تعرف على مسيرة أسطورة مصارعة السومو اليابانية الذي حطم كل الأرقام القياسية!

رياضة

في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، أعلن حامل لقب يوكوزونا ”البطل الأعظم“ (أعلى مرتبة في مصارعة السومو) منغولي المولد هاكوهو إسدال الستار على مسيرته الساطعة في عالم مصارعة السومو. وخلال سنواته الأربعة عشرة وهو متربع على عرش اللعبة، تعرض لانتقادات بسبب أساليبه القاسية على أرض الحلبة وسلوكه غير التقليدي خارجها، في هذه المقالة نتعرف على هاكوهو عن كثب بعيون أحد المراسلين الذي يرسم لنا صورة واضحة للمصارع ومدى حبه للرياضة اليابانية الأصيلة.

بدايات متواضعة

ربما يكون المصارع الأسطوري هاكوهو أعظم مصارع على الإطلاق في منافسات مصارعة السومو للمحترفين، حيث حطم سلسلة من الأرقام القياسية الطويلة، بما في ذلك إحراز 1,187 انتصارًا و45 بطولة خلال مسيرته المهنية. وعند وصوله إلى اليابان لأول مرة، كان ذلك الفتى اليافع البالغ من العمر خمسة عشر عامًا، حالمًا بالانضمام إلى عالم السومو.

ومستلهمًا من مآثر البطل (كيوكوشوزان)، المصارع المنغولي الأول الذي تربع على عرش اللُعبة، وصل كأحد أفراد المجموعة المؤلفة من خمسة طامحين لخوض المنافسات. وقد ولد هاكوهو باسم مونخباتين دافآجارجال في مدينة أولان باتور عام 1985 وكان والده جيغجيدين مونخبات مصارعاً حراً فاز بميدالية فضية لمنغوليا في أولمبياد المكسيك عام 1968. وبطوله الذي يصل إلى 193 سم، شجّع الكثيرون هاكوهو في شبابه على ممارسة كرة السلة، لكن اهتمامه زاد برياضة السومو بعد زيارة اليابان عام 2000 وهو في الخامسة عشر من عمره.

وصل هاكوهو ورفاقه المنغوليين الطامحين إلى اليابان في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2000. وتدربوا في نادي (سيتسو سوكو) للسومو، الذي كان يضم مجموعة من خيرة الهواة في اليابان، على أمل أن يتم اختيارهم من قِبل أحد ”أكاديميات التدريب“ التي يطلق عليها (هيا) – أماكن الإقامة والتدريب التي ينتمي إليها المصارع –. ولكن مع طوله الذي كان يبلغ 175 سم ووزن الـ 62 كيلوجرامًا فقط، فشل هاكوهو الشاب في لفت انتباه مستكشفي المواهب الذين تجاوزوه أملًا في اختيار منافسين أضخم منه. وبعد قرابة شهرين من الانتظار بلا جدوى، فقد الأمل تمامًا. إلا أنه أثناء الاستعداد للعودة إلى منغوليا، تلقى عرضًا في اللحظة الأخيرة من إسطبل (مياغينو–بيا)، وهي إحدى أكاديميات التدريب الصغيرة التي لا تضم مصارعين بارزين.

وقد رأى المصارع السابق تشيكوباياما المدرب والمُعلم بإسطبل مياغينو، في هذا الشباب اليافع إمكانات غير مستغلة ومنحه (شيكونا) (اسم يطلق عليه داخل الحلبة) وهو (هاكوهو) على أمل أنه قد يصل يومًا ما إلى مستوى مصارعي اليوكوزونا كاشيوادو وتايهو، اللذان كان تنافسهما الكبير في الستينيات من القرن الماضي قد منح هذه الفترة تصنيفًا خاص بناءً على أجزاء من أسمائهم، حيث أطلق عليها حقبة هاكوهو.

إلا أن التوقعات المرجوة ليست بهذه السرعة، حيث أن عملية تضخيم الجسم كانت أول مهمة بالنسبة للـ (ريكيشي) أو المصارع المحترف الذي كان جسمه لا يزال هزيلًا. ويقول هاكوهو بأن الأكل في البداية كانت له الأسبقية على ممارسة التدريبات. ويروي بضحكات خافتة: ”كل ما كنت أفعله هو أن أحشو نفسي بالطعام، وحتى لو شعرت بالغثيان، كنت أعلم أنني يجب أن أُبقي كل الطعام بداخلي. لقد كان أمرًا شاقًا للغاية أصعب من أي تدريب آخر“.

