مصارعو السومو المنغوليون: حقبة جديدة غيرت مجرى تاريخ عالم السومو الياباني!

رياضة

سيطر المصارعون المنغوليون على رياضة السومو في اليابان، لكن من مهد الطريق في البداية كان مجموعة من ستة شباب طمُحين. في هذه المقالة يلقي أحد الصحفيين المتخصصين في رياضة السومو الضوء على بزوغ فجر ”العصر المنغولي“ قبل حوالي 30 عامًا على أرض اليابان.

الإعصار المنغولي

بدا تقاعد بطل السومو الكبير (هاكوهو) في سبتمبر/ أيلول 2021 وكأنه نهاية لحقبة حافلة. فقد كان حامل لقب الـ يوكوزونا (أعلى مرتبة في السومو) المولود في منغوليا قوة لا تقهر في عالم رياضة السومو لأكثر من عقد من الزمان، حيث أعاد كتابة سجلات الأرقام القياسية بـ 45 لقبًا مذهلاً وقائمة طويلة من الإنجازات الأخرى.

شَكل حفل اعتزاله في قاعة (ريوغوكو كوكوغيكان)، الموقع الذي شهد العديد من انتصاراته، في الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني من هذا العام حدثًا رائعًا يليق به حضره أسماء بارزة من عالم السياسة والأعمال والترفيه، وشهد أداءً لممثل الكابوكي الشهير إيشيكاوا دانجورو. وقال هاكوهو باكيًا خلال الحفل: ”كما لو كنت فقدت جزءًا من روحي“، واصفًا مدربه السابق من إصطبل مياغينو (مقر التدريبات) وهو يقص الخصلات الأخيرة من الجزء العلوي من شعر رأسه، الأمر الذي يشير رسميًا إلى انتقاله من لاعب سومو (ريكيشي) إلى مدرب. لقد كانت لحظات مؤثرة للغاية.

كانت السنوات العشرون الماضية أو أكثر هي عصر للهيمنة المنغولية على السومو في اليابان، بقيادة الأبطال العظام أساشوريو وهاكوهو. فبدءًا من اللقب الافتتاحي الأول في بطولة كيوشو 2002، فاز ثمانية مصارعون منغوليون بما مجموعه 96 بطولة، بنسبة مذهلة تبلغ 80٪ من جميع البطولات. وحاليًا لا يوجد شيء يلمح في الأفق يخبرنا بأن هناك يوكوزونا آخر من منغوليا من عيار أساشوريو أو هاكوهو قادم في الطريق. ولكن بالنظر إلى ترتيب بطولة الربيع، كان هناك ثمانية مصارعون منغوليون من بين 40 مصارعًا يتنافسون في قسم الـ ماكوأوتشي (أعلى منافسات سومو المحترفين). وكان من بين هؤلاء البطل الكبير تيرونوفوجي وحامِلَي لقب الـ سيكيواكى (ثالث أعلى ترتيب في مصارعي السومو) هوشوريو وكيريباياما، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم ترقيتهما إلى مرتبة أوزكي، ثاني أعلى مرتبة في السومو.

وبالعودة إلى مارس/ آذار 1992، لا يسعني إلا أن أتخيل كيف كان سيبدو مشهد السومو مختلفًا جدًا اليوم لولا مجموعة رائدة من المرشحين المنغوليين. فقصتهم الساحرة، بما في ذلك الهروب الجريء من إسطبلهم، زرعت بذور الموجة اللاحقة من الـ ريكيشي المنغوليين.

فخر الأمة

تُعدّ بطولة السومو الربيعية، التي تقام كل عام في شهر مارس/ آذار في مدينة أوساكا، ساحة لاختبار للمصارعين الطموحين. ففي عام 1992، شارك في البطولة 160 متسابقًا، تتراوح أعمارهم ما بين طلاب المدارس الإعدادية والخريجين الجدد من الجامعات. ومن بين 151 مرشحًا نجح ستة من الشباب المنغوليين في الحصول على مكان في حلبة السومو.

