبي بسرعة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الجنوبية. ففي أبريل/ نيسان، 2015 ألقى آبي خطاب ”تحالف الأمل“ أمام الكونجرس الأمريكي مما كان له أثر كبير في زيادة تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015 تحسنت العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية أيضًا ولو بشكل مؤقت بعد الاتفاق حول قضية ”نساء المتعة“. كما عمل آبي على تحسين العلاقات مع روسيا هي الاخرى من أجل مواجهة التهديد الصيني.

عندما زار بوتين اليابان، أعربت الصين عن قلقها تجاه العلاقات الدافئة بين موسكو وطوكيو. فنجد وكالة أنباء شينخوا التي تديرها الدولة الصينية تذكر في إحدى افتتاحيتها أن رئيس الوزراء آبي يسعى لتحسين العلاقات مع روسيا من أجل تقويد الدور الصيني في المنطقة، لكنها في نفس الوقت وصفت العلاقة بين الصين وروسيا بأنها قوية للغاية بحيث لا يمكن زعزعتها. وعلى الرغم من أن الحكومة اليابانية لم تشر إلى أن القمة لها أي علاقة بمعارضة الصين، إلا أن بكين لديها حساسية مفرطة تجاه المخاطر الاستراتيجية، لذلك فهي متخوفة دائماً من توثيق العلاقات بين اليابان وروسيا.

أهمية التعاون الدولي

فعلى الرغم من أن بوتين لا ينوي إعادة الأقاليم الشمالية، إلا أن الموقف المناسب لليابان الآن هو تعزيز العلاقات مع روسيا لمواجهة الصين، ولكن كيف يمكن لليابان أن تفعل ذلك؟.

للإجابة على هذا السؤال، ننظر إلى المبدأ الثاني المذكور أعلاه والذي يقول إن التركيز على الأرباح الاقتصادية سوف يحسن العلاقات بين اليابان وروسيا. لذلك يجب على رئيس الوزراء سوغا إحراز تقدم في خطة التعاون التي اقترحها رئيس الوزراء السابق على روسيا في عام 2016، حتى ولو ببطء.

ربما لا يزال هناك من يجد أنه من المقيت التحالف مع روسيا، لكن دراسة الوضع التاريخي سوف تساعد هؤلاء الناس في العدول عن رأيهم. فبالنظر إلى ما قاله إدوارد لوتواك، أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين في العالم في كتابه ”صعود الصين مقابل المنطق الاستراتيجي“ حيث يذكر أن العلاقة مع روسيا لها أهمية قصوى من أجل ضمان بقاء اليابان. بطبيعة الحال فإن تصميم الحكومة اليابانية ودعم الولايات المتحدة لها هما أهم الموارد التي تمتلكها اليابان، ولكن إضافة إلى ذلك فإن العلاقات الوثيقة مع روسيا تعد نقطة أساسية، ويمكن في الواقع أن تكون عاملاً حاسماً.

من الناحية العاطفية، يمكنني أن أتفهم الكراهية للسلطة التي تحكم الأقاليم الشمالية. ولكن من أجل منع الصين من المطالبة بجزر سينكاكو وحتى أوكيناوا، أجد أنه من الضروري أن تتعاون اليابان مع روسيا.

(النص الأًصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء شينزو آبي في اجتماع القمة اليابانية الروسية الذي عقد في ديسمبر/ كانون الأول 2016 في ناغاتو، محافظة ياماغوتشي. حقوق الصورة لوكالة كيودو)

العلاقات الخارجية العلاقات الروسية اليابانية الحكومة اليابانية