فلسفة كانيكو ميسوزو عن العالم وتبديد الخوف من الموت

ثقافة

جالت كانيكو ميسوزو بمخيلتها كل مكان: من أشياء صغيرة غير مرئية بالعين البشرية إلى السماء المفتوحة والكون الشاسع فوقها. وفي نفس الوقت تمكنت من توصيف مشاعر الإنسان بلغة تعلق في الأذهان وسهلة الفهم استنادا إلى ملاحظاتها الدقيقة عن الحياة اليومية. في هذه المقالة نستعرض معكم رحلة استكشافية لتواضع وكرم الروح التي تجعل ميسوزو وأعمالها في غاية الجاذبية.

بشائر البراءة

نحلة وإله

نحلة في الزهرة
زهرة في الحديقة
حديقة في الفناء
فناء في البلدة
بلدة في اليابان
يابان في العالم

و، وبعد ذلك إله في النحلة الصغيرة.

(مترجمة للعربية بناء على الترجمة الإنكليزية لسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو).

الإله في قصيدة ’’نحلة وإله‘‘ ليس كائنا بعيدا خارقا للطبيعة بشكل مذهل في مكان بعيد عن تجاربنا اليومية، ولكنه هنا داخل كل ما نراه من حولنا، بما في ذلك أنفسنا. إنها فكرة سعيدة ومطمئنة.

بالنسبة إلى كانيكو ميسوزو كل شيء على الأرض -ليس الحيوانات والنباتات فحسب، وإنما الأشياء المهملة مثل الأحجار والمعادن أيضا- كان جزءا من وحدة أكبر، يعيشون معا ويدعمون بعضهم البعض لتشكيل وحدة ثمينة. كانت هذه الفكرة مستحيلة بالنسبة لشخص رأى العالم من منظور يتمحور حول البشر.

انحنيت ذات مرة لالتقاط ورقة شجرة كاكي كانت قد سقطت على الأرض أمامي. عندما حملت الورقة في يدي تملكني إحساس غريب كما لو كنت قد رُفعت فجأة إلى السماء وكنت أنظر إلى المشهد من أعلى حيث كنت أقف. وبطريقة ما كانت تلك الورقة الوحيدة تحتوي على صورة من الجو تظهر نهرا عظيما متفرعا إلى العديد من الجداول بينما كان يتدفق بلطف، وعلى أحد جانبيه تقع البلد التي بدت صامتة بسبب بعد المسافة.

لو لم تقع عيني على قصيدة نحلة وإله لميسوزو لربما لم أكن لأتأثر أبدا بهذه اللحظة الغريبة من تغير الإدراك. إن فكرة احتواء الكل في أجزائه بينما الأجزاء متضمنة في الكل لاقت صدى لدي. شعرت في تلك اللحظة من أعماقي بقوة حقيقتها.

البشر هم مجرد جزء واحد من الحياة على الأرض، ومع ذلك غالبا ما يتصرف الناس كما لو كان باستطاعتهم فعل ما يحلو لهم وكأننا الأشياء الوحيدة المهمة. حتى عندما يُكِن الناس في قلوبهم الأهمية الأكبر للعالم الطبيعي، فإنهم غالبا ما يتحدثون عن ’’الاهتمام بالبيئة‘‘. لكن هذه هي الطريقة الخاطئة للنظر إلى العالم. فالأرض تهتم بنا وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعل جنسنا البشري لا يزال قادرا على الوجود.

يبدو أن هناك قولا مأثورا من ثقافات الأمريكيين الأصليين: ’’نحن لا نرث الأرض من أسلافنا، نحن نستعيرها من أطفالنا‘‘. أتذكر هذا القول الذي يتسم بالتواضع والاحترام كلما قرأت قصائد ميسوزو، وبأهمية نقشه في قلوب جميع الناس قبل فوات الأوان.

قبول شامل

هل أنت صدى؟

إذا قلتُ ’’هيا نلعب؟‘‘
تقولُ ’’هيا نلعب!‘‘

إذا قلتُ ’’غبي!‘‘
تقولُ ’’غبي!‘‘

إذا قلتُ ’’لا أريد اللعب بعد الآن‘‘
تقولُ ’’لا أريد اللعب بعد الآن‘‘

وعندئذ، بعد فترة
أصبح وحيدا

أقول ’’آسف‘‘
تقولُ ’’آسف‘‘

هل أنت مجرد صدى؟
لا، أنت كل الناس.

(مترجمة للعربية بناء على الترجمة الإنكليزية لديفيد جاكوبسون وسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو).

ما الصدى الأصلي إلا النداء والاستجابة التي شكلها القلبان النابضان للأم وطفلها؟ ’’أنا هنا‘‘. ’’أنت هناك‘‘. ’’أنا سعيد‘‘. ’’أنا سعيدة أيضا‘‘. ’’أنا أحبكِ!‘‘. ’’أنا أحبك أيضا!‘‘. من خلال النبض المضاد المتقارب لهذين القلبين -منفصلان ولكن واحد، مترابطان ولكن منفصلان- نولد نحن البشر إلى هذا العالم ونبدأ حياتنا.