في ذلك الوقت، ظهر تنافس كبير بين المصارعين المولودين في هاواي كونيشيكي، أكيبونو، وموساشيمارو والأخوين اليابانيان واكانوهانا وتاكانوهانا اللذان سيطرا على السومو في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتاكانوهانا، الذي ارتقى إلى مرتبة الـ يوكوزونا مثله مثل معظم أفراد المجموعة، كان بزوغه الأول كبطل في بطولة رأس السنة وهو في عمر التاسعة عشر وخمسة أشهر، والتي حينها خرج منها ليصبح أصغر فائز باللقب على الإطلاق.

وفي غضون ذلك، كانت منغوليا قد بدأت في الخروج من ظل الاتحاد السوفيتي المنهار. وقد شهدت ثورة ديمقراطية سلمية في عام 1990، حيث أسقطت الحكومة رسميًا كلمة ”الجمهورية الشعبية“ من اسم البلاد بعد ذلك بعامين. وفي هذا الوقت تقريبًا، بدأ أويدا تاكومي، وهو عضو في الحزب الاشتراكي الياباني (يسمى الآن الحزب الاجتماعي الديمقراطي) وعضو في مجلس النواب في البرلمان، في وضع الأساس للمصارعين المنغوليين للقدوم إلى اليابان. وجاء الدافع وراء ذلك خلال رحلة إلى منغوليا في عام 1991 عندما اقترب أعضاء إحدى الجمعيات التي تروج للمصارعة المنغولية التقليدية من أويدا.

مصارعون يتصارعون على أرضية أحد الملاعب المفتوحة على مشارف العاصمة المنغولية أولان باتور خلال مهرجان (نادام) الوطني للألعاب التقليدية الذي يقام كل صيف (© إيه إف بي/ جيجي برس)
مصارعون يتصارعون على أرضية أحد الملاعب المفتوحة على مشارف العاصمة المنغولية أولان باتور خلال مهرجان (نادام) الوطني للألعاب التقليدية الذي يقام كل صيف (© إيه إف بي/ جيجي برس)

وتقليد المصارعة المنغولية له باع طويل وجذور متأصلة، حيث يتم تبجيله جنبًا إلى جنب مع الرماية وركوب الخيل كواحدة من ”الرياضات الرجولية“ الثلاث التي يمارسها الرعاة الرحل منذ العصور القديمة. وثقة منه في قدرة المصارعين المنغوليين على تعزيز المستوى التنافسي للسومو في اليابان، فقد دعا أويدا في فبراير/ شباط 1992، أساهيكوني المدرب المسؤول عن إسطبل أوشيما، والحاصل السابق على مرتبة أوزيكي، في رحلة استكشافية إلى مدينة أولان باتور.

وخلال الزيارة، وجه أساهيكوني نداءً عامًا للمصارعين، ووضع إعلانات في التلفاز والراديو والصحف. حيث تعد منغوليا ملاذًا للمصارعة، ولتجنب استقطاب أسماء معروفة، حدد الحد الأقصى للعمر عند 18 عامًا على أمل جذب المواهب الصاعدة.

بداية صاخبة

كانت الحملة ناجحة، حيث اجتذبت أكثر من 150 متنافسًا. ونظم أساهيكوني بطولة لتقليل العدد، واختار في النهاية ستة متسابقين نهائيين للانضمام إلى اسطبل أوشيما. وعُرفوا في اليابان بأسمائهم الـ (شيكونا) (اسم المصارع داخل الحلبة)، وهي كيوكوشوزان، كيوكوتينهو، كيوكورانزان (لاحقًا كيوكوتنزان)، أساهيتاكا، كيوكوسيتسوزان، وكيوكوجيشي.