الشاب النحيل هاكوهو بعد التحاقة بإسطبل مياغينو. الصورة مقدمة من الكاتب.
الشاب النحيل هاكوهو بعد التحاقة بإسطبل مياغينو. الصورة مقدمة من الكاتب.

عاشق للسومو

ظهر هاكوهو لأول مرة في بطولة الربيع لعام 2001، التي أقيمت في مارس/ أيار. وفي البطولة الصيفية بعد شهرين، عندما ارتقى إلى مرتبة الـ (جونوكوتشي) – أدنى مرتبة في السومو –، حقق أداءً باهتاً من ثلاث انتصارات وأربعة خسائر. وكانت هذه البداية غير محفزة، لكنه عكف على التدريب، وصقل المواهب الطبيعية التي تلقاها من والده بالعمل الجاد في حلبة التدريب، وقدم عروضاً قوية باستمرار في بطولات لاحقة وارتقى في سُلم الترتيب. وفي عام 2004، سنته الثالثة كمصارع، ارتقى إلى مرتبة الـ (ماكوشي) الأعلى درجة، وأصبح في سن 19 عامًا وشهر واحد رابع أصغر (ريكيشي) في الآونة الأخيرة يحصل على ترقية إلى أعلى تصنيف للسومو. وواصل صعوده إلى الدرجات الأولى، وسرعان ما شق طريقه إلى (سيكيواكى)، وهي ثالث أعلى مرتبة في السومو وواحدة من بين المراتب الأولى التي يطلق عليها (سانياكو) أو (حامل اللقب)، ثم إلى مرتبة الـ (أوزيكي)، وهو ما حققه بتسجيله رقمًا قياسياً من 13 انتصار وهزيمتين في بطولة ربيع عام 2006.

هاكوهو على اليسار، ومدربه المُعلم بإسطبل مياغينو يحتفلان معًا بوصوله إلى مرتبة الـ ماكوتشي في أبريل/ نيسان 2004 في إسطبل مياغينو في حي سوميدا بطوكيو. جيجي برس.
هاكوهو على اليسار، ومدربه المُعلم بإسطبل مياغينو يحتفلان معًا بوصوله إلى مرتبة الـ ماكوتشي في أبريل/ نيسان 2004 في إسطبل مياغينو في حي سوميدا بطوكيو. جيجي برس.

وإلى جانب تألقه على حلبة المصارعة، تفرد هاكوهو في منأى عن زملائه المصارعين من خلال رؤيته الفريدة للسومو. فالرياضة تشتهر على قدمها بفرض أنظمة تدريبية قاسية، والبطولات طويلة، ومرهقة جسديًا، وعقليًا. والمصارعون عادة ما يتحملون هذه القسوة على مضض ودون شكوى. ولكن منذ تقريبًا الوقت الذي وصل فيه إلى رتبة الـ (أوزيكي)، أشاد هاكوهو بشكل روتيني بالسومو باعتباره ”ممتعًا إلى أقصى حد“ وكان يعلن أنه ”لا يطيق الانتظار حتى البطولة التالية“. وهذه التعليقات المتفائلة لا يمكن تصور صدورها من أفواه كبار المصارعين اليابانيين، لكنها تجسد طاقة وتطلعات المصارع المنغولي.

وقد حقق هاكوهو لقبه الأول كا (أوزيكي) في ظهوره الأول في البطولة الصيفية في طوكيو في مايو/ آيار 2006، محققًا رقمًا قياسيًا مثيرًا للإعجاب من 14 انتصار وهزيمة واحدة. وقدم أداءً قوياً آخر في البطولة التالية في ناغويا، لكن كان عليه أن يكتفي بالمركز الثاني بعد أن هُزم مرتين. وفي اليوم الأخير من البطولة، وعلى الرغم من عدم تحقيقه اللقب، أثار إعجاب المتفرجين بإسقاط زميله (أساشوريو) المنغولي في المباراة النهائية، وألحق بحامل لقب اليوكوزونا هزيمته الوحيدة ومحطماً بذلك آماله في بطولة خالية من أية هزائم. وشعر هاكوهو حينها بالثقة من أن تحقيقه لـ 13 انتصارًا وهزيمتين، إلى جانب فوزه الأول، سيضمن له الوصول إلى رتبة اليوكوزونا. إلا أن رئيس رابطة السومو اليابانية كايكيتسو ماساتيرو شعر حينها بأن رفع رتبته أمر سابق لأوانه، قائلاً إن هاكوهو بحاجة إلى بطولة أخرى لإثبات أنه من العيار الثقيل.