وبهذا المعنى فإن الصدى هو أنبل أفعال الإنسان.

عندما يكون الأطفال صغارا من المؤكد أن جميع الآباء يعانون من آلام الطفل تقريبا مثل آلامهم، ويرددون صرخة الألم للطفل: ’’آه، هذا مؤلم‘‘، كما لو كانوا يشعرون بالألم بأنفسهم. ولكن ما مدى سرعة نمونا نحن والأطفال، وقبل أن نعرف ذلك فإننا نضع أنفسنا في الصدارة، ونعبر عن مشاعرنا بدلا من قبول ألم الطفل وحزنه على أنه شعورنا وحزننا.

لم نعد نردد همهمة التعاطف تلك: ’’آه، هذا مؤلم. . . ‘‘ بدلا من ذلك نحاول الجدال مع الألم: ’’هذا غير مؤلم‘‘. ’’لا تبكِ‘‘.

يأتي الطفل إلى العالم واثقا في ضمان الحب من أم وأب فريدين. ولكن الآن لم يعد هؤلاء الآباء يتعاطفون مع ألم الطفل ولكنهم يصرون على رؤية الأشياء من منظورهم الخاص. ما هو شعور الطفل حيال هذا؟ وماذا حلّ بمشاعر الحزن والألم تلك؟

أشعر أن رسالة ميسوزو هي أن محبة شخص ما تعني التعامل معه بشكل صحيح وقبول ألمه وحزنه على أنه ألمنا.

العيش في الذكريات

الشرنقة والقبر

دودة القز تدخل شرنقتها،
تلك الشرنقة الضيقة غير المريحة.

لكن لابد وأن دودة القز سعيدة.
ستصبح فراشة وتطير بعيدا.

شخص يدخل القبر،
ذلك القبر المظلم الموحش.

لكن الشخص الطيب
ستنمو له أجنحة، يصبح ملاكا
ويطير بعيدا.

(مترجمة للعربية بناء على الترجمة الإنكليزية لديفيد جاكوبسون وسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو).

أخبرتني فتاة صغيرة ذات مرة بعد أن قرأت تلك الأبيات ’’في الواقع، لا تتحول دودة القز إلى فراشة حتى عندما تكبر وتغادر شرنقتها‘‘.

وكانت محقة تماما. حتى لو وصلت دودة القز إلى مرحلة النضوج، فلن تصبح أبدا فراشة قادرة على الارتفاع عاليا في السماء. وبالطبع الكثير من ديدان القز لا تصل أبدا إلى مرحلة النضج. حيث يتم استخدامها للأغراض البشرية من أجل إنتاج الحرير، ولا تعيش أبدا لرؤية العالم خارج شرانقها.

ربما جعلت هذه الفكرة المحزنة ميسوزو تشفق على ديدان القز التي تموت حتى قبل أن تبدأ حياتها وأن تتمكن من فرد أجنحتها كفراشات والتحليق في السماء.

البشر يموتون أيضا، وبعد ذلك يجدون أنفسهم داخل قبر مظلم وموحش. ولكن على عكس ديدان القز، فقد ولدنا على الأقل في العالم واستمتعنا بطعم عجائبه. ويمكننا أن نعيش في ذكريات الأشخاص الذين قابلناهم خلال حياتنا.

تتحدث ميسوزو عن ’’إي كو (الأطفال الطيبين)‘‘ في قصيدتها، لكننا جميعا ’’أطفال طيبون‘‘ بمعنى أننا جئنا إلى العالم من خلال هبة الحياة التي ورثناها من آبائنا. وهذا جيد بما يكفي لي ولكم. جيد بما فيه الكفاية لنا جميعا. ربما يساعد هذا الرأي في جعل فكرة الموت أقل إخافة.

بعد وفاة ميسوزو ناقش معلمها الشاعر سايجو ياسو هذه القصيدة في مقالته بعنوان ’’ليلة واحدة في شيمونوسيكي: ذكريات الراحلة كانيكو ميسوزو‘‘، واصفا إياها بأنها ’’ربما أعظم ما كتبته‘‘.

آمل أن تساعد هذه المقدمة القصيرة في جذب انتباه المزيد من الناس حول العالم إلى كانيكو ميسوزو وأعمالها. إذا تمكنت أعمالها من جلب المتعة والفائدة لقراء من لغات أخرى مثل ما أعطتني على مدار سنوات، فسأكون في غاية السعادة.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. القصيدتان باللغة الإنكليزية ’’هل أنت صدى؟‘‘ و ’’الشرنقة والقبر‘‘ من كتاب ’’هل أنت صدى؟ الشعر المفقود لميسوزو كانيكو‘‘ من ترجمة ديفيد جاكوبسون وسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو. الرسوم الإيضاحية من موئكو)

التاريخ الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية