منتجات يابانية

تعرف على الشركات اليابانية المعمرة التي تعمل منذ قرون !

اقتصاد علوم

اليابان هي موطن لكثير من الشركات التي تجاوز عمرها القرن الواحد أو حتى أقدم من ذلك بكثير. معظمها شركات عائلية تم رعايتها وتطويرها والحفاظ عليها وتوريثها ضمن عائلة واحدة. فوناباشي هارو، رئيس معهد أبحاث سيريوس، يدرس هذه الظاهرة والعوامل الكامنة وراءها.

شركات صنع في اليابان

هنالك نحو 4.3 مليون من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في اليابان، وهو ما يمثل ما يقرب من 99.7% من جميع الشركات في البلاد. وتعتبر هذه الشركات بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الياباني. وسنتحدث هنا عن الشركات التي طورت تقنيات مميزة، للتقرب من الأسواق المتخصصة، أو الشركات التي لديها أساليب إدارة غير عادية فضلا عن العديد من الشركات اليابانية التي تعمل ومازالت لمدة قرن أو أكثر.

20 ألف شركة عمرها 100عام !

هناك عدد كبير من الشركات اليابانية ناشطة في العمل منذ 100 عام أو أكثر. وقد تعطي هذه الشركات المعمرة دروساً مفيدة للشركات الجديدة وكذلك لتطوير أشكال جديدة من المجتمع الصناعي. والسؤال هو ما هي الطريقة التي اتبعتها هذه الشركات المعمرة؟

لقد تم إنشاء ما يقرب من 20 ألف من أصل 1.24 مليون شركة في اليابان منذ ما لا يقل عن قرن من الزمان. وضمن هذا الرقم، يوجد هناك حوالي 1200 شركة تعمل منذ 200 عام على الأقل وهناك نحو 400 شركة في العمل منذ 300 عام على الأقل. أيضا، كما ان هناك حوالي 30 شركة يابانية موجودة في العمل لمدة 500 عام أو أكثر، ونحو 7 شركات موجودة في سوق العمل منذ ألف عام أو أكثر. كما ان عدد غير قليل من هذه الشركات هي شركات عائلية تم رعايتها والحفاظ عليها وتوسيعها وتوارثها من جيل إلى جيل. هذا وتعمل العديد من هذه الشركات المعمرة في واحد من ثلاثة مجالات من الأعمال.

مجال الأعمال الأول هو السلع التي تعتبر ضرورية للحياة اليومية، حيث يأتي في المقام الأول الغذاء والدواء، ويشمل هذا المجال مشروب الساكي والحلويات التقليدية وصلصة الصويا والميسو والأدوية العشبية. من البديهي أن تكون السلع الأساسية أكثر سيطرة على السوق من السلع الكمالية.

ثم يليه المجال الثاني وهو في الأعمال العائلية، والتي عادة ما تكون مكرسة لأصحاب الفنادق أو إلى التجارة التي تتطلب مهارات خاصة مثل صناعة الورق والمعادن وصهر المعادن. شركات مثل هذه هي سهلة نسبياً بالنسبة للأسرة الواحدة للحفاظ عليها كما تعتبر قابلة للتكيف مع تغير الزمن. وأما المجال الثالث فهو الشركات التي تدعم المساعي الثقافية التقليدية. ويشمل ذلك تصنيع المواد والأدوات المستخدمة في حفلات الشاي وتنسيق الزهور وعروض مسرح النوه الياباني وما شابه ذلك. وقد زودت بعض هذه الشركات مثل هذه الخدمات للعائلة الإمبراطورية اليابانية وللأقطاعيين في الماضي، فضلا ًعن المعابد البوذية ومزارات الشنتو. والشركات العائلية العشرة المعروفة باسم (Senke Jusshoku)، والتي تنتج منذ فترة طويلة أواني ومواد فاخرة لحفلات الشاي، هي على الأرجح الشركات الأكثر شهرة بين ممارسي هذا النوع من الأعمال.

