الاقتصاد الياباني في عام 2023: التعافي التدريجي نحو المسار الصحيح وقوة الطلب المحلي

اقتصاد

لم تنته بعد جائحة فيروس كورونا، لكن القيود المفروضة على تحركات الناس لم تعد قائمة، وعادت المجتمعات إلى طبيعتها. يشير في هذه المقالة الخبير الاقتصادي تاكوموري أكييوشي إلى تأثير ذلك على حركة السياحة والترفيه والمجالات الاستهلاكية الأخرى، جنبًا إلى جنب مع استثمار الشركات في تكنولوجيا المعلومات، كعوامل وراء التعافي الاقتصادي المتدرج والدائم المتوقع.

الطلب الداخلي يعيد تنشيط الاقتصاد

نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليابان بشكل متقطع وبدأ بشكل تصاعدي في عام 2022 متأثرًا جزئيًا بآثار جائحة فيروس كورونا. وقد سجل نموًا سلبيًا في ربع السنة من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار ويوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول، لكنه ارتفع بمعدل سنوي قدره 4.5٪ مقارنة بالربع السابق في أبريل/ نيسان – يونيو/ حزيران. وعلى الرغم من المخاوف بشأن الموجة الثامنة من الوباء، إلا أنه من غير المتوقع وجود قيود على الحركة كما كان الوضع في السابق، ويشير الطلب على السياحة الداخلية والتدابير الوطنية لدعم السياحة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سيحقق نموًا إيجابيًا في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول إلى ديسمبر/ كانون الأول.

وفي تقرير تانكَن الصادر عن بنك اليابان لشهر ديسمبر/ كانون الأول (المسح الاقتصادي قصير الأجل للشركات)، انخفض مؤشر ثقة كبار المصنعين لظروف العمل بمقدار نقطة واحدة من سبتمبر/ أيلول إلى موجب 7. وكان هذا هو الانخفاض الفصلي الرابع على التوالي، نتيجة ارتفاع التكاليف الناتج عن ارتفاع تكاليف المواد الخام وانخفاض قيمة الين.

مؤشر تانكَن لتقييم أوضاع العمل الصادر عن بنك اليابان للشركات الكبرى

وفي الوقت نفسه، زاد مؤشر تقييم أوضاع العمل لكبار الشركات غير المُصنعة بمقدار 5 نقاط من سبتمبر/ أيلول إلى موجب 19 في ديسمبر/ تشرين الأول، وهو رقم قياسي منذ موجب 20 المسجل في ديسمبر/ كانون الأول 2019 قبل انتشار جائحة فيروس كورونا. وذلك بدعم من الطلب الداخلي وتدابير دعم السياحة، المتمثلة في قطاعات كالإقامة وخدمات المأكولات والمشروبات التي تم تحسينها.

وارتفع مؤشر تقييم أوضاع العمل لجميع المؤسسات والصناعات لثلاثة أرباع متتالية من 0 في مارس/ آذار إلى موجب 2 في يونيو/ حزيران، و موجب 3 في سبتمبر/ أيلول، و موجب 6 في ديسمبر/ كانون الأول. وعلى الرغم من تدهور ظروف العمل للربع الرابع على التوالي بالنسبة لكبار الشركات المُصنعة في ديسمبر/ كانون الأول، إلا أن الأوضاع تأخذ منحنى تصاعدي بالنسبة للفئات الأخرى، الأمر الذي يشير إلى تحسن تدريجي واسع النطاق.

هل سيؤدي نقص العمالة إلى ارتفاع الأجور؟

كانت التوقعات بخصوص أوضاع العمل تشير إلى الزيادة بموجب 1 لجميع الصناعات. حيث تحافظ الشركات على مواقفها الحذرة بسبب العديد من الشكوك حول الاقتصاد العالمي، مثل اتجاهه المستقبلي، واتجاهات التضخم، والسياسات النقدية للبنوك المركزية الأمريكية والأوروبية، واتجاه أسواق العملات، ووضع الجائحة.