ولقد تحدثت مع هاكوهو بمفرده بعد البطولة وكانت خيبة أمله واضحة على الرغم من نبرته المتفائلة الاعتيادية. واعترف قائلا بضحكات يشوبها الحزن: ”لقد اعتقدت قبل البطولة أنني سأحتاج إلى ثلاثة عشر فوزًا للإرتقاء إلى المرتبة الأعلى“. وقال أنه عَلِم بأمر تخطي اسمه عندما شاهد قناة إن إتش كى، وهي ثاني أفضل مصدر رسمي. ”فإذا ذكرت القناة ذلك، فيجب أن يكون الأمر صحيحًا“. ولقد قمت بمحاولة التهوين عليه للتخفيف من خيبة أمله من خلال شرح كيفية تشديد قواعد الإرتقاء إلى مرتبة اليوكوزونا بعد الجدل الدائر حول المصارع فوتاهاغورو، الذي حصل على لقب البطولة الكبرى في عام 1986 لكنه استُبعد في العام التالي بعد عدم تحقيقه لأي بطولة من البطولات الكبرى. واستمع هاكوهو بإنصات إلى حديثي، على الرغم من أنه بدا عليه أنه لم يكن مقتنعًا.

المثابرة والعمل بلا كلل

واضعًا في اعتباره أنه ستكون هناك فرص أخرى لإثبات نفسه، تدارك هاكوهو سريعًا الموقف. حينها كان موسم الجولات الصيفية الإقليمية جاريًا، وأصبح المصارع المنغولي مركز الاهتمام في فعاليات المسابقات.

ويعود تاريخ الجولات الموسمية إلى قرون ماضية، وكان عادة ما يقوم على إدارتها مروجون محليون. إلا أن رابطة اتحاد السومو الياباني تولت زمام الأمور للاستفادة من شعبية الأخوين حاملي لقب اليوكوزونا (واكانوهانا وتاكانوهانا) في التسعينيات. وانسحبت لاحقًا عندما تراجعت شعبية السومو عقب سلسلة من الفضائح، مما أدى إلى إضعاف الإيرادات. ومع قلة عدد المروجين الملتزمين بإقامة المنافسات، استمرت الجولة الصيفية لخمسة أيام فقط.

وواحدة من عوامل الجذب الرئيسية للمنافسات الإقليمية هي فرصة مشاهدة الـ ريكيشي (اللاعبون المحترفون) وهم يتدربون، لا سيما تمرين (موشيئاي)، وهو تمرين سريع الخطى يشارك فيه مجموعات كبيرة من المصارعين. يتنافس اثنان من المتنافسين في الحلبة بينما يتابع الـ ريكيشي الآخرون مجريات النزال، ويختار الفائز على الفور منافسًا آخر من المجموعة المتحمسة. وفي العادة، يستمر المصارع في القتال حتى يتم هزيمته، ولكن يُسمح لحاملي لقب الـ أوزيكي واليوكوزونا بالبقاء في الحلبة طالما رغبوا في ذلك. ويخوض الـ ريكيشي عادة حوالي 10 نزالات (موشيئاي) على مدار التدريبات المرهقة. إلا أن هاكوهو آثار ضجة الجماهير بإعلانه أنه سيبلغ متوسط 20 نزال في اليوم في محاولة لتسجيل 100 نزال على مدار الجولة التي تستغرق خمسة أيام.

وفي المحطة الأولى في كورياما بمحافظة فوكوشيما، شارك في 13 مباراة، وخسر مرة واحدة فقط، وفي الفعاليات التالية في مدينة فورانو بهوكايدو، فاز بجميع منافساته الـ 17 باستثناء واحدة. وفي مدينة داتى بهوكايدو، زاد من إيقاعه في اليوم الثالث بتحقيقه 19 فوزًا في 21 مباراة، لكنه لم يخض منافسات اليوم الرابع بعد أن اشتكى من تورم وألم في يده اليمنى. وعاد إلى المنافسات في اليوم الخامس والأخير في مدينة أوموري، والذي حدث في العراء حيث تجاوزت درجة الحرارة 30 درجة مئوية.

