«شوغون» و«عائلة النينجا»... مسلسلات يابانية تحقق شهرة عالمية

ثقافة

يسعى الممثلان اليابانيان سانادا هيرويوكي وكاكو كينتو إلى تقديم صورة مختلفة لليابان في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية. لقد شاركا في بطولة المسلسلين الذين يعرضان الآن على شاشات المنصات الدولية ”شوغون“ و”بيت النينجا“، بالإضافة إلى مشاركتهم في العمل خلف الكاميرات كمنتجين لهذه الأعمال. تهدف هذه المشاريع إلى إظهار اليابان كبلد غني بالتاريخ والثقافة، بعيدًا عن الصور النمطية والغرائبية التي غالبًا ما ترتبط باليابان في الأفلام والمسلسلات الأجنبية.

عالم من الروعة والفخامة

بدأ بث المسلسل التلفزيوني ”شوغون“، المقتبس من رواية صدرت عام 1975 للكاتب جيمس كلافيل، في فبراير/ شباط عام 2024. المسلسل من إنتاج شركة FX، وهي شركة تابعة لشركة والت ديزني، تدور أحداثه في اليابان قبل وقت قصير من معركة سيكيغاهارا عام 1600، وهي فترة زمنية تحظى بشعبية كبيرة في الدراما التاريخية اليابانية بما في ذلك مسلسلات التايغا التي تنتجها وتعرضها هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK.

يلعب الممثل الياباني الشهير سانادا هيرويوكي دور يوشي توراناغا، المستوحى من الشخصية الحقيقية توكوغاوا إياسو، في حين يؤدي كوسمو جارفيس دور جون بلاكثرون، المعروف أيضًا باسم أنجين، المستوحى من شخصية الملاح الإنجليزي ويليام آدامز. بعد وصول آدامز إلى الأراضي اليابانية، أصبح مستشارًا دبلوماسيًا لإياسو. تركز الدراما على العلاقة بين الشخصيتين، مع آنا ساواي التي تؤدي دورًا رئيسيًا أيضًا في شخصية تودا ماريكو (المقتبسة من الشخصية الكاثوليكية التاريخية هوسوكاوا غراسيا). مع تقدم أحداث القصة نرى الاختلافات الثقافية في اللقاء بين الشرق والغرب والصراع بين الكاثوليك والبروتستانت والتي لا تعرض بالتفصيل في الأعمال الدرامية التاريخية اليابانية. في حين أنه من السهل فهم نماذج الشخصيات، إلا أن الانحراف عن الأحداث التاريخية الحقيقية قد يربك المشاهدون المحبون لهذا النوع من الدراما، لكن من المؤكد أنهم سيسحرون بكثافة الصور القوية والحبكة السياسية المثيرة.

تم تحويل الرواية سابقًا إلى مسلسل قصير ناجح تم بثه في الولايات المتحدة عام 1980 وتمت ترجمته وعرضه في السوق اليابانية في العام التالي. بصراحة، لم يعجبني. كان تصوير اليابان غريبًا بالتأكيد، وأتذكر أنني لم أتمكن من مشاهدته حتى النهاية.

ومع ذلك، بعد مرور 40 عامًا، تلقى مسلسل ”شوغون“ الجديد تقييمات نقدية رائعة. حيث ساعد المتخصصين اليابانيين والخبراء في عالم الأزياء والدعائم والتمثيل والحوار وتصميم الغرف في إنشاء عالم استثنائي من الفخامة والروعة لا يكاد يوجد فيه أي شيء يصدمنا نحن اليابانيون.

كانت مساهمة الممثل الياباني سانادا هيريوكي في هذا العمل هائلة. لقد مرت 20 عامًا منذ أن بدأ العمل لأول مرة على دحض المفاهيم الخاطئة عن اليابان في فيلم ”الساموراي الأخير“ الذي عُرض عام 2003. أقنعته هذه التجربة بأن المهمة كانت أكبر من أن يقوم ممثل واحد بتغيرها، لذلك هذه المرة، بالإضافة إلى دوره القيادي كأحد أبطال المسلسل، شارك أيضًا في الإنتاج، واختار فريق من المحترفين، واهتم بأدق التفاصيل، وكان بمثابة جسر بين طاقم العمل الياباني والأجنبي. وهذا يظهر تنوعًا استثنائيًا.