وضوح الهدف ومنظور طويل الأجل

لماذا تعد اليابان موطناً لكثير من الشركات المعمرة؟ والجواب هوَ انّ بعض العوامل ذات الصلة قد تكون كامنة في الظروف الجغرافية لهذا البلد والأفكار والمعتقدات الدينية التي تطورت على مدى قرون من الزمن، ناهيك عن نهج ياباني متميز للأعمال. وبالطبع فان هذا لا يعني أن كل شركة تنجو من الصعوبات التي تواجهها. حيث ليس هناك سوى عدد محدود تمكن من التغلب على التحديات والاستمرار لفترات طويلة.

هيروكي هي واحدة من أشهر العلامات التجارية لمشروب الساكي في اليابان، ومعظم خبراء هذا الشراب المرتكز على الأرز يثنون على الساكي الشهير لمذاقه المنعش ورائحته المرهفة حيث لا يتم تصفيته أو تبسيره أو تخفيفه. بسبب صعوبة تخزينه ونقله، ويشتهر هيروكي بأنه ساكي بعيد المنال، وهو متاح فقط في عدد محدود من المحلات التجارية المتخصصة في جميع أنحاء البلاد. هيروكي شوزو (مصنع مشروبات روحية) ينتج هذا المشروب منذ منتصف عصر إيدو ( ١٦٠٣-١٨٦٨ ) في ايزوبانجي، وهي بلدة في الجزء الغربي من منطقة أيزو في محافظة فوكوشيما.

تصوير: اوزاوا أكيهيكو

تتمثل السمة الأولى في وضوح الهدف والرؤية في العمل. حيث أن مالكي الشركات المعمرة، وخلفائهم، يضعون مبادئً واضحة موضع التنفيذ ويقومون بتحديد الاهداف لأعمالهم ونقاط القوة الأساسية والمخاطر قبل كل شيء. وفي بعض الحالات تتم كتابة هذه المبادئ التوجيهية ويتم الحفاظ عليها في شكل قانون عائلي أو نظام للسلوك، بل ويمكن أيضا أن تنتقل هذه المبادئ عن طريق الكلمة من الفم من جيل إلى جيل، وأحيانا على شكل إرث سري باعتبارها وصفة سرية عائلية. وفي بعض الأحيان يتم التعبير عن قانون الأسرة من خلال الإجراءات الاحتفالية التي تعكس فلسفة مؤسس الشركة أو تلك المستوحاة من أقوال وأفعال المؤسس. سيما وانّ الثابت الواحد من بين الشركات الأكثر ديمومة في اليابان، والذي يتجسد بالكاد في كل واحد تقريبًا هو التفاني في الالتزام بمجموعة معينة من القيم والمبادئ الأساسية.

أما السمة الثانية فتتمثل في نهج الإدارة القائمة على منظور طويل الأجل. الأعمال الدائمة لديها قدر كبير من التاريخ المتراكم يساعد على الاستفادة منه. تتطلع الشركة التي عمرها 200 سنة إلى الـ 200 سنة القادمة وتحاول شركة عمرها 500 سنة الاستفادة مما اكتسبته من خبرات لمعرفة 500 سنة في المستقل. سيما وان سياسةَ الإدارة الأساسية معنيةٌ برعاية الشركة على المدى الطويل وعلى نحوٍ أكثر بكثير من الربح على المدى القصير أو السعي وراء الثروة. حيث تتمثل الأولوية قبل كل شيء في حماية ما يعتمد عليه الازدهار على المدى الطويل   ولعل اسم الشركة الجيد. في اليابانية حيث تشير كلمة ”نورين“ إلى نوع من الستائر القصيرة تعلق عادة خارج متجر تقليدي أو مطعم. في الأصل هو خير دليل على ذلك فقد استخدمت هذه الستارة كمظلة شمسية أو للوقاية من الرش والرذاذ، لكن مع مرور الوقت أصبحت ”نورين“ أداة مناسبة لعرض شارة المحل. لاحقا، أصبحت ترمز إلى سمعة الاعمال. وبالتالي اصبح أي وصف محتمل لوجود أي خلل وصمة عار على ستارة النورين، مما يلحق ضرراً ولو ضمنياً حول مصداقية الشركة، وهي الامور الذي ينبغي تجنبها بأي ثمن.

