”أوكو“ ليوشيناغا فومي: نسخة بديلة عن التاريخ الياباني تحكمه النساء

مانغا وأنيمي

تتخيل الفنانة يوشيناغا فومي في مانغا ’’أوكو‘‘ عالما تحكم فيه النساء اليابان بعد وفاة معظم رجال البلاد بسبب إصابتهم بمرض خطير يصيب الذكور فقط. وقد نال هذا العمل الذي يبتكر نسخة معدلة من فترة إيدو (1603-1868) جوائز وحظي بالإشادة سواء في الداخل أو على المستوى الدولي.

تبدل الأدوار الاجتماعية

يحكي عمل لفنانة المانغا يوشيناغا فومي بعنوان ”أوكو: الحجرات الداخلية“ قصة نسخة بديلة عن فترة إيدو (1603-1868) يقتل فيها معظم السكان الذكور بسبب مرض ”جدري الوجه الأحمر“ الذي يصيب الرجال فقط خلال عهد إيميتسو ثالث شوغون في شوغونية توكوغاوا. تفقد عائلات الفلاحين والتجار والساموراي معيليها وورثتها، حتى أن إيميتسو نفسه يتوفى لتخلفه سرا ابنته غير الشرعية. تؤسس الحاكمة الشوغونية الأنثى مجتمعا جديدا تُعكس فيه الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء. (تنبيه: تتناول هذه المقالة الحبكة القصصية لأوكو بما في ذلك أحداث النهاية)

لدى اليابان تاريخ طويل من القصص التي تحكي عن تبدل الأدوار بين الذكور والإناث. ومن الجدير بالذكر أن هناك عملا كلاسيكيا بعنوان ”التحديات“ مكتوب في أواخر فترة هييان (794–1185) يحكي قصة أخ وأخت يعيشان على حد سواء كجنسين مختلفين أيضا، بالإضافة إلى العديد من أعمال المانغا المستوحاة من القصة. بطل مانغا ”قلب الأميرة“ للفنان تيزوكا أوسامو والتي تعود إلى خمسينات القرن الماضي له قلب رجل وقلب امرأة وتتغير شخصيته عند تبدل قلبه. كما أن اسم الشخصية الرئيسية في سلسلة المانغا التي تعود إلى سبعينات القرن الماضي بعنوان زهرة فرساي لإيكيدا ريوكو هو أوسكار وهي امرأة نبيلة نشأت كرجل، وتدور أحداث القصة في وقت قريب من الثورة الفرنسية.

يقول يامادا توموكو باحث المانغا من مكتبة يوشيهيرو يونيزاوا التذكارية للمانغا والثقافات الفرعية في جامعة ميجي: ”تبرز أوكو ليوشيناغا فومي من حيث إنها تقدم إعادة قراءة للتاريخ حيث تكون الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء معكوسة تماما، أكثر من كونها تجري فقط تغييرات ظاهرية“.

بعد أن تولت ابنة إيميتسو منصب الشوغون (متخذة لنفسها اسم إيميتسو أيضا)، قامت مرضعته السابقة كاسوغا نو تسوبوني بتأسيس أوكو – في الأصل اسم لحجرات للسيدات تضم زوجته الرئيسية ومحظياته في القصر، ولكن هنا بمعنى جديد – وذلك للتأكد من أن نسلها يمكن أن يستمر. وهذا يوازي دور كاسوغا في الواقع، حيث كان لها دور بارز في أوكو، باستثناء نسخة يوشيناغا من التاريخ، وهذه ”الحجرات الداخلية“ هي أماكن لرجال اختيروا لقدراتهم على التكاثر. تدخل البلاد في عزلة لمنع القوى الأجنبية من معرفة الانحدار المفاجئ في عدد الرجال. وفي انقلاب آخر للأدوار الاجتماعية، أصبحت أماكن الترفيه الشهيرة في يوشيوارا مكانا للنساء العاديات لاختيار رجال ليكونوا آباء لأطفالهن. وفي الوقت نفسه، تؤدي النساء الأعمال البدنية.

يقول يامادا ”وبدلا من تبادل الأدوار بين الذكور والإناث فجأة، بنت يوشيناغا عالما معقولا ومتسقا لعبت فيه النساء دورا مركزيا أدى إلى إحداث تغيير اجتماعي. وفي النهاية أيضا، تعود القصة إلى التاريخ ’الحقيقي‘ الذي نعرفه. كان هذا النوع من القصص المنسوج بمهارة غير مسبوق، وأعتقد أن هذا هو السبب وراء حصول العمل على هذا التقدير بسرعة في كل من اليابان وخارجها.

جوائز وإشادة

بعد خمس سنوات من بدء نشر سلسلة المانغا، فازت أوكو بجائزة تيزوكا أوسامو الثقافية في عام 2009، وحصدت في العام التالي جائزة جيمس تيبتري جونيور (الآن جائزة أزروايز) لأعمال الخيال العلمي والفانتازيا التي تشجع على استكشاف الهويات الجنسية وتوسيعها. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب ياباني بالجائزة الأمريكية، وكذلك المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب قصص مانغا فيها.

”إن التواريخ البديلة التي تتبدل فيها أدوار الرجال والنساء شائعة في الخيال العلمي. لكن إنزال ذلك على عائلة الشوغون وأوكو جعل قراء قصص الخيال العلمي يتحدثون منذ بداية انطلاق هذه السلسلة“، هكذا علق ناقد الخيال العلمي والمترجم أوموري نوزومي. ”أنا شخصيا كنت حريصا على رؤية كيف سيتوافق هذا التصور مع تاريخ عائلة توكوغاوا، وكيف ستوظفه يوشيناغا“.

تدمج السلسلة في حبكتها القصصية جميع الشوغونات من إيميتسو إلى يوشينوبو (الخامس عشر والأخير) – يوشينوبو واثنان آخران من الذكور – مع التاريخ الحقيقي. كان حرق السجلات السرية للغاية في عصر نهضة ميجي عام 1868 المتعلقة بأوكو والتي تغطي تاريخ عصر كاسوغا نو تسوبوني، بمثابة استكمال لعودة الرجال والنساء إلى أدوارهم الاجتماعية السابقة. يعيد سايغو تاكاموري كتابة التاريخ ليجعل جميع الشوغونات من الرجال، ويمحو النسخة ”المخزية“ التي أنتجتها النساء.

يقول أوموري: ”من المحتمل أن يقوم كاتب نموذجي لقصص الخيال العلمي بتغيير أسماء الشوغونات بعد إيميتسو ويبتكر تاريخا مختلفا تماما للعائلة يختلف عن تاريخنا. ولكن في أوكو تتكشف الأحداث الكبرى إلى حد كبير في أعقاب التاريخ الذي نعرفه، في حين تبتكر المؤلفة بديلا مقنعا. لقد كان هذا نهجا مبتكرا“.

استندت جائزة جيمس تيبتري جونيور فقط إلى أول كتابين مترجمين باللغة الإنجليزية. يقول أوموري ”كانت المزيد من أجزاء سلسلة المانغا قيد الترجمة آنذاك. وكان ليوشيناغا الكثير من المعجبين الأمريكيين، وانتشرت تفاصيل قصتها عن أن شوغونات توكوغاوا كن من الإناث بسرعة مشافهة وعبر المدونات. تقرأ الكثيرات من مؤلِفات قصص الخيال العلمي مانغا أوكو في العالم الناطق باللغة الإنجليزية أيضا. إحدى القارئات البارزات اللواتي أثنين على سلسلة المانغا كانت نورا جيميسين التي فازت لاحقا 3 مرات بجائزة هوغو لأفضل رواية، والتي كانت على مدار سنوات من عشاق أعمال يوشيناغا.

يقول أوموري ”شهد الخيال العلمي في الولايات المتحدة وبريطانيا، الذي كان يهيمن عليه الكتّاب الذكور، اتجاها في السنوات القليلة الماضية إلى قيام مؤلِفات بإنتاج أحداث تاريخية بديلة أبطالها من النساء. ويمكن للمرء أن يقول إن مانغا أوكو كانت رائدة في هذا المضمار“.

بعد الانتهاء من تأليف جميع المجلدات التسعة عشر، فازت مانغا أوكو بجائزة الخيال العلمي اليابانية في فبراير/شباط عام 2022.

يقول أوموري ”لو كانت مجرد أحداث تاريخية بديلة بسيطة لما كان لها هذا التأثير . أشعر أن نهاية أوكو أكسبتها المزيد من التقدير. لقد قدمت إجابة في النهاية عن سبب وجود القليل جدا من الانحراف عن تاريخنا، بصرف النظر عن التبدل في الأدوار. هناك صدمة في أن تاريخنا الفعلي هو نسخة تم تعديلها بواسطة سايغو تاكاموري. يعطي هذا التبدل المزدوج خاتمة مذهلة مع ”إحساس بالتعجب“ من أسلوب قصص الخيال العلمي. هذا الاكتشاف المذهل يذكرني بطريقة ما بنهاية ”كوكب القرود“ .

إعادة قراءة متقنة

ولدت يوشيناغا في عام 1971، وبدأت مشوارها من خلال إنشاء محاكاة ساخرة لـ”زهرة فرساي“ و ”سلام دنك“ في مجلة دوجينشي (مجلات للنشر الذاتي) قبل أن تحصل على استراحة من هذا النوع من الحب بين الأولاد، لتظهر مجلتها التجارية لأول مرة في عام 1994. وقد رسخت نفسها كفنانة مانغا في عام 1999 مع عملها ”المخبز العتيق“ والذي حُول إلى مسلسل دراما تلفزيونية حقق نجاحا كبيرا بالإضافة إلى فيلم في كوريا الجنوبية.

ويشير يامادا إلى أنه ”يمكن للمعجبين بسبب الأعمال المشتقة (من العمل الأصلي)، إجراء تعديلات أو ربط الفراغات بين قصصهم المفضلة لجعل القصة الأصلية أكثر أهمية أو متعة بالنسبة لهم. وبالنسبة لمجتمعات المعجبين تلك، فإن مشاركة مشاعرهم بهذه الطريقة تعطي إثارة أكبر. وقد شحذت يوشيناغا مهاراتها في إعادة قراءة الأعمال ببراعة في أنشطتها في مجلة دوجينشي“.

”قالت يوشيناغا في مقابلة أجريتها معها حول أوكو إن القصة جاءت من فكرة راودتها أثناء وجودها في الجامعة لكتابة قصة خيالية عن بلد تحكمه سلالة من الملكات. وتخلت عن الفكرة بعد أن وجدت أنه من المستحيل بناء عالم من الصفر. ولكن عندما شاهدت دراما تلفزيونية عام 2003 كانت تسمى أيضا أوكو، اعتقدت أنها تستطيع كتابة محاكاة ساخرة للتاريخ الياباني“.

تتضمن السلسلة قسما يركز على الجهود الطبية للقضاء على مرض جدري الوجه الأحمر، مع نسخة بديلة من عالمة ”الدراسات الهولندية“ هيراغا غينّاي، والتي تم تصويرها على أنها مثلية ترتدي زي رجل، وشخصية تدعى أونوما لها شعر أشقر وعينان زرقاوان وهي شخصية ابن رجل هولندي وعاهرة. بينما يفكر القراء المعاصرون في المعركة الحالية لاحتواء جائحة كوفيد-19، فإن هذا الجزء من القصة يتكيف أيضا بمهارة مع التاريخ الحقيقي. تعتمد رواية يوشيناغا على الأوبئة الناجمة عن مرض الجدري والتي كانت شائعة خلال فترة إيدو، حيث أصيب إيميتسو وغيره من الشوغونات بالمرض، بالإضافة إلى تطوير لقاح الجدري على يد الطبيب البريطاني إدوارد جينر. كما أنها استلهمت أفكارها من تفشيات فيروس إيبولا في أفريقيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

إعادة النظر في الهوية الجنسية

اختارت يوشيناغا المكان الذي تدور فيه أحداث قصتها بسبب نفورها من كيفية قيام النظام الذي يضمن خلافة الشوغونية بالدوس على المشاعر الإنسانية.