 في الأيام الستة الأولى من العرض، حقق “شوغون” إجمالي 9 ملايين مشاهدة حول العالم على منصة هولو وديزني بلس (في اليابان). (© ديزني والكيانات المرتبطة بها؛ مقدمة من شبكات FX)
في الأيام الستة الأولى من العرض، حقق “شوغون” إجمالي 9 ملايين مشاهدة حول العالم على منصة هولو وديزني بلس (في اليابان). (© ديزني والكيانات المرتبطة بها؛ مقدمة من شبكات FX)

الفرص على منصة نتفلكس

وفي الوقت نفسه، حققت الدراما المعاصرة ”بيت النينجا“ شعبية كبيرة على منصة نتفلكس. يجسد الممثل كاكو كينتو دور البطولة ويشارك أيضًا كمنتج منفذ. تولى المخرج الأمريكي ديف بويل مهمة إخراج هذا المسلسل، فيما تعاونت الشركة الفرعية ”توهو ستوديوز“ التابعة لشركة إنتاج الأفلام اليابانية توهو مع منصة نتفلكس لإنتاج المسلسل. تدور أحداثه حول عائلة تنحدر من هاتوري هانزو، الذي خدم توكوغاوا إياسو، يُنظر إليه على أنه أسطورة النينجا في عالم هذه القصة.

التاوارا هم عائلة عريقة من الشينوبي، أو النينجا. يلعب إيغوتشي يوسوكى وكيمورا تائيه دور الوالدين وكاكو بدور الابن الثاني. قبل ست سنوات، قُتل الابن الأكبر (كورا كينغو)، وانسحبت العائلة من أعمالها السابقة. ومع ذلك، سرعان ما تُجر العائلة مرة أخرى إلى عالم الصراعات عندما يجدون أنفسهم متورطين في صراع مع ”نينجا“ من عشيرة منافسة وزعيم طائفة دينية جديدة (يامادا تاكايوكي). يبتعد المسلسل عن الصورة النمطية للنينجا المليئة بالسحر والخيال، ويركز بدلًا من ذلك على تصوير حياة النينجا الواقعية، بما في ذلك الصراعات الداخلية للعائلة الممزقة ومحاولاتهم لإعادة توحيدها بعد فاجعة فقدان ابنهم. كما يتناول المسلسل قضايا اجتماعية مهمة مثل الشعور بالانغلاق واليأس والركود في المجتمع الياباني.

في ظل جائحة كورونا، واجه الممثل كاكو كينتو أزمة في عمله كممثل، مما دفعه إلى الشعور بالقلق على مسيرته المهنية. استغل كاكو هذا الشعور كمحرك للإبداع، فقام بكتابة حبكة درامية لمسلسل عن النينجا، وعرضه على منصة نتفلكس العالمية. صادفت أفكاره ترحيبًا كبيرًا من نتفلكس التي كانت تبحث في ذلك الوقت عن محتوى للنينجا يمكن بثه عالميًا. منذ البداية، تجلت ملاءمة كاكو للمشروع من خلال شغفه الشخصي بالنينجا، بالإضافة إلى رغبته في الوصول إلى الجمهور العالمي.

في الأسبوع الثاني من عرضه، تصدر “بيت النينجا” قائمة أفضل 10 مسلسلات أسبوعية على منصة نتفلكس للمسلسلات غير الناطقة بالإنكليزية (© نتفلكس)
في الأسبوع الثاني من عرضه، تصدر “بيت النينجا” قائمة أفضل 10 مسلسلات أسبوعية على منصة نتفلكس للمسلسلات غير الناطقة بالإنكليزية (© نتفلكس)

تأكيد أفكارهم الخاصة

لم يعد من الغريب أن نرى ممثلين يابانيين يوسعون نطاق عملهم إلى خارج حدود بلادهم. بينما غالباً ما تسلط الأضواء على الممثلين الذين يظهرون في هوليوود، إلا أن هناك عددًا متزايدًا من النجوم الذين يحققون النجاح في الصين وتايوان وكوريا الجنوبية. في بعض الأحيان، يحقق ممثلون يابانيون شهرة كبيرة في آسيا ليعودوا بعد ذلك إلى بلادهم كنجوم.