وبالنسبة لتقييم أوضاع العمالة كان المؤشر يشير إلى (نقص مفرط وغير كافي)، حيث ازداد الشعور بأن أوضاع التوظيف كانت غير كافية في ديسمبر/ كانون الأول. وكانت التقييمات عبارة عن أرقام سلبية مزدوجة لجميع المجموعات الفئوية، سواء كانت مُصنّعة أو غير مُصنّعة أو شركات كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، وكان هامش التغيير مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول سلبيًا أيضًا لجميع الفئات. ومؤشر تقييم أوضاع التوظيف هو أيضًا سلبي بشكل تصاعدي، مع هامش للتغيير مقارنة بشهر ديسمبر/ كانون الأول الذي كان سلبيًا لجميع المجموعات الفئوية، مما يشير إلى زيادة في الشعور بأن بيئة العمل غير كافية. وسنرى ما إذا كان شعور الشركات تجاه ظروف العمل سيؤدي إلى ارتفاع الأجور أم لا.

الاستهلاك واستثمارات التحولات الرقمية لتمكين النمو المستمر

ينشر المركز الياباني للبحوث الاقتصادية التوقعات الشهرية التي تحدد متوسط تنبؤات حوالي 40 اقتصاديًا من القطاع الخاص. وتظهر المراجعات على مدار الـ 18 عامًا الماضية لهذه التوقعات أن متوسط عينة الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع نادرًا ما تكون بعيدة عن الواقع، الأمر الذي يجعله تقريرًا موثوقًا به للغاية.

المؤشر المُجمع لأوضاع العمل بناء على التوقعات الشهرية للمركز الياباني للبحوث الاقتصادية.

وفي توقعات ديسمبر/ كانون الأول، من المتصور أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط 1,07٪ في السنة المالية 2023. وبعد التراجع بنسبة 4,1٪ في السنة المالية 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا، تحول الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى زيادة قدرها 2,5٪ في السنة المالية 2021 ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 1,65٪ في السنة المالية 2022. وبالتالي ، فإن زيادة الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2023 ستمثل ثلاث سنوات متتالية من النمو.

ومتأثرًا بتشديد السياسة النقدية، فمن المتوقع أن يتباطأ متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 0,52٪ في عام 2023 في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، وفي الوقت الذي من المتوقع فيه أن يساهم الطلب الخارجي بنسبة سالب 0,1٪ في الناتج المحلي الإجمالي لليابان، فإن طلب القطاع الخاص سيساهم بنسبة 1,0٪، ومن المتوقع أن تبلغ مساهمة الطلب المحلي ككل متوسط 1,2٪. وتشير التنبؤات إلى أن الاستهلاك الشخصي سيكون قويًا حيث أن الطلب المكبوت جراء جائحة فيروس كورونا سيعزز من نفقات السياحة والترفيه. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ينمو الإنفاق الرأسمالي الذي تم تأجيله بسبب ضبابية المستقبل، مع التركيز على التحول الرقمي، أو الاستثمارات الرقمية للتكيف مع متطلبات العصر الجديد.

ويبلغ متوسط التوقعات للأسعار الاستهلاكية (جميع المنتجات باستثناء الأطعمة الطازجة) 2.76٪ للسنة المالية 2022. وبعد بلوغ الذروة عند 3.61٪ في أكتوبر/ تشرين الأول – ديسمبر/ كانون الأول 2022، فمن المتوقع أن تتباطأ الزيادة في الأسعار إلى 1.73٪ في المتوسط في السنة المالية 2023.

