ضخ دماء شابة جديدة في المجتمعات المحلية التي تعاني من الشيخوخة في اليابان

مجتمع

يبدو أن البرنامج التعاوني لتنشيط المجتمعات المحلية الذي أطلقته الحكومة اليابانية قبل 13 عامًا من الآن بهدف تنشيط المجتمعات المحلية قد بدأ يجني ثماره. البرنامج عبارة عن حزمة من الحوافز والمساعدات التي تقدمها الحكومة لتشجيع الشباب على الانتقال من المدن الكبرى إلى المناطق الريفية، من أجل مواجهة النقص الحاد في الموارد البشرية المتمثلة في الشباب القادرين على العمل في تلك المناطق التي تشهد زيادة كبيرة في عدد المعمرين.

زيادة أعداد المعمرين في الأقاليم

في السنوات الأخيرة، كثفت وسائل الأعلام اليابانية من التلفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية تركيزها على إبراز مميزات الحياة خارج المدن الكبرى، مما شجع العديد من الشباب على التفكير بجدية في الانتقال بعيدًا عن المراكز الحضرية المزدحمة، وبدء حياة جديدة في المجتمعات الريفية داخل اليابان.

بدعم مالي من وزارة الشؤون الداخلية، تبنت الحكومة اليابانية برنامجاً من أجل تشجيع الهجرة الداخلية العكسية من المدن إلى الأرياف، حيث تقبل الحكومات المحلية المهاجرين بوصفهم ”متطوعين للعمل في البرنامج التعاوني لتنشيط المجتمعات المحلية“. إنها مبادرة لتشجيع الانتقال إلى المناطق الريفية والاستقرار هناك لمدة تتراوح بين سنة إلى 3 سنوات، ينخرط خلالها المشاركون في مشاريع التنشيط الإقليمية مثل تنشيط السياحة والهجرة، والزراعة والغابات، ومصايد الأسماك، واحياء التراث الثقافي. يحصل المشتركون خلال هذه المدة على دخل شهري ثابت في صورة دعم مقدم من الحكومة. وتعتمد فكرة البرنامج على أن المشتركون قد يقررون الاستقرار في هذه المناطق بشكل دائم بعدما يكونوا قد ألفوا الحياة الجديدة واستطاعوا تأمين مصدر رزق ثابت.

وتختلف قيمة الدعم المقدم لكل شخص باختلاف المنطقة التي قرر الانتقال إليها، وقد يصل في بعض المناطق إلى 4.8 مليون ين سنوياً لكل فرد، على أن يتم تمويل هذه المبالغ من ضرائب التوزيع الإقليمية الخاصة. وللحصول على هذا الدعم يشترط البرنامج أن ينقل المشاركون عنوانهم الرسمي وسجلهم السكني ”جومينهيو“ إلى المنطقة الجديدة، وأن يقوموا بالإعلان عن أنشطتهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.

بدأ المشروع في السنة المالية 2009 ”أبريل/ نيسان 2009 إلى مارس أذار 2010“، واجتذب 89 مشاركًا خلال عامه الأول. أرتفع هذا الرقم ليصل إلى 257 مشارك خلال السنة المالية التالية، وذلك قبل أن يرتفع بنسبة 30٪ و 50٪ على التوالي في سنتيه الرابعة والخامسة. وفي السنة المالية 2021 ارتفع العدد بمقدار 455 مشترك عن العام السابق ليصل إلى 6015 مشارك. جدير بالذكر أن 70٪ من المشتركين في العشرينات والثلاثينات من العمر، وحوالي 40٪ منهم من النساء.

رسم بياني يوضح زيادة اعداد المشتركين في البرنامج

تشير البيانات إلى أنه بنهاية السنة المالية 2021، وصل عدد الأشخاص الذين قرروا الاستقرار في الأماكن التي انتقلوا إليها إلى 5281 شخص من أصل 8082 مشترك أكملوا البرنامج ”65٪“، حيث أنخرط الكثير منهم في الأعمال التجارية التقليدية، بما في ذلك تخمير الساكي، وصنع ورق الواشي ”نوع من الورق يتم صناعته على الطريقة اليابانية التقليدية باستخدام الألياف المحلية“، وإدارة أماكن الإقامة، وبيع صلصة فول الصويا بالجملة. ومن الجدير بالذكر أن هذا العدد يشمل 140 شخص من الرعايا الأجانب، بما في ذلك أشخاص من جنوب إفريقيا والصين والمجر وكوستاريكا، جميعهم يعملون بطرق مبتكرة لإبراز إمكانيات المناطق اليابانية الريفية، وضمان مستقبل جديد وأكثر إشراقًا لهذه المجتمعات المهمشة.