يعود تاريخ تواجد الممثلين اليابانيين في هوليوود إلى حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية والذين سافروا إلى الولايات المتحدة قبل أن يبنوا مسيرتهم الفنية في اليابان. ومع ذلك، في الستينيات، ازدادت شهرة السينما اليابانية بفضل أفلام المخرج الشهير أكيرا كوروساوا، مما مهد الطريق لظهور الممثل ميفوني توشيرو على الساحة العالمية من خلال مشاركته في العديد من الأفلام الأجنبية. وتبعه في ذلك العديد من الممثلين البارزين مثل تامبا تيتسورو، وسوني تشيبا، وتاكاكورا كين، وماتسودا يوساكو، وكودوه يوكي.

حقق الممثل الياباني واتانابى كين شهرة عالمية من خلال مشاركته في فيلم الساموراي الأخير؛ إلى جانب مسيرته السينمائية اللاحقة، شارك واتانابى أيضًا في أعمال فنية قدمها على خشبة المسرح. انتقل الممثل سانادا إلى هوليوود بعد ظهوره في نفس الفيلم، ولعب منذ ذلك الحين أدوارًا في عدد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية خارج اليابان. يعد الاثنان الآن من الأمثلة الرائدة للممثلين اليابانيين الناجحين عالميًا.

ازدادت شعبية الأعمال الفنية اليابانية عالميًا بفضل انتشار خدمات البث. لقد ساعدت هذه الخدمات في تقليل الحواجز أمام تحقيق النجاح العالمي، وأصبح لدى المبدعين اليابانيين فهم أفضل لاحتياجات المشاهدين في الخارج. إذا استثمرت الشركات اليابانية في الإنتاجات الأجنبية التي تتطلب إنتاجها مبالغ ضخمة، فمن المرجح أن يظهر المزيد من الممثلين اليابانيين في هذه الأعمال.

إن الطريقة التي يفكر بها الممثلون اليابانيون تتغير وتصبح أكثر تنوعًا. يتجه المزيد من الممثلين اليابانيين للعمل خارج حدود اليابان، والمشاركة في الإنتاج الفني، والتحرر من سيطرة وكالات المواهب، ويؤكدون عن أفكارهم الخاصة، رافضين الالتزام بفكرة أنه يجب عليهم التركيز فقط على التمثيل.

الممثل كاكو كينتو، الذي يشارك في الإنتاج لأول مرة في مسلسل “بيت النينجا”، علق في مقابلة مع مجلة “إيلي” بأنه يريد أن يفكر المزيد من الأشخاص أنه إذا كان بإمكانه فعل ذلك، فيمكنهم هم أيضًا. ويبدو أنه يقدر الحرية التي حصل عليها بعد انفصاله عن وكالة كبيرة في عام 2022. وفي 3 أبريل/ نيسان، أعلن عبر إنستغرام عن تأسيسه شركة إنتاج جديدة، سيجنال 181، مع المخرج ديف بويل.

هناك عامل آخر يساهم في تقدم الدراما اليابانية وهو زيادة عدد الزائرين إلى اليابان، الذين أتيحت لهم فرصة أكبر لرؤية اليابان الحقيقية على أرض الوقع. أولئك الذين يأتون في رحلات متكررة يتجاوزون زيارة الأماكن السياحية المشهورة ويتمتعون بتجربة الثقافة اليابانية ويحظون بتجارب متنوعة. حتى لو جذبتهم المانغا والأنمي في البداية، إلا أنهم مع معرفتهم بالتاريخ ومعايشتهم للحياة اليومية، فإنهم يرسمون صورة عن اليابان الحقيقية بعيدًا عن الصور النمطية.

مقاومة الصورة النمطية

ومع ذلك، ليس كل شيء إيجابيًا للغاية. إن الأفكار الثابتة في هوليوود حول الشعب الياباني متجذرة بعمق، وستستمر المعارك ضد التمييز والتحيز في السوق الدولية.