وكان من المفترض أن يشارك في تدريبات الـ (موشيئاي) فقط الـ ريكيشي ممن هم في القسم الثاني (جوريو)، لذا اعتقدت أن هاكوهو سيفوت فرصته للوفاء بوعده بـ 100 مباراة. إلا أنه انضم في اللحظات الأخيرة، وفي البداية نازل مجموعة من مصارعي القسم الثاني قبل أن تخوض مجموعة من الـ ريكيشي الأعلى مرتبة غمار النزال، مما عزز من مستوى المنافسة. وبحلول الوقت الذي انتهت فيه تدريبات (موشيئاي)، كان هاكوهو قد شارك في 43 نزال رائع في اليوم الأخير.

وبعد انتهاء التدريب، اقتربت من هاكوهو وسألته عما إذا كان قد وصل إلى هدفه 100 نزال، فأجاب بصراحة قائلًا: ”لقد وصلت إلى 94“. وكان قد خاض خمس مباريات رسمية في ذلك اليوم وقال مازحا أنه يجب إضافتها إلى الحصيلة. حيث قال ”كان بإمكاني القتال أكثر قليلاً. لكن إذا وضعت في الحسبان مبارياتي الرسمية إضافة إلى كل التدريبات الأخرى، يمكنك القول إنني وصلت إلى 100 نزال“. لقد كان تعليقًا مرحًا، لكنه يحمل في طياته عدم اعتراف هاكوهو بالهزيمة.

تطلعات البطل

في عام 2007، استوفى هاكوهو متطلبات الإرتقاء لمرتبة اليوكوزونا، حيث حقق ألقاب متتالية في بطولات الربيع والصيف لعام 2007. وفي عمره الـ 22 عامًا وشهرين، أصبح ثالث أصغر مصارع يصل إلى مرتبة يوكوزونا، خلف العظماء كيتانومي و تايهو.

هاكوهو (إلى اليسار)، يرمي منافسه (أساشوريو) في الجولة الأخيرة من البطولة الصيفية في 27 مايو/ آيار 2007، ليفوز باللقب بعد تحقيقه لرقمٍ قياسي مثالي متمثل في 15 انتصارًا وبدون أية هزيمة، ليؤمن بذلك حصوله على مرتبة يوكوزونا. (جيجي برس)
هاكوهو (إلى اليسار)، يرمي منافسه (أساشوريو) في الجولة الأخيرة من البطولة الصيفية في 27 مايو/ آيار 2007، ليفوز باللقب بعد تحقيقه لرقمٍ قياسي مثالي متمثل في 15 انتصارًا وبدون أية هزيمة، ليؤمن بذلك حصوله على مرتبة يوكوزونا. (جيجي برس)

هاكوهو، يحمل إحدى الأسماك الكبيرة في يده في إشارة لانتصاره خلال حفل أقيم في إسطبل مياغينو في 30 مايو/ آيار 2007، بمناسبة ارتقائة إلى رتبة يوكوزونا، وبجانبه يجلس والديه على يمين الصورة. (جيجي برس).
هاكوهو، يحمل إحدى الأسماك الكبيرة في يده في إشارة لانتصاره خلال حفل أقيم في إسطبل مياغينو في 30 مايو/ آيار 2007، بمناسبة ارتقائة إلى رتبة يوكوزونا، وبجانبه يجلس والديه على يمين الصورة. (جيجي برس).

بعد فترة وجيزة من ارتقائه لمرتبة اليوكوزونا، شارك هاكوهو في جولة لمصارعة السومو في هاواي، حيث أحضر والديه وأخته الصغرى معه. وفي يوم فراغه، زار شاطئًا بالقرب من الفندق الذي كان يقيم فيه. وكان يرتدي سروال سباحة بشكل غير معهود، وأجرى جلسة تدريبية مرتجلة مع زميله المنغولي في الإسطبل ريو، حيث قال مازحًا بأن عليه ”البقاء في كامل لياقته“.

