اليابان توثق أصعب 7 أيام في تاريخها على الإطلاق!

فن

تسبب الزلزال المدمر، الذي بلغت قوته 9 درجات، والذي ضرب الساحل الشرقي لليابان في 11 من شهر مارس/ آذار عام 2011، وما أعقبه من موجات تسونامي غير مسبوقة إلى قطع إمدادات الكهرباء الرئيسية عن محطة الطاقة النووية فوكوشيما دايئتشي، التي تديرها شركة تيبكو للكهرباء، وأصبح من المستحيل السيطرة على درجة الحرارة داخل مفاعلاتها الأربعة نتيجة لتعطل المبردات داخل المفاعلات. مسلسل ”الأيام“، هو مسلسل قصير من ثماني حلقات يُعرض حصريًا على منصة ”نتفليكس“، تدور أحداث المسلسل في غضون أسبوع في أعقاب الكارثة التي هزت اليابان والعالم.

ذكريات مرعبة!

وجب التنويه في البداية أنه يجب ألا تجبر نفسك على مشاهدة مسلسل ”الأيام“ إذا كان يجعلك تشعر بالسوء ويعيد لك ذكريات القلق والرعب والأيام القاسية التي تبعت هذه الكارثة في ذلك الوقت. فقبل كل شيء، راحة البال هي الأهم. ومع ذلك، بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في معرفة المزيد عن هذه الحادثة، سيكون هذا المسلسل فرصة مثالية للتعرف على أحد جوانبها، خاصة مع مشاركة بعض من أفضل الممثلين في اليابان لإعادة إحياء تلك الأيام العصيبة في تاريخ البلاد والعالم.

يتم سرد القصة من ثلاث وجهات نظر مختلفة، هي وجهة نظر محطة الطاقة النووية (فوكوشيما دايئتشي) التي وقعت بها الأحداث، والمقر الرئيسي لشركة طوكيو للطاقة والكهرباء، والحكومة الوطنية. يلعب الممثل المخضرم ياكوشو كوجي، الذي فاز مؤخرًا بجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان السينمائي الدولي عن دوره في فيلم ”بيرفيكت دايز“، دور يوشيدا ماساو مدير محطة الطاقة النووية والشخصية المحورية في المسلسل. وإلى جانب ياكوشو، يضم العمل مجموعة من كبار الممثلين الموهوبين من بينهم تاكينوؤتشي يوتاكو وأوتو تاكوما وكوباياشي كاؤرو في أدوار عمال محطة فوكوشيما، والممثل كوهيناتا فوميؤ في دور رئيس الوزراء، بجانب ميتسويشي كين، نائبًا لرئيس الشركة. وقد جذب مسلسل ’الأيام‘ انتباه الكثيرين كونه يحمل بصمة مخرج أفلام الرعب الشهير ناكاتا هيديؤ مع المخرج ماساكي نيشويرا.

اعتمد صناع مسلسل ”الأيام“، على عبقرية إبطاء الإيقاع والتطويل في سرد الأحداث، كي يستشعر المشاهد التفاصيل الدقيقة والتعقيدات التي عاشها عمال محطة فوكوشيما ذلك اليوم، ولهذا بدا الزمن ثقيلًا على الرغم من تسارع الأحداث الجنونية من حولهم. وذلك ما صوره ببراعة المخرج العبقري ناكاتا، في المشاهد الثقيلة ما بعد موجات التسونامي وتوقف كل المولدات وانقطاع الكهرباء ولحظات الارتباك والرعب لموظفي المحطة، فلا أحد يعرف ما يحدث. تحكي الحلقات الثلاث الأولى من المسلسل تفاصيل يوم الحادثة الطويل جدًا. من الحلقة الرابعة، تتضح خطورة الموقف، وتكشف الحلقة عن الفرقة البطولية التي سميت ”بالفرقة الفدائية“ من عمال وموظفي المحطة الذين يواجهون هذا الموقف الصعب ويسعون لاحتواء هذه الكارثة.

