مرشدون يضفون لمسة بشرية على متحف 11 مارس/آذار

ثقافة

يشارك المتحف التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية الواقع في فوتابا بمحافظة فوكوشيما تداعيات كارثة 11 مارس/آذار لعام 2011 على المنطقة وسكانها. كما يشارك المرشدون في المتحف قصصهم الشخصية وآمالهم في مستقبل منطقة هامادوري.

تبادل التجارب الشخصية أثناء كارثة الحادي عشر من مارس/آذار

’’لا تنقل المعارض بمفردها غالبا الحزن والخسارة التي شعرنا بها في ذلك الوقت. ولهذا السبب نشارك قصصنا الشخصية‘‘.

هذه هي كلمات إيزوميتا جون المشرف الرئيسي في المتحف التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية، وهو يشرح أهمية معروضات المتحف والمحاضرات التي يلقيها المرشدون السياحيون فيه. ويضيف قائلا: ’’كل شخص لديه تجربة مختلفة في الحادي عشر من مارس/آذار ولديه أفكار مختلفة حول إعادة البناء‘‘. ويضيف ’’أتحدث من تجربتي كضحية ونازح ومعلم. وأنا أحثكم على الاستماع إلى ما تقوله الأدلة المختلفة‘‘.

إيزوميتا جون، المشرف الرئيسي في المتحف التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية، وهو منشأة تدار من قبل مبادرة ساحل فوكوشيما للابتكار.
إيزوميتا جون، المشرف الرئيسي في المتحف التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية، وهو منشأة تدار من قبل مبادرة ساحل فوكوشيما للابتكار.

حتى 11 مارس/آذار عام 2011 تاريخ وقوع تسونامي وزلزال، عاش إيزوميتا في موروتاكي في بلدة سوما بالقرب من مكان المتحف في فوتابا، وكان يدرّس في مدرسة أوميكا الابتدائية في ميناميسوما المجاورة. وبالرغم من اضطراره للفرار من منزله بسبب الانصهار النووي الثلاثي في محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية، إلا أنه استمر في التدريس وعمل كمدير لمدرسة فوتابا مينامي الابتدائية، حيث كان يجري الحصص الدراسية في فصول مستعارة في إيواكي القريبة حتى تقاعده في مارس/آذار عام 2020.

بدأ العمل في متحف الزلازل والكوارث بعد شهر. وقد جعلته خبرته في التدريس متحدثا جيدا ويمدحه بعض الزائرين بقول أنهم تمنوا لو كان لديهم معلمون مثله، ولكنه يجيب بتواضع ’’طريقتي في التعليم ليست مميزة لهذه الدرجة‘‘.

ومنذ افتتاح المتحف للعامة في سبتمبر/أيلول عام 2020، استثمر طاقاته في جعل المرشدين السياحيين يقدمون شرحا حول الكارثة. ويقيم المتحف حاليا أربع محاضرات يوميا في زاوية من منطقة المعارض الدائمة يمكن لأي شخص الانضمام إليها مجانا. ولكن لا يستغل جميع الزوار فرصة الاستماع إلى شهادته على الكارثة، إما لأنهم ليسوا على دراية بها أو بسبب طول الجلسات التي تستغرق حوالي 40 دقيقة.

ينوّه إيزوميتا إلى أن هناك تحديات يواجهها أولئك الذين يشاركون قصصهم مع عامة الناس، قائلا ’’يعاني المرشدون الجدد أحيانا في توصيل رسالتهم ويظهر جليا قدرتهم على شرح بعض الموضوعات بطريقة أفضل من غيرها‘‘. إلا أنه أشاد بالتقدم الذي أحرزه زملائه بعد عامين. ويقول ’’لقد تحسنت الجودة الشاملة للعروض التقديمية‘‘. وهو ينصح الزائرين المحتملين بالاطلاع على الموقع الإلكتروني للمتحف للحصول على معلومات حول جدول مواعيد المحاضرات ومواضيعها قبل زيارتهم.

مقالة ذات صلة: متحف يخلد ذكرى كارثة فوكوشيما

يقع متحف فوكوشيما التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية في منطقة دمرها تسونامي عام 2011.
يقع متحف فوكوشيما التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية في منطقة دمرها تسونامي عام 2011.