ولقد شاهدت الثنائي باهتمام، وبعد فترة اقترب مني هاكوهو وسأل في خبث والابتسامة تعلو وجهه: ”يبدو أن لياقتك في حالة جيدة جدًا بالنسبة لعمرك. هل تريد أن تخوض نزالًا؟“. اعترضت على قوله بأنني أصغر مما أبدو عليه، ولكني خلافًا لتقديري الجيد للأمور قبلت بعرضه. فالآن طولي البالغ 175 سم ووزني 70 كيلوغرامًا على قدم المساواة مع هاكوهو عندما كان في بداية مسيرته المهنية، لكن اليوكوزونا الصغير الآن جعلني أبدو قزمًا، حيث يبلغ طوله 192 سم ووزنه 155 كجم. فنحن على أعتاب حدوث مذبحة كبيرة.

قمت باتخاذ وضع البداية المعتاد، واستجمعت كل قواي. كنت أتوقع أن يقوم هاكوهو بمسايرتي إلى حد ما، لكن الاصطدام بهيكله الضخم كان مثل الاصطدام بالحائط. لم يتزحزح قدر أنملة. وقمت بسرعة بلف ذراعي اليسرى حول خصره ولففت ذراعي الأيمن حول الجانب الآخر لأضمن التمكن من قبضة مزدوجة تحت الإبط. كان بإمكانه منع حدوث ذلك بسهولة، لكن من الواضح أنه أراد أن يشعرني كما لو كانت لدي فرصة لمنافسته.

لقد سارت الأمور بسرعة بعد ذلك. انحنى هاكوهو إلى الداخل، وسحقني بثقله، ثم دفع بذراعه أسفل ذراعي رغبة في فك قبضتي، ثم قام بمناورة بيده ببراعة للإمساك برجلي، وقام برفع ساقي، وقذف بي في الهواء. لقد طرت حوالي مترين وهبطت ليرتطم ظهري بالرمال، حيث استقبلتني ابتسامة عريضة من هاكوهو، محاطًا بسماء هاواي الزرقاء.

اعتقد الآن أن أية أسئلة عالقة حول قوة مصارعي السومو، لا سيما ممن هم ريكيشي ذو مراتب عليا مثل هاكوهو، قد تمت الإجابة عنها باستفاضة. فتجربة الإلقاء في الهواء مثل دمية صغيرة أعطتني إحساسًا مباشرًا بالقوة المذهلة التي يتمتع بها اليوكوزونا، والتي تجاوزت ما يمكن استخلاصه من خلال مشاهدته في البطولات أو التدريبات. ما أنا بصدده لاحقًا في هذه المقالة سيعكس جانبًا آخر منه لم يعرفه غيري، أو هكذا اعتقدت.

هاكوهو في إحدى الإجازات على الشاطئ يلتقط الصور مع الصحفيين الذين كانوا يغطون جولة هاواي لمنافسات السومو في يونيو/ حزيران 2006. الكاتب في الخلف بين هاكوهو، يمينًا، وريو إلى يسار الصورة. (الصورة مقدمة من الكاتب)
هاكوهو في إحدى الإجازات على الشاطئ يلتقط الصور مع الصحفيين الذين كانوا يغطون جولة هاواي لمنافسات السومو في يونيو/ حزيران 2006. الكاتب في الخلف بين هاكوهو، يمينًا، وريو إلى يسار الصورة. (الصورة مقدمة من الكاتب)

الشغف والمثابرة

يلتزم أبطال السومو الكبار بمعايير عالية جدًا من الالتزام. إلا أنه في العديد من المناسبات تعرض هاكوهو لانتقادات لاذعة بسبب التعليقات أو التصرفات التي ينظر إليها على أنها لا تصح أن تصدر من قبل يوكوزونا. فعلى سبيل المثال، ما حدث في اليوم الأول من بطولة رأس السنة لعام 2010، عندما تخطى عن غير عمد جزءًا مهمًا من مراسم الدخول للحلبة أو ما يطلق عليه (دوهيو إري).