رسم بياني يوضح الوجهة التالية للأفراد الذين أنهوا مدة البرنامج حتى عام 2021

يعلق السيد شيكاوا شينوبو المسؤول الحكومي صاحب فكرة البرنامج: ”قيم الشباب أكثر تنوعًا هذه الأيام“. شغل شيكاوا سابقًا منصب مدير مكتب المالية العامة المحلي في وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات ”إم أي سي“، ويرأس الآن المركز الياباني للتنمية الإقليمية. خلال الفترة التي قضاها في إم أي سي، طُلب من شيكاوا اقتراح سياسة من شأنها أن تجلب طاقة جديدة إلى المجتمعات الريفية في اليابان. اختمرت فكرة البرنامج بشكله الحالي في ذهن شيكاوا بعد سلسلة من المقابلات مع خبراء في الوزارات والوكالات الحكومية ذات الصلة، والأشخاص الذين عملوا في الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، أو الذين عملوا كمتطوعين فيها. تعتمد فكرة البرنامج على استخدام ضريبة التخصيص المحلية الخاصة في إقامة العديد من الأنشطة عبر سنوات مالية متعددة، على عكس إطار العمل السنوي الذي سيكون ممكنًا فقط من خلال المنح المباشرة من الحكومة.

يشعر شيكاوا أن الشباب الآن مستعدون لتغيير نمط حياتهم أسرع مما كان عليه الحال في السابق. ”تشهد اليابان نمواً اقتصادياً منخفضاً لأكثر من عشرين عامًا متتالياً حتى الآن، نشأ خلالها جيل جديد لا يعرف النمو الاقتصادي السريع، لذلك ليس من المستغرب أن العديد منهم منفتحون على فكرة بدء حياة جديدة“.

هذا الاتجاه له تأثير إيجابي كبير على المجتمعات الإقليمية، كما يعمل على خلق حياة جديدة- بالمعنى الحرفي في بعض الأحيان- في المناطق الريفية في اليابان. على سبيل المثال، في منطقة إيروكاوا في ناتشي كاتسورا على ساحل المحيط الهادئ بمحافظة واكاياما، أنجب زوجان شابان انتقلا إلى المنطقة مؤخرًا أول مولود في المنطقة منذ 38 عامًا. وفي تسوشيما بمحافظة ناغازاكي، انتقلت عالمة بيئة في العشرينيات من عمرها عملت سابقًا في جامعة توهوكو إلى قرية صغيرة يزيد عمر جميع سكانها عن 70 عامًا، حيث أسست شركة ناشئة تتعاون مع الجامعات، وتعمل على جذب المزيد من الشباب إلى هذه القرية، وهي الآن متزوجة ولديها أطفال، وتواصل العمل الجاد في أنشطة التنشيط الإقليمية.

من موظف في شركة إلى مزارع

في هذا المقال، تحدثت إلى اثنين من المشاركين الذين انتقلا إلى محافظة توتشيغي كمتطوعين في البرنامج.

تقع بلدة ماشيكو الصغيرة شمال طوكيو، على بعد حوالي ساعتين منها، وتشتهر بأسلوبها المحلي في صناعة الفخار. يعمل هاشيموتو ري البالغ من العمر 27 عامًا في هذه المدينة الريفية، وهو في الأصل من هوكايدو، وانتقل إلى توتشيغي لزراعة العنب. بعد دراسة الهندسة البشرية في الجامعة، انضم هاشيموتو إلى شركة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في طوكيو، لكنه وجد نفسه منجذبًا بشكل متزايد إلى الزراعة. كان يبحث عن فرصة جديدة عندما علم أن مزارعًا للعنب في محافظة توتشيغي كان يبحث عن شخص ما لمساعدته في أعمال المزرعة، وعلى الفور تقدم بطلب للالتحاق بهذا العمل. توجد اليوم حوالي 20 مزرعة في ماشيكو تزرع العنب والكمثرى والتفاح والعنب البري وفواكه أخرى. ما يقرب من 80 ٪ من اصحاب هذه المزارع ليس لديهم من يتولى المسؤولية بعد تقاعدهم عن العمل.