 المصارعون الرواد المنغوليين (من اليسار) كيوكوجيشي، أساهيتاكا، كيوكوسيتسوزان، وكيوكوشوزان بعد وقت قصير من وصولهم إلى اليابان في عام 1992. (© جيجي برس)
المصارعون الرواد المنغوليين (من اليسار) كيوكوجيشي، أساهيتاكا، كيوكوسيتسوزان، وكيوكوشوزان بعد وقت قصير من وصولهم إلى اليابان في عام 1992. (© جيجي برس)

لقد أجريت مقابلة مع المجموعة السداسية بعد وقت قصير من وصولهم إلى اليابان. إلا أن الأمور لم تسري على النحو المأمول، فقد عانيت محاولًا إيصال كلامي باليابانية إلى المترجم المنغولي المُعين للمقابلة. وما زلت أتذكر مظاهر الحيرة التي بدت على المصارعين الستة وهم يشاهدونني أحاول استنباط وفهم إجاباتهم من المترجم. وفي النهاية كتبت مقالتي بقدر استطاعتي، لكن اتضح أن الأمور لم تكن وردية كما بدت.

ففي أغسطس/ آب 1992، بعد أقل من نصف عام على تواجدهم في اليابان، تسلل الجميع باستثناء كيوكوتنزان من إسطبلهم ليلًا وهربوا إلى السفارة المنغولية في حي شيبويا بطوكيو، حيث طلبوا بإعادتهم إلى بلادهم. وهرع أساهيكوني وزوجته إلى السفارة، لكنهم نجحوا فقط في إقناع كيوكوشوزان وأساهيتاكا بالبقاء في اليابان. وعاد الثلاثة الباقون، كيوكوتينهو، كيوكوجيشي، وكيوكوسيتسوزان، إلى منغوليا.

وبعد هذه الواقعة بوقت قصير، سافر أساهيكوني إلى مدينة أولان باتار على أمل إقناع الثلاثي بالعودة مرة أخرى. وبالفعل تمكن من ضم كيوكوتينهو إلى جانبه، لكن المصارعين الآخرين رفضا وفضلا البقاء. والمجموعة التي تقلص عددها إلى أربعة أفراد الآن، سرعان ما عانت من رحيل أساهيتاكا، الذي عانى من إصابات عدة وعدم تأقلم على الحياة الجديدة كا ريكيشي، الأمر الذي آل في نهاية المطاف إلى استسلامه وعوته إلى منغوليا في سبتمبر/ أيلول 1993. أما الثلاثة الباقون — كيوكوشوزان، كيوكوتينهو، وكيوكوتنزان— فسوف يواصلون لتثبيت أقدامهم على أرضية الحلبة.

لم تكن هذه الواقعة الأولى التي تضم مجموعات من المصارعين المولودين في الخارج. ففي عام 1976، أُجبر ستة من مملكة تونغا على الرحيل من مقر التدريبات بعد أن رفضوا دعم المدرب الجديد لإصطبلاهم بعد وفاة مدرب الإسطبل الذي استقدمهم. ورداً على الاضطرابات التي اندلعت بشأن المصارعين المنغوليين، منع اتحاد السومو الياباني، الهيئة الإدارية المنوطة برياضة السومو، الإسطبلات من استقدام المصارعين الأجانب. إلا أنها في نهاية المطاف، رفعت التجميد المؤقت في عام 1998، لكنها استمرت في فرض حد أقصى بقبول ريكيشي واحد مولود في الخارج لكل مقرٍ تدريبي.

بيئة غير مألوفة

بعد أول مقابلة كارثية لي مع المصارعين المنغوليين، ظللت حريصًا على معرفة ما كان يدور في أذهانهم في تلك الأيام الأولى. وفي النهاية تمكنت مرة أخرى من إجراء مقابلة مع كيوكوشوزان وكيوكوتينهو لأسألهم عن انطباعاتهم المبكرة عن اليابان. وبحلول ذلك الوقت، كان كلاهما قد اقتحم التصنيف الأعلى من السومو وتمكنا من النظر إلى الوراء في الماضي بهدوء. أدناه مقتطفات لبعض من ملاحظاتي على المقابلة.