 مشهد درامي من مسلسل ”الأيام“ (© نتفليكس)
مشهد درامي من مسلسل ”الأيام“ (© نتفليكس)

وفي نفس الوقت، تظهر الحلقات عدم كفاءة كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة تيبكو، المكلفون بإدارة الأزمة، وتستعرض مدى جهلهم بالمعلومات التقنية ورفضهم الاستعانة بأي مساعدة خارجية، بجانب اتصالاتهم الملحة بيوشيدا للاستفسار عن كل شيء لدرجة أن يوشيدا يطالبهم بعدم التدخل والإزعاج. يظهر المسؤولون الحكوميون طوال المسلسل في حالة هستيرية لعدم قدرتهم على الحصول على معلومات دقيقة من شركة الكهرباء، ورئيس الوزراء المنزعج الذي لا يستطيع إخفاء غضبه.

الأمور تسير من سيء إلى أسوأ. تذكرنا صور انفجارات غاز الهيدروجين الذا تراكم داخل المفاعل بالخوف من ”النشاط الإشعاعي“ الذي شعر به كل الناس في اليابان، وخاصة الأماكن القريبة من محطة فوكوشيما. يظهر مسلسل ”الأيام“ وصول قوات الدفاع الذاتي اليابانية، ومحاولة ضخ المياه عن طريق شاحنات ضخ إسمنتية عملاقة تسمى ”كيرين“ لتبريد المفاعلات حتى لا تنفجر وتتسبب في كارثة رهيبة، والمحادثات المكثفة التي أجراها المسؤولون اليابانيون مع نظرائهم الأمريكيين، ويبين كيف كان رد فعل الجهات الفاعلة المختلفة على الكارثة. ربما ستلاحظ أن الكثير من أحداث المسلسل تقع في الظلام الدامس بسبب انقطاع الكهرباء فبات من الصعب تحديد اليوم، أو حتى ما إذا كان نهارًا أم ليلاً. في النهاية، كنا محظوظين بما يكفي لتفادي أسوء كوابيس الخوف التي قد تحدث، ثم تنتهي سلسة الحلقات برسالة مفادها أننا سنواصل السير في تلك المسارات المليئة بالصعاب حتى تتم السيطرة على الكارثة في موعد في المستقبل غير المعلوم.

يتمتع مدير محطة الطاقة، يوشيدا ماساو، بحضور خاص في ”الأيام“، وهو الشخصية الوحيدة في المسلسل التي تحمل اسم الشخصية الحقيقية في تلك الأحداث. تم تغيير أسماء جميع الموظفين الآخرين في شركة الكهرباء وأسماء السياسيين. وربما يتساءل الجميع عن السبب الذي دفع المؤلف لفعل ذلك. بينما يقول صناع عمل المسلسل، أنهم حاولوا قدر الإمكان تجنب إضفاء طابع رومانسي على القصة أو محاولة تجميلها وتحويلها إلى قصة بطولية، فالسلسلة تظهر في النهاية كقصة عن شركة تيبكو (أعيدت تسميتها إلى تويبكو في المسلسل). ونلاحظ أن طريقة إظهارهم لشخصيات المسؤولين الحكوميين والمديرين التنفيذيين للشركة بهذا الشكل، جعلت شخصية يوشيدا تبرز بشكل كبير، وتم تصوير عمال محطة الطاقة أيضًا بطريقة نوعًا ما عاطفية.

(© نتفليكس)
(© نتفليكس)

لم يقم المخرج بالتركيز على الشخصيات وإظهار حياتهم العائلية فلم يظهر في الحلقات أفرادًا من السكان المحليين أورجال الإطفاء، باستثناء عائلة عامل في المحطة في العشرينيات من عمره اختفى بعد بداية الأحداث بوقت قليل. تم تجسيد أفراد العائلة من قبل ممثلين بارزين مثل إندو كينئيتش، إيشيدا يوريكو. فور وقوع الزلزال، ذهب العامل المسكين لفحص المحطة، لكنه لقى مصرعه بسبب أمواج التسونامي التي ضربت المحطة، فبالمعنى الدقيق للكلمة، لا يمكن القول إنه من ضحايا الكارثة النووية. مما لا شك فيه أن كارثة التسونامي حصدت العديد من الضحايا، ولكن مسلسل ”الأيام“ لم يتطرق لهذه القضية، بل ركز على هذا الموظف المفقود، مما يعطي انطباع أكبر بأنه قصة عن شركة تيبكو.