الدروس المستقاة من تجارب الناجين

يقول كوما كاتسويوشي وهو مرشد في المتحف ولد في فوتابا واعتاد العمل في مكتب البلدة، إنه بدلا من استماع الزوار إلى محاولاتي في شرح الكارثة ’’إنهم سيتعلمون أكثر من خلال اصطحابهم إلى المنطقة المحظورة ورؤية ذلك بأنفسهم‘‘. ويعترف أنه بدأ ينسى بعض التفاصيل بعد مرور أكثر من 10 سنوات. ويقول إن ما يجعله يستمر في مشاركة تجربته هو دافع الرغبة بتخليد ذكرى الكارثة.

يركز العديد من المرشدين السياحيين على خبراتهم وأفكارهم حول إعادة الإعمار، لكن كوما يعطي أهمية لوصف الكارثة بالتفصيل وبترتيب زمني ولحياته كشخص تم إجلاؤه. حيث يقول: ’’إن هذا النهج يسمح لي بنقل الحقائق بشكل صحيح ويساعد على إبقاء الأحداث حية‘‘.

يستخدم كوما كاتسويوشي صورا فوتوغرافية لإظهار الدمار الذي خلفته الكارثة الثلاثية.
يستخدم كوما كاتسويوشي صورا فوتوغرافية لإظهار الدمار الذي خلفته الكارثة الثلاثية.

بدأ كوما محاضراته في عام 1967، وهو العام الذي بدأ فيه بناء مفاعل فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية. ويقول ’’في الحقيقة، إن المحطة النووية أفادت المدينة التي لم يكن لديها شيء‘‘، وأضاف ’’جلبت المحطة وظائف جديدة وسكانا جددا، ما يعني أن الناس لم تعد مضطرة للذهاب إلى طوكيو للعمل خارج موسم الزراعة. وبينما أشعر ببعض التحفظ تجاه المحطة، إلا أن مشاعري الحقيقية أكثر تعقيدا. . .‘‘.

يشرح كوما بالتفصيل عمله في مكتب البلدة بعد الكارثة وتجربته في الانتقال من مأوى إلى آخر. وكانت شهادته كشخص مطلع على تاريخ منطقة هامادوري على طول ساحل المحيط الهادئ في فوكوشيما قبل بناء المحطة النووية قيمة للغاية.

يعيش كوما الآن في إيواكي على بعد ساعة بالسيارة جنوبا من فوتابا. ويقول إن السبب وراء استمراره في العمل كمرشد على الرغم من بعد مكان إقامته عن المتحف هو أنه لا يريد أن يعاني الآخرون من المحنة التي تعرض لها. كما يوضح أن ’’اليابان عرضة للكوارث‘‘، مشيرا إلى أن الزلزال المتوقع على طول حوض نانكاي جنوب جزيرة هونشو الرئيسية سيكون أكثر تدميرا من زلزال شرق اليابان الكبير. ’’انطلاقا مما خبرناه من المعاناة، لا أريد أن يعاني الآخرون بنفس الطريقة. ولهذا السبب أستمر في تحذير الناس من أهوال الكوارث الطبيعية والنووية وأهمية الاستعداد لها‘‘.

يقول كوما إنه سيواصل العمل كمرشد سياحي طالما أنه قادرا على ذلك.
يقول كوما إنه سيواصل العمل كمرشد سياحي طالما أنه قادرا على ذلك.

التردد في البداية

إن الكثير من المرشدين صغار في السن مثل إندو ميكو، من مواليد إيواكي وكانت في الصف الثالث الابتدائي عندما وقعت الكارثة. كان يوم الجمعة وكانت إندو في طريق العودة من مدرستها إلى المنزل. وفي لحظة تلويحها بيدها مودعة صديقتها قائلة ’’أراك يوم الاثنين‘‘ حدث الزلزال. لقد شعرت بالذعر وكانت غير قادرة على الوقوف بينما كانت الأرض تهتز، وهي ذكرى لا تزال منقوشة في عقلها. كان منزلها في وسط البلدة، على بعد مسافة من الساحل، لذلك لم ترى تسونامي الفعلي مطلقا. ولقد فرت عائلتها إلى طوكيو بعد الحادث النووي، لكنها عادت إلى إيواكي مع بدء العام الدراسي الجديد في أبريل/نيسان.