يقول يامادا ”كانت يوشيناغا منذ ظهورها لأول مرة تفكر دائما في مسألة الهوية الجنسية. وباعتبارها من محبي الدراما التاريخية، استمتعت بعرض أوكو الواقعي لعام 2003، لكنها شعرت بصعوبة كبيرة في الحفاظ على الخلافة المباشرة عبر سلالة الدم“.

تصور يوشيناغا الكثير من العلاقات بين الذكور والإناث المتعلقة بالخلافة، ولكن في حالة الشوغون الرابع عشر إيموتشي والأميرة كازو، كان هناك زواج مثلي بين امرأتين. وتؤكد إيموتشي أن صلة الدم ليست ضرورية لتكون أبوين، ولذلك تتبنى طفلا“.

يعلق يامادا قائلا ”ليس من الضروري أن تكون هناك علاقات بين الذكور والإناث. ليس من الضروري أن يرتبط الأطفال بوالديهم بصلة الدم، ويمكن أن يصبحوا عائلة إذا نشأوا على الحب. رسالة يوشيناغا إلى القراء المعاصرين – من خلال المكان الذي تدور فيه أحداث مانغا الحجرات الداخلية – هي أن هذا النوع الجديد من الأسرة ممكن“.

وفي حين أنه تم محو تاريخ الشوغونات الإناث بعد عصر نهضة ميجي، إلا أن المشهد الأخير من المانغا يقدم بعض الأمل. في عام 1871 وعلى متن سفينة بعثة إيواكورا، تصور يوشيناغا محادثة بين تانيئتسو – شخصية خيالية تجسد رفيق شوغون أنثى سابقة – وتسودا أوميكو البالغة من العمر ست سنوات. يخبر تانيئتسو الفتاة كيف كان للمرأة تأثير على السياسة في يوم من الأيام، ويشجعها على القيام بدور سياسي في المستقبل.

في عام 2007 وبعد ثلاث سنوات من بداية سلسلة أوكو، بدأت يوشيناغا سلسلة ”ماذا أكلت بالأمس؟“ والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

يقول يامادا ”أعتقد أنه من المدهش أن يستمر عمل قصص مصورة للرجال يتناول ببساطة الحياة اليومية لزوجين مثليين في منتصف العمر، في جذب القراء. ربما كان في البداية هناك عامل ابتكاري، ولكن الآن انتقل الزوجان من الأربعينيات إلى الخمسينات من عمرهما، وهناك شعور بأن الشخصيات والقراء أصبحوا أكبر سنا معا.

”لسنوات عديدة في اليابان، شجعت مانغا الفتيات (شوجو) على الأخذ في الاعتبار الهوية الجنسية ومكانة المرأة في العالم. وقد انبثقت عبقرية يوشيناغا فومي من هذا التقليد، وعبرت عنه في أوكو وماذا أكلت بالأمس؟ ولعب دافعها للاستمرار في ابتكار مثل هذه الأعمال الجذابة دورا كبيرا في تغيير مشاعر القراء وقيمهم“.

(المقالة الأصلية بقلم كيمي إيتاكورا من Nippon.com ومنشورة باللغة اليابانية في 8 يونيو/حزيران عام 2022. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: غلافا المجلدين الأول والتاسع عشر من مانغا ”أوكو: الحجرات الداخلية“. © Hakusensha)

مانغا المانغا الثقافة الشعبية أنيمي الثقافة الفرعية