كيوكوشوزان: كانت منغوليا لا تزال دولة اشتراكية في ذلك الوقت وقد نشأت وأنا أسمع أن الاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية هما الأخيار وأن اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بهم. وأخبرنا مُعلمنا في المدرسة أيضًا أن اليابان لا يزال لديها نينجا وساموراي يتجولوا في الأرجاء. [يضحك].

كيوكوتنهو: كانت الرأسمالية قد بدأت للتو تشق طريقها في منغوليا، وأتذكر مشاهدة برنامج تلفزيوني عن اليابان يُظهر الشوارع متوهجة بأضواء النيون. لقد أثار هذا الأمر إعجابي للغاية، ولم أستطع الانتظار لرؤيته بنفسي. ولكن عندما وصلت إلى البلاد، شعرت بخيبة أمل عندما اكتشفت أن المنطقة المحيطة بالإسطبل لا تشبه ما تخيلته. [يضحك]. لقد استغرق الأمر زيارة إلى حي شينجوكو وشيبويا لإقناعي أن البرنامج التلفزيوني لم يكن خياليًا.

كيوكوشوزان: ما أثار إعجابي عندما وصلنا لليابان لأول مرة السيارات والمباني الشاهقة. لقد اندهشت من مدى تقدم اليابان مقارنة بمنغوليا. وعلى النقيض من ذلك، في التدريبات في اليوم التالي، وجدنا أنفسنا محاطين بشباب بشعر معقود من أعلى الرأس ملطخين بالرمال من التدريبات. لقد كان الاختلاف بين هاتين الصورتين أمراً مزعجًا للغاية.

كما بلغت الصدمة الثقافية ذروتها في أوقات تناول الطعام عندما واجهنا عادات غير مألوفة.

كيوكوتينهو: في منغوليا، عادة ما نأكل الأرز الممزوج بمكونات أخرى مقلية أو مع الحساء، وليس سادة كما هو الحال في اليابان. في البداية، لم تستعوب شهيتي تناول صحن من الأرز الأبيض خالي الطعم.

كيوكوشوزان: لقد كان تناول الطعام بالأعواد التي تُستخدم لمرة واحدة مسألة جديدة علي للغاية. ولم أكن أعرف حتى أنه كان من المفترض فصلهما عن بعضهما. وذات مرة عندما أخذ المدرب ستة منا لتناول الطعام، ارتعدت عندما رأيت كيوكوتنزان قد كسر عيدان تناول الطعام الخاصة به عندما كان يفصلهما. ورغبة مني في عدم المآل إلى نفس المصير، استخدمت كلتا يدي لفتح العيدان، مع الحرص على عدم كسرهما. [يضحك]. لقد كان التعود على أكل السمك عقبة أخرى، حيث أنها تعتبر مقدسة في منغوليا.

كيوكوتينهو: عندما بدأت أيامي في اليابان، تعلقت بمشروب الكولا، لأنه كان نادرًا في منغوليا. وكانت هناك آلة لبيع المشروبات بجوار الإسطبل كنت أمر عليها كل يوم تقريبًا لإشباع رغبتي. لقد أنفقت ثروة من العملات المعدنية في تلك الآلة. [يضحك]

كيوكوشوزان: أنت تشعر أحيانًا أن بعض آلات بيع المشروبات تخاطبك، أليس كذلك؟ لأن اليابان يكثر بها الروبوتات، فكنت مقتنعا بأنها إحداها. تقدمت من إحدى الآلات ذات مرة وطلبت منها أن تعطيني عُلبة عصير. شعرت وكأنني أحمق عندما لم ترد علي. [يضحك]