تقول إندو إنها في البداية لم تفكر كثيرا في الكارثة بسبب انشغالها بالدراسة، إلا أنها بدأت تشعر بها عند التحاقها بمدرسة مستقبل فوتابا الواقعة في هيرونو. وبدأت تدرك هناك أن الكارثة لم تنته بعد. تم رفع أوامر الإخلاء في هيرونو بعد حوالي عام من الانصهار النووي، ومنذ ذلك الحين عاد 90% من السكان. إلا أن المنطقة ما زالت تعاني من المشاكل الديموغرافية المتمثلة في شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد. وقد أخبر الكثير من السكان المسنين إندو بعد أن قابلوها أثناء أنشطتها خارج المقررات الدراسية، أن أحفادهم قد غادروا المدينة إلى الأبد. وبعد سماعهم تعززت عزيمة إندو على رد الجميل للمجتمع والمساعدة في إعادة بناء المنطقة، ما دفعها إلى شغل وظيفة في المتحف.

في عامها الثاني من العمل في المتحف، أعرب مشرفها عن رغبته في أن يبدأ الموظفون صغار السن العمل كمرشدين أيضا. ولكن عند سماع ذلك، اعترفت بأنها لم تكن تعرف ما ستفعله في البداية. حيث إن عائلتها لم تعان بنفس درجة أولئك الذين فقدوا أفرادا من عائلاتهم أو أجبروا على مغادرة منازلهم، ووقعت في حيرة كيف سترد إذا علّق زوار المتحف بأنها ليست من فوتابا. وكل هذا جعلها تشعر بالذنب إلى حد ما وتتساءل في نفسها عما إذا كانت حقا هي الشخص المناسب لهذا المنصب.

تقول إندو ميكو إن مشاعرها كانت مختلطة في البداية حيال العمل كمرشدة.
تقول إندو ميكو إن مشاعرها كانت مختلطة في البداية حيال العمل كمرشدة.

إندو تشارك قصتها

ولكن إندو أصرت على إخبار نفسها أن هناك أشياء يمكنها فعلها للحفاظ على الكارثة حية في الذاكرة. وكانت نقطة التحول المهمة بالنسبة لها هي مقابلة مرشد من ناغازاكي. فضحايا القصف الذري هناك يتقدمون في السن، وهناك جهود جارية لتدريب رواة القصص الأصغر سنا لمشاركة شهادات الضحايا. تقول إندو إن الناس شجعوها على مشاركة تجربتها وهذا ما منحها الثقة. وفي الواقع، لقد شعرت أن صغرها في السن يمنحها ميزة عند مشاركة قصتها مع طلاب المدارس الإعدادية والثانوية.

وتروي قصتها قائلة: ’’لقد ودعت صديقتي قبل الزلزال بقليل ولم أرها لمدة اثني عشر عاما بعد ذلك لأنها انتقلت إلى محافظة أخرى‘‘. وعاودت الاتصال بها على وسائل التواصل الاجتماعي بعد تخرجها من المدرسة الثانوية وكنا نخطط للقاء، ولكن جائحة كوفيد-19 حالت دون ذلك. وأضافت ’’عندما يسمع الناس قصتي فإن ذلك يجعلهم يدركون أن شيئا مشابها ربما يحدث لهم‘‘.

وفي حين أنه من غير المرجح أن يعود جميع سكان المنطقة، تقول إندو إن تدفق الشباب سيسهل عودة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم. ولهذه الغاية، فهي لا تحرص على مشاركة تجربتها في الكارثة فحسب، بل تشرح أيضا ما يمكن أن تقدمه فوكوشيما. تقول ’’إنني أخبر الزائرين عن طبيعة هامادوري الغنية وطعامها اللذيذ وشعبها الودود‘‘.