انضم هشيموتو إلى البرنامج في مايو/ أيار 2020، ومنذ ذلك الحين يعمل في مزرعة عنب مملوكة لشركة فوجيساوا ساتوكو التي تقوم برعاية أشجار عنب تتراوح أعمارها بين 25 إلى 40 عامًا. تنتج هذه الأشجار العديد من الأنواع عالية الجودة من العنب الفاخر.

تقول السيدة فوجيساوا ”التحق أبنائي بأعمال خارج المنطقة، ويبدو أنهم لن يتمكنوا من رعاية المزرعة من بعدي“. كانت هي وزوجها مزارعين بدوام جزئي، يزرعان العنب جنبًا إلى جنب مع العمل في بعض المصانع، وعندما مرض الزوج، ذهب إلى مكتب البلدية المحلي بنية التخلي عن المزرعة وإغلاق المحل التجاري التابع لها، لكن مسؤولي البلدة شعروا أن غلق المزرعة سيكون بمثابة خسارة كبيرة للقرية بأكملها، لذلك عملوا على مساعدة الزوجين في البحث عن شخص ما لمواصلة العمل، وفي اليوم التالي توفي الزوج بسبب مرضه.

تقول فوجيساوا والابتسامة ترتسم على وجهها الذي تملأوه التجاعيد ”يعتني هاشيموتو بكل شيء في المزرعة بنفسه، بما في ذلك تقليم الأشجار. إنه لأمر رائع أن يكون لديك شخص شاب ومؤهل للحفاظ على استمرارية المكان”.

هاشيموتو مع فوجيساوا ساتوكو داخل المتجر الملحق بالمزرعة.
هاشيموتو مع فوجيساوا ساتوكو داخل المتجر الملحق بالمزرعة.

العمل في مزرعة فوجيساوا ليس سهلا على الأطلاق. يستيقظ هاشيموتو قبل الخامسة كل صباح، وبحلول الساعة السادسة يتواجد في المزرعة لتفقد الأشجار. في السابعة والنصف يسلم العنب إلى سوق ميتشي نو إيكي الواقع على جانب الطريق الذي يبيع المنتجات المحلية والهدايا التذكارية، ليعود بعدها إلى المزرعة ويستمر في العمل حتى حوالي الخامسة مساءً. العمل لا ينقطع على مدار السنة، حتى أنه خلال موسم الحصاد ”من منتصف أغسطس/ آب حتى أوائل أكتوبر/ تشرين الأول“ لا يحصل هاشيموتو على اي يوم راحة. في الربيع يقوم بترقيق أشجار الكروم عن طريق اختيار البراعم الواعدة، وفي يونيو/ حزيران يعيد تقليم العنب المزهر للحفاظ على الكروم، وعندما تبرعم الأزهار يستخدم الهرمونات النباتية ”الجبرلين“ لضمان نمو العنب الناتج بدون بذور، وعندما يصل العنب إلى الحجم المطلوب يزيل أي ثمرة ضعيفة. تتطلب هذه العملية رفع الوجه إلى أعلى مع تحريك الرقبة يميناً ويساراً للبحث عن الثمار الأقل جودة. يقول هاشيموتو بابتسامة لا تخلو من الألم، إن تكرار العملية أكثر من 10 ألاف مرة يكفي لأصابتك بتشنجات شديدة في الرقبة.

تدرب هاشيموتو لمدة عام في كلية زراعية في أوتسونوميا عاصمة توتشيغي. ”عليك أن تفكر بنفسك في كل التفاصيل الصغيرة، بما في ذلك كيف وأين تستثمر أموالك. إنه شيء لا يمكنك تجربته في أي نوع آخر من الأعمال، ولأن القرية كلها مرتبطة بالمشروع، فإن الجميع مستعدون دائمًا للمساعدة“ بالطبع يتحمل هاشيموتو المسؤولية عن أي إخفاقات أو أضرار تلحق بمحاصيله، عليه أن يتخذ جميع القرارات المهمة بنفسه. يعترف قائلاً: ”قد يكون تعلم أي عمل جديد أمرًا مخيفًا، لكنني أستمتع حقًا بالحرية في اتخاذ قراراتي بنفسي. لن أستبدل هذا العمل بأي شيء أخر“.