وكل يوكوزونا يلبس حبلًا مزخرفًا حول أعلى خصره ويقوم بعمل مراسم دخول الحلبة، حيث يُظهر ضراوته مع حركة (شيكو) أو رفع ساقه عاليةً متبوعة بضرب قدمه بقوة على أرضية الحلبة، ثم يصفق تصفيقة مدوية، ويقوم ببعض الوضعيات الأخرى القوية. ولقد قام هاكوهو بأداء أسلوب (شيرانوي)، والذي يتميز بجلوس القرفصاء بشكل عميق مع فتح كلا الذراعين. (في أسلوب (أونريو) الأكثر شيوعًا، يتم ثني الذراع الأيسر ويمتد إلى الجانب الأيمن). ويقوم كل يوكوزونا بالمراسم قبل بدء مباريات قسم ماكووتشي، ومن المتوقع أن تكون العروض التقديمية خالية من العيوب.

يحافظ هاكوهو بشكل طبيعي على وقفة منخفضة أثناء النزال، والتي كانت أساس هيمنته على أرض الحلبة، حيث وجد خصومه أنه من المستحيل تقريبًا أن يفقد توازنه. ولقد كانت حركة القرفصاء خاصته خلال مراسم دخول الحلبة عميقة كالمعتاد، وبينما كان يرتفع ببطء من الوضعية، كان وجهه وذراعيه متدليين، وكان المتفرجون متفاعلين في هتافات حماسية. إلا أنهم أصابتهم الحيرة لأسباب مفهومة عندما تخطى هاكوهو عن غير قصد العنصر الحاسم في المراسم ووقف ببساطة دون القيام بها.

وواصل الانتصار في ذلك اليوم ضد كاكوريو، مصارع منغولي آخر وحامل للقب يوكوزونا. وبعد أن تلاشى جنون وسائل الإعلام بعد المباراة، سألته عن هذا الإغفال. ابتسم كالمعتاد وقال: ”كنت أتمنى ألا يلاحظ ذلك أحد“. وألقى باللوم في الخطأ على تغيير أسلوبه في حركة (شيكو) قبل البطولة. واستطرد في ضحكات خافتة قائلًا: ”كنت أركز بشدة على تأدية ضرب القدم على الحلبة بشكل صحيح لدرجة أنني شردت، إن الأمر يشبه إلى حدٍ ما كما لو غنى مغني مقطعًا خطأ. عليك فقط أن تستمر“. إلا أن الأمر لم يلق استحسان الجميع.

هاكوهو يؤدي حركات مراسم دخول الحلبة في دورة كيوشو في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 باختيار أسلوب (شيرانوي) الأقل شيوعًا، والذي يتميز بامتداد الذراعين عريضًا بدلاً من ذراع واحد فقط كما في أسلوب (أونريو) الأكثر شيوعًا. حيث بدد الأسطورة القائلة بأن اليوكوزونا الذي يؤدي هذا الأسلوب مقدرًا له ألا يستمر طويلًا في عالم السومو. (جيجي برس)
هاكوهو يؤدي حركات مراسم دخول الحلبة في دورة كيوشو في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 باختيار أسلوب (شيرانوي) الأقل شيوعًا، والذي يتميز بامتداد الذراعين عريضًا بدلاً من ذراع واحد فقط كما في أسلوب (أونريو) الأكثر شيوعًا. حيث بدد الأسطورة القائلة بأن اليوكوزونا الذي يؤدي هذا الأسلوب مقدرًا له ألا يستمر طويلًا في عالم السومو. (جيجي برس)

ويقال أنه عندما يتعرض هاكوهو للانتقادات اللاذعة بسبب شيء قاله أو فعله، فإن هناك نزعة قوية ليعزو سلوكه نحو الغطرسة، وهذه مجرد وجهة نظر لا أتقيد بها. والحقيقة أنه يتمتع بسلوك شاب رصين وهادئ ويكن محبة كبيرة للسومو.

يكمن أصل المشكلة في الاختلاف من حيث وجهة النظر اليابانية بشأن قيمة مرتبة اليوكوزونا ونظرة المصارعين المنغوليين الذين حققوا أعلى مستوى في رياضة السومو، وهو الانقسام الذي يمكن إرجاعه إلى أكاديمية التدريب حيث نشأة المصارعون ورابطة اتحاد السومو الياباني. فقبل هاكوهو، كان مواطنه المنغولي (أساشوريو) يتعرض للتوبيخ باستمرار في الصحافة بسبب ما فُسر على أنه سلوك غير لائق في الحلبة. إلا أنني أزعم أن هاكوهو وآخرين يضعون في اعتبارهم دائما مسئولية كونهم أبطال كبار، حتى لو انحرفت أفعالهم أحيانًا عن الأعراف المقبولة.