يطل سطح المتحف على منتزه جديد أنشئ لإحياء ذكرى إعادة إعمار المنطقة.
يطل سطح المتحف على منتزه جديد أنشئ لإحياء ذكرى إعادة إعمار المنطقة.

التحدث عن المستقبل

إلى جانب العروض الدائمة في المتحف، هناك معرض يقدم معلومات حول مبادرة ساحل فوكوشيما للابتكار. قد تبدو الزاوية التي تتميز بمواضيع مستقبلية مثل السيارات الطائرة في غير مكانها بالنسبة للزوار الذين شاهدوا للتو عروضا عن أهوال الزلازل والتسونامي والكوارث النووية.

ورغم ذلك يقول إيزوميتا إن الموظفين يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة الزوار على فهم أن هامادوري تحتاج إلى صناعات جديدة. فعلى سبيل المثال، هناك حقل اختبار روبوت فوكوشيما في مدينة ميناميسوما يتضمن مكانا لاختبار الطائرات المسيرة، في حين أن ناميي تستثمر في البنية التحتية للهيدروجين. إلا أنه يتوخى الحذر عند الحديث عن مثل تلك المساعي.

يتم تحديث هذا العرض عن مبادرة ساحل فوكوشيما للابتكار بانتظام.
يتم تحديث هذا العرض عن مبادرة ساحل فوكوشيما للابتكار بانتظام.

وعند الحديث عن مبادرة ساحل فوكوشيما للابتكار، يحرص إيزوميتا أن يري الناس لافتة كبيرة كانت معلقة في فوتابا كتب عليها ’’الطاقة النووية: طاقة من أجل مستقبل مشرق‘‘. ابتكر سكان البلدة هذا الشعار في أواخر الثمانينات، وهو يظهر العدد الكبير من أفراد المجتمع المرحبين بشغف بالطاقة النووية باعتبارها طريق المستقبل. كما يحرص إيزوميتا دائما على سؤال الزوار عن رأيهم في الشعار.

يثق إيزوميتا في أن المبادرة ستلعب دورا رئيسيا في إعادة بناء هامادوري ولكنه يحذر من الدروس المستفادة من كارثة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية. يقول: ’’لقد علمتنا أن هناك حدا لما يمكن أن نتخيله وما يمكننا تحقيقه‘. يجب مراقبة التقنيات الجديدة الواعدة بشكل صحيح بدلا من قبولها دون تمحيص. أريد أن يكون هذا المتحف مكان لا يخبر الناس عن الأشياء التي حدثت في الماضي فحسب، وإنما يجعل الزائرين أيضا يفكرون معا في أنفسهم ومستقبل اليابان والكوكب‘‘.

وبالعودة إلى وجهة نظره كمدرس، يقول بثقة إن ’’الأطفال الذين نجوا من الزلزال وتسونامي والكارثة النووية نشؤوا جميعا بشكل جيد للغاية. ولهذا السبب أقول لكبار السن أن يؤمنوا بجيل الشباب‘‘.

ويؤكد أن فوتابا لن تعود أبدا إلى ما كانت عليه من قبل سواء رضي الناس بذلك أم لا. ’’لذا نحن بحاجة إلى جعلها جذابة للمقيمين الجدد. وسنكون قادرين على تحويلها إلى مكان رائع من خلال النهوض من الكارثة‘‘.

لافتة كتب عليها ’’الطاقة النووية: طاقة من أجل مستقبل مشرق‘‘ معلقة منذ عام 1991. وتم إزالتها في عام 2015 ويتم الاحتفاظ بها داخل المتحف الآن (© جيجي برس)
لافتة كتب عليها ’’الطاقة النووية: طاقة من أجل مستقبل مشرق‘‘ معلقة منذ عام 1991. وتم إزالتها في عام 2015 ويتم الاحتفاظ بها داخل المتحف الآن (© جيجي برس)

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: المرشدة السياحية إندو ميكو على سطح المتحف التذكاري لزلزال شرق اليابان الكبير والكارثة النووية. جميع الصور من قبل هاشينو يوكينوري من Nippon.com، ما لم يذكر خلاف ذلك)

كارثة الزلزال الكبير في شرق اليابان زلزال شرق اليابان زلزال شرق اليابان الكبير