في الوقت الحالي، يحصل هاشيموتو على راتب شهري من حكومة ماشيكو، لكن هذا الدخل المضمون سيتوقف في نهاية أبريل/ نيسان العام المقبل. بالطبع سيكون كسب ما يكفي من المال للعيش تحديًا كبيراً بالنسبة لهاشيموتو في مرحلة ما بعد انتهاء الدعم المالي المقدم من الحكومة. يقول هاشيموتو إنه حريص على الانتقال من شقته الحالية المدعومة إلى منزل ياباني تقليدي، حيث سيكون لديه مساحة أكبر للتخزين، لكنه يكافح للعثور على المكان مناسب.

الهدف الأول لـهاشيموتو هو كسب عيش آمن هنا عن طريق زراعة العنب. لديه خطط لتوسيع نطاق عمله، وتحويل العنب الأصغر إلى عصير، وزراعة فواكه أخرى بما في ذلك الكاكي والتين في أوقات مختلفة من العام. تلمع عيناه وهو يتحدث بحماس عن التحديات الجديدة التي ينبغي عليه مواجهتها في السنوات المقبلة.

من مروجة سياحية إلى صاحبة دار ضيافة

تقع مدينة ناسوشيوبارا التي تشتهر بمنتجعات الينابيع الحارة على بعد ما يزيد قليلاً عن ساعة واحدة من طوكيو شمالا، حيث تقع محطة كورويسو التي تفصلها محطة واحدة عن خط الشينكانسن.

يقع بيت الضيافة ماتينيه الذي تملكه السيدة تويودا أيانو البالغة من العمر 31 عامًا على بعد ثلاث دقائق فقط سيرًا على الأقدام من المحطة. تقول تويودا: ”تخصصت في علم الاجتماع في جامعة ريكيو، لذلك اعتدت على رؤية مقالات ومعلومات حول البرنامج. في سنتي الأخيرة في الجامعة، عندما لم يتبق شيء سوى كتابة بحث التخرج، قررت أن أتقدم بطلب للالتحاق بالبرنامج“. لماذا اختارت مدينة ناسوشيوبارا على وجه الخصوص؟ ”لقد فكرت في الخيارات الأخرى أيضًا، لكن هذه المدينة شعرت كما لو أنها تقع في الوسط بين الريف والحضر، كما أن خطوط المواصلات جيدة أيضًا. لقد أحببت هذا التوازن“.

تويودا تقف عند مدخل دار الضيافة للترحيب بالنزلاء.
تويودا تقف عند مدخل دار الضيافة للترحيب بالنزلاء.

يعد امتداد الطريق 369 لمحافظة توتشيغي الذي يؤدي من محطة كورويسو إلى ينابيع إيتامورو الدافئة موقعاً شهيراً لمشروع أرت 369 الذي جلب العديد من المواقع الفنية والمتاجر الجديدة الجذابة إلى المنطقة. تشمل عوامل الجذب الأخرى مساحة عرض تضم أعمال الفنانة المعاصرة الشهيرة نارا يوشيتومو والمعلم الشهير كافيه شوزو 1988 الذي تم بناؤه في منزل تقليدي تم تجديده مؤخراً، وهو يجتذب المعجبين من جميع أنحاء البلاد، كما يقع ايضاً متجر تسجيلات مملوك من قبل شخصية موسيقية بارزة في عالم موسيقى الشارع بي دي، والمعروف أيضًا باسم كيلا تيرنر. تقول تويودا إن كل هذا كان كفيلاً بجعلها تنجذب إلى المدينة. ثم تضيف: ”سمعت أن مرافق جديدة أخرى سيتم افتتاحها قريباً، وشعرت أنه المكان المناسب في الوقت المناسب“.