كيوكوتينهو: أنا الأخر اعتقدت أن آلة بيع المشروبات يمكنها الحديث. لقد تسللت من إحداها ذات مرة وبحثت خلفها لأرى إن كان بداخلها أحد مختبئ أم لا. [يضحك]

من المؤكد أن هناك العديد من المغتربين في اليابان ممن صادفوا مثل هذه المواقف، لكن هذه الذكريات الفكاهية تشير فقط إلى ما واجهه المصارعون المنغوليون الستة بالفعل. فإلى جانب الاستيقاظ عند بزوغ الفجر للمشاركة في حصص تدريبية صباحية صارمة، كان عليهم أن يتعلموا بسرعة كيفية التنقل في التسلسل الهرمي الصارم والعادات الغريبة للسومو، وكلها أمور كانت تزداد صعوبة مع حاجز اللغة.

أضف إلى ذلك الطموحات المحدودة للمجموعة، والتي تكمن في تجربة الثقافة اليابانية ورؤية المعالم السياحية والترفيهية أكثر من أن يصبحوا ريكيشي، ولا عجب أن المصارعين المنغوليين قرروا الرحيل. وكما يصف كيوكوشوزان قائلًا: ”لم أكن أتطلع إلى كسب لقمة عيشي من السومو. أردت أن أتعلم ما يمكنني فعله ثم أعود إلى الوطن بعد ثلاث سنوات “. وعلى غرار ذلك يقول كيوكوتينهو: ”بوزن 85 كجم فقط، كنت أعلم أن المنافسة ضد المصارعين ممن هم في المستويات العليا، الذين يزن معظمهم أكثر من 100 كجم مستحيلة. لقد زرنا المدن الثلاث الكبرى في طوكيو وأوساكا وناغويا للمشاركة في البطولات، ولنيل قسط من الراحة اصطحبنا مدربنا في الإسطبل إلى مدينة ملاهي ديزني لاند ذات مرة. لقد رأينا كل ما أردناه، لذلك بعد أن فكرنا في الأمر، قررنا الرحيل“.

مع الكاتب (من اليسار) كيوكوشوزان، ديجيما، وكيوكوتينهو خلال إحدى جولات المنافسات الخريفية في مدينة ياماتو بمحافظة كاناغاوا في أكتوبر/ تشرين الأول 1997. (© ناغاياما ساتوشي)
مع الكاتب (من اليسار) كيوكوشوزان، ديجيما، وكيوكوتينهو خلال إحدى جولات المنافسات الخريفية في مدينة ياماتو بمحافظة كاناغاوا في أكتوبر/ تشرين الأول 1997. (© ناغاياما ساتوشي)

الخلاص

كان سيبدو عالم السومو اليوم مختلفًا تمامًا إذا لم يترك كيوكوشوزان وكيوكوتينهو بصماتهما على هذه الرياضة. وقد رأى المدرب أساهيكوني بصيصًا من النجم الكبير اليوكوزونا تايهو في كيكوتينهو، وهو ما يرجح إلى أن ذلك كان السبب في رفضه السماح له هو زملائه الأخرين بالبقاء في منغوليا. ويوضح كيوكوتينهو قائلًا: ”عندما حاولت في البداية، لم يكن لدي أي خبرة مع المصارعة المنغولية وانتهى بي الأمر بخسارة نزالي الاختباري“. إلا أن أساهيكوني عاود الاتصال بي على أي حال وأعطاني فرصة ثانية. وحتى بعد هروبنا، ناشدني أن أعطى السومو فرصة أخرى، وأخبرني أن لدي القدرة لأكون أفضل المصارعين“. لقد ساعد تصميم أساهيكوني على الدخول في حقبة جديدة من عالم السومو.

وعادة، عندما يهرب ريكيشي من مقر تدريباته، فلا مجال لعودته. حيث تنقطع كل الصلات السابقه به، وأي محاولات لمعاودة الاتصال تُقابل بعدم اكتراث. إلا أن المصارعين المنغولين تمكنوا من تجنب هذا المصير من خلال الانغماس في التدريبات، وإعادة بناء الثقة المفقودة تدريجيًا أثناء شق طريقهم في سُلم الترتيب.