موكايتكي هو نزل تقليدي بالقرب من وسط منطقة أيزواكاماتسو، والتي تقع بين مجموعة صغيرة من فنادق الينابيع الساخنة التقليدية. خلال فترة إيدو، وقد كان ذلك المبنى عبارة عن مأوى تابع إلى الإقطاعيين في مقاطعة أيزو. تم افتتاحه كنزل في عام ١٨٧٣. وعلى مر السنين، استضاف موكايتكي عدداً من الشخصيات ذات النفوذ، بما في ذلك أول رئيس وزراء لليابان، ايتو هيروبومي، وغيرهم من رجال الدولة البارزين في عصر ميجي (١٨٦٨-١٩١٢)، وعالم الجراثيم/ الباكتيريا الشهير نوجوتشي هيديو (الذي تزين صورته ورقة ال ١٠٠٠ ين)، والشاعر يوسانو أكيكو، ومؤخرا رئيس الوزراء الاسبق كويزومي جونتشيرو. وجدير بالذكر ان هذا المبنى الأنيق، الذي هو من بقايا عصر ميجي، مسجلٌ لدى الحكومة كأحد مواقع التراث الثقافية المهمة في البلاد

تصوير: أوزاوا أكيهيكو

 شركات ترتكز على الموظفين وموجهة لصالح العملاء

السمة الثالثة من الشركات المعمرة تتمثل في أسلوب الإدارة الذي يضع الناس في المقام الأول فمعظم الشركات ذات الأقدمية في اليابان تعتبر موظفيها بانهم ليسوا أجزاءً قابلة للاستبدال ولكنهم بمثابة القلب الذي يبعث الحياة في الشركة وكشركاء للنمو ايضاً. وهذه الشركات ملتزمة بقوة بعملية التدريب والتأهيل الداخلي، وباعتمادِ وجهة نظر طويلة الأجل عند تعيين الموظفين وتقييم المرشحين للوظائف. وفي بعض الحالات، يرجع المسؤول الى قانون عمل الأسرة الذي ينص صراحة على مبدأ ترابط مشغلي الشركات العائلية وموظفيها وذلك في السعي لتحقيق الرخاء . وقد ركز المسؤولون عن التشغيل في الشركات المعمرة عادة على أهمية وجود الأفراد الأكفاء. وقد وضعت العديد من هذه الشركات أُطراً خاصة تضمن دخول هؤلاء الذين يملكون موهبة فقط كافية في صفوف الإدارة العليا، وذلك من خلال فحص الورثة المحتملين بعناية وإقصاء الطامحين غير المؤهلين في اللقاءات العائلية. وقد أنشأت بعض الشركات أنظمة مماثلة لتلك التي ظهرت في الشركات الحديثة التي توزع الصلاحيات التنفيذية بين أعضاء المراتب العليا، والتي تضمن ايضاً بأن الامتيازات الملكية منفصلة تماما عن السلطة التنفيذية.

السمة الرابعة هي التفاني الشامل لوضع مصالح العميل أولا. المؤسسة التجارية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، يجب أن يكون لديها زبائن، والادراك بانها أُوجدت ليس لتبقى على المدى الطويل ولكن لتحيا في المقام الأول. وبالتالي يجب على الشركات المعمرة تجنب وباحتراس قصر النظر لجني الأرباح أو بالرضا في أقدمية الشركة، والتي قد تؤدي بالعاملين فيها إلى إهمال زبائن الشركة وعملائها.

السمة الخامسة للشركات طويلة الأمد هي علاقة صحية مع المجتمع الأكبر. وهذه ليست مجرد مسألة تجنب النقد أو النوع الخاطئ من الدعاية. حيث ان هذه العلاقة تنجم عن رغبة أساسية للإسهام بنشاط في الصالح العام من خلال الأنشطة التجارية.