من أكتوبر/ تشرين الأول 2014 إلى سبتمبر/ أيلول 2017 عملت تويودا على تنمية الموارد السياحية للمدينة من خلال البرنامج التعاوني لتنشيط المجتمعات المحلية. خلال الفترة التي قضتها في البرنامج، قامت تويودا بدعوة مدوّنة فيديو خارجية للقيام بجولة في ناسوشيوبارا، كما أنشأت سلسلة من طوابع برنامج التواصل ”لاين“ للترويج للمدينة على شبكة التواصل الاجتماعي الشهيرة داخل اليابان. كما ساعدت ايضاً على إنشاء قسم لتنشيط السياحة داخل الحكومة المحلية للمدينة. قبل ثلاث سنوات تزوجت تويودا بشاب يعمل في شركة لتكنولوجيا المعلومات في طوكيو، واتفق الزوجان على نقل عنوان إقامتهما الرسمي إلى كورويسو، وهما الآن يقسمان وقتهما بين طوكيو ومحل إقامتهما الجديد.

خلال المرحلة الجامعية أخذت تويودا إجازة لمدة عام من دراستها، وذهبت في رحلة حول العالم. ”عندما ذهبت إلى إسرائيل أدركت كيف أن وجود دور الضيافة في جميع أنحاء البلاد يعطي الزائرين شعوراً بالأمان، وأن السكان المحليين يرحبون بهم. لقد كانت دور الضيافة التي شاهدتها هناك بمثابة أماكن للترويج الثقافي. وقتها شعرت أنني أرغب في إنشاء مكان مثل هذا بنفسي يومًا ما“.

 تويودا تستمتع بالنظر إلى المدينة من نافذة الطابق العلوي لدار الضيافة
تويودا تستمتع بالنظر إلى المدينة من نافذة الطابق العلوي لدار الضيافة.

كانت دار الضيافة مشروعًا شخصيًا عملت تويودا على تأسيسه خارج ساعات العمل الرسمية، لكنها غالبًا ما كانت تتحدث عن حلمها هذا لزملائها في مجلس المدينة. ساعدها العديد من الأشخاص في العثور على منزل فارغ، كما قدموا لها ضيوفًا محتملين. ساعدتها أنشطتها في البرنامج على الاتصال بمجموعة واسعة من الأشخاص، بما في ذلك مزارعي الألبان المحليين، والعديد من المزارعين الآخرين. ”خلال عملي في الترويج للمدينة ألتقيت بالعديد من الأشخاص، واستطعت تكوين شبكة علاقات قوية“.

 المطبخ المشترك في الطابق الثاني لبيت الضيافة.
المطبخ المشترك في الطابق الثاني لبيت الضيافة.

الطابق الأول من دار الضيافة عبارة عن مساحة لعرض أعمالًا من أنتاج مشروع أرت 369. أما الطابق الثاني فيحتوي على غرفة كبيرة من حصير التاتامي، ومطبخ مشترك حيث يمكن للضيوف التجمع وتبادل الحوار. وفي الطابق الثالث توجد غرفتان إضافيتان من حصير التاتامي. استمتعت تويودا باتباع نهج دي اي واي ”طريقة بناء، وتعديل، وإصلاح الأشياء بدون مساعدة مباشرة من الخبراء والمحترفين“ في مهمة تجديد العمارة اليابانية التقليدية لبيت الضيافة، بما في ذلك الألواح الخشبية المنحوتة، والأبواب المنزلقة، وحصير التاتامي، والفوتون، لكي تتناسب مع الأذواق المعاصرة. كثيراً ما تتلقى تويودا حجوزات من أطقم تصوير الأفلام، وكذلك المشاركين في المعسكرات الجامعية.

تعتبر لوحات رانما أهم ما يميز غرف التاتامي في الطابق الثالث.
تعتبر لوحات رانما أهم ما يميز غرف التاتامي في الطابق الثالث.

بالإضافة إلى إدارة دار الضيافة، تعمل تويودا أيضًا كمساعد استشاري وكمعلم منزلي. تقول: ”أريد أن يكون بيت الضيافة هو المصدر الرئيسي لدخلي، لكني أحب الجمع بين الوظائف المختلفة. طموحي هو بناء حياتي الخاصة التي تتوافق مع اهتماماتي وشخصيتي، ومشاركة تجاربي مع الآخرين“.