وصل كيكوتينزان إلى مرتبة ماكوشيتا (ثالث أعلى ترتيب في منافسات السومو)، لكن كيكوشوزان وكيكوتينهو واصلوا طريقهم حتى بلغوا منافسات الدرجة الأولى ماكوأوتشي (أعلى منافسات سومو المحترفين)، حيث ارتفعت شعبيتهما بشكل كبير. وعلى وجه الخصوص أثار كيوكوشوزان إعجاب الجماهير بمجموعة واسعة من الـ (كيماريتى)، الحركات الحاسمة، الأمر الذي جعله موضع مقارنة مع ماينؤمي، الذي كان يعتبر حينها أحد أفضل المصارعين المعاصرين الذين يتمتعون بحركات تقنية حاسمة.

كيوكوشوزان يقفز بعيدًا عن حامل لقب الـ يوكوزونا أساشوريو في اللحظة الأخيرة بعد طرحه أرضًا في اليوم التاسع من البطولة الصيفية لعام 2003، الحدث الذي جعله يحصل على النجمة الذهبية التي تُمنح لمن يتغلب على أحد الأبطال الكبار حاملي لقب الـ يوكوزونا. (© جيجي برس)
كيوكوشوزان يقفز بعيدًا عن حامل لقب الـ يوكوزونا أساشوريو في اللحظة الأخيرة بعد طرحه أرضًا في اليوم التاسع من البطولة الصيفية لعام 2003، الحدث الذي جعله يحصل على النجمة الذهبية التي تُمنح لمن يتغلب على أحد الأبطال الكبار حاملي لقب الـ يوكوزونا. (© جيجي برس)

وقد اكتسب أيضًا سمعة طيبة كشخص يمكن الاعتماد عليه. فعندما كان في جولات السومو الإقليمية، كان معروفًا بقدرته على المشاركة في أكثر من 50 نزالًا تدريبيًا (بوتسوكاري غيكو)، وهي عبارة عن نزلات شاقة ومرهقة ضمن حصص تدريبية مفتوحة للجمهور. ويصف أحد المصارعين الكبار الأمر على هذا النحو: ”كان بإمكانه خوض نزالًا تلو الأخرى دون أن يبدو عليه أي انزعاج.“ إلا أن بعض مدربي الإصطبلات أشاروا إلى أنه على الرغم من تدريبه وبراعته الفنية، إلا أن كيوكوشوزان تمكن فقط من الارتقاء إلى مستوى الـ كوموسوبي، رابع أعلى تصنيف لمصارعي السومو، ويزعموا أنه كان بإمكانه أن يصل إلى مرتبة أوزيكي، ثاني أعلى تصنيف في السومو، إذا كان ركز بالقدر الكافي على أن يكون أكثر هجومًا في نزالاته التدريبية.

ولقد تابع كيوكوشوزان اهتماماته خارج عالم السومو، بما في ذلك التسجيل في دورة بالمراسلة في كلية العلوم الإنسانية بجامعة واسيدا. وبعد تقاعده في عام 2006، عاد إلى منغوليا، وأصبح رائد أعمال مع شركات في مجالات مثل البناء والتجارة، وحتى أنه عمل لفترة في البرلمان المنغولي.