سابقًا، على سبيل المثال، كان هاكوهو يستخدم أساليب قوية مثل (كاتشي أغى) (ضربة بساعد اليد توجه لأعلى) و (هاريتى) (صفعة على الوجه) للسيطرة على الخصوم، لكنه توقف لاحقًا عن ذلك خلال حياته المهنية بعد انتقادات بأن مثل هذه المناورات ”لا تليق“ ببطل كبير. وبتصرفه هذا فهو يُعلي من شأن القيم الجمالية التقليدية العميقة للسومو مع الحفاظ على الرأي القائل بأن من واجب اليوكوزونا ريادة هذه الرياضة. فعندما تطأ قدمه أرض الحلبة، فإن هدفه الوحيد هو تحقيق الفوز.

وقبل عدة سنوات، أتيحت لي الفرصة لإجراء مقابلة حصرية مع هاكوهو خلال جولة لمصارعة السومو في كيوشو، وخلال حديثنا شاركني بقصة مؤثرة حول رحلتة إلى بعض المحافظات الأكثر تضررًا من زلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011. حيث تواجد هو ومجموعة من المصارعين في بلدة يامادا بمحافظة إيواتى لأداء مراسم دخول الحلبة لإظهار دعمهم لجهود التعافي من الكارثة. وأوضح قائلًا ”الهزات الارتدادية كانت تمثل تهديدًا دائمًا، لقد كان الأمر شاقًا للغاية لدرجة جعلت من المستحيل النوم طوال الليل“. وشرح لي أهمية حركة الـ (شيكو) (ضرب القدم على الأرض) في مراسم الدخول للحلبة كطرد رمزي للأرواح الخبيثة الكامنة تحت الأرض، وقال إنه في اليوم التالي لأداء المراسم تلقى مكالمة من أحد مسؤولي المدينة وقال له فيها ”إن توابع الزلزال قد توقفت لسبب غير مفهوم بعد أن أجرينا مراسم الدخول للحلبة“. وعقَّب هاكوهو قائلًا: ”لقد تأثرت حقًا بمثل هذه الكلمات، جعلتني أشعر كما لو كنت ساهمت في إنهاء الهزات. لقد منحني مفهوما جديدًا للأهمية الروحية للسومو في الثقافة اليابانية“.

وحتى عندما أصبحت تقنيات التدريب الجديدة مثل رفع الأثقال تمثل جزءًا من نظام مصارعي السومو، استمر هاكوهو طوال حياته المهنية في تقدير التمارين التقليدية مثل الـ (شيكو) ودفع عمود خشبي كبير يسمى (تيبّو). كما أبدى اهتمامًا كبيرًا بتاريخ هذه الرياضة، وحقق مستوى من الفهم والإدراك فاق الكثير من زملائه اليابانيين. لقد أثبت بجدارة أنه قادر على أداء دوره كمدرب ليصبح (أوياكاتا) (المعلم والسيد في الإسطبل)، وأنا بدوري أتطلع إلى رؤيته يستخدم معرفته وخبرته لتوجيه جيل جديد من المصارعين.

هاكوهو يحتفل بفوزه بمباراته الأخيرة في بطولة ناغويا ضد (تيرونوفوجي) في 18 يوليو/ تموز 2021، ليحقق البطولة بسجل خالي من الهزائم. كان ذلك آخر ظهور له على أرض الحلبة. (جيجي برس)
هاكوهو يحتفل بفوزه بمباراته الأخيرة في بطولة ناغويا ضد (تيرونوفوجي) في 18 يوليو/ تموز 2021، ليحقق البطولة بسجل خالي من الهزائم. كان ذلك آخر ظهور له على أرض الحلبة. (جيجي برس)

(النص الأصلي نشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: هاكوهو يرتدي سروال السباحة في شكل غير معهود له، ويبتسم بعد أن ألقى الكاتب عاليًا في الهواء في مباراة مرتجلة على الشاطئ خلال جولة لمصارعي السومو في هاواي في يونيو/ حزيران 2007 مقدمة من الكاتب)

الرياضة السومو هاكوهو التاريخ الياباني