يعمل ماتسوزاكي يوكي في هوليوود منذ أكثر من 20 عامًا، وظهر في أفلام مثل ”رسائل من إيووجيما“ و ”النمر الوردي 2“. وفي مقابلة فيديو أجريت في مارس /نيسان عام 2022 نُشرت على موقع يوتيوب، ناقش التمييز ضد الممثلين اليابانيين وغيرهم من الممثلين الآسيويين. ثم، في مقابلة مطبوعة نُشرت على موقع صحيفة أساهي شيمبون، وصف كيف قال منتج مشهور إن الشعب الياباني لا يغضب من تصويره بشكل خاطئ أو بصورة غير حقيقية ولا يبدأ في حركات المقاطعة ضد هذه الممارسات. وبما أنه لا يؤثر على إيرادات شباك التذاكر، فلا يوجد شعور بالحاجة إلى الاكتراث. وفي مواجهة التمييز اللاواعي ضد مختلف الأقليات- ليس فقط بناءً على العرق - قال ماتسوزاكي إنه يريد الاستمرار في رفع صوته، حتى لو جعل ذلك الآخرين يشعرون بعدم الارتياح.

لقد استغرق الأمر عقودًا لننتقل من وقت كان فيه الممثلون اليابانيون سعداء لمجرد الظهور في الإنتاجات الأجنبية إلى الوقت الذي أصبحوا فيه يطالبون بالتمثيل الدقيق لثقافتهم ويصلون إلى مناصب لتحقيق ذلك. يجب على الجمهور أيضًا أن يكون على دراية بالتمييز.

سلك عالم الموسيقى نفس المسار. حيث واجهت مسرحية أوبرا ”مدام بترفلاي“ للمؤلف الإيطالي جاكومو بوتشيني، التي عُرضت لأول مرة في عام 1904، انتقادات بسبب غرابة تصويرها لليابان. بعد المرور بفترة من البحث عن أهمية اختيار ممثلين يابانيين لأداء الأدوار اليابانية، بدأ إنتاج هذه الأوبرا عام 1985 في إيطاليا بمشاركة طاقم عمل ياباني في الإخراج والأزياء والديكور.

احتج مغني الأوبرا الياباني أوكامورا تاكاؤ على مخرج العرض في دار الأوبرا الأوروبية بشأن تجاهل العادات والتقاليد اليابانية. وكان الاستقبال البارد الذي تلاقاه سببًا في دفعه إلى تقديم ”نسخته الخاصة المنقحة“ في طوكيو في عام 2003. لم توافق حفيدة بوتشيني، التي كانت تملك حقوق الطبع والنشر، على التعديلات، ولكن يُقال إن الأشخاص في عالم الموسيقى كانوا متفهمين.

في السنوات الأخيرة، دعا بعض الباحثين في أوروبا إلى ضرورة مراجعة الإبداعات الفنية من منظور معاصر، حيث إن عرض الأعمال ذات القوالب النمطية الاستعمارية أو العنصرية يمكن أن تؤدي إلى التواطؤ دون وعي في التمييز. لقد استغرق الأمر قرنًا للوصول إلى هذه النقطة.

ومع ازدياد البث العالمي المتزامن على شاشات التلفزيون، يصبح العالم أصغر، وتتلاشى الحواجز. وقد أدى ذلك أيضًا إلى زيادة المنافسة. فلم يعد الممثل بحاجة إلى مهارات التمثيل القوية فقط، بل بات عليه امتلاك مهارات إبداعية وقدرات لغوية، وتأكيد ما يجب تأكيده. وبالمثل، يحتاج المشاهدون إلى الوعي بضرورة عدم التواطؤ في التمييز اللاواعي. وفي بعض النواحي، ربما تكون التحديات قد زادت بالفعل.

وفي مؤتمر صحفي عقد في شهر فبراير/ شباط في نادي المراسلين الأجانب في اليابان في طوكيو، قال سانادا إن عمله في مسلسل ”شوغون“ يمثل خطوة كبيرة نحو المستقبل، وأنه يرى نفسه يبني جسورًا للأجيال القادمة التي ترغب في العمل خارج اليابان. ويمكن الآن للشباب الموهوبين عبور تلك الجسور والحدود الدولية بسهولة، مما يدل على التقدم الذي تم تحقيقه حتى الآن.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ 6 أبريل/نيسان عام2024، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: سانادا هيرويوكي على اليسار © رويترز وكاكو كينتو جيجي برس)

الفن التقليدي الفن الفن المعاصر سينما