كيوكوشوزان، على اليمين، مع رئيسة الحزب الاجتماعي الديمقراطي دوي تاكاكو يدعوان لتقديم تبرعات لمساعدة ضحايا تساقط الثلوج الذي سجل مستويات قياسية في منغوليا في يناير/ كانون الثاني 2001. (© جيجي برس)
كيوكوشوزان، على اليمين، مع رئيسة الحزب الاجتماعي الديمقراطي دوي تاكاكو يدعوان لتقديم تبرعات لمساعدة ضحايا تساقط الثلوج الذي سجل مستويات قياسية في منغوليا في يناير/ كانون الثاني 2001. (© جيجي برس)

وتفوق كيوكوتينهو على كيوكوشوزان ليصل إلى مرتبة الـ سيكيواكى، ثالث أعلى تصنيف في السومو، وتمتع بسيرة مهنية طويلة وناجحة، بما في ذلك الفوز ببطولة صيف 2012 وهو بعمر الـ 37 عامًا و 8 أشهر، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت. وبعد تقاعده في سن الأربعين، حصل على الجنسية اليابانية ويترأس الآن إسطبل أوشيما.

كيوكوتينهو، على اليسار، يحتفل بعيد ميلاده الأربعين بكعكة من زملائه في الإصطبل. وقد كان أول ريكيشي منذ 60 عامًا يصل إلى هذا الإنجاز في خضم منافسات قسم الدرجة الأولى للسومو. (© كيودو)
كيوكوتينهو، على اليسار، يحتفل بعيد ميلاده الأربعين بكعكة من زملائه في الإصطبل. وقد كان أول ريكيشي منذ 60 عامًا يصل إلى هذا الإنجاز في خضم منافسات قسم الدرجة الأولى للسومو. (© كيودو)

الحلم الياباني

النجاح الذي حققه كلًا من المصارعَين المنغوليين جعلهما من المشاهير في وطنهما. وأصبح كلاهما من الفقرات المنتظمة على شاشات التلفاز، حيث تم تغطية حياتهما ومآثرهما في الحلبة على نطاق واسع في وسائل الإعلام. وعلى وجه الخصوص، أظهرت إنجازاتهم أن المكاسب المالية الهائلة تنتظر أولئك الراغبين والقادرين على تحمل القواعد الصارمة للسومو والارتقاء إلى القمة. فعلى سبيل المثال، كان كيوكوشوزان أثناء خوضه النزلات في المراتب الأدنى يرسل بعضًا من أرباحه الضئيلة إلى أسرته في منغوليا، وهو مبلغ ضئيل في اليابان ولكنه كبير وفقًا للمعايير المنغولية، لدرجة أن والديه كانا متشككين فيما يتعلق بأصول هذه الأموال المرسلة. وبمجرد دخوله إلى قسم الـ ماكوأوتشي، سرعان ما اشترى قطعة أرض سكنية شاسعة لأفراد عائلته.

وكنماذج يُحتذى بها، ألهم كلاهما المئات من أبناء وطنهم الشباب لمطاردة ”حلم السومو“. فهؤلاء المصارعون الشباب ملأوا ذلك الفراغ الناجم عن النقص المطرد في المصارعين اليابانيين الجدد، وبدأوا حقبة سيطر عليها الأبطال الكبار أساشوريو و هاكوهو.

إن كيكوشوزان و كيكوتينهو كلاهما من الرواد في قصص الكفاح والنجاح الرياضي. ولا تزال إنجازاتهما يتردد صدها في وطنهما وفي عالم السومو.

من اليسار، أما (لاحقًا أصبح يُسمى هارومافوجي)، هاكوهو، أساشوريو، و كيكوشوزان، حيث الاكتساح المنغولي لجوائز منافسات قسم الـ ماكوأوتشي في البطولة الربيعية لعام 2006. (© جيجي برس)
من اليسار، أما (لاحقًا أصبح يُسمى هارومافوجي)، هاكوهو، أساشوريو، و كيكوشوزان، حيث الاكتساح المنغولي لجوائز منافسات قسم الـ ماكوأوتشي في البطولة الربيعية لعام 2006. (© جيجي برس)

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: المصارعون المنغوليون الستة الرواد أثناء اختبارات الالتحاق البدنية قبل بطولة الربيع لعام 1992. في أقصى اليسار: كيوكوتنهو وكيوكوشوزان. كيودو)

الرياضة السومو الرياضات