بوادر ثورة هادئة داخل المجتمع الياباني

يقول المسؤول السابق بوزارة الشؤون الداخلية السيد شيكاوا إن الهدف من برنامج التنشيط المحلي ليس بالضرورة أن يستقر المشاركون بشكل دائم في منطقة ما. ”بالطبع من الرائع أن يستقر المشاركون في البرنامج في المناطق التي اختاروها، لكن هذا ليس ضروريًا لنجاح البرنامج. الفكرة هي أن يحاول الناس العيش في مكان مختلف لبضع سنوات، وأن يطوروا علاقة ما بهذا المكان، وأن يستمروا بعد ذلك في دعم هذا المجتمع حتى ولو بصفتهم ”معجبين“. إذا نجحنا في هذا الأمر فهذا يعني أننا استطعنا الوصول إلى الهدف“. وبالطبع فإن التعرف على توقعات المشتركين وأهدافهم قبل الانضمام إلى البرنامج، يساعد كثيراً على تجنب الوقوع في خيبة الأمل من جانب كلا الطرفين.

تعاني معظم المناطق الريفية في اليابان من نقص في العمالة في كل المجالات تقريبًا. ”يميل الناس في المدن الكبرى إلى عدم التفكير في العالم خارج الحياة التي يعرفونها. إنهم يميلون إلى الاعتقاد، بشكل خاطئ تمامًا إلى أنه لا يوجد شيء لا يمكن للمال أن يشتريه“. عاش شيكاوا بنفسه الحياة خارج المدينة خلال فترة عمله في الوزارة في محافظتي شيماني وميازاكي. ”عندما تعيش طوال حياتك في المدينة يصعب عليك ملاحظة أن كل الموارد الضرورية لبناء المجتمع- مثل الماء والغذاء وحتى الموارد البشرية- كلها تبدأ من الريف“ ينظر شيكاوا إلى المستقبل بتخوف شديد ”ما لم نحمي مجتمعاتنا الريفية، فلن يكون هناك مستقبل لليابان.“

”عندما يغادر الناس القرى التي نشأوا فيها وينتقلوا إلى المدن الكبيرة، فإن أطفالهم وأحفادهم يكبرون في هذه المدن، وفي غضون ثلاثة أجيال على الأكثر سوف ينقطع الاتصال بين الجيل الجديد والقرى التي نشأ فيها أسلافهم، حيث لم يعد لديهم أي أجداد أو أقارب آخرين يعيشون هناك. مازال الانتقال من المدينة إلى الريف يعد أمراً غير مألوفاً، ويتطلب بالطبع شجاعة كبيرة لتنفيذه. إنه ينطوي على عدم اليقين والكثير من المخاوف’ وهنا يأتي دور البرنامج التعاوني لتنشيط المجتمعات المحلية، حيث يساعد البرنامج الأشخاص المترددون في اتخاذ هذه الخطوة من خلال توفير دخل مضمون لهم لمدة ثلاث سنوات، كما يشجعهم من خلال تقديم المشورة والمساعدة في إيجاد العمل والسكن“.

يوماً بعد يوم يزداد عدد الاشخاص الراغبين في الاشتراك في البرنامج، مفتونين بفكرة تجربة جانب مختلف تمامًا من الحياة، وإمكانية الانتقال إلى الريف والعثور على عمل أكثر إبداعًا وذو مغزى. يعتقد شيكاوا أن نوعًا من التفاعل الكيميائي يحدث عندما يصبح الوافدون جزءًا من المجتمع المحلي، وتحوز أعمالهم على اهتمام السكان المحليين. يلقي هؤلاء المشاركون في البرنامج ضوءًا جديدًا على الموارد والأصول الموجودة في المجتمعات المحلية. ربما نشهد أولى بوادر ثورة هادئة داخل المجتمع الياباني.

(النص الاصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: هاشيموتو ري على اليسار، وتويودا أيانو على اليمين. كنداما دنماركية خشبية فوف المكتب، تركها أحد ضيوف الدار التي أنشأتها تويودا. جميع الصور من ساوانو شين ايتشيرو)

المجتمع المسن المجتمع الياباني شيخوخة المجتمع