(© نتفليكس)
(© نتفليكس)

يساءل المرء، ألم يستعد هؤلاء، لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في مثل هذه الكوارث؟ الحقيقة أن شركة الكهرباء لم تعقد من قبل أي عمليات محاكاة يمكن من خلالها التنبؤ بأسوأ المواقف الناجمة عن تلك الكوارث الخطيرة والاستعداد لها، كما تفتقر للوعي بالحاجة إلى إرسال إمدادات بشرية أو مادية إلى موقع الكارثة. لماذا لم يرسل المقر الرئيسي لشركة تيبكو تعزيزات إلى موقع الحادث؟ أن التفاني الواضح لعمال المحطة الأبطال يستحق الثناء، ولكن عيوب الشركة واضحة أيضًا. أعتقد أن الكارثة كانت نتيجة لهذه العقليات المعيبة، التي تتجنب التفكير في السيناريوهات الأسوأ، لمجرد أنها لم تحدث. وعلى الرغم من الشكوك التي يثيرها مسلسل ”الأيام“ حول دقة القصة التاريخية، لكن يمكن القول بكل أريحية إن المسلسل قد نجح في تصوير هذه العقليات ببراعة شديدة.

هناك اتجاه لا يمكن إنكاره بين سكان البلدان المعرضة للكوارث الطبيعية لنسيان الماضي والتعود على فكرة أن كل شيء هو ظاهرة طبيعية. ومع ذلك، فإنه من السذاجة التخلي عن قدرتنا على تغيير الأمور التي نملك القوة لتغييرها.

فالسؤال الذي يطرحه الإعلان الترويجي للمسلسل ”كارثة طبيعية أم كارثة من صنع الإنسان؟“ يستحق حقًا التفكير.

 (© نتفليكس)
(© نتفليكس)

وأخيرًا، اسمحوا لي أن أذكر بعض المشاهد المثيرة التي أبهرتني.

من الصعب نسيان التعبير على وجه رئيس الوزراء، الذي لم يفعل شيئًا سوى الصراخ على الناس، عندما زار فوكوشيما والتقي بيوشيدا، الذي أصدر أوامره، بإرسال قوات الدفاع الذاتي. والمشهد الذي أثر في قلوبنا، للأم التي تطوي طيور الكركي الورقية بصمت، وهي تصلي من أجل سلامة ابنها المفقود، والألم الذي ترد به على انتقاد من أحد المعلقين، عبر الإنترنت الذي يتهمه ”ابنك هرب (من المحطة)“، ترد بتمتمات بسيطة “أتمنى لو كان بإمكانه الهروب“.

مسلسل ”الأيام“، هو عمل خيالي. في حين أنه يدعي أنه يستند على أحداث حقيقية، إلا إنه يتقيد بالكثير من التراخيص الفنية. يحتاج المشاهد أن يتذكر هذا، وألا ينسى أن المسلسل يظهر جانبًا واحدًا فقط من الحادث النووي - وأن هناك العديد من الضحايا الآخرين الذين لم يتم تصويرهم، حتى الآن لم تتم السيطرة بعد على الكارثة.

(نشر في الأصل باللغة اليابانية في يوليو/تموز 2023، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مشهد من مسلسل الأيام. © نيتفليكس)

تم عرض مسلسل ’الأيام‘ في جميع أنحاء العالم، على منصة نتفليكس في 1 يونيو/ حزيران عام 2023.

الفن السينما الفن المعاصر