متواضعة، مقتصدة ومتكيفة

السمة السادسة هو الرغبة في التطور والابتكار باستمرار، والقدرة على تجنب الدخول في قفص نجاحات الماضي. حيث ان هناك مفتاحاً واحداً للتعمير وهو معرفة ما يجب تغييره ببراعة عند الاستجابة للتحولات في المجتمع واحتياجات العملاء. وفي بعض الأحيان، يتطلب هذا الامر استدعاء الشجاعة لتغيير نهج الشركة نفسه .

السمة السابعة هو الدعوة للبساطة والالتزام باتِّباع التقشف. ففي اليابان، فقد كان ينظر دائما إلى النفايات باعتبارها خطيئة تستحق التوبيخ. وهناك إشارات متكررة لممارسة التواضع واتبّاع التقشف، سواء في إدارة الأعمال أو في تسيير حياة المرء الخاصة. ويجدر الذكر هنا، الى ان التدبير لا يعني الشح. فهو ليس سوى وسيلةً للحفاظ على الموارد للاستثمار في المستقبل، في حين أن اسلوب التقشف هو مجرد توفير المال كغاية في حد ذاتها. ولعل الأهم من هذا كله يكمن في ان ممارسات التواضع والتقشف تعمل في حدِّ ذلتها على تعزيز مناخ من الصدق والنزاهة، والذي هو رصيدا لا يقدر بثمن في عالم الأعمال.

شركة أويغو تصنع ٧٠ ٪ من الأجراس المستخدمة في المعابد البوذية في اليابان. تأسست قبل ٢٠٠ سنة في مدينة تاكاوكا في محافظة توياما، ولدى صانع الأجراس هذا زبائن خارج البلاد.

الصورة مقدمة من أويغو سيساكوشو

توريث القيم

السمة الثامنة والأخيرة من الشركات المعمرة هي عزم لا يكل لصون وتوريث القيم والنهج المذكورة أعلاه. والذي تراقب الشركات من خلاله الإجراءات والمراسم للتذكير بالمؤسسين وأسرهم، فضلا عن احياء فلسفة وقيم الشركة؛ بغية توطيد الروابط بين الموظفين الذين ناضلوا من خلال الأوقات الصعبة معا، وعلى تمرير هذه الذكريات إلى الأجيال الجديدة. وباختصار، يجب أن يكون لدى الشركات المعمرة رؤية واضحة للأهداف، وأن تكون قادرة على التكيف مع التغيرات في المجتمع والبيئة من أجل المنافسة والاستمرار في التركيز على مصالح أولئك الذين يعتمدون على أنشطتها، وتتصرف كعضو مسؤول في المجتمع، وتسعى باستمرار لتحسين قدراتها الخاصة على المدى الطويل وتتصرف بطريقة مقتصدة. وللمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع، يرجى مراجعة المشاريع الخالدة لفوناباشي هارو: 32 شركة يابانية تبنت 8 مبادئ للتعمير.

الدوجو أو سمكة لوتش، هي أسماك المياه العذبة والتي كانت تقدم في كثير من الأحيان في وجبات الطعام في مدينة إيدو (طوكيو حاليا) خلال فترة إيدو. إحدى الأطباق هو دوجو نابي، ويحضر عن طريق طهي السمكة بأكملها داخل وعاء مع مكونات أخرى لصنع وجبة مغذية تعطي طاقة وحيوية للجسم. وهذا مطعم واحد متخصص في الطبق هو كوماجاتا دوجو، الذي أنشئ في عام ١٨٠١.

تصوير كاتو تاكيمي

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، الصورة الموجودة أعلاه: واجهة مخزن ايواكي ماسويا. تصوير أوتاغاوا هيروشيغه، الصورة مقدمة من PPA/AFLO)

الأعمال العائلة الصناعة الشركات اليابانية