خطورة تباطؤ الاقتصاد الأمريكي

يُصدر المركز الياباني للبحوث الاقتصادية أيضًا عددًا من التنبؤات الشهرية الخاصة. ففي الأشهر الفردية منذ سبتمبر/ أيلول 2020، طلب المركز من الاقتصاديين اختيار وتصنيف ثلاثة مخاطر على الاقتصاد الياباني. وقد جاء أولًا في ترتيب المخاطر لتوقعات سبتمبر/ أيلول 2021 وضع جائحة فيروس كورونا. وبدءًا من توقعات نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تم استبدال مخاطر المركز الأول واحدة تلو الأخرى في التنبؤات المتتالية. ومع ذلك، مع توقعات نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، جاء تدهور الاقتصاد الأمريكي في المرتبة الأولى للتنبؤ الثالث على التوالي. حيث تدفع الزيادات الكبيرة والمتكررة لأسعار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي الاقتصاديين إلى توقع دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود في النصف الأول من عام 2023 أو أن يتباطأ إلى حد كبير. وحل تدهور الاقتصاد الصيني في المرتبة الثانية لتوقعات نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وتضمنت التوقعات الشهرية لشهر ديسمبر/ كانون الأول مؤشر انتشار مُركب حول أوضاع العمل معبراً عن إجماع آراء المتنبئين الاقتصاديين. واتجه هذا المؤشر في الغالب إلى السبعينيات في الأرباع المتعاقبة من السنة المالية 2023، وهو أعلى بكثير من 50، وهو الخط الفاصل بين الاقتصاد الآخذ في التوسع والانكماش. ويبدو أن الرأي التوافقي للمتنبئين هو أن التوسع سيستمر.

وعند سؤالهم عما إذا كانت نقطة التحول (الذروة) التي تلي التدهور الاقتصادي الذي حل في مايو/ أيار 2020 قد مرت بالفعل أم لا، أجاب جميع الاقتصاديين بأنها لم تمر بعد. حيث بلغ احتمال وصول الذروة خلال العام المقبل 37.6٪ في المتوسط. الأمر الذي يشير إلى أن معظم الاقتصاديين يتوقعون انتعاشًا على فترات مطولة نسبيًا.

مستقبل ينطلق من التحديات الإيجابية

كان كانجي العام الذي تم اختياره من خلال التصويت على مستوى البلاد لعام 2022 هو المقطع (戦) الذي ينطق (سن، إيكوسا، تاتاكاو)، والذي يعني المعركة والكفاح والحرب. ويميل كانجي العام إلى عكس الجوانب الساطعة والمظلمة للظروف الاقتصادية التي مر بها ذلك العام. ففي جانبها المظلم، يعد مقطع الكانجي جزءًا من كلمة (حرب)، الأمر الذي يذكرنا بغزو روسيا لأوكرانيا. ويمكن أن يشير أيضًا إلى الكفاح من أجل مواجهة الارتفاع الناتج عن أسعار الطاقة والحبوب مما أدى إلى ارتفاع التضخم وكذلك الكفاح من أجل التصدي لجائحة فيروس كورونا.

ويرتبط مقطع الكانجي أيضًا بالمعاني الإيجابية، حيث يتم استخدامه في كلمات مثل (نيسّين)، الأمر الذي يذكرنا ”بالمباريات حامية الوطيس“ لكأس العالم لكرة القدم ودورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. وكذلك في كلمة (تشوسين) أي (التحدي)، التي تذكرنا بالأرقام المسجلة في البيسبول التي حققها كلًا من (أوتاني شوهي) و (موراكامي مونيتاكى). وكلها أمثلة لشخصيات تحفز الناس وتدفعهم للأمام، وتحرك مشاعرهم، وتكون بمثابة عامل إيجابي للاقتصاد.

موري سيهان، الكاهن الأكبر في معبد كيوميزوديرا، يكتب مقطع الكانجي (سين) باعتباره كانجي العام لسنة 2022 في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول في المعبد بمدينة كيوتو. جيجي برس.
موري سيهان، الكاهن الأكبر في معبد كيوميزوديرا، يكتب مقطع الكانجي (سين) باعتباره كانجي العام لسنة 2022 في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول في المعبد بمدينة كيوتو. جيجي برس.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة الموضوع من بيكساتا)

العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية الحكومة اليابانية